كيف يمكن لـ “الأمم المتحدة” المساعدة في إنهاء الفصل العنصري والاضطهاد الإسرائيليَّين

وصفت هيومن رايتس وونش الوضع في غزة باندلاع الحلقة الأخيرة من العنف وقالت بأنه مألوف إلى درجة تبعث على الإحباط. قُتل وجُرح عشرات المدنيين، بينهم أطفال.

وأضافت المنظمة بأن الغارات الجوية الإسرائيلية تسببت كالعادة في المناطق المكتظة في غزة في مقتل معظم الضحايا، مع العلم أن صواريخ “حماس” التي أطلقت على إسرائيل قتلت وجرحت مدنيين.

يجدر التذكير بما أثار أعمال العنف الأخيرة: خلاف حول طرد عائلات فلسطينية من بيوتها في القدس الشرقية، بينما نحاول مواجهة دورة جديدة من إراقة الدماء وما يبدو أنها جرائم حرب من قبل السلطات الإسرائيلية والجماعات الفلسطينية المسلحة.

وأضافت هيومن رايتس ووتش بأن الخطة هي استبدال هؤلاء السكان العرب الفلسطينيين بيهود إسرائيليين. عمليات الإخلاء هذه مألوفة للغاية – إنها جزء من الاضطهاد التمييزي الذي تفرضه الحكومة الإسرائيلية في جميع أنحاء الأراضي المحتلة.

أصدرت “هيومن رايتس ووتش” تقريراً مؤلفاً من 213 صفحة في أبريل/نيسان يساعد في وضع إراقة الدماء الأخيرة في سياقها الصحيح.

فصّل التقرير الجريمتين ضدّ الإنسانية المتمثلتين في الاضطهاد والفصل العنصري اللتين ترتكبهما السلطات الإسرائيلية ضد ملايين الفلسطينيين.

أثار نشر التقرير عاصفة من ردود الفعل. لكن لم نكن أول من توصل إلى هذه النتيجة – ومن المحتمل ألا نكون آخر من يفعل ذلك.

الاعتراف المتزايد بأن الفصل العنصري هو اليوم واقعٌ يجب أن يدفع المجتمع الدولي إلى التشكيك في الافتراضات التي طالما تم التركيز عليها في الحديث حول إسرائيل وفلسطين.

التركيز طوال سنوات على وقف إطلاق النار و”عملية السلام في الشرق الأوسط” دفع الحكومات إلى التغاضي عن الوضع الراهن الذي لا يطاق على الأرض أو التقليل من أهميته.

في غضون ذلك، اتبعت السلطات الإسرائيلية سياسات تهدف إلى ضمان استمرار هيمنة مجموعة على أخرى. ليس هناك ما يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تعتبر احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة منذ 54 عاما مؤقتا.

القانون الدولي، كما هو منصوص في معاهدتين، يعرّف جريمة الفصل العنصري. كان التعريف مستوحى في البداية من تجربة جنوب أفريقيا، ولكن تم جعله مجردا ليتسع لأمثلة أخرى قاسية وهيكلية للتمييز الذي يهدف إلى تفضيل مجموعة على حساب مجموعة أخرى.

تتطلب الجريمة ثلاثة عناصر: نية الإبقاء على نظام الهيمنة، والقمع المنهجي، والأفعال اللاإنسانية المرتكبة كجزء من هذا المشروع.

وجدت هيومن رايتس ووتش أن السلطات الإسرائيلية أظهرت نيتها في الحفاظ على نظام الهيمنة على جميع الأراضي التي تسيطر عليها ونفذت قمعا ممنهجا وأعمالا لاإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

جريمة الاضطهاد ذات الصلة تشمل الحرمان المتعمد والشديد من الحقوق الأساسية بسبب هوية المجموعة وتتطلب نية تمييزية.

لدى إسرائيل مخاوف أمنية مشروعة. مع ذلك، وثقت هيومن رايتس ووتش مجموعة من الأفعال اللاإنسانية التي لا علاقة لها بالأمن، بل تعكس فقط رغبة في السيطرة على الأرض والتركيبة السكانية.

وبعض الأفعال الأخرى لها أساس أمني، لكن السلطات لم تظهر مطلقا أنها تعالج دواعي القلق هذه بطريقة مركزة متوازنة مع حقوق الإنسانية للسكان المتضررين.

منذ عقود، يستمر الاستيلاء على الأراضي بلا هوادة، وتوسع المستوطنات غير القانونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بلا قيود، وهدم المنازل بانتظام، وحصار العديد من الفلسطينيين في جيوب تعاني من نقص الموارد والاكتظاظ.

في مثال صارخ على التمييز الراسخ، لقّحت إسرائيل جميع مواطنيها اليهود والفلسطينيين. أما في الضفة الغربية، باستثناء القدس الشرقية، فقد لقحت المستوطنين اليهود، بينما أنكرت مسؤولية تلقيح معظم الفلسطينيين.

لعبت الأمم المتحدة دورا مركزيا في تفكيك نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. يجب أن تفعل ذلك مجددا مع جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد، على مستوى العالم وفي إسرائيل وفلسطين.

أول ما على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فعله هو تكليف لجنة دولية بالتحقيق في التمييز والقمع المنهجي على أساس الهوية الجماعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل.

نظرا لتاريخ انخراطها في قضية جنوب أفريقيا – وحقيقة أن ليس لدى أي من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 حق النقض – فإن الجمعية العامة في وضع جيد لتولي هذا الأمر.

ويمكن القول إنها أقرب ما يكون لبرلمان عالمي. يمكن لـ “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” أيضا إنشاء لجنة تحقيق، كما فعل مع حالات أخرى من الانتهاكات الحقوقية الواسعة.

الخيار الآخر هو مجلس الأمن، مع أن دوره معطل منذ فترة طويلة بسبب استخدام الحكومة الأمريكية حق النقض (الفيتو) لحماية إسرائيل من الانتقاد.

يمكن للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أيضا تعيين لجنة تحقيق، لكنه رفض باستمرار استخدام سلطته لإجراء تحقيقات دولية في عدد من القضايا- مثل قتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” أو استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا – التي تعني دولا أعضاء قوية أو حلفاء مقربين منها.

كما دعت هيومن رايتس ووتش إلى تعيين مبعوث أممي عالمي لجريمتَي الاضطهاد والفصل العنصري مع تفويضه بالضغط من أجل إنهاء هاتين الجريمتين أينما وقعتا.

على سبيل المثال، وجدت هيومن رايتس ووتش مؤخرا أن سلطات ميانمار ترتكب جريمتَي الاضطهاد والفصل العنصري ضد مئات آلاف المسلمين من إثنية الروهينغا.

نظام القوانين والسياسات التمييزية التي تتبناها سلطات ميانمار، وتجعل من الروهينغا في ولاية راخين طبقة دنيا دائمة بسبب إثنيتهم ودينهم، تشكل فصلا عنصريا وتنتهك القانون الدولي.

قالت هيومن رايتس ووتش إن الرسميين في ميانمار المسؤولين عن هذه السياسات يجب أن يحاكموا على الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد.

يمكن للمبعوث العالمي التابع للأمم المتحدة المساعدة في إنهاء هذا الإهمال من خلال الضغط لزيادة الوعي بمكان وكيفية تنفيذ هاتين الجريمتين وتحديد سبل المساءلة.

أصبح الفصل العنصري والاضطهاد من الجرائم المنسية ضد الإنسانية، يمكن للأمم المتحدة أيضا أن توفر منتدى لمناقشة هذه الجرائم.

تنظم هيئات ولجان مختلفة تابعة للأمم المتحدة حول العالم مئات الاجتماعات حول مجموعة واسعة من المواضيع كل عام، بما فيها إسرائيل وفلسطين.

توفر تلك الاجتماعات فرصة ممتازة لإثارة هذه القضايا بانتظام ودفع المجتمع الدولي إلى الاعتراف بالواقع على الأرض – وهي خطوة أولى لتغييره.

يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعبئة نظام الأمم المتحدة للضغط على السلطات الإسرائيلية لإنهاء هذه الانتهاكات. على العالم أن يتوقف عن التظاهر بأن هذه الجرائم لا تحدث.

كما يجب ألا يتسامح مع حرمان ملايين الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية من أجل الحفاظ على إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام لن يتحقق قريبا.

نحن بحاجة إلى إنهاء الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية الآن. ويمكن للأمم المتحدة أن تساعد العالم على ذلك.

اقرأ أيضاً: عريضة أوروبية تطالب بالتحقيق في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية

قد يعجبك ايضا