“فاغنر” الروسية تزرع ألغاما أرضية قرب طرابلس

الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن معلومات جديدة من الهيئات الحكومية ومنظمات إزالة الألغام الليبية تربط “مجموعة فاغنر” باستخدام الألغام الأرضية المحظورة والأفخاخ المتفجرة في ليبيا في 2019-2020.

فاغنر، وهي شركة أمنية عسكرية روسية خاصة لها صلات على ما يبدو بالحكومة الروسية، دعمت “القوات المسلحة العربية الليبية” بقيادة خليفة حفتر في هجومها على العاصمة الليبية طرابلس.

قتلت هذه الألغام ثلاثة موظفي إزالة ألغام ليبيين على الأقل قبل تحديد مواقع الألغام.

قالت لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “أضافت مجموعة فاغنر إلى الإرث القاتل للألغام والأفخاخ المتفجرة المنتشرة في ضواحي طرابلس، ما يجعل عودة الناس إلى ديارهم خطرة.

يجب إجراء تحقيق دولي يتسم بالمصداقية والشفافية لضمان العدالة للعديد من المدنيين وعمّال إزالة الألغام الذين قُتلوا وشُوهوا بشكل غير قانوني بسبب هذه الأسلحة”.

الألغام الأرضية المضادة للأفراد، المصممة لتنفجر بوجود شخص أو قربه منها أو ملامسته إياها، تنتهك القانون الإنساني الدولي لأنها لا تستطيع التمييز بين المدنيين والمقاتلين.

بإمكان هذه الأسلحة التي يتم تفعيلها بواسطة الضحية أن تقتل وتشوه الضحايا بعد فترة طويلة من انتهاء النزاعات.

على المدعي العام لـ “المحكمة الجنائية الدولية”، المكلفة منذ 2011 بالتحقيق في جرائم الحرب والجرائم الجسيمة الأخرى في ليبيا، النظر في دور الجماعات المسلحة الليبية والأجنبية في زرع الألغام المضادة للأفراد خلال نزاع 2019-2020.

خلال إحاطته أمام “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” في أبريل/نيسان 2022، كرّر المدعي العام التأكيد على أن مكتبه سيجعل التحقيق في ليبيا أولوية.

في أغسطس/آب 2021، أفادت “هيئة الإذاعة البريطانية” (بي بي سي) أنها تلقت جهاز “تابلت” تُرِك على الخطوط الأمامية في جنوب طرابلس واستنتجت أنه يعود إلى أحد عملاء فاغنر.

قالت بي بي سي إن المعلومات التفصيلية الموجودة على الجهاز تشير إلى أن عملاء فاغنر لعبوا دورا في زرع الألغام الأرضية المضادة للأفراد.

خلال زيارة في مارس/آذار إلى طرابلس، جمعت هيومن رايتس ووتش معلومات من منظمات مكافحة الألغام تؤكد أن جميع المواقع الـ 35 المحددة في التابلِت كانت ملغومة، وأن فاغنر كانت موجودة في المناطق الملغومة في ذلك الوقت.

كما وثقت هيومن رايتس ووتش مقتل ثلاثة موظفي نزع ألغام أثناء محاولتهم تفكيك بعض هذه الألغام. لم تكن بحوزة خبراء نزع الألغام المعلومات الواردة على التابلِت حينها.

قابلت هيومن رايتس ووتش هيئات حكومية ومنظمات لإزالة الألغام مسؤولة عن مسح وتطهير الضواحي الجنوبية لطرابلس.

وشمل ذلك “المركز الليبي للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب” (المركز الليبي) التابع لوزارة الدفاع، والذي ينسّق جهود إزالة الألغام التي تبذلها المنظمات الإنسانية نيابة عن الحكومة والمنظمات المدنية الليبية والأجنبية بما في ذلك “منظمة الحقول الحرة” وأخصائيي إزالة الألغام من “جهاز المباحث الجنائية” بوزارة الداخلية.

زودت هيئات وأخصائيو نزع الألغام هيومن رايتس ووتش بمعلومات أكدت ما وجدته بي بي سي على التابلِت والتي تشير إلى أن هذه الألغام لم تكن معروفة من قبل فاغنر فحسب، بل من المرجح أن تكون المجموعة مسؤولة عن زرعها.

قال أخصائي نزع ألغام، كان حاضرا عندما قُتل اثنان من خبراء نزع الألغام الثلاثة، إنهم كانوا يفككون لغما موضوعا تحت كنبة في ذلك الوقت.

قال الأخصائي إنه بعد مشاركة البيانات من التابلِت، كان من بين الفريق المكلف بإزالة المتفجرات في ثمانية مواقع من أصل 35 موقعا.

قال إنه كان قادرا على استخدام الإحداثيات الدقيقة المحددة في التابلت، وفي بعض الحالات المعلومات المتعلقة بأنواع الألغام المستخدمة في هذه المواقع، للمساعدة في أعمال التطهير هذه.

قال الأخصائي إنه عثر على ألغام أو عبوات ناسفة أخرى في جميع المواقع الثمانية التي كُلف بتطهيرها.

وقال إنه في بعض الحالات كان يجب تفكيكها، بينما كانت المتفجرات قد سبق أن انفجرت في حالات أخرى.

كما أظهر لـ هيومن رايتس ووتش صور قصاصات ورق باللغة الروسية وجدها أثناء أعمال التطهير في جنوب طرابلس في منازل ومواقع أخرى كانت تسيطر عليها القوات المتحالفة مع حفتر قبل انسحابها.

تتضمن الأوراق قوائم بالأسماء وما يبدو أنها جداول زمنية للمناوبات، وقوائم بالمصابين، وقوائم بمواقع أو إحداثيات، بما فيها موقع سُمِّي “العدو”.

أخفيت الألغام والأشراك المفخخة التي عُثر عليها في الإحداثيات الـ 35 داخل المنازل والمباني الأخرى، وفي بعض الحالات داخل الأثاث، وغالبا ما تم تجهيزها بأسلاك غير مرئية تفعّل الانفجار.

قال خبراء ألغام لـ هيومن رايتس ووتش إن الألغام والأفخاخ المتفجرة التي جهّزها عملاء فاغنر على ما يبدو كانت أكثر تعقيدا وفتكا من تلك التي وضعتها الجماعات الليبية أو السودانية أو السورية.

وفقا للمركز الليبي، فإن معظم الأشخاص الـ 130 الذين قُتلوا والـ 196 الذين جرحوا في ليبيا بين مايو/أيار 2020 ومارس/آذار 2022 بسبب الألغام والذخائر المتفجرة الأخرى، كانوا مدنيين في الضواحي الجنوبية لطرابلس.

تراوحت أعمار الضحايا بين 4 و70 عاما ومن بينهم 299 رجلا وفتى و26 امرأة وفتاة. وكان جنس ضحية واحدة غير واضح. كان ما مجموعه 78 ضحية – أي 24% من الإجمالي الذي سجله المركز الليبي – من العاملين في إزالة الألغام.

قالت منظمات نزع الألغام إنه بحلول يونيو/حزيران 2020، عندما انسحبت القوات المسلحة الليبية بقيادة حفتر والقوات المتحالفة معها، بما فيها عناصر فاغنر من ضواحي طرابلس الجنوبية بعد 14 شهرا من القتال ضد الجماعات المتحالفة مع “حكومة الوفاق الوطني” السابقة ومقرها طرابلس، تركت وراءها العديد من الألغام الأرضية والأفخاخ المتفجرة.

وشمل ذلك ما لا يقل عن أربعة أنواع من الألغام الأرضية التي لم توثقها مجموعات نزع الألغام في ليبيا قبل هذا النزاع، إلى جانب العبوات الناسفة الأخرى التي تنفجر بالضحية.

بالإضافة إلى ذلك، تسببت الذخائر غير المنفجرة أو المتروكة في تلويث حوالي 720 مليون متر مربع (720 كيلومتر مربع) في هذه المنطقة في أعقاب القتال.

في 24 مايو/أيار، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزير الخارجية الروسي لعرض نتائج المنظمة وطلب معلومات تتعلق بوجود عملاء فاغنر في ليبيا.

طلبت هيومن رايتس ووتش من وزارة الخارجية توضيح دور هذه الشركة العسكرية الأمنية خلال نزاع 2019-2020 وصِلتها بـ القوات المسلحة العربية الليبية، والرد على مزاعم أن عملاء فاغنر زرعوا ألغاما مضادة للأفراد محظورة في ضواحي طرابلس الجنوبية. لم ترد السلطات الروسية.

حاولت هيومن رايتس ووتش العثور على معلومات اتصال لمجموعة فاغنر أو إدارتها لمشاركة نتائج التقرير، لكنها لم تتمكن من القيام بذلك.

جميع أطراف النزاع المسلح الليبي ملزمون بالتقيّد بقواعد الحرب، التي تحظر استخدام الأسلحة مثل الألغام المضادة للأفراد والأفخاخ المتفجرة، التي لا تميّز بين الأهداف العسكرية والمدنيين.

كما تحظر “اتفاقية حظر الألغام لعام 1997” استخدام الألغام المضادة للأفراد، وتخزينها، وإنتاجها، ونقلها. تحظر المعاهدة أيضا الأجهزة المرتجلة التي يتم تفعيلها بواسطة الضحية، بما فيها تلك المصنوعة محليا.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على ليبيا المصادقة على اتفاقية حظر الألغام، والالتزام بحظر شامل لاستخدام الألغام المضادة للأفراد، وتعزيز الإجراءات الإنسانية المتعلقة بالألغام، ومساعدة الناجين.

على ليبيا أيضا منح حق الوصول إلى “فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالمرتزقة” المعلق منذ 2018 للقيام بزيارة إلى ليبيا لتمكينه من الحصول على معلومات مباشرة عن تأثير المقاتلين الأجانب في ليبيا وتحديد التحديّات.

قالت فقيه: ” على المحاكم الليبية أن تتصرف باستقلال عن أي تحقيق دولي وتجري تحقيقا محايدا مع القادة والمقاتلين – بمن فيهم الأجانب – وملاحقتهم قضائيا بشكل مناسب على جرائم الحرب في ليبيا”.

هيومن رايتس ووتش مؤسِّسة مشاركة ورئيسة لـ “الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية”، الحائزة على جائزة نوبل عام 1997.

أكد فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في ليبيا في تقرير صدر في مارس/آذار 2021 أن عسكريين خاصين من فاغنر موجودون في ليبيا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018، ويساعدون في إصلاح المركبات العسكرية، ويشاركون في العمليات القتالية، وحملات وسائل التواصل الاجتماعي المكثفة لدعم حفتر وعملياته البرية المعروفة بـ “عمليات التأثير”.

قدّر فريق الخبراء أن 800 إلى 1,200 من عناصر فاغنر دعموا قوات حفتر في مختلف أدوار المراقبة، والاستشارة، وحماية القوات، والقتال. وفقا لتقارير إخبارية، انسحب 200 من عناصر فاغنر من ليبيا في أبريل/نيسان 2022.

“البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا”، التي أنشأها “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” في يونيو/حزيران 2020، وجدت في تقريرها في أكتوبر/تشرين الأول 2021 أن القوات المسلحة العربية الليبية ومجموعة فاغنر “ربما تكون قد انتهكت مبدأ التناسب في القانون الإنساني الدولي.

وكذلك التزامات القانون الإنساني الدولي العرفي بالتقليل من الآثار العشوائية للألغام الأرضية إلى أدنى حد والتخلص منها بعد نهاية المعارك الفعلية”.

لدى البعثة تفويض للتحقيق في انتهاكات قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدوليَّين المرتكبة في البلاد منذ 2016، وستنتهي ولايتها في يونيو/حزيران 2022، ما لم تُجدَّد في مجلس حقوق الإنسان.

يحتوي جهاز التابلت الذي تُرك في ساحة المعركة وحصلت عليه بي بي سي على ملفات عديدة ومواد مرجعية تقنية باللغة الروسية، منها خرائط لإحداثيات 35 موقعا صُنفت على أنها مواقع للألغام الأرضية وغيرها من العبوات الناسفة في عين زارة، إحدى ضواحي طرابلس الجنوبية. احتوى الجهاز أيضا على حوالي 130 مخططا لأنواع مختلفة من الألغام والعبوات الناسفة وتعليمات زرعها.

أشارت الخرائط إلى بعض أنواع الألغام في المنطقة الملغومة، تضمنت ألغاما شظوية اتجاهية من نوع “إم أو إن 50″ (MON-50) و”إم أو إن 200” (MON-200) ولغما شظويا وثّابا من نوع “أو زد إم 72” (OZM-72).

كما عنوت الخرائط على أنها لـ “منطقة ملغومة” أو “لغم تحكم عن بعد”. من غير المعروف أن الجماعات المسلحة الليبية استخدمت “إم أو إن 50” أو “إم أو إن 200” أو “أو زد إم 72″، ولم تظهر هذه الألغام في ليبيا قبل نزاع 2019-2020.

حدد جهاز التابلت أيضا أسماء المقاتلين المستعارة، والتي طابقت بي بي سي أحدها مع عنصر من مجموعة فاغنر حُدد مسبقا في تقرير مسرب للأمم المتحدة.

قالت بي بي سي إنها تعتقد أن الجهاز يعود إلى أحد عناصر فاغنر بناء على البيانات التي يحتويها وموقع العثور عليه، المعروف بتمركز عناصر فاغنر فيه.

قال المركز الليبي لـ هيومن رايتس ووتش إنه أجرى عام 2021 مسوحات غير تقنية للمواقع الـ 35 المدرجة في جهاز التابلِت ووجد ألغاما أرضية وعبوات ناسفة فيها جميعا.

هذه الاستطلاعات نقطة البداية لتحديد مواقع الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب، والوصول إليها وجمعها والإبلاغ عنها.

ثم وجّه المركز إلى منظمة الحقول الحرة الليبية أوامر بإزالة الألغام من المواقع الـ 35.

قال مدير المركز الليبي العميد محمد الترجمان إن خبراء إزالة الألغام وجدوا أن بعض الألغام أو العبوات الناسفة كانت قد انفجرت مسبقا، لكن بعضها الآخر كان ما يزال نشطا ويجب إزالته.

قال الترجمان إن ثلاثة خبراء إزالة ألغام قتلوا في اثنين من هذه المواقع الـ 35: خالد هنقر من الهندسة العسكرية بوزارة الدفاع، واثنين من أخصائيي منظمة الحقول الحرة: طارق فرحات وحسام بن مادي، في 6 يوليو/تموز 2020.

قُتل الرجال الثلاثة أثناء عمليات الإزالة قبل أن تكشف تقارير بي بي سي وجود التابلِت.

أكد مسؤول كبير في الحقول الحرة، لم يرغب في كشف هويته، أن اثنين من موظفيهم قُتلا في أحد المواقع الـ 35 بلغم أو زد إم 72.

نفت الحكومة الروسية سابقا أي صلة لها بعمليات مجموعة فاغنر.

فيما يبدو أنه أول اعتراف لمسؤول روسي كبير بالعلاقات بين فاغنر والسلطات الليبية، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة مع قناة إخبارية إيطالية في 1 مايو/أيار إن فاغنر “تقدم خدمات أمنية” إلى حكومة مالي وأنه “دُعيت مجموعة خاصة [أيضا] من قبل السلطات الليبية على أساس تجاري، كما هو الحال في مالي”.

الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب، بما فيها استخدام الألغام المضادة للأفراد، بقصد إجرامي مسؤولون عن جرائم حرب.

أولئك الذين يرتكبون جرائم حرب في ليبيا أو يأمرون بها أو يساعدون عليها أو يتحملون مسؤولية القيادة عنها يخضعون للمقاضاة أمام المحاكم المحلية والمحكمة الجنائية الدولية، التي لديها ولاية على جرائم الحرب وغيرها من الجرائم الخطيرة المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011.

قد يعجبك ايضا