جماعات مسلّحة مرتبطة بـ “حكومة الوفاق الوطني” في ليبيا تقمع المظاهرات بعنف

(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنّ جماعات مسلّحة مرتبطة بـ “حكومة الوفاق الوطني” الليبية استعملت القوّة الفتّاكة لفضّ مظاهرات كانت سلمية إلى حدّ كبير ضد الفساد في أواخر أغسطس/آب 2020، واحتجزت تعسفا أشخاصا في العاصمة، وعذّبتهم، وأخفتهم.

بين 23 و29 أغسطس/آب، احتجزت جماعات مسلّحة في طرابلس تعسفا 24 متظاهرا على الأقل، بمَن فيهم صحفيون كانوا يغطّون الحدث، وضربت بعضهم، واستعملت الرشاشات، والأسلحة المضادّة للطائرات المحمولة على مركبات لفضّ المظاهرات، فجرحت بعض المتظاهرين، وقتلت أحدهم بحسب المزاعم. شملت الجماعات “كتيبة النوّاصي” المرتبطة بوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني تحت إمرة مصطفى قدّور، و”قوّة الردع الخاصة” بقيادة عبد الرؤوف كارة، والمجموعة المسلّحة المعروفة بـ “قوة الأمن العام” بقيادة عماد الطرابلسي.

قالت حنان صلاح، باحثة أولى في شؤون ليبيا في هيومن رايتس ووتش: “استعملت هذه الجماعات المسلّحة أسلحة ثقيلة ومدرّعات لإسكات المعارضين. ينبغي ألّا تضيع سلطات طرابلس أي وقت لتحاسب أعضاء الجماعات المسلّحة وقادتها الذين هاجموا المتظاهرين السلميين بأغلبهم، واحتجزوهم، واعتدوا عليهم”.

انطلقت مظاهرات واسعة في طرابلس، ومصراتة، والزاوية في 23 أغسطس/آب، ونظّم حراك شعبي جديد، هو “حراك الشعب 23/8” أو “حراك همة الشباب 23/8” )حراك 23/8(، في 23 أغسطس/آب احتجاجات لانتقاد السلطات في الشرق والغرب بسبب الظروف المعيشية التي “لا تُحتمل”. تذمّر المتظاهرون من انقطاعات التيار الكهربائي التي قد تستمرّ حتى ثلاثة أيام، وطالبوا بالعدالة الاجتماعية والانتخابات. بدأت المظاهرات أيضا في 24 أغسطس/آب في مدينتَيْ زليتن والخمس شرق طرابلس، وفي سبها وأوباري في الجنوب.

أدان وزير الداخلية فتحي باشاغا السلوك العنيف للجماعات المسلحة، بما في ذلك خطف المتظاهرين وإخفاؤهم قسرا، وأوقف عن العمل مؤقتا بعد ذلك.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 19 شخصا بشأن المظاهرات والرد العنيف عليها، بمَن فيهم متظاهرون، وأقارب، وأصدقاء متظاهرين، وصحفيين، ومحامين، وناشطين. وثّقت هيومن رايتس ووتش 24 حالة احتجاز تعسفي بين 23 و29 أغسطس/آب، وأُفرج عن العديد منهم، وراجعت صورا وفيديوهات للقوى الأمنية وهي تستعمل القوة المفرطة، أُرسلت مباشرة إلى الباحثين أو جُمعت من منصات التواصل الاجتماعي.

قال ثلاثة شهود شاركوا في مظاهرة أو أكثر لـ هيومن رايتس ووتش إنّ المظاهرات في طرابلس وأماكن أخرى كانت سلمية إلى حدّ كبير. ردت الجماعات المسلّحة الموجودة في طرابلس والمرتبطة بـ حكومة الوفاق الوطني، بجمع المتظاهرين بالقوة واحتجازهم في أماكن لم يُكشف عنها في البداية، بحسب ما قال أقارب أولئك الذين اعتقلوا ثم أطلق سراحهم.

منذ 24 أغسطس/آب، تقوم الجماعات المسلحة بإطلاق سراح المحتجزين بهدوء، وما يزال العدد الحالي للمتظاهرين المحتجزين في طرابلس غير معروف.

بحسب تقرير إعلامي في 6 سبتمبر/أيلول، أعلن مكتب النائب العام الإفراج عن 13 متظاهرا و”بقاء نحو ثمانية آخرين يشتبه في تورطهم في أعمال شغب”. أضاف أن الأطباء فحصوا بعض المتظاهرين المصابين، دون ذكر العدد الإجمالي للمحتجزين أو المصابين.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للسلطات القضائية الجنائية بسرعة عرض جميع المحتجزين المتبقين إلى قاضٍ للبت في شرعية احتجازهم، وإما أن توجه إليهم تهمة بجريمة فورا أو تطلق سراحهم، لأن الحبس الاحتياطي يجب أن يكون الاستثناء وليس القاعدة.

قال أقارب وأصدقاء اثنين من المتظاهرين المفرج عنهم، الذين احتُجزوا أربعة أيام على الأقل في سجن بقاعدة معيتيقة العسكرية في طرابلس، إن الرجلين أفادا بتعرضهما للضرب المتكرر وإجبارهما على توقيع تعهدات بعدم المشاركة في مظاهرات مستقبلية. تدير السجن قوة الردع الخاصة بقيادة خالد البني.

قال قريب أحد منظمي حراك 23/08، الذي اعتقله مسلحون مجهولون في طرابلس في 23 أغسطس/آب مع ستة آخرين بعد مغادرتهم منطقة الاحتجاج، إن الأسرة لم تكن على اتصال بأقربائهم المحتجزين، ولا تعرف مكان الاعتقال. أُطلق سراح المحتجز لاحقا في 6 سبتمبر/أيلول.

قال ثلاثة شهود إن “لواء النواصي”، الذي يسيطر على محيط ميدان الشهداء، كان المسؤول الأساسي عن استخدام الرشاشات والأسلحة الثقيلة لتفريق المتظاهرين واعتقال المتظاهرين تعسفا في 23 أغسطس/آب والأيام اللاحقة.

قال متظاهران إنّ عناصر الشرطة الموجودين في ميدان الشهداء في 23 أغسطس/آب وبعد ذلك لم يتدخّلوا لحمايتهم. تدعم لقطات فيديو راجعتها هيومن رايتس ووتش هذه المزاعم، ويظهر فيديو نشر على فيسبوك في 23 أغسطس/آب سيارات شرطة مركونة في الميدان خلال ذلك الوقت، بينما استعملت الجماعات المسلّحة أسلحة ثقيلة والرشاشات لتفريق المتظاهرين بينما الشرطة لم تحاول حمايتهم.

في 26 أغسطس/آب، فرض “المجلس الرئاسي” التابع لـ حكومة الوفاق الوطني حظر تجوّل لأربعة أيام، متذرّعا بتفشي فيروس “كورونا”. مدد حظر التجول 10 أيام في 30 أغسطس/آب، وحظر التجول في الخارج من الساعة 9 مساءً حتى 6 صباحا، وهو ما يقول بعض المتظاهرين إنهم رأوه محاولةً لمنعهم من التظاهر وقد تجاهلوه في الغالب.

أضعفت سنوات النزاع المسلّح والإهمال النظامَ الصحي في ليبيا بشكل كبير. في 8 سبتمبر/أيلول، أعلن “المركز الوطني لمكافحة الأمراض” عن تسجيل ألف إصابة جديدة في البلاد. أعلنت “منظمة الصحة العالمية” أن ليبيا معرضة لخطر انتشار الفيروس بشكل كبير، وقالت إنّ للبلاد قدرات ضعيفة لكشف الفيروس والاستجابة له.

قال الخبير الأممي المختصّ في الحقّ في حرية التجمّع السلمي وتكوين الجمعيات إنّ السلطات قادرة على تقييد التجمعات العامة وحرية التنقّل بناءً على مخاوف مشروعة مرتبطة بالصحة العامة وفيروس كورونا، لكن يجب أن تكون القيود “ضرورية ومتناسبة”. أيضا، “لا تبرّر الأزمة [الصحية] استعمال القوّة المفرطة لدى فضّ التجمّعات”.

قال ثلاثة متظاهرين تمت مقابلتهم إنّ المظاهرات التي رأوها في ميدان الشهداء كانت سلمية بشكل كبير، لكن بعض المتظاهرين هاجموا سيارة أو أكثر بالحجارة أو أشياء أخرى، متسبّبين بإضرار مركبة شرطة واحدة على الأقلّ. لم يرَ أيّ من الشهود الذين حضروا المظاهرات بين 23 و29 أغسطس/آب أيّ متظاهر يستعمل الأسلحة النارية.

قالت هيومن رايتس ووتش إنّ لجوء بعض المتظاهرين للعنف، بما في ذلك رمي الحجارة، الذي لا يمثل تهديدا مباشرا للحياة، لا يبرّر استعمال القوّة الفتّاكة من قبل السلطات. ينبغي أن تتوقّف الجماعات المسلّحة المرتبطة بـ حكومة الوفاق الوطني والتي لها أدوار أمنية في طرابلس فورا عن استخدام الرشاشات، والبنادق الهجومية، وبنادق الصيد، والأسلحة المضادّة للطائرات لتفريق المتظاهرين الذين لا يهدّدون حياة هذه الجماعات أو حياة الآخرين. كما ينبغي لمكتب النائب العام فتح تحقيق مستقلّ في الانتهاكات ونشر النتائج علنا.

قالت هيومن رايتس ووتش إنّ الجهات المانحة الدولية، تحديدا تركيا، التي تزوّد حكومة الوفاق الوطني والجماعات المسلّحة التابعة لها بالأسلحة والذخيرة، عليها ضمان أنها لا تموّل هذه الانتهاكات أو تساهم فيها.

“المبادئ الأساسية للأمم المتحدة حول استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل المسؤولين عن إنفاذ القانون” تلزم الشرطة باستعمال وسائل غير عنيفة، مثل طلب إخلاء المكان، قبل اللجوء إلى القوة. ينبغي للشرطة أن تمتثل لمبدأ التصعيد الموزون للقوة. لدى استخدام القوة، ينبغي أن يلتزم المسؤولون عن إنفاذ القانون بضبط النفس، ويتصرّفوا بشكل متناسب مع الخطر المحدق، ويسعوا إلى تقليل الضرر والإصابات إلى أدنى حد.

قالت صلاح: “لا تبرّر الانقسامات السياسية والمخاوف الأمنية هجوم الجماعات المسلّحة على المتظاهرين بالرشاشات والأسلحة المضادّة للطائرات لتخويفهم وفضّ المظاهرات. ينبغي أن تجري سلطات طرابلس تحقيقا وتكشف علنا عن أسماء الجماعات المسلّحة والقادة الذين لم يمتثلوا للمعايير الأساسية لضبط الأمن وأن تحاسبهم”.

بسبب الخوف من الانتقام، طلب الأشخاص الذين تحدّثت معهم هيومن رايتس ووتش عدم الإفصاح عن أسمائهم.

أفادت قناة “ليبيا الأحرار” الفضائية الليبية أن مجموعة من المتظاهرين ضايقت وهاجمت طاقم تلفزيون من القناة في 23 أغسطس/آب بينما كان يستعد لتغطية الاحتجاجات في ساحة الشهداء.

قال أحد سكّان طرابلس الذي حضر مظاهرة 23 أغسطس/آب في ميدان الشهداء إنّه رأى رجلا بملابس مدنية يحمل بندقية صيد ويطلق النار على المتظاهرين في الميدان قبل الانسحاب إلى صفوف الجماعات المسلّحة التي كانت متمركزة على الطريق الساحلي. رأى الشاهد أيضا سلاحا مضادا للطائرات محمولا على آليّة يطلق النار على المتظاهرين:

عندما رأينا العنف يعمّ المكان، أردنا ترك منطقة التظاهر بأسرع ما يمكن، وكدنا نصطدم بشاحنة على متنها سلاح مضادّ للطائرات من عيار 14.5 مليمتر. بالكاد وصلنا على بعد 6 إلى 7 أمتار وبدأ إطلاق النار. كان ذلك مباشرة قبل الأذان، حوالي الساعة 7:30 مساء. كنت منهمكا بمحاولة المغادرة، ولم أركّز على أي علامة ، باستثناء أنها كانت لون بيج ومن نوع “بيك-آب”. كان يستقلّها 10 إلى 12 شخصا يرتدون بزّات عسكرية، باستثناء عنصر واحد من الميليشيا كان بلباس مدني.

راجعت هيومن رايتس ووتش مقاطع فيديو للحادث وتوصلت إلى ما يدعم استخدام سلاح مضاد للطائرات من عيار 14.5 مليمتر مثبت على مركبة.

قال متظاهر آخر في طرابلس إن احتجاجات 23 و26 أغسطس/آب قوبلت بالعنف وإنه تعرف على أحد أعضاء لواء النواصي الذين كان يطلق النار على المتظاهرين في 23 أغسطس/آب. قال إن المتظاهرين كانوا مسالمين في الغالب، مع استثناءات قليلة:

في 23 أغسطس/آب، واجهت الجماعات المسلحة المتظاهرين بأسلحة مضادة للطائرات وغيرها لحوالي ساعة ونصف. في البداية كانوا يطلقون النار في الهواء. في 26 أغسطس/آب، ظهر موكب كبير يضم أكثر من 50 آلية عسكرية في ميدان الشهداء، يضم لواء النواصي ولواء باب تاجوراء، ولواء ثوار طرابلس، ورأيتُ العديد من الأشخاص يُعتقلون. رغم تواجد الشرطة خلال المظاهرات في كلا اليومين، إلا أنها لم تتدخل عندما استخدمت الجماعات المسلحة الرشاشات والأسلحة الثقيلة واعتقلت أشخاصا على مرأى ومسمع وزارة الداخلية. لدى لواء النواصي السلطة على قوات الشرطة والتي في المقابل ليس لديها الثقة بالنفس لفعل أي شيء.

قال صحفي غطّى احتجاجات 23 أغسطس/آب إن هناك غضبا شديدا بين الشباب بسبب الظروف المعيشية البائسة وقلة الفرص في البلاد:

عندما وصلتُ إلى ميدان الشهداء حوالي الساعة 4 عصرا، رأيت أشخاصا أعمارهم بين 16 و40 عاما يشاركون في المظاهرة. الناس يكادون ينفجرون غضبا لأنه لا توجد ماء ولا كهرباء ولا سيولة مالية ولا فرص. نادى الناس بعزل السياسيين وطالبوا بفتح تحقيق في مزاعم الفساد. عندما بدأ إطلاق النار، أُطلق الرصاص فوق الرؤوس وليس على المتظاهرين، لكن عندما رد المتظاهرون بالشتائم بدأت الجماعات المسلحة في إطلاق النار عليهم مباشرة. رأيت جرحى يُنقلون إلى مركز طرابلس الطبي، لكنهم نُقلوا بعد ذلك إلى مستشفى آخر.

ادعت عدة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أن جماعة مسلحة تعرف بـ “الأمن العام” في غوط الشعال، إلى الغرب من طرابلس، أطلقت النار وقتلت المتظاهر سند عمر الصويعي المقرحي، بعد مشادة عند نقطة تفتيش كان تحرسها المجموعة. راجعت هيومن رايتس ووتش صورتين مزعومتين لجثة المقرحي نشرتا على وسائل التواصل الاجتماعي. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من هوية الجثة أو سبب الوفاة أو وفاتها. قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للنائب العام التحقيق في القتل المزعوم.

كما راجعت هيومن رايتس ووتش أربع صور منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر رجلا مجهول الهوية مصابا في فخذه الأيمن، تتفق إصابته مع دخول مقذوفة من سلاح ناري. تم تحميل الصور لأول مرة في 23 أغسطس/آب الساعة 7:53 مساءً من قبل صحفي قال إن الرجل أصيب بعد أن أطلق المتظاهرون النار على طريق الشط الساحلي المحاذي لميدان الشهداء.

مساء يوم 23 أغسطس/آب، نشر مستخدم فيسبوك أربعة مقاطع فيديو متتالية، ثلاثة منها كانت بثا مباشرا يسجل المنطقة المحيطة بميدان الشهداء. في مقاطع الفيديو هذه، يمكن سماع إطلاق نار، منها طلقات رشاشات. في الفيديو المنشور الساعة 7:51 مساءً، يمكن رؤية ثلاث سيارات شرطة على الأقل في ميدان الشهداء وهي لا تحاول على ما يبدو اتخاذ أي إجراء لأن المتظاهرين يفرون من إطلاق النار، ولكن لا يمكن تحديد مصدر النيران أو اتجاهها.

يُظهر مقطعا فيديو نُشرا على فيسبوك مساء 26 أغسطس/آب وصباح 27 أغسطس/آب رجالا ببزات مموهة في ميدان الشهداء وحوله، يحملون بنادق هجومية من طراز “كلاشنكوف” ورشاشات PK ويقودون شاحنات صغيرة مجهزة برشاشات ثقيلة من طراز ZPU -2، ومدافع آلية من طرازZU-23 2. يُطلق سلاحا ZPU-2 وZU-23 2 مقذوفاتٍ من عيار 14.5 مليمتر و23 مليمتر، وهما مصممان لمهاجمة الطائرات التي تحلق على علو منخفض. في الفيديو المنشور في 26 أغسطس/آب الساعة 11:44 ليلا، يمر موكب من عشرات المركبات التي تحمل رشاشات خفيفة وثقيلة، ومدفعا أوتوماتيكيا من طراز ZU-23 2، بجانب سيارات للشرطة تحمل شارات، دون أن يعترضها أحد.

تنص المعايير الدولية على ألا تستخدم قوات الأمن إلا الحد الأدنى من القوة اللازمة في جميع الأوقات. لا يجوز استخدام الأسلحة النارية عند تفريق التجمعات العنيفة إلا عندما يتعذر تطبيق الوسائل الأخرى الأقل ضررا، ولكن حتى في هذه الحالات، يجب أن تُستخدم فقط بالحد الأدنى الضروري. لا يجوز لموظفي إنفاذ القانون استخدام الأسلحة النارية عن قصد إلا عندما يتعذر تجنب ذلك من أجل حماية الأرواح. ينبغي ألا تُستخدم الذخيرة الحية إلا عند اللزوم لحماية الحياة أو منع الإصابات الخطيرة.

استخدام الذخيرة الحية في غياب تهديد وشيك للحياة أو خطر التعرض لإصابة خطيرة، واستخدام بنادق الصيد، والرشاشات، والأسلحة الثقيلة الأخرى التي تطلق النار فوق منطقة واسعة مع احتمال إلحاق الضرر بأي شخص في طريقها، يشكلان انتهاكا لمعايير حقوق الإنسان الدولية التي تحكم استخدام القوة من قبل موظفي إنفاذ القانون. قد يؤدي استخدام المدافع الرشاشة الثقيلة والمقذوفات من العيار المتوسط، مثل عيار 14.5 مليمتر و23 مليمتر التي تُطلقها الأسلحة المضادة للطائرات، إلى ألم ومعاناة شديدين، وبالتالي فقد يشكّل استخداما للقوة المفرطة أو غير المبررة، وقد يرقى بذلك إلى أحد أشكال سوء المعاملة.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي فورا وقف استخدام بنادق الصيد التي تطلق العديد من الكريات، مطاطية كانت أو معدنية، ضد المتظاهرين من أي مسافة كانت، لأنها بطبيعتها غير دقيقة وأثرها عشوائي. كما ينبغي للجماعات المسلحة الامتناع عن استخدام المدافع الرشاشة، وبنادق الصيد، والأسلحة الثقيلة الأخرى، بما فيها الأسلحة المضادة للطائرات، ضد المتظاهرين.

تنص إرشادات الأمم المتحدة بشأن الأسلحة “الأقل فتكا” في أجهزة إنفاذ القانون على أن المقذوفات المتعددة التي يتم إطلاقها في نفس الوقت غير دقيقة، وبشكل عام، لا يمكن أن يتوافق استخدامها مع مبدأَيْ الضرورة والتناسب، وأنه لا ينبغي أبدا استخدام الكريات المعدنية، مثل تلك التي تُطلَق من بنادق الصيد.

تعهد “حراك 23/08” في بيان يوم 20 أغسطس/آب بالتحرك السلمي لمواجهة 11 من الشواغل الرئيسية، منها غضب السكان من نقص الطاقة، وغاز الطهي، والسيولة النقدية في البنوك؛ والعدالة الاجتماعية؛ وضرورة عقد الانتخابات؛ والتصديق على مسودة الدستور التي تم الانتهاء من إعدادها في أكتوبر/تشرين الأول 2015 من قبل “الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور”، وتوسيع ميزانيات الصحة والتعليم؛ وضرورة إنهاء المحسوبية في وظائف القطاع العام.

في 23 و27 أغسطس/آب، اتهم الوزير بشاغا “مندسّين” وأعضاء جماعات مسلحة، قال إن لا علاقة لهم بوزارة الداخلية، بإطلاق النار على المتظاهرين بالرشاشات والمدافع، ما أدى إلى إصابة متظاهرين وخلق “فوضى وأزمة جديدة”. اتهم البيان الصادر في 27 أغسطس/آب الجماعات المسلحة بخطف بعض المتظاهرين وإخفائهم قسرا. منذ 29 أغسطس/آب، لم تنظَّم مظاهرات أخرى في طرابلس.

في بيان صدر في 26 أغسطس/آب، صرّحت وزارة الداخلية أن اللجان المسؤولة عن تنظيم المظاهرات بحاجة إلى التقدم بطلب إذن مسبق، وتحديد موعدها، ووقتها، ومكانها وفق القانون 65/2012 بشأن التجمع السلمي. في 28 أغسطس/آب، أعلنت وزارة الداخلية أنها ألقت القبض على شخص زُعم أنه مسؤول عن استخدام الأسلحة النارية ضد المتظاهرين.

اتخذ رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج سلسلة من القرارات بين 26 أغسطس/آب و1 سبتمبر/أيلول، على ما يبدو لتهدئة الغضب العام الذي يحرك الاحتجاجات، فأوقف وزيرَ الداخلية باشاغا عن العمل مؤقتا بانتظار التحقيق في تعامل الوزارة مع الاحتجاجات، وعيّن وزيرَ دفاع ورئيس أركان عامة جديدين مرتبطين بـ حكومة الوفاق الوطني. في 3 سبتمبر/أيلول، أعاد المجلس الرئاسي باشاغا إلى منصبه بعد إجراء تحقيق، لكنه لم يفصح عن أي تفاصيل. كما أمرت حكومة الوفاق الوطني بأن تتولى غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة العسكرية الغربية، بقيادة اللواء أسامة الجويلي والمرتبطة بوزارة الدفاع، أمنَ العاصمة بالتنسيق مع وزارة الداخلية.

أعلنت حكومة الوفاق الوطني عن مساعدات نقدية في إطار برنامج مخصص للأسر، وشكلت لجنة للتدقيق في نفقات وزارة الصحة في 2019-2020، وأمرت وزارة العمل بمراجعة أوضاع العاطلين عن العمل وخلق المزيد من وظائف القطاع العام. وفي 1 سبتمبر/أيلول، أنشأت حكومة الوفاق الوطني أيضا وزارة جديدة للإسكان والتعمير.

ما يزال الحكم في ليبيا مقسما بين كيانين يخوضان نزاعا مسلحا منذ أبريل/نيسان 2019 بدعم أجنبي: حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا ومقرها طرابلس؛ و”الحكومة المؤقتة” المنافسة المتمركزة في شرق ليبيا، والمرتبطة بـ “القوات المسلحة العربية الليبية”‎ بقيادة الجنرال خليفة حفتر.

يتلقى حفتر الدعم العسكري، بما فيه الأسلحة والمقاتلين الأجانب، من الإمارات، والأردن، ومصر، وروسيا. تدعم تركيا عسكريا حكومة الوفاق الوطني، التي تتمتع أيضا بدعم كبير من المقاتلين الأجانب. أطراف النزاع وداعميهم الأجانب يتجاهلون إلى حد كبير حظر الأسلحة على طرفَيْ النزاع، الذي أمر به “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” في 2011 وتم تجديده مرات عدة، بموافقة مبطنة من مجلس الأمن.

انتهى النزاع المسلح في طرابلس والبلدات المحيطة بها مثل ترهونة في يونيو/حزيران 2020، بعد أن دفعت حكومة الوفاق الوطني وقوات حفتر وحلفاءها نحو سرت، وهي مدينة ساحلية على بعد 450 كيلومتر شرق طرابلس. على الرغم من جهود الوساطة الدولية المكثفة، رفض حفتر في 23 أغسطس/آب هدنة مؤقتة تفاوض عليها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ورئيس “مجلس النواب”. حاليا ليست هناك مواجهات مسلحة بين الطرفين.

 

اقرأ أيضاً: مطالبة بالكشف عن مصير صحافي مختطف في ليبيا

قد يعجبك ايضا