مطالبات بوصول المساعدات مباشرة إلى من هم بحاجة إليها في لبنان بدون اشراك الحكومة

(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنه يتعيّن على المانحين الدوليين الذين استجابوا إلى الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب أن يضمنوا أن مساعداتهم تؤمن حماية مباشرة وفورية لحقوق المتضررين.

عليهم ألا يصرفوا المساعدات، بما في ذلك تلك المخصصة للسكن والطعام والرعاية الصحية، مباشرة إلى الحكومة اللبنانية نظرا إلى عدم قدرتها على ضمان هذه الحقوق.

بدلا من ذلك، ينبغي أن تذهب الأموال مباشرة إلى الذين يحتاجون إليها أو إلى المنظمات التي لديها رغبة وقدرة على تقديم خدمات عاجلة في الميدان.

يمكن تحقيق ذلك عبر هيئة تعمل بشفافية ولديها تفويض واضح بحماية الحقوق مثل ائتلاف (كونسورتيوم) يكون فيه لمنظمات المجتمع المدني اللبنانية المستقلة دور واضح في صنع القرار والإشراف.

قالت آية مجذوب، باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش: ” ينبغي ألا تُشكِّل حاجة لبنان الملحة إلى المساعدات عذرا للضغط على المانحين الدوليين لتسليم المال إلى الحكومة اللبنانية، التي قد أهدرت في السابق المليارات من أموال المساعدات، والتي تسببت عدم كفاءتها بهذه الكارثة الإنسانية.

ساعد الفساد في تدمير بيروت، بالتالي ينبغي أن تكون حماية الحقوق الاقتصادية الأساسية والإشراف العام المدماك الأساسي لإعادة بناء المدينة”.

في مؤتمر للمانحين قادته فرنسا في 9 أغسطس/آب، تعهّد 36 بلدا بتقديم نحو 253 مليون يورو (300 مليون دولار أمريكي تقريبا) كدعم فوري للبنان. من المقرر انعقاد مؤتمر ثانٍ في أكتوبر/تشرين الأول.

تعهدت الدول بهذه الأموال لمساعدة لبنان في التعامل مع مفاعيل تفجير المرفأ الذي دمر المدينة وأسفر عن مقتل 212 شخصا، وجرح 6 آلاف وترك 300 ألف شخص تقريبا بلا مسكن.

يستورد لبنان 80% من أغذيته، لكن الانفجار بالإضافة إلى الحريق الذي حدث في المرفأ في 10 سبتمبر/أيلول دمرا المصدر الأساسي للغذاء في لبنان، حيث أن 70% من واردات لبنان كان تمرّ عبر المرفأ. قالت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” إن حريق 10 سبتمبر/أيلول دمر مخزن مساعدات كان يحوي حصصا غذائية وكاد يعطل عملياتها الإنسانية.

غياب شبكة أمان اجتماعية فعالة في لبنان، والتي من شأنها ضمان الحقوق الأٍساسية مثل السكن الملائم والطعام للجميع، جعل معظم اللبنانيين يعتمدون على “نظام المحسوبيات” الفاسد والقائم على الطائفية للحصول إلى الخدمات الأساسية مثل الوظائف والتعليم والرعاية الصحية.

حتى قبل الانفجار، كان ملايين الناس يعانون لتحمل تكاليف الطعام، والسكن، والرعاية الصحية، والكهرباء، وحقوق أساسية أخرى بسبب تضافر الأزمة الاقتصادية مع تفشي فيروس “كورونا”.

من واجب الحكومة اللبنانية، رغم مواردها المحدودة، ضمان حصول المتضررين من الانفجار على السكن اللائق، والطعام، والمياه والرعاية الصحية. لكن كان غياب الحكومة واضحا عن جهود الإغاثة والدعم الإنساني، التي قادها المتطوعون ومنظمات المجتمع المدني.

أزالت هذه المجموعات الركام من شوارع الأحياء المدمرة في بيروت، وأجرت عمليات تقييم للاحتياجات، وأصلحت المنازل، وسلّمت مواد أساسية  مثل الطعام والشراب، وأنشأت قاعدة بيانات بأسماء المفقودين، وزوّدت الناجين بالدعم الصحي البدني والعقلي.

لم تُظهر الحكومة اللبنانية أي قدرة على إدارة المساعدات بطريقة تحمي بالكامل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لجميع السكان دون تمييز.

تلقى لبنان مساعدات وقروض ميسرة بقيمة مليارات الدولارات منذ انتهاء الحرب الأهلية في 1990، لكن أظهر بحث أساسي أن المنافع لم تُوزَّع بإنصاف، وأهدِرت عبر الفساد وسوء الإدارة. تعهد المانحون الدوليون في 2018 بـ 11 مليار دولار أمريكي خلال مؤتمر “سيدر” الذي نظمته فرنسا. لكنهم رفضوا تحرير المساعدات قبل قيام السلطات اللبنانية بإصلاحات شاملة.

وجد “المركز اللبناني للدراسات” في دراسة أجراها في 2018 أن 98% من المواطنين اللبنانيين يعتقدون أن الفساد في لبنان مشكلة كبيرة أو كبيرة إلى حد ما، وأن 75% من المجيبين قالوا إن الفساد ازداد كثيرا أو بعض الشيء خلال السنتين الأخيرتين. منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، يطالب مئات آلاف المتظاهرين بالمحاسبة وإنهاء الفساد لكنهم جوبهوا في أغلب الأحيان بالقوة غير القانونية.

رغم التصورات الواسعة حول الفساد، لم يُحاسَب أي مسؤول رسمي متهم بالفساد أو إساءة استخدام المال العام. القوانين التي أقرها مجلس النواب لمكافحة الفساد وزيادة الشفافية مثل قانون الحق بالوصول إلى المعلومات (فبراير/شباط 2017) وقانون حماية كاشفي الفساد (سبتمبر/أيلول 2018) لم يطبقا بعد بالكامل.

لا يزال لبنان أحد البلدان الأكثر تفاوتا في العالم، إذ تتركّز 55% من الدخل الوطني بِيد 10% من أصحاب الدخل الأعلى الذين يبلغون 10%.  بحسب تقديرات جوليان كورسون، رئيس “الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية”،  يخسر لبنان سنويا 2 مليار دولار من إيرادات الجمارك بسبب الفساد.

تشير التقديرات الأولية لـ”البنك الدولي” إلى أن انفجار بيروت ألحق أضرارا مادية تتراوح بين 3.8 مليار دولار و4.6 مليار دولار، بينما تراوحت قيمة الخسائر بسبب تراجع النشاط الاقتصادي بين 2.9 مليار و3.5 مليار دولار. قال البنك الدولي إن القطاعات الأكثر تضررا هي الإسكان، والنقل، والموجودات الثقافية الملموسة وغير الملموسة.

تُقدر احتياجات إعادة إعمار القطاع العام وتعافيه، لعامَي 2020 و2021، بما يتراوح بين 1.8 و2.2 مليار دولار، حيث يلزم في القريب العاجل توفير ما بين 605 و760 مليون دولار حتى شهر ديسمبر/كانون الأول 2020، ومن 1.18 إلى 1.46 مليار دولار على المدى القصير لعام 2021.

قالت هيومن رايتس ووتش إن في ظل المزاعم الموثوقة بشأن الفساد بين المسؤولين الرسميين وتقاعس السلطات المستمر عن معالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية الكبيرة والتي تهدد قدرة المواطنين على الحصول على الحقوق الأساسية، يتعيّن على المانحين الدوليين تفادي إرسال مساعداتهم الطارئة عبر الحكومة بل إرسالها مباشرة إلى من يحتاجون إليها، بما في ذلك عبر منظمات المجتمع المدني اللبنانية المستقلة.

على المانحين أيضا الضغط على السلطات اللبنانية لاعتماد وتنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية مجدية وواسعة النطاق من شأنها أن تضمن حماية الحقوق الأساسية للجميع في البلاد دون تمييز.

كخطوة أولى نحو تحقيق المحاسبة وإعادة بناء الثقة بين المؤسسات والشعب في لبنان، على المانحين الدوليين حث القادة السياسيين اللبنانيين على الدعوة إلى تحقيق دولي مستقل في الأسباب المباشرة لانفجار بيروت وإهمال الحكومة وفسادها الواسعين اللذين أوصلا إلى المأساة.

يفتقر التحقيق المحلي الجاري إلى الثقة العامة وإلى ضمانات أساسية باتباع الإجراءات الواجبة. أحالت الحكومة القضية إلى محكمة خاصة [المجلس العدلي] لا تتيح أي إمكانية للطعن وعينت “محققا عدليا” لقيادة التحقيقات عبر عملية مبهمة يدعي كثيرون أنها مسيسة.

في هذه الأثناء، ونظرا إلى الاحتياجات الطارئة للبنان، ينبغي على المانحين إرسال المساعدات المالية الطارئة مباشرة إلى الذين يحتاجون إليها، أو عبر منظمات تقدم الخدمات العاجلة في الميدان، مثل تأمين السكن، والطعام، والمياه، والرعاية الصحية، بالإضافة إلى المنظمات الدولية.

في لبنان مجتمع مدني قوي وقد أظهرت المنظمات استعدادها للمشاركة في إعادة الإعمار والتعافي، وتحديدا عبر عمليات واسعة النطاق لجمع التمويل  وجهود الإغاثة من الكوارث التي نظمتها بعد الانفجار.

أعلن العديد من المانحين الدوليين بالفعل أنهم سيتجاوزون الحكومة اللبنانية ويقدمون المساعدة عبر وكالات “الأمم المتحدة”. على المانحين أيضا تقديم دعم كبير إلى المجموعات المحلية التي تقود جهود التعافي على الأرض.

الأمم المتحدة تنسّق عادة مشاريعها وتنفذها عبر المؤسسات الحكومية. ينبغي على المانحين الإصرار على ألا تذهب المساعدات التي تتلقاها المنظمات، ومن ضمنها الهيئات الأممية، إلى المؤسسات الحكومية التعسفية أو إلى المؤسسات غير القادرة على حماية الحقوق الأساسية.

عليهم أيضا الإشراف على توزيع الأموال لهذا الغرض وضمان أنّ الأمم المتحدة وشركاءها المنفّذين يحترمون الحقوق ويتحلّون بالشفافية وبالفعالية. يتعيّن على المانحين كذلك أيضا الإصرار على مشاركة منظمات المجتمع المدني المستقلة في الإشراف على تنفيذ المشاريع.

على الوكالات الأممية والمنظمات الأخرى التي تتلقى المساعدات الطارئة أن تنشر دوريا وبشفافية تقارير حول جميع الأموال التي تتلقاها وتنفقها، بما يشمل معلومات عن الشركاء المنفذين الأساسيين والثانويين. عليها أيضا ضمان مساهمة عملياتها في النهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأشخاص المحتاجين، وتحديدا الحق في المياه، والمسكن، والصحة، والغذاء، وأن تنشر كيفية تحقيق ذلك.

قالت مجذوب: “بينما يتواجد المواطنون العاديون ومنظمات المجتمع المدني في شوارع بيروت لرفع الركام، تبقى الحكومة مكتوفة الأيدي وعاجزة. على المانحين الدوليين تقوية المجتمع المدني في لبنان لضمان وصول المساعدات إلى الذين هم الأكثر حاجة إليها”.

إنشاء ائتلاف تمويل [كونسورتيومٍ] أو كيان آخر لتجميع المساعدات الطارئة في صندوق واحد ثم توزيعها بين المنظمات المستوفية لمعايير صارمة على صعيد احترام الحقوق والشفافية.

ينبغي أن تشمل حوكمة هذا الكيان مجموعات المجتمع المدني اللبنانية المستقلة التي تشارك بالفعل في تقديم الدعم في حالات الطوارئ، والقادرة على توفير الإشراف للتخفيف من مخاطر توظيف المسؤولين الحكوميين اللبنانيين نفوذهم لتجيير التمويل لمصالحهم الحزبية أو المالية. سيضمن الكيان صرف الأموال وفق معايير شفافة تعطي الأولوية لحصول الجميع على الحقوق الاقتصادية الأساسية دونما تمييز. 

ضمان حوكمة متنوعة لأي كيان مموِّل للمساعدات الطارئة ويكون للفئات المهمشة – مثل النساء والمهاجرين واللاجئين – تمثيل فيه. ينبغي اختيار الأعضاء بناء على تاريخ مثبت من العمل الفاعل والمستقل في لبنان، بدلا من الروابط أو الترشيحات السياسية.

سيسمح هذا للحكومات المانحة بتجنب الازدواجية في الجهود وبضمان معايير متسقة للإجراءات الواجبة واختيار المشاريع، وضمان وجود فِرَق رصد وتقييم أكثر كفاءة واتساقا. سيضمن ذلك أيضا وجود دور رسمي للمجتمع المدني في قيادة جهود التعافي وتنسيقها، والمساعدة في ضمان قدرتها على مساءلة الحكومة عن توظيفها للأموال العامة بطرق تحترم التزاماتها الحقوقية وتفي بها.

إجراء تقييم سريع وشامل قائم على الحقوق للاحتياجات الطارئة يمكن أن يكون بمثابة خارطة طريق للتعافي، بقيادة المجتمع المدني اللبناني. استخدام هذا التقييم يضمن استناد جميع تدخلات المساعدات إلى مجموعة معلنة من المعايير الموحدة التي تعطي الأولوية لحقوق جميع السكان، وتضمن عدم التمييز، المباشر أو غير المباشر، في الحصول على الحقوق الأساسية.

يشمل ذلك تقييم الوصول الحالي إلى الحقوق الأساسية للفئات المهمشة، بما في ذلك سكان الأحياء ذات الدخل المنخفض واللاجئين والعمال المهاجرين.

ينبغي توزيع المساعدات بشكل يضمن عدم وجود تمييز مباشر أو غير مباشر، بما فيه التمييز على أساس النوع الاجتماعي(الجندر)، والجنسية، والوضع الاجتماعي والاقتصادي، ووضع اللجوء، والتوجه الجنسي والدين، وذلك عبر فهم التفاوتات البنيوية القائمة. ينبغي أن يضمن ذلك أيضا أن تمويل إعادة الإعمار لا يدعم خطط التنمية التي تضر بالممتلكات الثقافية. 

وضع معايير الإجراءات الواجبة لضمان عدم قيام المجموعات الدولية والمحلية التي تتلقى المساعدة، وكذلك شركاؤها المنفذون، بمشاركة أو دعم الحكومة أو كيانات أخرى مسؤولة عن انتهاكات حقوقية، وأنها شفافة وتحترم الحقوق.

ينبغي أن تحظر قواعد التمويل منح العقود لشركات يملكها مسؤولون حكوميون، كليا أو جزئيا. يمكن أن تستفيد الإجراءات الواجبة من الخبرات المحلية في مجال حقوق الإنسان والفساد. 

إنشاء منصة للتتبع والرصد. ينبغي للمانحين جعل نشر جميع العقود والمنح ووثائق المشاريع شرطا لتلقي المساعدة، إلى جانب إصدار تقارير منتظمة وشفافة مع تفاصيل كافية عن الأموال والمشاريع، وأي قيود تضعها الحكومة / السلطات على التنفيذ. ينبغي أن تضمن أيضا وصولا منتظما للجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية والجمهور إلى المنصة لرصد وتقييم التقدم المحرز في تنفيذ المشاريع. 

من أجل حماية الحقوق، ينبغي الحرص بجدية عند إرسال أموال المساعدات الطارئة عبر الأمم المتحدة نظرا لحجم مشاريع التعافي، على استخدام الأموال المصروفة في الغرض المحدد لها. عند القيام بذلك، ينبغي أن يعتمد المانحون والنظام الذي ينشئونه على مدققين مستقلين بالإضافة إلى هيئات المجتمع المدني المحلية المستقلة والقادرة على مراقبة الأموال لضمان عدم حدوث أي تحوير للغرض منها.

 

اقرأ أيضاً: لبنان: وحده التحقيق الدولي يضع ضحايا انفجار بيروت على طريق العدالة

قد يعجبك ايضا