منظمات حقوقية تطالب مصر بإنهاء محاولة “استئصال” المجتمع المدني المستقل

في محاولة لتجميل النظام، تعقد الحكومة المصرية في 4 مايو حلقة نقاش عبر الإنترنت مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لمناقشة إطارها القانوني الوطني المتعلق بالمجتمع المدني.

يتضمن النقاش القانون رقم 149 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية –غالبًا ما يُشار إليه باسم «قانون منظمات المجتمع المدني».

أعرب عدد من المنظمات الحقوقية المصرية المستقلة عن قلقهم من طريقة تنظيم هذا النقاش؛ إذ يبدو منظمًا بطريقة تخفي الواقع الذي يواجه المجتمع المدني المستقل داخل مصر، وتتجاهل محاولات الحكومة المستمرة والمنهجية للقضاء على المنظمات الحقوقية المستقلة داخل البلاد.

القانون الحالي، رغم عدم توافقه مع الدستور المصري والالتزامات الدولية لحقوق الإنسان، إلا أنه يمثل إطارًا أقل تقييدًا نسبيًا، مقارنةً بالتشريعات السلطوية الأخرى التي تم سنها في عهد الرئيس “عبد الفتاح السيسي”.

ورغم ذلك، فإن التركيز التقني على هذا القانون تحديدًا، دون الإشارة إلى السياسات والإجراءات الأوسع للحكومة المصرية تجاه المجتمع المدني المستقل، لا يوضح وضع المجتمع المدني في مصر بشكل دقيق.

كما يحجب هذا النهج حقيقة أن القانون 149 لسنة 2019 يشكل جزءً صغيرًا في ترسانة التشريعات الصارمة والسياسات القمعية الهادفة للتخلص من كافة الجهات الفاعلة والأنشطة ذات الصلة بالمجتمع المدني المستقل داخل مصر.

علاوةً على ذلك، فإن التركيز التقني المحدود على قانون المنظمات غير الحكومية ومواده الخاصة يتغاضى عن حقيقة أن الهجمات والتدابير القمعية ضد المجتمع المدني في مصر غالبًا ما تُنفَّذ خارج أي مبرر أو إطار قانوني، فالسلطات الحكومية في مصر لا تحترم سيادة القانون.

وأظهر رئيس الجمهورية نفسه مرارًا ازدرائه لأحكام الدستور؛ معللًا ذلك بكونها «كُتبت بنوايا حسنة» ولكنها غير مرتبطة بتشكيل سياسة الدولة.

كما أعلن الرئيس في أكثر من مناسبة أن حقوق الإنسان العالمية قد تناسب الغرب، ولكنها غير قابلة للتطبيق في مصر.

رغم أن الدستور المصري يقر بالالتزامات القائمة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتضمينها في التشريعات الوطنية.

في هذا السياق، سعى الرئيس “السيسي” والأجهزة الأمنية التي يسيطر عليها، على مدار السنوات السبع الماضية، للقضاء على المجتمع المدني بهجوم من القوانين القمعية والممارسات غير القانونية المستوحاة من عصابات المافيا.

وتهدف هذه الممارسات إلى منع تشكيل وإدارة منظمات المجتمع المدني المستقلة، وأدت بشكل أساسي إلى شل المجتمع المدني المستقل داخل البلاد.

ويمثل القانون الأخير للمنظمات غير الحكومية ولائحته التنفيذية استمرارًا للتهديد الوجودي الذي يواجه المجتمع المدني المستقل في البلاد، بدلًا من معالجة هذا الوضع.

والواقع أن جميع المنظمات والأفراد تقريبًا الذين يحاولون فضح أو ضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر يتعرضون للسجن والتعذيب ضمن أشكال أخرى من الانتهاكات والاعتداءات.

علي سبيل المثال؛ السيد “إبراهيم متولي” أمين عام رابطة أسر ضحايا الاختفاء القسري، قُبض عليه في عام 2017 أثناء توجهه لجنيف للمشاركة في أعمال مجموعة العمل الخاصة بالاختفاء القسري بالأمم المتحدة، بدعوة منها.

ولا يزال يقبع في السجن حتى اليوم على خلفية اتهامات ملفقة، لا صلة لها بقانون الجمعيات. تنفيذًا لإرادة الأجهزة الأمنية، التي تعلو فوق القانون والدستور، وتسخر الأجهزة القضائية لتنفيذ مشيئتها.

ويتواصل احتجاز المحامي محمد الباقر مدير مركز عدالة للحقوق والحريات، وسجنه منذ سبتمبر 2020، أثناء ممارسته واجبه الحقوقي في الدفاع عن سجين رأي آخر.

الأجهزة الأمنية ذاتها اختطفت وأخفت إبراهيم عز الدين الباحث بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات لأكثر من 165 يومًا وعذبته بالصعق الكهربائي أثناء استجوابه حول نشاطه الحقوقي.

أيضًا الاعتداء الإجرامي بالضرب على الحقوقي جمال عيد مؤسس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في الطريق العام، وسرقة سيارته وتكسير وسرقة سيارة زميلة له بالمنظمة نفسها، لا يتعلق بانتهاك قانون الجمعيات الأهلية.

الكثيرون غيرهم يجمع بينهم اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية وإشاعة أخبار كاذبة، وليس انتهاك قانون الجمعيات الأهلية.

في السياق ذاته، يواجه الحقوقي “بهي الدين حسن” مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان حكمًا غيابيًا بالسجن 15 عامًا صادرًا عن إحدى دوائر الإرهاب، ليس بتهمة انتهاك قانون الجمعيات الأهلية، بل بتهمة إشاعة أخبار كاذبة من خلال حسابه على «تويتر» تتصل بمواقفه الحقوقية، وبمشاركته في أنشطة في الأمم المتحدة باسم مركز القاهرة.

ويواجه أكثر من 31 حقوقيًا وحقوقية قرارات بالمنع من السفر والتحفظ على الأموال، ومعرضين لأحكام بالسجن قد تصل إلى خمسين عامًا بسبب اتهامهم في القضية 173 لسنة 2011 والمعروفة باسم قضية التمويل الأجنبي.

جدير بالذكر أن أحد أخطر الاتهامات الموجهة لهم هي مخالفة المادة 78 من قانون العقوبات –عدلها الرئيس “السيسي” في سبتمبر 2014– والتي تعاقب على التمويل سواء كان محليًا أو أجنبيًا بالسجن المؤبد.

جدير بالذكر أن محاولات الحكومة المصرية الأخيرة لتسليط الضوء على «التحسينات» في قانون المنظمات غير الحكومية، تأتي في أعقاب انتقادها في إعلان مشترك من 32 دولة بمجلس حقوق الإنسان في مارس الماضي، وفي سياق سعيها لتلميع صورتها أمام المجتمع الدولي.

يتحتم على المجتمع الدولي وخبراء الأمم المتحدة مراعاة السياق الأوسع للقمع الوحشي الذي يواجه المجتمع المدني في أي نقاش مع الحكومة المصرية حول قانون المنظمات غير الحكومية وتنفيذه.

إن تجاهل هذه الحقائق سيعد تشجيعًا للحكومة المصرية على مواصلة هدفها طويل المدى المتمثل في «استئصال» المجتمع المدني المستقل داخل البلاد.

اقرأ أيضاً: تقرير صادم عن ممارسات انتقامية ضد أقارب المعارضين في مصر

قد يعجبك ايضا