سوريا: الأولوية لإرساء العدالة الانتقاليّة وتعزيز سيادة القانون لحفظ السلم الأهلي
جنيف – شدّد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان على أن تحقيق السلم الأهلي وضمان الأمن المستدام في سوريا بعد إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد يتطلب اعتماد نهج العدالة الانتقالية، وتعزيز سيادة القانون، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة تُفضي إلى تشكيل حكومة شرعية. وأكد أن هذه الخطوات تُعدّ ضرورية لتحقيق التعافي، ومنع الفوضى أو الأعمال الانتقامية، خاصة في ظل فراغ الحكم والهشاشة التي تعاني منها البلاد نتيجة سنوات الحرب والصراعات الداخلية، إلى جانب تفشي سياسة الإفلات من العقاب.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن سوريا تمر بمرحلة مفصلية تتطلب تكاتف الجهود لضمان سيادة القانون، وتعزيز الأمن، وإنصاف الضحايا الذين تحملوا لعقود قمعًا منهجيًا وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، مشددًا على أن هذه الخطوات تمثل حجر الأساس لبناء مستقبل مستدام للبلاد قائم على العدالة والمساءلة واحترام الحقوق والحريات الأساسية.
وأضاف المرصد الأورومتوسطي أن بعض القرى والبلدات في سوريا شهدت، في أعقاب التطورات الأخيرة، ممارسات وتجاوزات استهدفت السكان وممتلكاتهم. وأوضح أن هذه الانتهاكات دفعت أعيانًا من مدن وأرياف الساحل إلى توجيه نداء إلى القيادات الجديدة، بتاريخ 17 ديسمبر/كانون أول الجاري، للمطالبة بضرورة وضع حد لهذه التجاوزات التي قد تؤدي إلى تأجيج النعرات الطائفية وتهديد السلم الأهلي.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على ضرورة احترام حقوق الإنسان وضمان حماية المدنيين في جميع أنحاء سوريا، مؤكدًا أن أي تجاوزات أو انتهاكات، سواء كانت فردية أو منظمة، وبغض النظر عن مرتكبها، تُعد انتهاكًا للقوانين الدولية التي تظل نافذة في جميع الأوقات وتحت مختلف الظروف، وتسهم في تأجيج التوترات وزعزعة الاستقرار.
وشدد على ضرورة إجراء مراجعة شاملة للقوانين في سوريا، ولا سيما قانوني العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، مع ضرورة تعديلهما بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما دعا إلى إصلاح النظام القضائي وأجهزة الأمن، وتعزيز حقوق المواطنين من خلال إنهاء القيود المفروضة على تكوين الجمعيات وحرية الرأي والتعبير، فضلاً عن ضمان الحق في التجمع السلمي بما يتوافق مع المعايير الدولية.
وجدد المرصد الأورومتوسطي تأكيده على ضرورة إرساء العدالة الانتقالية في سوريا، مُشددًا على مسؤولية الحكومة الانتقالية في تعزيز الاستقرار ومنع الفوضى من خلال اتخاذ تدابير عاجلة لتعزيز الأمن الداخلي وحماية المدنيين، وضمان عدم الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة حتى إجراء انتخابات حرة ونزيهة تشمل جميع أنحاء البلاد. وتكمن أهمية هذه الانتخابات في تمهيد الطريق لتشكيل حكومة منتخبة، تتحمل مسؤولية استكمال عملية العدالة الانتقالية عبر تنفيذ آليات المساءلة ومعالجة آثار الانتهاكات السابقة.
وأشار الأورومتوسطي إلى أن التنسيق بين الحكومة الانتقالية والحكومة المنتخبة في هذا السياق يعد أمرًا بالغ الأهمية لضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق الضحايا، وبالتالي بناء مستقبل مستقر وعادل للبلاد.
وأكد المرصد الأورومتوسطي على أهمية التنسيق بين الحكومة الانتقالية والحكومة المنتخبة في عملية العدالة الانتقالية، حيث يقع على عاتق الحكومة الانتقالية وضع الأسس الأولية لتحقيق العدالة، من خلال تعزيز سيادة القانون والاستقرار. ومن ثم، تتولى الحكومة المنتخبة دورًا حاسمًا في استكمال هذه العملية على المدى الطويل، من خلال تعزيز المساءلة والمحاسبة عن الانتهاكات السابقة أيًا كان مرتكبها، وضمان حماية حقوق الضحايا، وإعادة بناء المؤسسات القضائية والأمنية، وتطوير آليات فعالة للمصالحة الوطنية، مع ضمان التزامها بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
كما شدد على ضرورة تعزيز استقلالية الهيئات القضائية لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت خلال السنوات السابقة، مع ضمان منع الإفلات من العقاب وتفادي تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل. وأكد على أهمية العمل لبناء دولة ديمقراطية تقوم على المساواة واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وفي مقدمتها حق الوصول إلى العدالة وحق المحاكمة العادلة.
ونبه المرصد الأورومتوسطي إلى ضرورة إنشاء لجنة وطنية للعدالة الانتقالية تتولى توثيق الانتهاكات وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، فضلاً عن تعزيز جهود المصالحة الاجتماعية. وأكد على ضرورة أن تضم هذه اللجنة تمثيلاً شاملاً لجميع فئات المجتمع السوري لضمان شمولية العدالة وتوفير بيئة شافية لجميع الأطراف المعنية وتعزز من الوحدة الوطنية.
وختم الأورومتوسطي بأنّ تحقيق العدالة الانتقاليّة في سوريا مطلب قانوني وأخلاقي، لضمان الانتقال السّلمي للسلطة إلى حكومة شرعيّة منتخبة، ولإعادة بناء الثّقة بين الدّولة وكافّة أطياف المجتمع، داعيًا بهذا الصدد جميع الأطراف الوطنيّة والدوليّة إلى تقديم الدّعم اللّازم لتحقيق هذه الأهداف وبناء مستقبل أفضل لجميع السوريين.