احتكار الدول الغنية للقاح قد يقف حاجزًا أمام المناعة العالمية ضد كوفيد-19

كتبت أوتافيا سياني الباحثة في شؤون اللاجئين في إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان: معظم أغنى دول العالم اشترت أو احتفظت بكميات من لقاح كوفيد-19 تفوق حاجتها لتضمن حماية مواطنيها، مهددةً بذلك توافر اللقاح في الدول ذات الدخل المنخفض.

وبينما سيتم تطعيم معظم مواطني الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بحلول نهاية هذا العام، فمن المحتمل ألا تتمكن العديد من الدول الأخرى فعل ذلك إلا بحلول عام 2024. فوفقًا لتقرير صدر عن مركز التنمية العالمية، لن تكون هناك جرعات كافية لتطعيم الجميع حتى عام 2023.

ووفقًا للبيانات التي جمعتها جامعة “ديوك” في ولاية كارولينا الشمالية الأمريكية، فقد تم بالفعل شراء 6.4 مليار جرعة من اللقاح، جميعها بشكلٍ أساسي اشترتها حكومات الدول ذات الدخل المرتفع، و3.2 مليار جرعة أخرى تم الاحتفاظ بها أو أنها مازالت قيد التفاوض.

وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، يمكن للاتحاد الأوروبي تلقيح جميع سكانه مرتين، كما يمكن لحكومتي بريطانيا العظمى والولايات المتحدة تطعيم سكانهما أربع مرات، وكندا ست مرات.

جرت هذه الهيمنة على السوق بسرعةٍ قياسية، حيث تم منح لقاح “فايزر بيونتك” موافقة طارئة في 12 ديسمبر 2020، وبدأ توزيعه بعد يومين. مع ذلك وقبل أشهر، أي خلال صيف 2020، خصصت حكومة الولايات المتحدة 100 مليون جرعة لاستخدامها الخاص.

كما اشترت 200 مليون جرعة من لقاح “مودرنا” الذي تمت الموافقة على استخدامه في الولايات المتحدة في 18 ديسمبر، واحتفظت بـ 810 مليون جرعة من اللقاحات التي لم تتم الموافقة عليها بعد وهي لقاح “أسترا زينيكا”، و”جونسون آند جونسون”، و”نوفافاكس”، و “سانوفي”.

الحال لا ينطبق على الولايات المتحدة وحسب، فقد اشترى الاتحاد الأوروبي أو احتفظ بـ 1.3 مليار جرعة من اللقاحات وطلبت حكومة المملكة المتحدة شراء 357 مليون جرعة.

بهذا الصدد، حذرت منظمة العفو الدولية من أنه “مع استمرار الدول الغنية في ادّخار جرعات اللقاح، تتقلص إمكانية غيرهم من الحصول على اللقاح بسبب عدم المساواة ومصالح الشركات”.

وفقًا لمنظمة “أوكسفام”، فإن الدول الغنية، وهي تمثل 13% فقط من سكان العالم، طلبت شراء أكثر من نصف الجرعات المتوقعة من لقاح كوفيد-19. وحذر المدير التنفيذي المؤقت لمنظمة “أوكسفام” الدولية “شيما فيرا” من أن “الحكومات ستطيل أمد هذه الأزمة بكل ما فيها من مأساة إنسانية وأضرار اقتصادية في حال سمحت لشركات الأدوية بالاحتكار ووضع أرباحها على سلم أولوياتها.”

وأضاف أنه “لن تتمكن أية شركة بمفردها من تلبية احتياجات العالم من لقاح كوفيد-19، لذا ندعو الشركات إلى أن تشارك معارفها بعيدًا عن براءات الاختراع وأن تدعم قفزة نوعية في الإنتاج للحفاظ على سلامة الجميع، فنحن بحاجة إلى لقاح لسلامة الشعوب، وليس للربح”.

ويقدِّر تحالف “لقاح الشعب” الذي يضم منظمة العفو الدولية و”أوكسفام” و”فرونتلاين ديفيندرز” و”جلوبال جتستس ناو” أن شخصًا واحدًا فقط من بين كل 10 أشخاص سيتم تطعيمه في حوالي 70 دولة منخفضة الدخل بسبب الادخار الهائل للقاحات من قبل الدول الغنية.

وبالرغم من الخطوات المتخذة لضمان الحصول العادل على اللقاحات، يحذّر التحالف من أنه لن تكون هناك جرعات كافية للجميع في كل مكان ما لم تشارك شركات الأدوية تقنيتها للسماح بإنتاج المزيد من اللقاحات وتوزيعها.

في الوقت ذاته، يبقى حاليًا تفاوت كبير في مدى استعداد شركات الأدوية العاملة في تطوير اللقاح لإنتاج إمدادات كافية للدول الفقيرة. وقد خصصت شركتا “مودرنا” و”فايزر” حتى الآن جرعات للدول الغنية فقط، وستكون هناك حاجة إلى مساعداتٍ إضافية للدول ذات الموارد القليلة لاستخدام لقاحاتها، لأنها تتطلب تخزينًا شديد البرودة.

في المقابل، تعهدت شركة “أسترا زينيكا” بثلثي جرعاتها للدول منخفضة الدخل بتكلفة 4 دولار فقط للجرعة الواحدة. ومع ذلك، فإن الطاقة الإنتاجية لشركة “أسترا زينيكا” ليست كافية لتلبية الحاجة، فيمكنها إمداد ما يصل إلى 38% من سكان العالم إذا كانت هناك حاجة إلى جرعة واحدة فقط، وهو ليس الواقع.

يذكرنا ذلك بما قاله “جون نكينجاسونج” مدير المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها لشبكة “سي إن إن” حول أن “اللحظة التي تحدثنا عنها جميعًا عن التضامن والتعاون العالمي أصبحت واقعًا، فهذا هو المحك الحقيقي. وهو من غير الأخلاقي حصول بعض الدول على فائض من الجرعات، بينما لم تحصل غيرها على جرعاتٍ على الإطلاق.”

أصدر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الصحة مبادئ توجيهية لجعل الأدوية المنقذة للحياة في متناول أكبر عدد ممكن من الناس، ولا سيما الأطفال، وكبار السن، وأولئك الذين يعيشون في فقر.

ودعت المبادئ التوجيهية الشركات إلى التحلي بأكبر قدر ممكن من الشفافية في تحديد الوصول إلى منتجاتها، واحترام نص وجوهر تصريح الدوحة بشأن اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الجوانب المتصلة بالتجارة لحقوق الملكية الفكرية (اتفاق تريبس).

يقر الإعلان بمسؤولية الدولة عن حماية الصحة العامة وتعزيز الوصول العالمي للأدوية، بما في ذلك السماح بالترخيص الإجباري والواردات الموازية، كما ينص على أن الحصول على الرعاية الصحية يجب أن يُمنح للجميع، بصرف النظر عن الوضع الاقتصادي.

ما لا يقل عن نصف سكان العالم لا يستطيعون تحمل تكاليف الرعاية الصحية وبالتالي فإنه من المحتمل أن تكون اللقاحات غير متوفرة لنصف سكان العالم ما لم تكن مجانية وما لم يتوفر الدعم لتوفير البنى التحتية اللازمة.

وأعربت وكيلة الأمين العام والمديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز “ويني بيانيما” عن قلقها بشأن احتكار الشركات وتقييد إمدادها للأدوية المنقذة للحياة بشكلٍ مفتعل وبالتالي تضخيم أسعارها، كما فعلت مع أدوية الإيدز.

يدعو برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز وتحالف “لقاح الشعب” إلى اتباع نهج جديد يضع الصحة العامة في المقام الأول من خلال تبادل المعرفة وزيادة الإمدادات إلى أقصى حد.

وحذّرت ” آنا ماريوت” مديرة السياسة الصحية في منظمة “أوكسفام” قائلة: “ما لم يتغير شيء ما بشكلٍ كبير، فلن يحصل مليارات الأشخاص حول العالم على لقاح آمن وفعال لفيروس كوفيد-19 لسنواتٍ قادمة”.

أطلقت كل من منظمة الصحة العالمية والمفوضية الأوروبية والحكومة الفرنسية “مسرّع الوصول إلى أدوات كوفيد-19” في أبريل الماضي. وكانت “كوفاكس” إحدى مبادراته التي تركز على الجمع بين جميع الأطراف ذات الصلة لضمان وصول مبتكر وعادل للقاحات كوفيد-19.

حتى الآن، احتفظت “كوفاكس” بـ 700 مليون جرعة من أصل ملياري جرعة تهدف إلى الحصول عليها وتوزيعها بحلول نهاية عام 2021.

وقد ساهم الاتحاد الأوروبي بمبلغ 500 مليون يورو لـ “كوفاكس” للمساعدة في تأسأمين اللقاح لـ 92 من الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل.

ومع ذلك، واجهت خطة توزيع “كوفاكس” للقاح انتقاداتٍ واسعة، فقد سُمح للدول الأكثر ثراءً بحجز جرعات لـ 50% من سكانها، بينما تمكنت الحكومات ذات الدخل المنخفض من المطالبة بما يكفي لـ 20% من سكانها فقط. علاوة على ذلك، تستطيع أيضًا الدول الغنية دفع سعر أعلى مقابل اختيار اللقاحات المفضلة لديها.

يعتبر الإنتاج تحدٍ آخر يواجه تقديم اللقاحات، فيكاد يكون من المؤكد أن شركات الأدوية لن تكون قادرة على إنتاج جميع الجرعات المحجوزة في المستقبل القريب.

فقد أعلنت شركة “فايزر” أنها ستنتج 100 مليون جرعة بحلول نهاية عام 2020، لكنها خفّضت هذا التوقع لاحقًا إلى النصف. تنبأ بعض الخبراء الذين استشهدت بهم صحيفة “نيويورك تايمز” بأنه لن يكون هناك لقاحات كافية للجميع حتى عام 2022 على أقل تقدير، وتنبأ آخرون باستمرار ذلك حتى عام 2024.

لكل هذه الأسباب، طلبت كل من “كوفاكس” ومنظمة الصحة العالمية من الدول التي احتفظت بالفعل بكمياتٍ كبيرة من اللقاحات التبرع بجزء منها للدول منخفضة الدخل أو تلك الأكثر عرضة للخطر، فباشرت كندا مناقشة هذا الخيار بالفعل.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أولئك الذين يتلقون لقاح “فايزر” و”مودرنا” لن يكون لديهم التسهيلات أو التدريب اللازم لتخزينهما بشكلٍ صحيح. ومع ذلك، يعتقد الخبراء أنه حتى في حال تبرعت الدول الغنية بجزء من جرعاتها، فلن يكون هناك لقاح كافٍ لكل الدول وسيقع الفقراء ضحية هذا حتمًا.

لا بد من إيلاء اهتمام خاص بالفئات الضعيفة مثل اللاجئين والمشردين، فلن يعم الأمن الصحي ما لم يتمكن الجميع من الحصول على اللقاحات.

لذا، يجب تضمين المهاجرين، واللاجئين، وطالبي اللجوء، والمشردين في حملات التطعيم، فكونهم يعيشون أو يعملون في كثير من الأحيان في ظروفٍ مزدحمة أو غير آمنة بالإضافة إلى عجزهم عن الحصول على المياه النظيفة يجعلهم عرضة لخطرٍ أكبر، لذا ينبغي ألا يُترك أي أحد دون تطعيم.

توصيات إمباكت:

  • دعت إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان الحكومات أن تبذل قصارى جهدها لتوفير اللقاحات لكل فرد داخل حدودها، بغض النظر عن الدخل أو وضع المواطنة.
  • تطالب إمباكت الدولية شركات الأدوية بتخصيص جرعات للدول منخفضة الدخل وتوفر دعم إضافي لنقل وتخزين التطعيم.
  • على “كوفاكس” أن تتبنى نظام توزيع يمتاز بمزيدًا من الشفافية والمسؤولية.
  • يجب على الشركات تبدّي صحة الشعوب على براءات الاختراع، وأن تتبع نهجًا قائمًا على المصادر المفتوحة لمشاركة ما لديها من تكنولوجيا ومعرفة لخدمة المصلحة العامة.
  • يجب على الحكومات إدراج المهاجرين، وطالبي اللجوء، واللاجئين في برامج توزيع اللقاحات الخاصة بهم.

اقرأ أيضاً: البلدان الغنية تكتنز وتحتفظ لنفسها باللقاحات التي تم التوصل إليها

قد يعجبك ايضا