لبنان: تهرّب السلطات من معاقبة مرتكبي جرائم التعذيب أمر مشين
قالت منظمة العفو الدولية اليوم إنه مع اقتراب موعد الاستعراض الدوري الشامل لسجل لبنان على صعيد حقوق الإنسان من جانب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني ينبغي على السلطات أن تبادر فوراً إلى الوفاء بالواجبات المترتبة عليها.
حيث يتوجب على لبنان تقديم سبيل انتصاف فعال لضحايا التعذيب من خلال إجراء تحقيقات سريعة، وشاملة، ومستقلة، وتقديم المسؤولين عن ممارسته إلى العدالة في محاكمات عادلة.
وفي الاستعراض السابق لسجل الحكومة اللبنانية في 2015 التزمت بإجراء تحقيق في جميع مزاعم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والمقاضاة عليها.
ومع ذلك بعد مضي خمس سنوات يظل الإفلات من العقاب سائداً وقلما تصل الشكاوى المتعلقة بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة – التي تقدم بموجب قانون معاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (قانون معاقبة التعذيب في ما يلي) لسنة 2017 – إلى المحاكم وتُحفَظ بمعظمها دون إجراء أي تحقيق فعال.
وقد استعرضت منظمة العفو الدولية 32 شكوى تعذيب وتبين لها أن العقبات التي تقف في طريق المساءلة تشمل إحالتها في أغلب الأحيان للتحقيق لدى الأجهزة نفسها المتهمة بممارسة التعذيب أو إلى نظام القضاء العسكري.
وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية إن: “لبنان يخذل ضحايا التعذيب.
إن التقاعس المستمر للسلطة القضائية عن تطبيق قانون مناهضة التعذيب يحرم الضحايا من نيل العدالة والحصول على تعويضات، ويردع الآخرين عن الإبلاغ عن التعذيب.
كما أنه يبعث برسالة إلى ممارسي التعذيب بأنهم يستطيعون ارتكاب هذه الجريمة البشعة بدون الخوف من العواقب”.
“ويجب مساءلة السلطات اللبنانية على الالتزامات التي تعهدت بها خلال استعراض سجلها في 2015، وعلى إخفاقها في التمسك بها. وندعوها إلى وضع حد للممارسة المشينة في إحالة مزاعم التعذيب إلى المحاكم العسكرية والاعتماد في إجراء التحقيق على نفس الأجهزة الأمنية المتهمة “.
لقد صدّق لبنان على اتفاقية مناهضة التعذيب والبروتوكول الاختياري الملحق بها عامي 2000 و2008 على التوالي. وامتثالاً للواجبات المترتبة عليه بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب أصدر قانون معاقبة التعذيب في 2017 الذي يجرّم ممارسة التعذيب جنائياً.
استعرضت منظمة العفو الدولية 32 شكوى تعذيب وتحدثت إلى الضحايا، والأسر، والمحامين. وكانت المنظمة قد وثّقت سابقاً قضية تعذيب الفنان اللبناني زياد عيتاني الذي تقدم بشكوى تعذيب بموجب القانون الجديد قبل سنتين.
ولم يُحاسب ممارسو التعذيب ضد عيتاني، ليس هذا وحسب، بل إنه يخضع هو نفسه الآن للتحقيق بتهم “النيل من هيبة الدولة وتشويه السمعة واختلاق الجرائم وافتراء وتحريض وقدح وذم وتهديد وتضليل تحقيق قضائي” التي تتعلق بقضيته والمنشورات التي ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي حول محنته.
في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ألقت المديرية العامة لأمن الدولة القبض على عيتاني بتهم ملفقة حول التجسس لمصلحة إسرائيل
وعندما مثل عيناني لأول مرة أمام قاض عسكري قدّم وصفاً تفصيلياً للتعذيب الذي تعرض له في الاحتجاز، لكن المحكمة تقاعست عن إصدار أمر بإجراء تحقيق. وفي 13 مارس/آذار 2018 برأت المحكمة العسكرية ساحته وأمرت بإخلاء سبيله.
وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 رفع عيتاني دعوى قضائية مدنية بشأن تعذيبه ضد الضباط ومساعديهم الذين حققوا في شكواه، لكن النائب العام التمييزي أحال القضية إلى المدعي العام العسكري في انتهاك للقانونين الدولي والمحلي اللذين يقتضيان دائماً المحاكمة على انتهاكات حقوق الإنسان أمام المحاكم المدنية.
وبموجب قانون مناهضة التعذيب اللبناني تُمنح المحاكم المدنية العادية السلطة الحصرية للمقاضاة، والتحقيق، والمحاكمة.
وفي 12 أبريل/نيسان وفي أعقاب دعوات أطلقتها منظمات حقوق الإنسان، أعادت محكمة عسكرية شكوى التعذيب التي تقدم بها عيتاني إلى قاضي تحقيق مدني استدعى عيتاني للإدلاء بشهادته وتقديم تقاريره الطبية، لكن يبدو أن القاضي لم يتخذ أي إجراء آخر منذ ذلك الحين.
وفي 14 أغسطس/آب 2020 بعد مضي 10 أيام على انفجار مرفأ بيروت، منح الرئيس ميشال عون ترقية لأحد الضباط الذين يتهمهم عيتاني بتعذيبه.
وبحسب مبادئ الأمم المتحدة بشأن التحقيق في التعذيب فإن الموظفين الرسميين الذين يُشتبه بارتكابهم التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة يجب إيقافهم عن الخدمة الفعلية خلال إجراء تحقيق رسمي.
وقد طعن محامي عيتاني بالترقية أمام مجلس شورى الدولة وهو أعلى محكمة إدارية في البلاد. وبعد بضعة أيام من الطعن، سُرب مقطع فيديو حول استجوابه إلى وسائل الإعلام، حيث صُوّر في مكتب استجواب واستُهل المقطع بعبارة: “فيديو صادم لتعذيب زياد عيتاني لدى أمن الدولة: زياد عيتاني اعترف، لكن اللي صار هو #فبركة_براءة”، يُقصد منها أن “اعترافات” عيتاني لم تُنتزع تحت وطأة التعذيب.
وعلاوة على ذلك، قدّم مدير عام أمن الدولة والضابط المتهم في شكوى تعذيب عيتاني في 14 سبتمبر/أيلول 2020 دعاوى قانونية بالتشهير والقدح والذم ضد عيتاني، واتهماه بإلحاق الضرر بسمعة الدولة، ونشر اتهامات كاذبة، وتهديد الضباط، وفبركة اعترافات زائفة، وتضليل القضاء. وقال عيتاني لمنظمة العفو الدولية:
“بعد مضي عشرة أيام على انفجار مرفأ بيروت وبينما كنت لا أزال أجمع أنقاض منزلي المدمر وأعالج جراح جسمي، خرج الرئيس عن روتين الدولة ليرقّي استثنائياً ضابطاً عذّبني. ثم تقدم الأخير هو ورئيسه بشكوى ضدي، تلقيّتها كتهديد أكثر منها شكوى قانونية”.
وأضاف عيتاني: “عند إطلاق سراحي، قطعتُ عهداً على نفسي بأن أدافع عن حقي في هذه القضية. ولكنني لم أتوقع أن أواجه دولةً بأسرها – بما فيها وسائل إعلامها، وأجهزتها [الأمنية] وسلطتها القضائية – من أجل هذا الحق.”
وفي مثال صادم آخر على تقاعس لبنان عن تطبيق قانون مناهضة التعذيب، تبرز قضية حسّان الضيقة – البالغ من العمر 44 عاماً – الذي يُعتقد أنه وفاته في الاحتجاز في مايو/أيار 2019 نتجت عن تعرضه للتعذيب.
ولم يجرِ أي تحقيق في قضيته برغم تقدُّم والده بثلاث شكاوى بموجب قانون معاقبة التعذيب بينما كان لا يزال حياً رهن الاحتجاز.
وكانت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي قد ألقت القبض على الضيقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بدون أي مذكرة قضائية واتهمته ببيع المخدرات.
وفي أثناء احتجازه بمعزل عن العالم الخارجي مدة تسعة أيام، تعرّض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة وحُرم من حق مقابلة والده توفيق الضيقة الذي عمل أيضاً بصفة محاميه.
وقد أكد توفيق الضيقة لمنظمة العفو الدولية أنه بعد مضي عامين على توقيف ابنه الذي انتهى بوفاته، لم يُحرز أي تقدم في التحقيق. وأبلغ منظمة العفو الدولية:
“تقدمت بعدة شكاوى من التعذيب. وقد رفضت [السلطات] معظمها وهددوني كي أسحب إحداها، لكن في أعقاب الضغط المحلي والدولي وجدت إحدى هذه الشكاوى طريقها إلى قاضي تحقيق.
عُقدت جلسةٌ أولى في فبراير/شباط، وجمدت القضية عند هذا الحد. هُم لا يُطبّقون هذا القانون. ولو طُبّق لكان اليوم العديد من الضباط والقضاة قابعين في السجن”.
في الفترة الممتدة بين صدور القانون في أكتوبر/تشرين الأول 2017 ومارس/آذار 2020، رفعت لجنة السجون في نقابة المحامين في طرابلس و”لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين” ما لا يقل عن 30 دعوى تعذيب.
ولم يصل أي من هذه الدعاوى إلى مرحلة إصدار الحكم، وأُغلق معظمها بدون إجراء تحقيق حتى. كما أُحيل معظمها إما إلى الأجهزة الأمنية للتحقيق فيها أو إلى القضاء العسكري.
وفي 18 ديسمبر/كانون الأول 2019، تقدمت لجنة المحامين بخمس عشرة شكوى نيابة عن 17 متظاهراً بموجب قانون معاقبة التعذيب، وقانون 2018 حول المفقودين والمختفين قسراً، والمادة 329 من قانون العقوبات، مُعددةً أفعال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي حدثت خلال الاحتجاجات، والتوقيف، والنقل إلى مراكز الاحتجاز وبداخلها. ولم يجر التحقيق في أي من هذه الدعاوى.
وبعد أسبوع أحال النائب العام التمييزي الشكاوى الـ 15 إلى المدعي العام العسكري الذي أمر حينئذ الأجهزة المتهمة بالتعذيب، وتحديداً مخابرات الجيش وقوى الأمن الداخلي، بالتحقيق في الشكاوى.
وعندما رفض الضحايا أن تستجوبهم الأجهزة التي اتهموها أصلاً بتعذيبهم أغلق المدعي العام العسكري التحقيق.
وأبلغ رئيس لجنة السجون في نقابة محامي طرابلس محمد صبلوح منظمة العفو الدولية أن من المرجح جداً أن يكون عدد الضحايا أكبر بكثير من حفنة الذين تقدموا بشكوى. وقال إنه: “في طرابلس والشمال يميل الناس إلى تجنب تقديم شكاوى بموجب قانون معاقبة التعذيب لأنهم يخشون انتقام السلطات”.
وأضاف أيضاً: “ويعتقد الموقوفون وأسرهم أنهم إذا تقدموا بشكاوى ضد التعذيب فإنهم يعادون الدولة ويثيرون غضبها ضد أبنائهم. وفي هذه السنة استطعتُ تقديم خمس شكاوى نيابة عن أسر الضحايا. ولم يجر التحقيق في أي منها، وأغلقت جميعها”.
اقرأ أيضاً: الأجهزة الأمنية اللبنانية تتقاذف مسؤولية إطلاق الرصاص على المحتجين