قضايا الرأي العام في تونس تضع محامي المتهمين في مرمى الحشود الغاضبة

يواجه محامون تونسيون في الآونة الأخيرة موجات من الغضب والسخرية تمس ذواتهم المعنوية، إضافة إلى اعتداءات لفظية على مواقع التواصل.

يأتي هذا كله إثر إعلانهم التعهد بالدفاع عن متهمين في قضايا هزت الرأي العام التونسي، تعلقت بجرائم إرهابية وقتل واغتصاب وسلب تحت التهديد.

ومع تسارع نسق الجرائم وبشاعتها تبلورت حملات افتراضية على مواقع التواصل، وتحركات احتجاجية تطالب الحكومة بتفعيل تنفيذ أحكام الإعدام، ورفع مدة العقوبات السالبة للحرية.

هذه التحركات حظيت بدعم جماهيري كبير مما جعلها تستبطن شرعية موهومة تبيح لها تقييما جزافيا لمهنية المحامين؛ بل وتدرجهم في الخانة نفسها مع المتهمين في حالة الدفاع عنهم.

سارع سياسيون وإعلاميون تونسيون ونواب في البرلمان إلى تبني مواقف الجماهير الغاضبة، التي أصدرت أحكامها الشعبية في جرائم بشعة جدت مؤخرا، مما حشر المحامين المتعهدين بملفات الدفاع عن المتهمين في زاوية ضيقة بين القانون، ورأي عام أصدر أحكامه بصفة قطعية، وبين الواجب المهني تجاه قضايا ما تزال منشورة أمام القضاء.

يمكن اعتبار ارتفاع هامش الحريات، الذي شهدته تونس بعد الثورة، محفزا لتبني جملة من المطالب، والتحشيد لها عن طريق مواقع التواصل.

حيث تتخذ من مواقف المشاهير والشخصيات العامة سندا معنويا يبرر شراستها في الدفاع عن مواقفها، ومنصة شرعية لقصف الرأي المخالف؛ حتى إن كان من العارفين بالقانون على غرار المحامين.

ويعد الموقف الأكثر تداولا على الصفحات ذلك الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية التونسية عقب اجتماعه بمجلس الأمن القومي، الذي يفهم من خلال قوله “من قتل نفسا بغير حق جزاؤه الإعدام” مباركته لمضمون هذه الحملات وإصدار حكم، ولو بصفة معنوية، في قضايا ما تزال تحت أنظار القضاء، ويُعهد بها لمحامين عن الطرفين.

يرى المختصون أن مواقع التواصل والصفحات الخاصة فضاءات شخصية غير مؤطرة وغير قادرة على فهم الحيثيات القانونية والإجرائية المرتبطة بالقضايا.

بالتالي فردود أفعال متابعيها تتخذ نفس المنحى؛ بل وتتجاوزه لتكون منصات يسهل من خلالها الاعتداء اللفظي والمعنوي على المحامين المترافعين عن متهمين هزت قضاياهم الشارع لبشاعتها.

ويقول الأستاذ المحامي غازي المرابط في هذا الصدد إن الذي تعهد له مهمة الدفاع عن المتهمين في قضايا الرأي العام ليس مصطفا إلى جانب الجاني كما تسوق له الكثير من الصفحات.

بل يتمثل دوره في البحث عن تبرئة منوبه (موكله) طبقا للقانون والأعراف وفقه القضاء، إضافة إلى الحرص على احترام كل الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة استنادا على المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ويضيف المحامي غازي أن ردود الأفعال التي يتبناها الشارع والحملات الافتراضية، التي تثار من حين إلى آخر جراء وقوع جرائم بشعة، لا يجب أن تدخل في اعتبار المحامين، ولا أن تؤثر على حق المتهم في الدفاع الذي كفله المشرع.

واعتبر الأستاذ غازي أن بعض التصريحات لشخصيات عامة تزيد الأمور تعقيدا، وتجعل من مهمة الدفاع عبئا ثقيلا يضاف إلى مواجهة الجماهير الغاضبة.

يذكر أن القانون التونسي رقم 5 المؤرخ في 16 فبراير/شباط 2016 والمتعلق بتنقيح وإتمام بعض أحكام مجلة الإجراءات الجزائية: يفرض على مأموري الضابطة العدلية عند الاحتفاظ بذي الشبهة أن يعلموه بلغة يفهمها بالإجراء المتخذ ضده، وسببه، ومدته، وقابليته طبق مدة التمديد في الاحتفاظ المبينة بالفقرة 4، وتلاوة ما يضمنه له القانون من طلب عرضه على الفحص الطبي، و”حقه في اختيار محام للحضور معه”.

لا تقتصر ردود أفعال الجماهير المساندة للضحايا وأهاليهم على مواقع التواصل وحتى على وسائل الإعلام على السخرية من الحجج والمنطق الدفاعي، الذي يتبناه محامو المتهمين في هذا الصنف من القضايا؛ بل تتجاوزه إلى الاعتداءات الحادة لفظيا ومعنويا واضعة سلامتهم الجسدية على المحك.

ويرى الأستاذ المحامي حاتم شلغوم أن المتعهد بالدفاع عن متهم في قضية رأي عام يكون في مرمى الحجر، حسب تعبيره، مما يجعل من تعرضه للاعتداء الجسدي فرضية قائمة؛ نظرا للكم الهائل من العنف، الذي يتعرضون له على وسائل التواصل، من طرف ما أسماه محكمة الشعب.

ويعتبر المحامي شلغوم في حديثه أن قيام المحامي بدوره القانوني في هذه الحالات مجازفة خطيرة بمسيرته المهنية غير مضمونة العواقب.

إذ يمكنها رفعه إلى مصاف المشاهير في حالة النجاح، أو النزول به إلى أسفل السلم المهني من منظور المجتمع في حالة الإخفاق، مضيفا أنها حمل ثقيل جدا من الناحية الاجتماعية يضاف إلى المسؤولية القانونية عن الملف.

وفي السياق نفسه، يضيف الأستاذ المرابط أن المحامي يدرس الملف من ناحية المسؤولية الأخلاقية ،التي تتلاءم مع مبادئه قبل التصريح بقبوله أو رفضه خاصة.

على سبيل المثال تلك المتعلقة باغتصاب الأطفال أو ترويج المخدرات، معتبرا أن مواجهة عائلات الضحايا ليست بالأمر اليسير على المحامي خاصة في القضايا، التي تتمتع بزخم إعلامي كبير.

يذكر أن الهيئة الوطنية للمحامين في تونس قررت في أغسطس/أب الماضي 2020 تكليف لجنة الشؤون المهنية والحريات العامة والخاصة برصد جميع الاعتداءات على المحامين والمواطنين في مراكز الأمن، وإعلام اتحاد المحامين العرب والاتحاد الدولي للمحامين والمفوض السامي للأمم المتحدة والمجلس الدولي لحقوق الإنسان والمقرر الخاص المعني باستقلال القضاء والمحاماة لدى الأمم المتحدة بالهجمة، التي تتعرض لها المحاماة في تونس.

 

اقرأ أيضاً: منظمات حقوقية تطالب بالإفراج الفوري عن مدافعين عن حقوق الإنسان في مصر

قد يعجبك ايضا