النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: حواجز أمام التعليم يجب معالجتها

الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – في 24 يناير/ كانون ثانٍ من كل عام، يحتفل المجتمع الدولي بالتعليم كأداة لا غنى عنها في تحقيق السلام والتقدم، والقضاء على الفقر ومختلف أشكال عدم المساواة في جميع أنحاء العالم.

وفي ظل الأهمية الكبرى للتعليم، تبرز أمامنا حقائق مؤسفة تشير إلى أنّ نحو 244 مليون طفل وشاب حول العالم لا يذهبون إلى المدراس في الوقت الحالي، إلى جانب وجود نحو 771 مليون بالغ من الأميين.

هذه الحقائق يجب أن تمثّل تذكيرًا لنا بضرورة فهم أهمية تعزيز احترام وحماية الحق في التعليم على الصعيد الدولي.

يعد الحق في التعليم حقًا أساسيًا لجميع البشر وهو ضروري لمعالجة الفقر وعدم المساواة وضعف التنمية، إذ يُمكّن الأطفال والشباب من اكتساب المعرفة اللازمة لتطوير مهاراتهم في التفكير النقدي وإحداث تغيير إيجابي في العالم.

وتكفل عدة اتفاقيات دولية الحق في التعليم، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وتبعًا لأهميته الكبيرة، يندرج الحق في التعليم ضمن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بصفته عنصرًا أساسيًا في عملية إنقاذ الأرواح، لا سيما في سياق حالات الطوارئ والنزاع المسلح.

إذ لا يوفر التعليم إحساسًا بالحياة الطبيعية والروتينية للأطفال فحسب، بل يضمن أيضًا حمايتهم اجتماعيًا وماديًا عبر توفير بديل للتجنيد في الميليشيات المسلحة.

ومع ذلك، غالبًا ما يتعرّض الحق في التعليم للانتهاك في العديد من مناطق النزاعات المسلحة في العالم.

وعلى الرغم من أنّ المدارس وأماكن التعليم محمية بموجب القانون الدولي الإنساني، إلا أنّ أطراف النزاع كثيرًا ما تهاجمها كجزء من استراتيجية موسعة لعرقلة إعمال الحق في التعليم واستخدام الأطفال والشباب لأغراض عسكرية.

تهدّد هذه الاستراتيجية سلامة الشباب والأطفال وترفع احتمالية تجنيدهم، إذ تنخفض في مناطق النزاع معدلات التحاق الأطفال بالمدارس، ويبعد ذلك من احتمالات استئناف تعليمهم في المستقبل.

خلال السنوات الأخيرة، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مستوياتٍ متزايدة من العنف، حيث قُتل حوالي 580 طفلًا وشابًا وجُرح العديد في العام الماضي وحده.

وللأسف يرى الضحايا الناجون من هذه النزاعات أنّ حقهم في التعليم يُنتهك بشكل منهجي، وهي إحدى المآسي التي يمكن تجنب حدوثها وينبغي على المجتمع الدولي ألا يتجاهلها.

تُشير الإحصاءات إلى أن حوالي 1 من كل 5 أطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يذهب إلى المدارس، بينما تمنع الهجمات المستمرة على المدارس من يذهبون من الحصول على التعليم المناسب.

في عام 2015، أقرّت حكومات 111 دولة “إعلان المدارس الآمنة”، الذي يهدف إلى حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة ودعم مواصلة تعليمهم، وإحباط محاولات استخدام المدارس لأغراض عسكرية.

قد تتسبب محدودية الوصول إلى التعليم أثناء النزاع المسلح بتأثير طويل الأمد على الأطفال يتعدى تهديد سلامتهم النفسية والجسدية.

كما أنّ التحاقهم بالتعليم بعد انتهاء النزاع قد لا يكون فوريًا، إذ سيستغرق بعض الوقت حتى يُعاد بناء المدارس والمرافق المدمرة.

وجرت العادة أنّ أمور البنية التحتية كالصرف الصحي والمياه النظيفة غالبًا ما تُعطى أولويةً على التعليم.

يُمكن للتعليم في أعقاب النزاعات أن يلعب دورًا مهمًا في عملية بناء السلام، ولذلك يجب على الحكومات ضمان الوصول الآمن للأطفال لمرافق التعليم، من خلال ضمان حماية وسلامة الطرق المؤدية إلى المدارس، والتأكد من خلوها من جميع الأسلحة والمخلفات التي قد تشكل خطرًا على سلامتهم.

تكشف الإحصائيات الخاصة بتأثير النزاعات المسلحة على الأطفال والشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن مستوى الانتهاك الكبير لحقهم في التعليم.

إذ حرمت تلك النزاعات وما تخللها من استخدام للعبوات الناسفة والألغام والأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان الأطفال من التمتع بالعديد من حقوقهم، بما في ذلك الحق في التعليم.

في عام 2021، سُجّل أكبر عدد من القتلى والجرحى من الأطفال والشباب في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة (88 قتيلًا منهم 86 فلسطينيًا و1128 جريحًا منهم 1121 فلسطينيًا) وسوريا (424 قتيلًا و474 جريحًا) والصومال (200 قتيل و593 جريحًا) واليمن (201 قتيل و480 جريحًا).

وعلى الرغم من انخفاض أعداد الضحايا في دول أخرى، إلا أنها شهدت أيضًا أعمال عنف تسبب بمقتل وجرح عدد من الأطفال، إذ سُجّل في السودان (54 قتيلًا و112 جريحًا) والعراق (72 قتيلًا و87 جريحًا) وليبيا (17 قتيلًا و21 جريحًا) ولبنان (9 قتلى و10 جرحى).

أما بالنسبة لهجمات الجماعات المسلحة على المدارس، فقد سجلت الصومال أكبر عدد من الهجمات التي استهدفت المدارس ومرافق التعليم بواقع (30) هجومًا، ثم سوريا (28)، والأراضي الفلسطينية المحتلة (21)، واليمن (18)، بينما سُجّل أقل عدد من الهجمات في لبنان (4)، والعراق (1)، وليبيا (1)، والسودان (1)، وإسرائيل (1).

تسبب ظروف النزاعات أيضًا بنزوح ولجوء عدد كبير من الأطفال، وبالتالي تعطّلهم عن استكمال تعليمهم على نحو منتظم، إذ سجلت سوريا أكبر عدد من الأطفال والشباب النازحين (2,952,885)، تلتها اليمن (2,374,126)، والصومال (2,159,648)، والسودان (1,707,964).

تشير إحصائيات عام 2022 إلى أنّ عددًا كبيرًا من الأطفال حُرموا من حقهم الأساسي في التعليم، إذ يوجد حوالي 2.4 مليون طفل -وربما أكثر- في سوريا واليمن خارج نظام التعليم.

بينما ترتفع الأعداد بشكل أكبر في السودان، حيث يوجد حوالي 7 مليون طفل في السودان -ثلث الأطفال في سن الدراسة- غير ملتحقين بالمدارس على الإطلاق، وقد دمرت هجمات الميليشيات المسلحة أكثر من 600 مدرسة في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول وحدهما.

أما بالنسبة للصومال، فقد بلغ عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس 4.84 مليون طفل في عام 2022.

وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، أصدرت السلطات الإسرائيلية أوامر بهدم أو وقف نحو 58 مدرسة فلسطينية عن العمل في الضفة الغربية.

إنّ استحالة الالتحاق بالمدارس بسبب الإغلاقات أو الهجمات أو الاحتلال تؤثر سلبًا على عملية النمو والتطلعات المستقبلية للأطفال والشباب؛ الذين يُحرمون من تطوير المهارات التي يحتاجون إليها لتحسين حياتهم ومجتمعاتهم وبلدانهم.

بناء على ما تقدّم، فإنّه من الضروري ضمان الوصول الآمن إلى التعليم أثناء النزاعات المسلحة عبر تنفيذ آليات بديلة، بما يشمل توفير مواقع آمنة للتعليم، وإطلاق برامج تعليم متخصصة تساهم في تحسين عملية تحليل المخاطر، فضلًا عن توفير تدابير أمنية مثل أنظمة الإنذار المبكر التي تحدد الهجمات المحتملة.

وبمجرد توقف النزاعات المسلحة، ينبغي على الحكومات أن تشجع إعادة بناء المدارس التي دمرتها هجمات الجماعات المسلحة أو استخدمت في السابق لأغراض عسكرية، حتى يتمكن الأطفال والشباب من استئناف أنشطتهم التعليمية على وجه السرعة.

أخيرًا، يجب على المجتمع الدولي زيادة دعمه للحكومات ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل على استعادة وصول الأطفال إلى حقهم الأساسي في التعليم، إلى جانب تكثيف الجهود لضمان التزام الدول بـ”إعلان المدارس الآمنة”، وإلا ستستمر دول العالم بخذلان عدد كبير من مواطنيها الأكثر ضعفًا.

قد يعجبك ايضا