نصف سكان العالم محرومون من الإنترنت رغم الحاجة الماسة إليها في زمن كورونا

تجمعنا التكنولوجيا وتوصلنا ببعضنا البعض، لكن جائحة كوفيد-19 سلطت الضوء على أن عالمنا منقسم إلى نصفين: الأول متصل بالإنترنت، والنصف الآخر ليس متصلا. فروقات تعزز انقسام عالمنا وانعدام المساواة فيه أكثر من أي وقت مضى.

وفي فعالية على هامش أعمال الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة، بعنوان “التعاون الرقمي – العمل اليوم من أجل الأجيال المستقبلية”، بيّن المشاركون التفاوتات الكبيرة حيث تحوّلت الدول الغنية إلى العالم الرقمي، وأولئك غير المتصلين تُركوا بعيدا في الخلف.

وبحسب البحوث، 54% فقط من سكان العالم متصلون بالإنترنت. وفي 47 دولة من البلدان الأقل تطورا، 19% فقط متصلون بالإنترنت.

وفي بداية الفعالية الافتراضية، أشار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمة مسجلة، إلى أننا نعيش الآن في حقبة تكنولوجية جديدة تغري بفرص هائلة، ولكنها تشكل أيضا مخاطر جديدة على السلام والاستقرار والتنمية في العالم.

وتساءل قائلا: “يجب أن نطرح سؤالا أساسيا حول المستقبل: ما نوع العالم الذي سنتركه لأطفالنا؟ هل سيكون إرثنا عبارة عن مجموعة من التقنيات التي لا تعمل إلا على تعزيز الأغنى والأكثر ارتباطا في مجتمعاتنا بينما تترك بقية العالم غير متصل ومتخلفا أكثر؟”.

وقد سلطت جائحة كـوفيد-19 الضوء على التفاوتات العالمية وأدّت إلى تفاقمها بحسب الأمين العام، والذي أضاف: “لكن الاستجابة أوضحت أيضا الدور المركزي للتكنولوجيا في الحفاظ على الاقتصادات والنظم الصحية قيد التشغيل، وتعليم اليافعين، وإبقاء الجميع على اتصال”.

وقد أطلق الأمين العام في حزيران/يونيو 2020 خريطة الطريق من أجل التعاون الرقمي، أوضح فيها أن إدارة التغيير التكنولوجي السريع هي تحدٍ لعالمنا، خاصة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

منذ بروز الجائحة، لم يقدر مئات الملايين من الأطفال واليافعين على الوصول إلى التعلم واكتساب المهارات. ودعت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، هنرييتا فور، لجسر الهوة، وقالت: “بكل بساطة، إنهم يفوّتون فرصة لبناء مستقبل أفضل لأنفسهم. علينا أن نجسر هذه الهوة الرقمية”.

وأضافت أن توصيات خريطة الطريق حول الاتصال العالمي والسلع العامة الرقمية ضرورية للوصول الآمن للإنترنت وبأسعار معقولة لجميع الناس.

وأشارت فور إلى مبادرة غيغا (GIGA) لربط كل مدرسة ومجتمعاتها المحيطة بالإنترنت، وهي ثمرة التعاون بين اليونيسف والاتحاد الدولي للاتصالات. وقالت: “سيصل مليارات الشباب إلى عالم المعلومات وستوفر المبادرة فرصا لا نهاية لها”.

وأضافت أن العمل متواصل من أجل “إعادة تصوّر” التعليم. وهذا يشمل فرص التعلّم عبر الإنترنت، مثل جواز سفر التعليم الذي تم تطويره مع شركة مايكروسفت وجامعة كامبريدج.

وقد وصلتGIGA اليوم إلى 227 مليون طفل حول العالم، بحسب السيدة فور.

وقالت السيّدة فور: “تصوّر أنك يافع، وتصل إلى الإنترنت لأول مرة، وتصوّر أن لديك جميع الأدوات التي تحتاج إليها للتعلم وبناء المهارات وإيجاد الوظائف والتواصل مع العالم”، لكنها أضافت أن تحويل هذا التصوّر إلى واقع يتطلب المزيد من الشراكة العامة والخاصة والتمويل، “نحتاج إلى 500 مليار دولار للاستثمار في مستقبل عالمنا”.

بحسب الخبراء، فقد تأثر 1.6 مليار يافع بسبب إغلاق المدارس، وبالنسبة لمن كانوا غير قادرين على التعلم عن بُعد، فقد فوّتوا شهورا من التعلم، وبعضهم لن يتمكن من العودة لصفوف المدرسة.

وكانت رسولة الأمم المتحدة للسلام، ملالا يوسفزاي، قد حذرت من أن 20 مليون فتاة في التعليم الثانوي قد لا يعدن إلى المدرسة.

من جانبه، قال رئيس مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، في رسالة مسجلة، إن حياة اللاجئين مليئة بالانقطاعات، فهم منقطعون عن بلدهم وأصدقائهم ومدارسهم، ولكن لا يجب السماح لهم بالانقطاع عن الأدوات والخدمات الرقمية.

وقال: “بالنسبة لأولئك الذين يتنقلون، فإن الهواتف النقالة هي التي تساعدهم على إيجاد الأمان والحصول على المساعدات والبقاء على اتصال مع أحبائهم”.

عالميا، فإن احتمالية امتلاك اللاجئين هاتفا نقالا لا تتجاوز 50%، بحسب رئيس المفوضية. ومعظم المشردين يعيشون على هامش المجتمعات حيث يواجهون حواجز تعيق اتصالاتهم مثل تكلفة الهواتف أو ضعف الشبكات أو عدم توفرها أصلا.

وأضاف السيّد غراندي يقول: “إننا نقوم بتطوير استراتيجية رقمية جديدة تتماشى مع أهداف خريطة طريق الأمين العام من أجل التعاون الرقمي لضمان الشمولية الرقمية والاتصال بين جميع اللاجئين”.

وتحدث مؤسس شركة علي بابا والرئيس المشارك في الفريق رفيع المستوى التابع للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالتعاون الرقمي، جاك ما، قائلا: “منذ انتشار فيروس كورونا، تجلّت إمكانيات التكنولوجيا الرقمية بالنسبة للعالم”، مشيرا إلى أنه في السابق، ساعدت التكنولوجيا الرقمية في الحصول على حياة أفضل، “وفي المستقبل ستساعدنا على البقاء”.

وشدد على أن العالم مليء بحالة عدم اليقين، ولكن عصر التكنولوجيا سيجلب الفرص الكبيرة وسيغيّر حياتنا: “من المستحيل بالنسبة لنا تغيير الماضي، ولكن اليوم يمكننا جميعا فعل القليل لخلق مستقبل أفضل”.

وتشير أيرين خان، المقررة الخاصة المعنية بحرية التعبير، إلى أننا نشهد الآن ارتفاعا في العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في العالم الواقعي وفي العالم الافتراضي أيضا.

وقالت: “نرى النساء يتعرضن للهجوم على الإنترنت ومن ثمّ يواجهن عنفا في العالم الحقيقي. هذا الارتفاع في الهجمات يكمم أفواه النساء مرة أخرى، وهنّ يواجهن تهديدا مضاعفا”.

ودعت الحكومات والدول لمحاسبة مرتكبي جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي على الإنترنت، وضمان حماية المرأة.

من جانبها، قالت جياثما ويكرامانايكي، مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة للشباب، إن الفضاء الرقمي ليس دائما الأسلم للفتيات والنساء، والكثير من النساء والفتيات يتعرّضن للتحرش والعنف. وقالت: “في الفضاء الرقمي يتستر المرتكبون خلف أسماء مزيفة. يجب تصميم حلول تحمي النساء والفتيات من المضايقات والعنف على الإنترنت.. ويجب إشراك الشباب والتشاور معهم فيما يتعلق بالحلول”.

وتطرق رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر مورر، إلى الهجمات الإلكترونية التي شهدتها دول عديدة في العالم خلال جائحة كوفيد-19، وقال: “لقد عطلت الهجمات الإلكترونية بشدة البنية التحتية للمستشفيات والمرافق الصحية، من التشيك إلى فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، وقد أعاقت قدرة المرافق الصحية على الاستجابة بشكل كبير للقضايا الصحية في المجتمع”، مشيرا إلى أن ذلك من غير المقبول وغير القانوني ويتطلب حشدا دوليا.

وأوضح براد سميث، مدير شركة مايكروسوفت، أن كل أزمة تسلط الضوء على الأفضل والأسوأ في البشرية: “عرّض أفراد حياتهم للخطر وتوجهوا للعمل في المستشفى لرعاية المرضى. هذا أفضل ما في البشرية. وفي الوقت نفسه، هناك آخرون عملوا من منازلهم ونفذوا هجمات إلكترونية لوقف عمل المستشفيات. وفي بعض الأيام في العديد من الدول نجح هؤلاء الأفراد”.

وأثار المتحدثون في الفعالية قضية التأثير السلبي لاستخدام التكنولوجيا لنشر خطاب الكراهية والتنمر والاستغلال الجنسي للأطفال، فالتكنولوجيا هي اللغة الأم للمواطنين الرقميين، وينجذب الشباب بقوة لها وللأجهزة الإلكترونية والتطبيقات، لكن تنقصهم الإرشادات لاستخدامها بطريقة مناسبة وسليمة.

 

اقرأ أيضاً: شركات في الاتحاد الأوروبي تبيع برامج للمراقبة إلى منتهكي حقوق الإنسان في الصين

قد يعجبك ايضا