مجلس الأمن يستمع إلى توصيات لتجنب التبعات الإنسانية السلبية “غير المقصودة” للعقوبات

الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – تعتبر العقوبات أداة مهمة من أدوات مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدوليين. لكن يمكن أن تصبح سلاحا بحدّين إذا لم تأخذ بعين الاعتبار العوامل الإنسانية خاصة في الدول التي يعاني فيها المدنيون أصلا من الضعف والمؤسسات من الهشاشة.

من أنغولا إلى كوت ديفوار إلى ليبيريا وسيراليون، ساعدت العقوبات على إنهاء الصراعات ودعمت الانتقال إلى السلام والديمقراطية، ومن ثمّ رُفعت هذه العقوبات.

ففي جمهورية أفريقيا الوسطى حسّنت من ممارسات شركات التعدين، في الصومال مكّن حظر الأسلحة من مصادرة آلاف طلقات الذخيرة والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات وبنادق القنص التي كانت معدّة بحسب ما ورد لحركة الشباب.

استمع مجلس الأمن اليوم الاثنين في جلسة خاصة بدعوة من روسيا، رئيسة مجلس الأمن لهذا الشهر، إلى هذه الأمثلة وأكثر أثناء بحثه للقضايا المتصلة بعقوبات الأمم المتحدة وكيفية منع عواقبها الإنسانية وغير المقصودة.

وبحسب المتحدثين، يوجد حاليا 14 نظاما لجزاءات المجلس، وهي تدعم حل النزاعات في ليبيا ومالي وجنوب السودان واليمن. وتهدف إلى ردع التغييرات غير الدستورية للحكومات في غينيا بيساو.

وتكبح الاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية التي تمول أنشطة الجماعات المسلحة في جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال.

وتقيّد أنشطة الانتشار التي تقوم بها جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (كوريا الشمالية)، والتهديد الإرهابي الذي يشكله تنظيم داعش والقاعدة والجماعات التابعة لهما.

وفي إحاطته الافتراضية، قال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيثس، إن العقوبات تشكل حقيقة واقعة في العديد من عمليات الإغاثة الإنسانية.

وأضاف يقول: “إنها تؤثر على عملياتنا بشكل مباشر وغير مباشر، وتؤثر على المدنيين، حتى عندما تكون هذه التأثيرات غير مقصودة”.

وأوضح أنه “مهما كانت ذكية، ومهما كانت مستهدفة، فإن الامتثال للعقوبات عنصر يومي في عمل الوكالات الإنسانية. ويمكن أن يؤثر على لوجستياتنا وأموالنا وقدرتنا على التسليم”.

وقال أيضاً: “ويمكن أن يؤدي إلى تأخير المشاريع الإنسانية أو وقفها. ويمكن أن يهدد بعضها رفاهية قطاعات كاملة من المجتمع المدني.”

وقد انتقل مجلس الأمن من العقوبات الاقتصادية والقطاعية الواسعة إلى عقوبات أكثر استهدافا في تسعينيات القرن الماضي.

وقال غريفيثس: “رأينا حالات يمكن أن تؤثر فيها العقوبات بشكل إيجابي على الامتثال للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان”.

وأضاف: “على سبيل المثال، دفع التهديد بفرض جزاءات عددا من الجماعات المسلحة غير الحكومية إلى إطلاق سراح الأطفال من صفوفها في جمهورية الكونغو الديمقراطية”.

من جانبها، أكدت السيدة روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وحفظ السلام، على أنه لكي تكون العقوبات فعّالة، يجب أن تكون جزءا من استراتيجية سياسية شاملة، تعمل جنبا إلى جنب مع الحوار السياسي المباشر والوساطة وحفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة.

كما أكدت أن جميع أنظمة العقوبات تقريبا تتضمن معايير التصنيف أو الإدراج التي تهدف إلى دعم القانون الإنساني الدولي أو القانون الدولي لحقوق الإنسان. “لقد كانت بمثابة وسيلة ضغط لتحقيق نتائج إيجابية للأشخاص المعرّضين للخطر”.

تم تصميم عقوبات الأمم المتحدة على وجه التحديد أيضا للحد من العواقب غير المقصودة، ورحب غريفيثس بالإشارات الواضحة الصادرة عن مجلس الأمن بأنه “لا يُقصد أن يكون لها عواقب إنسانية سلبية”.

وقال: “رغم إيلاء عناية بهذه المخاطر، والحوار المتكرر مع المجتمع الإنساني، فإن العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة يمكن أن يترتب عليها آثار سلبية على المدنيين والعمليات الإنسانية. وتنطوي العقوبات التي تطبقها الدول الأعضاء على مخاطر مماثلة، وفي الواقع غالبا ما يكون لها نطاق أوسع من العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة”.

أشار غريفيثس إلى بعض الشواغل بشأن استخدام العقوبات في دول متأثرة بأزمات إنسانية. وتحدث عن ذلك بإسهاب، قائلا:

  • أولا، يمكن أن يتعرض وصول المساعدات الإنسانية إلى ضغوط نتيجة مطالب العقوبات. يمكن أن تصعب العقوبات على الوكالات الإنسانية التعامل مع الأفراد أو الكيانات المدرجة في القائمة التي تسيطر بشكل كبير على حياة السكان بأكملها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تقويض الاستقلال الإنساني والحياد والنزاهة في نهاية المطاف.
  • ثانيا، يمكن للمصارف والمشغلين التجاريين الآخرين، الذين يهدفون إلى تجنب أي خطر للعقوبة أو المقاضاة، أن يرفضوا الخدمات بشكل فعّال للعملاء العاملين في المجال الإنساني. قد يقومون بقطع العلاقات التجارية أو إبطاء المعاملات الروتينية، حتى عندما تكون ضمن القواعد المسموح بها.
  • ثالثا، يمكن للمشغلين التجاريين الذين يتاجرون في المواد الغذائية أو الوقود أو الضروريات الأخرى أن يقرروا أيضا اتخاذ جانب الحذر، للإفراط في الامتثال. يمكن أن يؤدي ذلك إلى نقص (في السلع) وارتفاع في الأسعار. وهذا أمر كارثي بشكل خاص في البلدان الهشة التي تعتمد بشدة على الواردات الغذائية وتعاني بالفعل من أزمة إنسانية.
  • رابعا، عندما يدير أفراد مدرجون في قائمة العقوبات وزارات وإدارات، قد تحد العقوبات التي تستهدف الحركات والشخصيات السياسية من توفير الخدمات الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي.

أوضح غريفيثس أن تخفيف الأثر الإنساني للعقوبات يتطلب مواصلة مراجعة كل من طريقة تصميم العقوبات وطريقة تنفيذها وتأثيرها.

وقال: “أحث مجلس الأمن والدول الأعضاء في الأمم المتحدة على ضمان ألا تعرقل العقوبات المطبقة في النزاعات المسلحة أنشطة المساعدة والحماية التي تقدمها المنظمات الإنسانية المحايدة للأشخاص الذين لا يقاتلون، بصرف النظر عن انتمائهم أو تصنيفهم.”

وأضاف أنه يجب عليهم التأكد من أن العقوبات لا تقيد التمتع بالحقوق الاقتصادية والثقافية بما في ذلك الحق في الغذاء والماء والمأوى والصحة.

ولا ينبغي أن تكون للعقوبات تداعيات ثانوية متتالية تتجاوز مجال تركيز الإجراء.

وحث على أن تُترجم عمليات الاقتطاع الخاصة بالأمم المتحدة بسلاسة إلى تشريعات وطنية لتقليل مخاوف المانحين الإنسانيين والمنظمات غير الحكومية والشركات الخاصة، مضيفا أنه يمكن للوكالات الإنسانية أيضا تعزيز الثقة من خلال الاستثمار في إدارة المخاطر والعناية الواجبة.

وقال: “تخضع العمليات في شمال غرب سوريا لرقابة شديدة، كما يعلم هذا المجلس، وهذا يعطي الثقة في أن الموارد الإنسانية تستخدم لتقديم المساعدة لمن يحتاجونها وليس لأي غرض آخر؛ إنه جوهر العمل الإنساني المبدئي”.

وقال في ختام كلمته إن “مسؤوليتنا الجماعية هي ضمان إمكانية استخدام العقوبات لتحسين الامتثال للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، ولضمان ألا تكون للعقوبات عواقب غير مقصودة على المدنيين المحاصرين بالفعل في أزمات إنسانية.”

وضع مجلس الأمن استثناءات إنسانية دائمة في نظامي الصومال وأفغانستان، وكذلك أنظمة الإعفاء الإنسانية لكل حالة بمفردها في أنظمة ليبيا واليمن وكوريا الشمالية.

وقالت ديكارلو: “يتم تعديل العقوبات باستمرار استجابة للتغيرات على الأرض، مع إيلاء الاعتبار الواجب لتأثيرها على السكان المدنيين. في السنوات الأخيرة، أنهى المجلس الجزاءات المفروضة على إريتريا وضيّق بشكل كبير نطاق حظر توريد الأسلحة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى”.

من ناحية أخرى، واستجابة لتهديد جدي جديد للسلم والأمن في الصومال، فرض المجلس في عام 2019 حظرا على مكونات العبوات الناسفة.

وتم تحديد أكثر من 50 فردا وكيانا – أو أدرِجوا – في قوائم العقوبات من قبل مجلس الأمن أو لجانه بسبب المشاركة في العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات، واستخدام الأطفال في النزاعات المسلحة، والاتجار بالمهاجرين، والهجمات على العاملين في المجال الإنساني، وعرقلة إيصال المساعدة الإنسانية.

وقالت ديكارلو: “يرسل استخدام العقوبات إشارة لا لبس فيها حول التزام المجلس بضمان المساءلة عن انتهاكات وتجاوزات القانون الإنساني الدولي أو القانون الدولي لحقوق الإنسان”.

وقد أطلقت إدارتها، من خلال شعبة شؤون مجلس الأمن، مبادرات، بما في ذلك التدريب، لبناء القدرات وزيادة التآزر بين الفئات المستهدفة الرئيسية.

وتم تأسيس “أمين المظالم” في 2009، وهي آلية أكثر قوة للإجراءات القانونية الواجبة المتاحة للأفراد أو الكيانات التي تسعى إلى إزالتها من قائمة عقوبات داعش والقاعدة.

وقالت ديكارلو: “إن توفير إجراءات عادلة وواضحة لجميع الكيانات والأفراد المحددين الآخرين من شأنه أن يجعل أداة العقوبات أكثر فعالية.”

في كلمته، قال السيد عمار محمد محمود، من بعثة السودان الدائمة لدى الأمم المتحدة، إن قيام مجلس الأمن بفرض جزاءات على الدول يثير جدلا متواصلا يتعلق بتأثير هذه الجزاءات على بلوغ الأهداف التي رسمها وتوخاها ميثاق الأمم المتحدة.

وقال: “السودان يشعر بالقلق العميق إزاء لجوء مجلس الأمن إلى فرض الجزاءات والعقوبات، الموجهة منها وغير الموجهة، الأمر الذي يثير مسائل أخلاقية عن مدى تأثيراتها غير المقصودة على المجموعات والفئات الضعيفة في البلدان المستهدفة”.

ويخضع السودان حاليا إلى تدابير جزائية مفروضة عملا بقرار مجلس الأمن 1591 وقرارات لاحقة.

وقال: “لتلافي تلك الآثار غير المنظورة للجزاءات، فليس ثمة بد من تقييد اللجوء لفرض التدابير العقابية والاستعاضة عن ذلك بتفعيل السبل السلمية التي يتيحها الميثاق”.

من جانبه، قال فرهد فتاح، نائب المندوب الدائم لجمهورية العراق لدى الأمم المتحدة، إن العراق يشاطر العديد من الدول الأعضاء ممن أعربوا عن أهمية تقليل الآثار السلبية المترتبة بسبب نظام الجزاءات والعقوبات التي تُفرض على دولة ما.

وقال: “موقف العراق لا يتجزأ في إطار مجموعة عدم الانحياز التي لها موقف واضح وصريح بشأن الجزاءات والعقوبات وأهمية توخي الحذر في تطبيقها لعدم امتداد أثرها على المجتمع وسير عملية تقديم المساعدات الإنسانية”.

وشدد على أهمية أن تكون أنظمة الجزاءات وسيلة لحفظ السلم والأمن وليست هدفا بحد ذاتها.

وأكد في ختام كلمته على أهمية العمل الجماعي من أجل حماية وصون السلم والأمن الدوليين، بصفتها مسؤولية جماعية “تحتم على جميع أعضاء الأمم المتحدة تسخير كل الإمكانات لتعزيز هذا الهدف والعمل على ترسيخه من أجل البشرية جمعاء”.

قد يعجبك ايضا