مضايقات واحتجاز تعسفي لناشطة في “مجتمع الميم” في تونس

قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنّ محكمة تونسية حكمت في 4 مارس 2021 على ناشطة بارزة في حقوق (مجتمع الميم) بالسجن ستة أشهر مع غرامة.

وبررت السلطات التونسية هذا الحكم بسبب صراخها خارج مركز للشرطة حيث كانت قد تقدمت بشكوة بشأن التعرض لمضايقات ورفض الشرطيون تسجيلها.

تقبع الناشطة “رانية العمدوني” (26 عاما) في سجن للنساء في منوبة، غرب تونس العاصمة، حيث قال محاميها إنها تتعرض لمضايقات من قبل حارسات السجن بسبب تعبيرها الجندري.

اعتقلت الشرطة “العمدوني” الساعة 8 مساء 27 فيفري/فبراير بعد أن غادرت “مركز الساتيام” وسط العاصمة في حالة اضطراب، بحسب محاميها حمادي الهنشيري.

كما قال المحامي إن أعوان الشرطة في ذلك المركز كانوا قد رفضوا تسجيل شكوة لها تتعلق بمضايقات متكررة قالت إن شرطيين مارسوها ضدّها في الشارع وعلى الانترنت.

قال أيضا إن أعوان المركز عمدوا بعد ذلك إلى مضايقتها على أساس توجهها الجنسي المفترض وتعبيرها الجندري. شرعت رانيا في الصراخ في الشارع خارج المركز وشتم جهاز الشرطة التونسي، بحسب ما أفاد به الهنشيري.

قالت “رشا يونس”، الباحثة في حقوق مجتمع الميم في هيومن رايتس ووتش: “ردّ الشرطة على شكوى العمدوني يحرمها من الحماية، ويقوّض ثقة الجمهور في إنفاذ القانون ونظام العدالة التونسي”.

وأضافت “يونس”: “إيقاف العمدوني والحكم عليها هما رسالة رهيبة من السلطات التونسية إلى ضحايا التمييز، مفادها أنه ليس أمامهم أي مكان يلجؤون إليه، وأنّ أي اعتراض يصدر عنهم قد يؤدي بهم إلى السجن”.

قال الهنشيري إنّ وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس اعتمد على سلوكها خارج المركز واتّهمها يوم 1 مارس بـ “هضم جانب موظف عمومي بالقول أثناء قيامه بعمله، وهي جريمة تصل عقوبتها إلى السجن لمدة سنة بموجب الفصل 125 من “المجلة الجزائية”، و”إثارة الهرج والتشويش” و”السكر الواضح”.

في 4 مارس، أدانت محكمة الناحية في مونفلوري، جنوب غرب العاصمة، العمدوني بجميع التهم، وقضت بسجنها ستة أشهر مع غرامة قدرها 18 دينارا (6.5 دولارات). استأنف محاميها هذا الحكم في 5 مارس.

قال الهنشيري، الذي تولى الدفاع عن العمدوني نيابة عن “جمعية دمج”، التي تُعنى بحقوق مجتمع الميم ومقرها تونس العاصمة، إنّ ملف قضيتها المعروض على المحكمة لم يتضمّن أي دليل على استهدافها عون شرطة في المركز أو الشارع، أو أي مؤشر على أنها كانت في حالة سكر، بحسب ما أفاد به هيومن رايتس ووتش.

قال أيضا إن ملف القضية فيه أنها كانت في “حالة هيجان” و”اعتدت على شرف الشرطة” بالصراخ والسبّ خارج المركز، وعلى ذلك الأساس تمت إدانتها.

قال الهنشيري إنّ العمدوني كانت تهمّ بمغادرة مطعم وسط العاصمة يوم 27 فيفري/فبراير لما شرع شرطي في الشارع بمضايقتها لفظيا والسخرية منها بسبب تعبيرها الجندري، ما دفعها إلى التوجه إلى أقرب مركز للشرطة لتقديم شكوى.

أضاف: “تواجه رانيا مضايقات مستمرّة من الشرطة في الشارع وعلى الانترنت منذ أشهر، ما سبّب لها عواقب نفسية وخيمة وجعلها تنهار”.

قال محمد أمين هدايجي، المحامي الذي رافق العمدوني إلى مركز الساتيام يوم 27 فيفري/فبراير لـ هيومن رايتس ووتش إن أعوان المركز سخروا من مظهرها، وضايقوها على أساس توجهها الجنسي المفترض.

قال: “حاصرها ثمانية أعوان وأهانوها بشكل متكرر. قال لها أحدهم ‘أنت مثليّة الجنس، ولن تنتصري علينا، ولن نسمح لك بتشويه سمعة أعوان الشرطة'”.

تحدّث الهنشيري إلى العمدوني، التي قالت له في سجن النساء بمنوبة، حيث هي مسجونة الآن، إنّ حارسات السجن دخلن إلى زنزانتها مرارا أثناء الليل وهي نائمة، وأهنّها باستخدام عبارات مهينة تتعلق بتوجهها الجنسي وتعبيرها الجندري، وهدّدنها في حال قدّمت شكوى ضدّ الشرطة.

وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات من طرف الأمن التونسي ضدّ نشطاء أثناء احتجاجات، شملت استهداف نشطاء مجتمع الميم بالاعتقالات التعسفية، والاعتداءات الجسدية، والتهديد بالاغتصاب والقتل، والحرمان من التمثيل القانوني.

كانت حالة العمدوني من بين تلك التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، وشملت استهدافها بشكل شخصي أثناء احتجاجات بسبب تعبيرها الجندري ونشاطها في مجتمع الميم.

في مقابلة في فيفري/فبراير، قبل اعتقالها، قالت العمدوني لـ هيومن رايتس ووتش إنها تتعرّض منذ جانفي/يناير إلى مضايقات على الانترنت، والتنمّر، وتهديدات بالعنف، شملت القتل والاغتصاب.

راجعت هيومن رايتس ووتش العديد من المنشورات على “فيسبوك”، بعضها من أشخاص عرّفوا عن أنفسهم على أنهم من الشرطة، فيها مضايقات للعمدوني على أساس تعبيرها الجندري وتوجهها الجنسي المفترض.

كما سخر منها عضو البرلمان سيف الدين مخلوف على حسابه الشخصي على فيسبوك بسبب تعبيرها الجندري. ومنذئذ، أزالت العمدوني حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

في 11 جانفي/يناير، فتشت الشرطة عن العمدوني قرب منزلها، وسألت الجيران عما إذا كانت هناك، ما دفعها إلى مغادرة الحيّ والاختباء. قالت: “لا أشعر بالأمان، حتى في شقتي.

جاءت الشرطة تبحث عني في الحي الذي أسكن فيه. حياتي مهددة، وصحتي النفسية تتدهور. الناس يحدقون بي في الشارع ويضايقونني على الإنترنت”.

الحق في الخصوصية والحق في عدم التمييز مكفولان في الفصلين 24 و21 على التوالي من دستور تونس لسنة 2014.

لكن هيومن رايتس ووتش قالت إنّ غياب المحاسبة وعدم وجود نظام تظلّم موثوق، وكذلك انعدام التشريعات المتعلقة بعدم التمييز على أساس التوجه الجنسي والتعبير الجندري، كلها عوامل تحدّ من إنصاف أعضاء مجتمع الميم، وتخلق بيئة ملائمة لانتهاكات الشرطة بحقهم دون عقاب.

ذكرت “لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان” في تعليقها العام على المادة 19 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، وتونس طرف فيه: “إنّ مجرّد اعتبار أنّ أشكال التعبير مهينة للشخصية العامة لا يكفي لتبرير فرض عقوبات […] إضافة إلى ذلك فإن جميع الشخصيات العامة […] تخضع بشكل مشروع للنقد والمعارضة السياسية”.

قالت هيومن رايتس ووتش إنّ على البرلمان التونسي تعديل الفصل 125 من المجلة الجزائية بسبب تعدد إمكانيات تفسيره من قبل السلطات لتقييد حرية التعبير.

توجّه “مبادئ يوغياكارتا” حول تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالتوجه الجنسي والهوية الجندرية الدول إلى “منع وتوفير الحماية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الوحشية أو المهينة التي تُرتكب لأسباب تتصل بالتوجه الجنسي أو هوية النوع للضحية، إضافة إلى منع التحريض على هذه الأفعال”.

قالت هيومن رايتس ووتش إنّ على السلطات التونسية ضمان التعامل مع الشكاوى، بما فيها شكوى العمدوني، بسريّة وبسرعة، وباعتماد إجراءات واضحة، وتمكين الناس من تقديم شكاوى دون خوف من الانتقام

يتعين على السلطات أيضا ضمان عدم حرمان ضحايا التمييز من المساعدة، وعدم اعتقالهم أو مضايقتهم على أساس توجههم الجنسي وهويتهم الجندرية.

قالت يونس: “تزعم الحكومة التونسية أنها ملتزمة بحماية الحريات الفردية، غير أن محاكمة الأشخاص الذين يُبلّغون عن انتهاك حقوقهم يؤكد أن هذا الخطاب لا يعكس الواقع. يتعين على السلطات التونسية التحقيق في المزاعم المتعلقة بمضايقات الشرطة ضدّ العمدوني، والكف عن استخدام النظام القضائي لملاحقتها”.

اقرأ أيضاً: أقتلوهم، فَهُم قوم لوط” عنف الشرطة ضدّ مجتمع الميم في تونس

قد يعجبك ايضا