مطالبات للسلطات المصرية بتوفير لقاح “كورونا” بشكل عادل

قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن على الحكومة المصرية تعزيز الإجراءات التي اتخذتها لتوفير لقاحات فيروس “كورونا” بشكل عادل للجميع في مصر.

وقالت “هيومن رايتس ووتش” أيضاً: على الحكومة أن تخصص اللقاحات بشفافية، بناء على معايير سليمة للسياسات والصحة العامة، بما فيها إرشادات “منظمة الصحة العالمية”.

حتى أوائل مارس/آذار 2021، أتاحت الحكومة المصرية اللقاحات لبعض العاملين الصحيين فقط، بالإضافة إلى عدد محدود من المسنين وذوي الأمراض المزمنة، ولم تقدم خطة واضحة لتوفير اللقاح.

جاءت المعلومات الرسمية، ومعظمها شفهية، متناقضة وتشير إلى أن الحكومة تعتزم فرض رسوم على اللقاح أو مطالبة ملايين الأشخاص محدودي الدخل بالتقدم بطلب إعفاء من الرسوم، ما يفاقم عدم التكافؤ في الحصول على اللقاح.

قال عمرو مجدي، باحث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “فرض رسوم على الفقراء من المصريين لقاء لقاح ضروري يتعارض مع الحق الإنساني الأساسي في الصحة ويعكس خللا في أولويات الحكومة.

لمكافحة الوباء بفعالية، على مصر توسيع نطاق الحصول على اللقاح بجعله متاحا بكلفة معقولة للجميع، ومجانيا حيث تدعو الحاجة”.

لم تتبن البلدان ذات الدخل المرتفع، التي حجزت مسبقا الغالبية العظمى من إمدادات لقاح كورونا في العالم، اقتراحات مثل التنازل عن الملكية الفكرية من أجل تعزيز وصول اللقاحات إلى البلدان ذات الدخل المنخفض.

قالت وزيرة الصحة هالة زايد في مؤتمر صحفي في 24 يناير/كانون الثاني إن الفرق الطبية ستتلقى اللقاح مجانا، بالإضافة إلى الأشخاص المدعومين من برنامج “تكافل وكرامة”، وهو برنامج دعم نقدي حكومي أطلِق عام 2015 كجزء من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية المرتبطة باتفاقيات قروض “صندوق النقد الدولي”.

يغطي البرنامج أقل من نصف المصريين الأكثر فقرا. يبدو أنه سيُطلب من أي شخص آخر الدفع.

في أواخر 2020، كان البرنامج يدعم 3.6 مليون أسرة، تضم 14 مليون شخص. كانت نسبة المصريين الذين يعيشون رسميا تحت خط الفقر الوطني، حاليا 857 جنيه شهريا (54.6 دولار أمريكي)، 29.7% من عدد السكان البالغ 100 مليون نسمة في 2019-2020، وذلك قبل ظهور الوباء.

قالت زايد في مقابلة تلفزيونية في 24 يناير/كانون الثاني إن دفعة اللقاح المطلوبة ستصل إلى 100 جنيه (6.38 دولار) للجرعة، وإن الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة اللقاح ولكنهم غير مسجلين في إطار تكافل وكرامة يمكنهم طلب الإعفاءات. لم توضح وزارتها بعد كيف، وأين، ومتى يمكن للناس طلب هذه الإعفاءات.

رفضت زايد في مؤتمرها الصحفي الإجابة على سؤال صحفي حول عدد هؤلاء الذين يُعتبرون أعضاء في المهن الطبية والفئات الأكثر احتياجا للتطعيم، وبدا أنها تستبعد العاملين الصحيين غير الأطباء والممرضات.

لا يبدو أن الخطط الحكومية تعطي الأولوية لتلقيح العمال في الوظائف عالية الخطورة في قطاعات مثل المتاجر الغذائية، ودور رعاية المسنين، والتعليم.

في يناير/كانون الثاني، أنشأت الحكومة موقعا إلكترونيا بدأ في 1 مارس/آذار بقبول التسجيلات الخاصة باللقاح، ولكن فقط للمهنيين الطبيين، وكبار السن، والأشخاص الذين لديهم ظروف صحية تهدد المناعة. في 4 مارس/آذار، قدمت وزارة الصحة اللقاح لأول مرة للأشخاص المسجلين من غير المهنيين الطبيين.

قالت زايد إن حوالي 153 ألف شخص فقط تسجلوا في الموقع بحلول 4 مارس/آذار. في 7 مارس/آذار، أفادت تقارير وسائل إعلامية موالية للحكومة أن أقل من 2,500 شخص تلقوا اللقاح.

قال مسؤول في وزارة الصحة لـ “سكاي نيوز العربية” إن اللقاح يقدم مجانا. لكن الحكومة لم تصدر أي توضيح بشأن ما إذا كان الأمر سيبقى كذلك بالنسبة للجميع.

قالت زايد إن أولئك الذين لا يستطيعون استخدام الموقع يمكنهم التسجيل في مستشفى محلي. هذه خطوة إيجابية، لكن على السلطات ضمان أنها لا تؤدي إلى عدم تساوي الفرص للأشخاص الذين تتوفر لهم إتاحة أقل للاتصال بالإنترنت، بمن فيهم النساء، وكبار السن، والفقراء.

يتطلب نظام التسجيل على الإنترنت رقم هاتف محمول ورقم الهوية الوطنية (بطاقة رقم قومي)، ما يستثني المقيمين غير المواطنين، بمن فيهم اللاجئون.

قال أحد سكان القاهرة، الذي سجل والديه في النظام، لـ هيومن رايتس ووتش إنهم تلقوا أرقام التسجيل عبر الرسائل النصية، لكن لم يتلقوا مواعيد التلقيح بعد. كما نشر أحد المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي في تغريدة على “تويتر” إنه مرّ بنفس التجربة.

ادعى وزير المالية محمد معيط في 14 يناير/كانون الثاني أنه “لا توجد أزمة” في تخصيص الأموال للقاحات، لكنه قال إن الحكومة بحاجة إلى 20 مليار جنيه مصري (1.27 مليار دولار) لتوفير اللقاحات لـ 100 مليون مصري.

وكانت الحكومة، في وقت بيانه، قد خصصت مليار جنيه فقط (63,750 دولار) لشراء اللقاحات. اعتبرت وسائل الإعلام الموالية للحكومة تصريحاته أنها تعني أن اللقاح لن يكون مجانيا للجميع.

كانت البيانات الرسمية غامضة بشأن عدد الجرعات التي حصلت عليها مصر. حتى أوائل مارس/آذار، تلقت مصر على ما يبدو 400 ألف جرعة لقاح، منها 350 ألف جرعة “سينوفارم” صينية، استُلمت كهدية من الإمارات والصين.

كما تلقت مصر 50 ألف جرعة من لقاح “أسترازينيكا” البريطاني في 31 يناير/كانون الثاني، في إطار صفقة لتسليم 20 مليون جرعة.

قالت زايد إن الحكومة ستتلقى أيضا 40 مليون جرعة من اللقاحات عبر نظام “كوفاكس”، وهو آلية عالمية لشراء لقاح كورونا. يشير تصريحها على ما يبدو إلى الهدف الأوسع لكوفاكس، وهو أن تحصل كل دولة مشاركة على جرعات كافية لـ 20٪ من عدد سكانها “على المدى الطويل”.

توقعت كوفاكس في أوائل فبراير/شباط أن مصر ستحصل على 5.1 مليون جرعة عام 2021، لكن التقديرات المبكرة في مارس/آذار خفضت العدد المتوقع إلى 4.4 مليون.

تُظهر تقارير إعلامية أن الحكومة تطلب من شركات القطاع الخاص وأصحاب الأعمال الأثرياء التبرع بالمال لتغطية تكاليف اللقاح من خلال صندوق “تحيا مصر” الذي يفتقر إلى الشفافية ويُشرف عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي مباشرة خارج ميزانية الدولة. قال وزير الصحة إن هذا هو مصدر تمويل اللقاحات، خلافا لتصريح وزير المالية بأن التمويل سيأتي من ميزانية الحكومة.

عادة لا تنشر السلطات المصرية معلومات كافية عن التبرعات للصندوق، رغم أن الرئيس السيسي طلب بشكل مباشر في مناسبات عديدة تبرعات من أصحاب الأعمال.

استهدفت الحكومة الصحفيين والجماعات الحقوقية بعد تغطية انتقدت الإنصاف بما يتعلق بكورونا وقضايا أخرى. هذه العوامل وغياب خطة واضحة لنشر اللقاح تجعل من الصعب تقييم جهود الحكومة لتوفير اللقاح.

وقّعت مصر اتفاقيات قروض بقيمة 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي لدعم مواجهة العواقب الصحية والاقتصادية لكورونا، بالإضافة إلى مشاريع عدة لدعم قطاع الصحة مع البنك الدولي بمئات ملايين الدولارات.

يبدو أنه لم يتم الوفاء بعديد من المتطلبات الواردة في هذه الاتفاقيات، بما فيها الشفافية حول العقود.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة المصرية نشر عقود اللقاحات. الشفافية حول الشروط والأحكام أمر بالغ الأهمية لمساءلة الشركات والحكومة.

تتحمل شركات الأدوية مسؤوليات حقوقية تتماشى مع “مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان” و”مبادئ حقوق الإنسان التوجيهية لشركات صناعة الأدوية فيما يتعلق بسبل الحصول على الأدوية”.

على الشركات تجنب الاستخدام المفرط لـ “السرية التجارية” ويجب ألا تمنع الحكومة من الكشف عن أسعار شراء اللقاحات.

أمام مصر تحديات خارجية تواجهها عديد من الدول ذات الدخول المنخفضة في الحصول على لقاحات كورونا.

بدافع القلق من أن تسعير اللقاحات يمكن أن يكون عائقا كبيرا أمام الوصول الشامل والعادل، قالت هيومن رايتس ووتش إن على الشركات والحكومات أن تدعم اقتراح الهند وجنوب أفريقيا في “منظمة التجارة العالمية” بالتنازل عن جوانب من اشتراطات الملكية الفكرية العالمية لتمكين التصنيع المحلي على نطاق واسع وجعل اللقاحات في متناول الجميع.

مصر هي إحدى رعاة الاقتراح. قال مكتب “مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان” إنه يجب التعامل مع لقاحات كورونا على أنها “سلع عامة عالمية، وليس سلعا متوفرة فقط لتلك البلدان والأشخاص الذين يمكنهم دفع السعر المطلوب”.

يؤكد القانون الدولي أن لكل فرد الحق في “أعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية”. تتحمل الدول مسؤولية “أن تتيح للجميع، دون تمييز، ولا سيما للفئات الأكثر ضعفا، أفضل التطبيقات المتاحة للتقدم العلمي الضروري للتمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه”.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة المصرية تخصيص ميزانية مجدية لشراء وتوزيع اللقاحات الكافية للوفاء بهذا الالتزام.

يفرض دستور 2014 على الحكومة تخصيص 3٪ على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي للصحة، لكن الحكومة في 2019-2020 خصصت 1.19٪ فقط وبعد الوباء 1.37٪ فقط في 2020-2021، وفقا لدراسة أجرتها “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”.

رفع محامي حقوق الإنسان البارز خالد علي دعوى قضائية في أواخر يناير/كانون الثاني، يطلب فيها من المحكمة الإدارية أن تأمر الحكومة بتوفير اللقاحات لجميع المصريين مجانا. في 13 فبراير/شباط، أجّلت المحكمة جلسة الاستماع في القضية إلى 27 مارس/آذار.

قال مجدي: “افتقار الحكومة المصرية إلى الشفافية في التعامل مع حالة الطوارئ الصحية العامة التي تهدد الحياة أمر غير مقبول. هذا أيضا تذكير بأن الصحة والحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأخرى تتعزز بشكل كبير عن طريق حرية التعبير ووجود مجتمع مدني نابض”.

اقرأ أيضاً: مطالبات بالإفراج فوراً عن عبير ناجد المعتقلة لدى السلطات المصرية

قد يعجبك ايضا