الحكومة الأردنية تنتقم من موظفي المركز الوطني لحقوق الإنسان بتهم جنائية ملفقة

قالت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN) أن المحاكمة الجنائية ضد موظفي المركز الوطني لحقوق الإنسان، هي محاولة انتقامية لإسكات المركز بسبب انتقاده للانتهاكات الحكومية.

وأنه يتعين على الحكومة الأردنية إسقاط التهم فورًا وإقالة المدعي العام محمود الصمادي لرفعه هذه القضية.

ويعد المركز الوطني لحقوق الإنسان هو المنظمة الحقوقية شبه الحكومية الوحيدة في البلاد،

الهجمات ضد المركز الوطني لحقوق الإنسان، بما في ذلك المحاكمة الجارية حاليًا، تأتي في سياق حملة استمرت لأشهر ضد المركز وزيادة كبيرة في القمع ضد نشطاء المجتمع المدني في جميع أنحاء البلاد.

قال المستشار لدى منظمة (DAWN) “جمال الطاهات“: “إنّ اتهامات الحكومة لموظفي المركز الوطني لحقوق الإنسان هي اتهامات زائفة وتبدو أنها محاولة متعمدة لمعاقبة المركز لانتقاده انتهاكات الحكومة”.

وأضاف: “في حين أن المدعين الحكوميين لم يفعلوا أي شيء على الإطلاق فيما يخص الأدلة الدامغة على الفساد في البلاد، إلا أنهم يرفعون دعوى بشكل مضحك ضد العاملين في مجال حقوق الإنسان الذين يبدو أنهم لم يفعلوا شيئًا أكثر من تعويض الموظفين عن النفقات الضئيلة”.

في 10 أغسطس/آب، أمر مساعد المدعي العام “يوسف ذيابات“، الذي لم يذكر اسمه، بإجراء تحقيق ضد المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان “علاء العرموطي“.

وأم  أيضاً بالتحقيق مع ثلاثة من العاملين بالمركز، وهم “رشا نكاي” و”نسرين زريقات” و”أماني حسونة“.

في 18 أغسطس/آب وجّه المدعي العام “الصمادي” إليهم تهم جنائية بموجب المواد 2 و 3 و 4 و 5 من قانون الجرائم الاقتصادية، بدعوى إساءة استخدام السلطة والاختلاس والإهمال وإهدار المال العام.

تتعلق التهم في المقام الأول بزيادة قدرها 28 دولارًا في البدل اليومي لمدربي حقوق الإنسان، بحيث يصل إجمالي بدل الإقامة اليومي إلى 7,800 دولار على مدار 18 شهرًا لثمانية موظفين خلال تدريباتهم الميدانية في المناطق النائية.

يبدو أن المدعين العامين الحكوميين قد تدخلوا في عمليات إعداد الميزانية الداخلية للمركز لاستحضار دعاوى تتعلق بالسلوك غير القانوني.

وذلك بناءً على ميزانية تمويل لجهة مانحة أجنبية كانت توفر النفقات العامة والبدل اليومي.

التحقيقات التي أجرتها منظمة (DAWN)، بما في ذلك مقابلات مع المحامية وعضوة مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان ديما خليفات، وعاصم العمري المحامي الموكّل في القضية، بالإضافة إلى مراجعة لائحة اتهام المدعي العام، تشير إلى أن مزاعم الحكومة تنبع من نزاعات داخلية للموظفين.

وقّع المفوض العام “العرموطي” أكثر من عقد لعام 2020 بمبلغ 157,000 يورو (حوالي 156,600 دولار) مع الوكالة الإسبانية للتنمية والتعاون الدولي والاتحاد الأوروبي.

وذلك لتوفير برنامج تدريبي في مجال حقوق الإنسان في جميع أنحاء البلاد من 1 يناير/كانون الثاني 2021 إلى 30 يونيو/حزيران 2022.

قام المدير المالي والإداري بالمركز الوطني لحقوق الإنسان، “عبد الوهاب عقيل“، بصياغة الميزانية الأولية للمشروع لتوفير 7,848 يورو (حوالي 7،833 دولارًا أمريكيًا) في النفقات العامة للمركز الوطني لحقوق الإنسان.

لكن الوكالة الإسبانية رفضت هذه المبالغ، مشيرة إلى أنها لا تدفع النفقات العامة. بالإضافة إلى ذلك، حدد عقيل البدل اليومي لموظفي المشروع بـ 70 دولارًا.

رشا نكاي“، رئيسة مشاريع المركز الوطني لحقوق الإنسان، و”نسرين زريقات” مديرة المشاريع في المركز الوطني لحقوق الإنسان، و”أماني حسونة“، المساعدة المالية قمن بمراجعة ميزانية عقيل لإزالة النفقات العامة، ولكن قمن بزيادة البدل اليومي بمقدار 28 دولارًا ليصبح 98 دولارًا.

ثم اعتمد المدعون الحكوميون على عقيل باعتباره “شاهد إثبات” لاتهام هؤلاء الموظفين بالفساد لإجراء هذه التغييرات على مشروع الميزانية.

فقي لم تتم الموافقة عليها بعد من قبل الجهة المانحة أو المفوض العرموطي أو مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان.

كما وجه المدعي العام “لا” لائحة اتهام ضد المفوض العرموطي بشأن مزاعم بأنه وقّع على العقد.

وكذلك زعم أنه عمل خارج نطاق سلطته القانونية من خلال تعيين موظف جديد ليحل محل موظف ذهب في إجازة دون موافقة مجلس الأمناء، والموافقة على فاتورة بمبلغ 3,689 دينارًا أردنيًا (حوالي 5,164 دولارًا أمريكيًا).

وهذا ما يتجاوز سلطته في الموافقة على الفواتير بحد أقصى 1,500 دينار أردني (حوالي 2200 دولار أمريكي).

عُقدت الجلسة الأولى في القضية في 15 سبتمبر/أيلول، حيث قدّم المدعي العام أدلة جديدة، لذلك طلب محامو الدفاع من المحكمة مزيدًا من الوقت للرد.

حضر الجلسة الثانية بتاريخ 20 سبتمبر/أيلول سبعة ممثلين من الوفود الدبلوماسية الغربية، بما في ذلك كندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا، والتي أدلى فيها رئيس مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، الدكتور “رحيل غرايبة“، بشهادته.

تم تعليق الجلسة لأن غرايبة صرّح بأنه مريض. الجلسة القادمة مقررة في 4 أكتوبر/تشرين الأول.

قال “جمال الطاهات“: “إنّ التحليل الدقيق الذي قام به المدعي العام الأردني لميزانية المركز الوطني لحقوق الإنسان ولعملية التوظيف في المركز لاستحضار تهم جنائية ضد الموظفين يوضح في الحقيقة مدى سخافة هذه الاتهامات وعدم وجود أساس لها”.

وأضاف: “إنّ الأمر المتعلق بتقاضي المركز الوطني لحقوق الإنسان لأموال النفقات العامة أو اليومية من عدمه هو عمل خاص بالمركز ومموليه، وليس السلطات القانونية التي يجب أن تكون منشغلة بالتعامل مع تقارير خطيرة للغاية عن فساد واسع النطاق في البلاد”.

تعود الطبيعة الانتقامية لهجمات الحكومة ضد المركز الوطني لحقوق الإنسان إلى التوصيات الأخيرة التي قدمها المركز وتعليقات المفوض العرموطي بشأن إساءة استخدام الحكومة للاحتجاز الاحتياطي.

في 15 فبراير/شباط 2022، في توبيخ نادر للحكومة، طالب المركز الوطني لحقوق الإنسان بالإفراج عن اثني عشر شخصًا احتجزتهم الحكومة احتياطيًا في ذلك الشهر.

وأكد علنًا: “واجب الحكومة في ضمان حرية الأفراد في ممارسة حقوقهم في التعبير عن آرائهم في جميع الموضوعات بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكتابة والنشر والتعليق والتجمع السلمي”.

كما أكد المركز على “ضرورة التزام الحكومة بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الوطني، ولا سيما المادة 114 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تنص على أنه يجوز للحكومة استخدام الاحتجاز الاحتياطي بشكل استثنائي وفقًا لبعض المبررات والقيود المحدودة”.

في 10 مايو/أيار، بعد أقل من شهرين من قيام الحكومة باعتقالات جماعية “استباقية” لأكثر من 150 ناشطًا، معظمهم من المعلمين، لمنع مظاهرة سلمية للمعلمين، انتقد المفوض العرموطي الحكومة علنًا مرة أخرى.

قال : “التجمع السلمي هو حق يكفله الدستور الأردني والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان”، خلال احتفال استضاف “كليمان نيالاتسوسي فول“، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، والذي كان يزور البلاد.

قام مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، المعين من قبل الحكومة والموافق عليه من قبل الملك، باتخاذ إجراءات ضد موظفي المركز بعد هذه التعليقات.

في 13 أبريل/نيسان، عقب تصريحات فبراير/شباط، شكل المجلس لجنة خاصة للتحقيق في “القضايا الإدارية”، بحسب ما ذكره المحامي “عاصم العمري“.

وفي 24 مايو/أيار، أوقف المجلس المفوض العرموطي وأحالوا موضوع العقد الإسباني إلى النائب العام، بناءً على تقرير اللجنة الذي يتهم العرموطي بارتكاب مخالفات إدارية.

استقالت عضوة مجلس الأمناء المحامية “هديل عبد العزيز” في 2 يونيو/حزيران احتجاجًا على ذلك.

كما انتقدت المحامية “ديما خليفات“، عضوة مجلس الأمناء، بشدة هذه التحركات على صفحتها على الفيسبوك في 30 يوليو/تموز باعتبارها هجومًا متعمدًا على المركز الوطني لحقوق الإنسان.

وقالت “خليفات” أن: “ما يجري… يدمر مؤسسة وطنية معنية بالصالح العام”.

وقد حظيت الأحداث بقدر كبير من الاهتمام العام، حيث خلص الكثيرون إلى أن تحرك مجلس الأمناء كان انتقاميًا ضد العرموطي.

تأسس المركز الوطني لحقوق الإنسان في عام 2006 كمؤسسة مستقلة تمولها وتعين أعضاءها الحكومة لرصد انتهاكات حقوق الإنسان والسعي إلى تصحيحها وتثقيف الجمهور حول حقوق الإنسان.

تمول الحكومة النفقات الإدارية للمركز الوطني لحقوق الإنسان، لكن المركز ليس جزءًا من الميزانية الوطنية.

لدى المركز السلطة القانونية لإقامة شراكات وتلقي تمويل دولي مشروط بموافقة الحكومة.

تأتي الهجمات ضد المركز الوطني لحقوق الإنسان في سياق تصعيد دراماتيكي للقمع في الأردن.

كما هو موثق على نطاق واسع في تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش يصف كيف تضطهد السلطات وتضايق المواطنين الذين يتجمعون بشكل سلمي وينخرطون في المعارضة السياسية.

يواصل الملك “عبد الله” الثاني احتجاز أخيه غير الشقيق ولي العهد السابق “حمزة” رهن الإقامة الجبرية دون تهمة أو محاكمة، بسبب تصريحات الأمير “حمزة” الانتقادية للفساد في البلاد.

في 24 مارس/آذار و 27 مارس/آذار، اعتقلت الحكومة “استباقيًا” ما لا يقل عن 150 من نشطاء المجتمع المدني من نقابة المعلمين ومجموعات أخرى كانوا يخططون للتجمع للاحتجاج على البطالة في جنوب الأردن اعتمادًا على قانون منع الجرائم السيئ.

وزعمت أن المعتقلين الذين كانوا يخططون للاحتجاج السلمي هددوا أمن البلاد واستقرارها، على الرغم من أن دستور البلاد يضمن الحق في التجمع، كما أعلن المركز الوطني لحقوق الإنسان في 10 مايو/أيار.

في 15 أغسطس/آب، قام المدعي العام “الصمادي” باحتجاز “عدنان الروسان” احتياطيًا، وهو كاتب يبلغ من العمر 71 عامًا.

وذلك بتهمة “تهديد أمن الدولة” من خلال نشر رسالتين على الفيسبوك تنتقدان سياسات الحكومة، في انتهاك لحقوق الروسان بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية، الذي يقصر الاحتجاز الاحتياطي على الحالات الاستثنائية للغاية في ظل قيود محددة جيدًا.

وكما قال أحد المحامين المنخرطين في القضية لمنظمة (DAWN): “لقد حولت الحكومة النظام القضائي الأردني إلى أداة للقمع”. تم الإفراج عن الروسان بكفالة لكنه ما زال يواجه المحاكمة.

مؤخرًا، في 6 سبتمبر/أيلول، توفي بائع متجول يبلغ من العمر 37 عامًا، يدعى “زيد صدقي الدبش“، في حجز الشرطة بسبب التعذيب في سجن ماركا على ما يبدو، في قضية أثارت اهتمامًا كبيرًا.

في 31 أغسطس/آب، منعت السلطات الأردنية تعسفيًا “أحمد النعيمات” و”عبد الرحمن شديفات” من السفر إلى تركيا دون أي سند قانوني.

منتهكة بذلك حقهما في حرية التنقل. في هذه الحالات، التزم المركز الوطني لحقوق الإنسان الصمت تمامًا حيث يواجه موظفوه تهمًا جنائية ومضايقات قانونية.

تقدم الحكومة الأمريكية حاليًا للحكومة الأردنية 425 مليون دولار كمساعدات عسكرية وما لا يقل عن 845 مليون دولار لدعم الميزانية.

هذا بالإضافة إلى 475 مليون دولار في إطار “تحويل نقدي مباشر إلى الميزانية”، ما يدعم بشكل فعال الحكم الاستبدادي للنظام الملكي على الأردنيين.

ما لا يقل عن 77 مليون دولار من هذه الأموال، أي ما يقرب من 4.7 في المائة منها، مخصصة لدعم “الديمقراطية والحكم الرشيد بشكل مباشر”.

في 16 سبتمبر/أيلول، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن مذكرة تفاهم لتقديم الدعم المالي الأمريكي للأردن بمبلغ 1.45 مليار دولار سنويًا للسنوات المالية 2023-2029.

قالت “سارة لي ويتسن“، المديرة التنفيذية لمنظمة (DAWN): “ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تلقي نظرة فاحصة على انزلاق الأردن نحو الاستبداد المتزايد باستمرار، إذ تهاجم الحكومة الأردنية بوحشية نشطاء حقوق الإنسان والديمقراطية الناشئة في البلاد”.

وأضافت: “نحن بحاجة إلى تحمل مسؤولية حقيقة أن حكومتنا تمول وحشية الحكومة الأردنية وقمع مواطنيها”.

ودعت منظمة (DAWN) الحكومة الأردنية لإسقاط التهم الموجهة إلى المركز الوطني لحقوق الإنسان، ووضع حد لممارساتها التعسفية المتمثلة في الاحتجاز الاحتياطي والاحتجاز الوقائي، وإقالة المدعي العام الصمادي.

كما حثت منظمة (DAWN) الولايات المتحدة على إنهاء كل الدعم العسكري والاقتصادي للديكتاتورية الملكية في الأردن.

 

قد يعجبك ايضا