القطيف “مرآة القمع” في السعودية.. أرقام صادمة حول الإعدامات في المدينة

كشفت منظمة حقوقية أن 40% من إعدامات السلطات السعودية على خلفيات سياسية من نصيب مدينة واحدة هي مدينة القطيف التي توصف بأنها “مرآة القمع” في المملكة.

ومنذ العام 2016، تنفّذ السلطات السعوديّة أحكام قتل صادرة عن المحكمة الجزائية المتخصّصة رسميًّا بقضايا الإرهاب، لكنّها شملت، بعشوائيّة لا تستند إلى معايير، قضايا متعلّقة بالتعبير عن الرأي والمشاركة في مظاهرات وتجرّمها على أنّها إرهاب.

وقالت المنظّمة الأوروبيّة السعوديّة لحقوق الإنسان إنها تتبعت 229 إعدام نفّذته السعوديّة منذ بداية يناير 2016 حتى نهاية فبراير 2024، بأحكام صادرة عن المحكمة المتخصصة وفي الإعدامات الجماعية، وأجرت دراسة إحصائيّة بناء على المعلومات المتوفّرة.

وأظهر تحليل المعلومات أن 93 إعداماً أي ما نسبته 40% من مجمل الإعدامات، طال أفرادًا من القطيف، على خلفيّة الأحداث التي شهدتها المحافظة.

وبحسب الهيئة العامة للإحصاء، بلغ عدد سكّان السعوديّة حتّى نهاية 2023، 32 مليونًا و175 ألفا، 552 ألفًا من سكّان القطيف، أي ما نسبته 1.7% تقريبًا.

وتدفع محافظة القطيف في السعودية إذًا منذ 13 عامًا، ضريبة التحرّكات المشروعة التي نودي فيها بحقوق مدنيّة وسياسيّة واجتماعيّة، وذلك في سياق تحرّكات متنوّعة في عموم البلاد، تزامنت مع الربيع العربي.

وتفاوتت الانتهاكات التي تعرّض لها العديد من سكان المحافظة بين الاعتقالات التعسفيّة والتعذيب وسوء المعاملة والتضييق، وصولا إلى القتل خارج نطاق القضاء، وبموجب أحكام إعدام.

ففي فبراير 2011، وفي ظل الاحتجاجات التي شهدتها معظم دول المنطقة، شهدت بعض مدن السعودية تجمعات ومظاهرات مطالبة بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والإفراج عن المعتقلين من دون محاكمات.

ومع تطوّر الأوضاع في البحرين وتدخّل السعوديّة لقمع المظاهرات المطالبة بالديمقراطيّة، اتّسعت المظاهرات في القطيف لتشمل مطالبات بخروج قوّات درع الجزيرة من البحرين.

قابلت الحكومة السعودية المظاهرات بالتضييق، وبالقمع لاحقًا، واستخدمت السلاح لتفريق المتظاهرين، ما أدّى إلى قتل عدد منهم.

وفي الأشهر الأخيرة من 2011 قتلت قوّات الأمن السعودية أوّل المتظاهرين، وهم علي الفلفل وناصر المحيشي، ومع نهاية العام كانت قد قتلت 5 متظاهرين، 4 منهم بالرصاص وواحد دهسًا.

وفي ديسمبر 2011، بدأت السعودية بملاحقة المتظاهرين والمواطنين، وشنّت حملات من الاعتقالات والمداهمات باستخدام الأسلحة والسيارات المصفّحة، وأسفر تصاعد حدّة العنف عن مواجهات.

وفي يناير 2012، أعلنت وزارة الداخليّة السعوديّة عن قائمة مطلوبين من 23 شخص، 15 منهم على الأقل على علاقة بالمظاهرات السلميّة التي شهدتها القطيف،

وفي العام 2016 أعلنت عن مطلوبين آخرين. خلال هذه الفترة، اعتقل المئات تعسفيًّا، وتعرّضوا لسوء المعاملة والتعذيب الذي أدّى في بعض الأحيان إلى الوفاة في السجن.

وبلدة العواميّة أحد أبرز البلدات التي شهدت انطلاق المظاهرات. في عام 2017 تجاهلت السعوديّة مخاوف الأمم المتحدة، وبدأت بهجوم عسكري على حيّ المسوّرة في البلدة، بحجّة الإعمار والبحث عن مطلوبين، أدّى ذلك إلى قتل وإصابة العشرات، وتهجير الآلاف قسرًا.

خلال هذه الأعوام قتلت السعودية 75 شخصًا خارج نطاق القضاء على خلفية الأحداث، إلى جانب 14 فقدوا حياتهم في السجون، بينهم من تأكد قتلهم تحت التعذيب وبعضهم في ظروف مريبة مع غياب إمكانيّة التحقّق من ملابسات وفاتهم.

وقد أفقدت هذه الممارسات الثقة بالأجهزة الرسميّة بشكل تامّ، بما في ذلك القوّات الأمنيّة والقضائيّة والسجون، وقد تحدّثت المعلومات المسرّبة من داخل المعتقلات عن تعذيب دموي، في ظل إخفاء قسري للعديد من المعتقلين امتدّ لأشهر، وحرمانٍ من الحقوق الأساسيّة، كالدفاع عن النفس بشكل كافٍ.

إلى جانب ذلك، استخدمت السعوديّة القضاء بشكل سافر لمواجهة الحراك الشعبي الذي شهدته المدينة، واستعانت بالمحكمة الجزائيّة المتخصصّة التي يفترض أن تواجه الإرهاب لاستهداف المتظاهرين والنشطاء.

 

النيابة العامة والقضاء:

 

اعتقلت القوّات الأمنية في يوليو 2012 بشكل عنيف المطالِب بالعدالة الاجتماعية الشيخ نمر النمر على خلفيّة آراءه ومواقفه ودوره في المظاهرات ومواقفه. وأطلقت الرصاص عليه دون مبرّر، وعرّضته بعد ذلك لسوء معاملة إمتدّ على أشهر.  في مارس 2013 طالبت النيابة العامة بإعدام الشيخ النمر بناء على 30 تهمة متعلّقة بالتعبير عن الرأي بالاستناد إلى خطبه وكلماته.

 

توالت طلبات النيابة العامّة المتعلّة بهذا الخصوص بعد ذلك، خلال السنوات التالية للحراك طالبت بقتل 200 شخص على الأقلّ لصلتهم بالمظاهرات والأحداث.

 

في يونيو 2017 أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز أمرًا ملكيًّا قاضيًا بتغيير اسم هيئة التحقيق والادّعاء العام في السعوديّة ليصبح “النيابة العامّة” وتمّ إثر ذلك تعيين نائب عام. هذا الأمر ربط النيابة العامة بالملك ووليّ العهد مباشرة بعد أن كانت هيئة التحقيق والإدّعاء العام مرتبطة بوزارة الداخلية.

 

استمرت بعد ذلك طلبات القتل الصادرة عن النيابة العامّة، معظمها بعد محاكمات أمام المحكمة الجزائية المتخصصة وبموجب قانون مكافحة الإرهاب. خلطت النيابة العامة القضايا وجمعت بين المتظاهرين وآخرين متّهمين بتهم جنائية، إلا أن تتبع قضايا المعتقلين على خلفيّة المظاهرات والأحداث بيّنت تهمًا مشتركة، من بينها: تأليب الرأي العام وإثارة الفتنة ورفع شعارات مناهضة للدولة والمشاركة في تجمّعات غير قانونية، وغيرها من التهم المتعلّقة بالمشاركة في الاحتجاجات والتي لا تعدّ في القانون الدولي من التهم الأشدّ خطورة.

 

مطالبات النيابة العامة، التي تكشّف دورها في القمع والانتهاكات، استندت إلى اعترافات منتزعة تحت التعذيب من المعتقلين خلال التحقيق. متابعات المحاكمات وشهادات المعتقلين وعائلاتهم أظهرت نهجًا من التعذيب وسوء المعاملة استخدم في كثير من الأحيان لانتزاع اعترافات استند إليها في المحاكمات.

 

على الرغم من تأكيد المعتقلين مصادقتهم على اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب، عمد القضاء إلى إصدار أحكام إعدام مبنيّة على هذه الاعترافات. معظم أحكام القتل التي صدرت بحقّ المعتقلين على خلفية المظاهرات كانت أحكام تعزيرية، وهي أحكام تستند إلى تقدير القاضي للعقوبة وبالتالي غير منصوص عليها في الشرع والقانون.

 

في يوليو 2017، صدر أمر ملكي بإنشاء رئاسة أمن الدولة  لتضمّ تحتها المديريّة العامّة للمباحث، وقوّات الأمن الخاصّة، وقوّات الطوارئ الخاصة، وطيران الأمن، والإدارة العامة للشؤون الفنيّة، ومركز المعلومات الوطني، ومكافحة الإرهاب والتحريّات الماليّة.

 

بموجب هذه التغيّرات باتت الأجهزة الرسمية كافّة تخضع لسيطرة الملك ووليّ العهد دون أي دور لوزارة الداخليّة. وذلك لم يغيّر من واقع انتهاكات هذه الأجهزة، بل زادها، حيث استمرّ طلب وإصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بحق المعتقلين، وبذلك لم يعد الملك وولي العهد مسؤولان فقط عن التوقيع على تنفيذ الحكم بل مسؤولان بشكل مباشر عن كلّ مراحل الاعتقال والتحقيق والمحاكمة.

 

الإعدامات:

 

نفّذت السعودية في يناير 2016 أوّل أحكام الإعدام بحقّ معتقلين واجهوا تهمًا على خلفيّة الحراك الشعبي والمظاهرات في القطيف. الإعدامات نُفّذت جماعيًّا بحقّ 47 معتقلًا  نسبت لهم تهم مختلفة، وطالت المُطالب بالعدالة الاجتماعية الشيخ نمر النمر، والقاصر المتظاهر علي سعيد الربح، ومحمد فيصل الشيوخ ومحمد آل صويمل.

 

أثارت هذه الإعدامات ردّة فعل دوليّة غاضبة ومندّدة، وذلك لأنّ الأمم المتحدة، إلى جانب عدد من الهيئات والسفارات، كانت قد طالبت بوقف تنفيذ إعدام النمر بسبب الانتهاكات الجسيمة في اعتقاله ومحاكمته على خلفيّة مواقفه وتعبيره عن رأيه.

 

ثاني إعدام جماعي نُفّذ في السعوديّة كان في يوليو 2017، لمعتقلين على خلفيّة الحراك أيضًا، وهم يوسف المشيخص، أمجد المعيبد، زاهر البصري ومحمد الصايغ. وقد وثّقت المنظمة الأوربية السعودية لحقوق الإنسان انتهاكات في محاكماتهم بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة.

 

إعدام جماعيٌّ طال 37 شخصًا، نفّذته السّعوديّة في أبريل 2019،  22 من المعدمبين كان من القطيف، وواجهوا تهمًا تتعلّق بالحراك والمظاهرات، وهم أحمد حسن آل ربيع، أحمد حسين العرادي، أحمد فيصل آل درويش، جابر زهير المرهون، حسين حسن آل ربيع، حسين محمد آل مسلم، حيدر محمد آل ليف، سعيد محمد السكافي، سلمان أمين آل قريش، عبدالعزيز حسن آل سهوي، عبدالكريم محمد الحواج، عبدالله سلمان آل اسريح، عبدالله عادل العوجان، عبدالله هاني آل طريف، فاضل حسن  لباد، مجتبى نادر السويكت، محمد سعيد آل خاتم، محمد منصور آل ناصر، مصطفى أحمد درويش، منتظر علي السبيتي، منير عبدالله آل آدم، هادي يوسف آل هزيم.

 

توثيق المنظمة الأوروبية السعودية بيّن أن من بين تهمهم، كان هناك تجريم لممارسات مشروعة، كالمشاركة في مظاهرات وترديد هتافات مناوئة للحكومة، اتّهموا أيضًا بتهمٍ أخرى جنائية كاستخدام العنف، وجميعهم عرضوا على نظام قضائي معيب وغير مستقلّ، لا تتوافق أوضاعه مع شروط المحاكمات العادلة، هذا فضلاً عن إجبارهم على التوقيع على اتّهاماتهم تحت وقع التعذيب.

 

من بين هؤلاء الشبان، ستّة قاصرين، منهم كان قاصراً وقت الإعتقال، ومنهم من كانت تهمه المزعومة تعود لعمر ما قبل بلوغه 18 عامًا: محمد سعيد السكافي، وسلمان أمين آل قريش، ومجتبى نادر السويكت، وعبد الله سلمان آل سريح، وعبد العزيز حسين سهوي، وعبدالكريم محمد الحواج، جميعهم تعرّض لانتهاكات عديدة من بينها التعذيب وسوء المعاملة.

 

تبيّن لاحقًا أنّ الشاب جابر زاهر المرهون الذي قتل ضمن الإعدام الجماعي، اعتقل عام 2016 ووضع في سجن الأحداث، وبالتالي كان قاصرا أيضًا.

 

القاصر مصطفى الدرويش أعدم في السعودية في يونيو 2021، بتهم تتعلّق بالمشاركة في مظاهرات، وهو أوّل حكم بعد إصدار قانون الأحداث الذي من المفترض أن يحمي القُصّر من عقوبة القتل التعزيريّة. مصطفى كان قد اعُتقل في مايو ٢٠١٥، وحُكم بتهم مرتبطة بمشاركته بإحتجاجات يعود الكثير منها لوقت كان فيه بعمر ١٧ سنة. وقد وضع في الحبس الانفرادي وتعرض للتعذيب ما أفقده الوعي عدّة مرات.

 

في العام نفسه، نفّذت السعودية إعدامات متتالية بحق أفراد من القطيف. ففي أغسطس، قتلت أحمد الجنبي، وفي سبتمبر أعدمت السيد عدنان الشرفا، وفي أكتوبر أعدم مسلم المحسن، وفي نوفمبر مكي آل عبيد.

 

إعدامٌ جماعيٌّ جديد نفّذته السّعوديّة في 12 مارس 2022، ، وهو الأكبر، حيث طال 81 شخصا، 41 منهم من القطيف. وثّقت المنظمة الأوروبية السعودية بعض قضايا هؤلاء الضحايا، فيما لم تتمكن من رصد القضايا الأخرى في ظل انعدام الشفافيّة في التعامل الرسمي مع قضايا الإعدام، والتهديد والتخويف للعائلات والمجتمع المدني. توثيق المنظمة لعدد من القضايا أكّد أنّ أي من التهم لم تكن جسيمة، كما تعلّق بعضها بالمشاركة في المظاهرات المطالبة بالعدالة وحقوق الإنسان.

 

وفيما ادّعت وزارة الداخلية  في بيانها “أن المتّهمين تمت مقاضاتهم أمام محكمة متخصّصة وتم تمكينهم من جميع الحقوق والضمانات التي تكفلها الأنظمة في المملكة”، وثّقت المنظّمة انتهاكات صارخة لمعايير المحاكمة العادلة، كالحرمان من الاستعانة بمحام والتعرّض للتعذيب والحرمان من التواصل مع العالم الخارجي.

 

ضمن نفس السياق، تواصلت الأمم المتحدة عبر آلياتها المختلفة مع الحكومة السعودية من أجل عدد من القضايا للذين تمّ إعدامهم بينهم أسعد شبر ومحمد الشاخوري، وأكدّت انطواء محاكماتهم على عدد من الانتهاكات كالتعذيب وعدم الحصول على الحق في الدفاع عن النفس بشكل كاف.

 

الشاب حيدر التحيفة من القطيف، أعدمته السعوديّة في مارس 2023، بعد مواجهة تهمٍ متعلّقة بالحراك الشعبي، منهال الربح أُعدمت في مايو من العام نفسه على خلفيّة تهم مماثلة. في شهر مايو أيضًا، أعدمت السعوديّة 3 أشخاص بشكل جماعي بموجب أحكام إعدام تعزيريّة. لاحقًا يونيو أعدمت 4 شبان من القطيف أيضًا دون أن يواجهوا تهما من الأشد خطورة بحسب بيانات وزارة الداخلية ، وفي شهر يوليو الذّي تلاه، أُعدم شابّين بتهم مشابهة.

 

في يناير 2024، أعدمت السعودية عون أبو عبد الله بتهم فضفاضة بموجب قانون الإرهاب، وهي تهم تستخدمها السعودية بشكل دوري منذ العام 2011 ضد المواطنين.

 

احتجاز جثامين الأفراد هو نهجٌ جديد تتّبعه السعوديّة بدءًا من أوّل إعدام سياسي تمّ على خلفيّة أحداث القطيف في عام 2016، هذا النهج تتّبعه مع الذين يتمّ قتلهم خارج نطاق القضاء، أو بإجراءات موجزة وأحكام إعدام. وقد وصلت أعداد الجثامين المحتجزة في السعودية حتى فبراير 2024  إلى 146، معظمها لأفراد قتلوا على خلفية الحراك الشعبي. هذه الممارسة التي تعدّ انتهاكًا صارخا للقوانين الدولية، تضاف إلى سلسلة الانتهاكات التي يتعرّض لها المواطنون والتي تشكّل تعذيبًا نفسيًا مستمرًّا للعائلات.

 

الوضع الحالي:

 

بعد مرور 13 عامًا على الحراك الشعبي والأحداث التي شهدت مدينة القطيف أغلبها، لا تزال السياسات الانتقاميّة بحق المواطنين والسكان في هذه المنطقة مستمرّة، ولا تزال الهيئات الحكوميّة الرسميّة أداة هذه السياسة البارزة. فعلى الرغم من  انحسار المظاهرات والتحرّكات على الأرض، تظلّ أحكام الإعدام وسيلة للترهيب والتخويف ومنع المواطنين من التعبير عن رأيهم أو عن مخاوفهم.

 

ترهيب المواطنين ومنع أي نشاط للمجتمع المدني جعل من الصعب الوصول إلى أرقام وحقائق حول الانتهاكات الحاصلة، وخاصة فيما يتعلق بالمعتقلين والمحكومين. يضاف الترهيب إلى انعدام الشفافيّة في جعل عقوبة الإعدام محاطة بالسرية، حيث تشكّل القضايا التي تمّ رصدها من قبل المنظمات الحقوقية، قبل تنفيذ الحكم أقلّ من 3% خلال السنوات السابقة.

 

على الرغم من ذلك تتابع المنظمة الأوروبيّة السعوديّة حاليًّا 69 قضيّة يواجه فيها المعتقلون أحكامًا بالقتل في مختلف المراحل، وتتوقّع بناء على أرقام الإعدامات السابقة أنّ الرقم الحقيقي يتجاوز ذلك بكثير. 59 من القضايا التي تتتبّعهم المنظمة تعود لمواطنين من القطيف، معظمهم يواجه تهمًا متعلّقة بالحراك والأحداث التي تلته إلى جانب التعبير عن الرأي. ومن بين الذين يواجهون أحكامًا بالقتل تعزيرًا 8 قاصرين هم:

 

عبد الله الدرازي: واجه الدرازي عدّة تهم بينها المشاركة في المظاهرات والمسيرات  وتشييع الضحايا، وفي توزيع المياه خلال المظاهرات، إضافةً إلى المشاركة في تكوين خليّة إرهابيّة والاعتداء على الممتلكات العامّة. من بين التهم التي وجّهت إليه تهم حصلت حين كان عمره أقلّ من 18 عامًا. حُكم عليه بشكل نهائي وقد يتمّ إعدامه في أي لحظة.

جلال اللباد: تعرّض جلال لظروف اعتقال مروّعة منذ اليوم الأوّل، من بينها عزله عن العالم الخارجي في زنزانة انفرادية لمدة تسعة أشهر ونصف، وحرمانه من حقّه في الاستعانة بمحامٍ، كما أنه أُخضِع لتعذيب شديد وضروب أخرى من سوء المعاملة والحطّ بالكرامة الإنسانيّة. بعد عامين وخمسة أشهر على اعتقاله، بدأت محاكمة اللباد أمام المحكمة الجزائية المتخصّصة، وجّهت له النيابة العامّة مجموعة من التهم بينها المشاركة في المظاهرات في عمر 15 عاما وتشييع الضحايا الذين قُتلوا بنيران القوّات الحكوميّة، وحاليًّا محكوم بالإعدام بشكل نهائي.

يوسف المناسف: تعرّض خلال فترة الاعتقال إلى تعذيب جسدي شديد أدّى إلى فقدانه الوعي ودخوله المستشفى. كما تسبّب التعذيب له بمضاعفات صحيّة وآلام في الظهر. وجّهت النّيابة العامّة له تهمًا عديدة أغلبها يعود لفترة الطفولة. من بينها: المشاركة في جنازات بعض الأشخاص الذين قضوا برصاص القوات الأمنيّة في مظاهرات ومداهمات، أحدها يعود للوقت الذي كان فيه في 15 من العمر، وآخر عندما كان في 16، إلى جانب المشاركة في المظاهرات والتجمعات المثيرة للشغب وترديد الهتافات ورفع الشعارات المناوئة للدولة.

حسن زكي الفرج: منذ لحظة الاعتقال، تعرّض الفرج للتعذيب الشديد، كالضرب والصعق الكهربائي، ما أدّى إلى نقله إلى المستشفى مرات عديدة، ولا يزال يعاني حتّى اليوم من آلام بالأقدام بسبب التعذيب، وتمّ إجباره على التوقيع على اعترافات. وجهّت إليه عدّة اتّهامات، بيّنت التواريخ عودتها إلى وقتٍ كان فيه قاصرًا، ومن بينها الانضمام إلى مجموعات عبر برامج الهاتف وحيازة صور محظورة وحيازة الأسلحة والانضمام إلى تنظيم إرهابي وإيواء مطلوبين ومساعدة جرحى.

علي المبيوق: وجّهت له العديد من التهم معظمها حصل حين كان قاصرًا، من بين التهم الانضمام لتنظيم إرهابي مسلح وإطلاق النار عدّة مرّات على رجال الأمن والرصد والتخطيط واستهداف المقار الحكومية الأمنية والمشاركة في التجمعات المثيرة للشغب والتستّر على مطلوبيين أمنيًّا والدعوة إلى الاعتصامات والمظاهرات والمشاركة بها.

جواد قريريص: تعرّض قريريص للتعذيب منذ لحظة اعتقاله وخلال التحقيق بهدف انتزاع اعترافات منه – بالضرب المبرح والتعذيب النفسي الشديد، وبقي 270 يوما في الحبس الانفرادي. وجّهت له النيابة العامّة عددًا من التهم الكثير منها حصل حين كان يبلغ من العمر أقلّ من 18 عامًا. من بين التهم الموجّهة له: متابعة صفحات عبر برنامج فيسبوك والتواصل مع أحد المطلوبين والتدرب على استخدام الأسلحة وإطلاق النار. إضافة إلى ذلك، من بين التهم التي وجّهت له حرق أنابيب نفط.

علي حسن السبيتي: قضى 9 اشهر في السجن الانفرادي تعرض خلالها للتعذيب. وجهت له تهم بينها ما حصل حين كان عمره 12 عاما. من بين التهم المشاركة في مظاهرات والتواصل مع مطلوبين.

إلى جانب القاصرين، يظهر رصد قضايا الأفراد من محافظة القطيف، الذين يواجهون أحكام إعدام حاليًّا، علاقة التهم بالتحركات والأحداث التي شهدتها منذ مارس 2011.

 

من بين المحكومين بالقتل تعزيرًا، سعود الفرج. تعرّض الفرج لانتهاكات عديدة منذ اعتقاله خلال مداهمة لمزرعته مع زوجته وطفلته. تبيّن تفاصيل التهم التي يواجهها علاقتها بالحراك والأحداث، ومن أبزرها الدعوة والمشاركة والترويج للمظاهرات والاعتصامات والتواصل مع المنظّمات الحقوقيّة. إلى جانب ذلك، يظهر بشكل واسع استخدام تهم فضفاضة وقانون الإرهاب لوصم الأفراد، حيث من بين التهم التي تكرّر استخدامها وظهرت في صكوك الأحكام، الانتماء إلى تنظيم إرهابي، والتدرب على الأسلحة وتدريب آخرين عليها.

 

أيضا، من بين المحكومين الذين يواجهون القتل، علي آل ربيع. من بين التهم التي وجّهتها له النيابة العامة وطالبت بقتله بناء عليها، الخروج في المظاهرات والمشاركة في مراسم تشييع ابن خالته (خالد اللباد) المقتول على يد القوات السعودية، وترديد الهتاف “القصاص القصاص لمن أطلق الرصاص”، بالإضافة إلى تهم عنف.

 

يواجه محمد عبد الله الفرج، أيضًا عقوبة القتل، بتهم من بينها  رفع الشعارات المناهضة للدولة وإحراق الإطارات وتقديم الدعم الطبي للمطلوبين. إضافة إلى تهمة السعي لزعزعة النسيج الاجتماعي من خلال المناصرة والمشاركة والترويج والتحريض على الاعتصامات والتظاهرات وجنازات الموتى والانضمام إلى مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي. يضاف إلى هذه التهم، تهم تتعلق بإطلاق الرصاص من دون تفاصيل أو أدّلة غير الاعترافات.

 

في هذا السياق، حكمت المحكمة على علي الصفواني بالقتل تعزيرًا مع أنّ النيابة العامة لم تطلب حكم القتل. يظهر ذلك مدى التعسف في الأحكام. من بين التهم التي واجهها الصفواني استخدام برامج التواصل الاجتماعي للاتّصال بمطلوبين.

 

وبحسب تتبع المنظمة، تعمد السعودية أيضا إلى المحاكمات الجماعيّة، حيث حكمت على كل من رضى الشايب، وزهير أل صمخان وعبد الله غزوي، ومحمد آل طحنون، ومحمد عبد الرزاق آل مسبح ومصطفى أبو شاهين بالإعدام. من بين التهم الموجّهة إليهم: التأثر بخطب الشيخ النمر وتأييد أفكاره والسعي لزعزعة النسيج الوطني إلى جانب تهم فضفاضة أخرى تتعلّق بالعنف.

 

خاتمة:

 

أعدمت السعودية 93 شخصاً منذ بداية العام 2016 حتى بداية فبراير 2024، بتهم تتعلّق بالحراك والأحداث التي شهدتها القطيف، وحتّى اليوم لا تزال تهدّد حياة العشرات بالقتل.

 

طبيعة التهم ومسار المحاكمات إلى جانب الانتهاكات التي تصاحب الاعتقال والتحقيق، تظهر بشكل واضح أن السعوديّة تستخدم عقوبة القتل كأسلوب انتقامي، تهدف من خلاله إلى ترهيب المجتمع وتخويفه.

 

أطلق بن سلمان وعودًا كان من المفترض أن تمنع الاستخدام السياسي لعقوبة القتل، آخرها كان في مارس 2022، في مقابلة مع صحيفة ذا أتلانتيك، قال فيها “أن عقوبة الإعدام باتت تقتصر على الحالات التي يقتل فيها أحد شخص آخر، وبالتالي فإنّ عائلة الضحية لها الحقّ في الذهاب إلى المحكمة أو العفو عنه”.  هذا الوعد لم يظهر على أرض الواقع، ولم يشمل بالتأكيد المواطنين الذي وجّهت لهم النيابة العامة تهمّا سياسيّة وتعسفيّة.

 

ترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن عدد ضحايا الإعدامات وعدد المهدّدين، على خلفية سياسية، دلالة صارخة على إصرار السعودية على استخدام عقوبة القتل انتقاميًّا، وعلى تذرّعها بقوانين مكافحة الإرهاب لتجريم أي نشاط لا يتطابق مع توجّهاتها.

 

تعتبر المنظمة أنّ القطيف هي مرآة القمع،  والأحداث التي شهدتها تؤكّد أن السعوديّة لا تتوانى عن استخدام القتل خارج نطاق القضاء والإعدام والقتل في السجون تحت التعذيب للوقوف في وجه أي شكل من أشكال الاعتراض والتحرّك السياسي والاجتماعي.

قد يعجبك ايضا