شهادات مروّعة وسجون سرّية تنذر بكارثة في العراق

جنيف- تلقّى المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان شهادات تكشف جانبًا من الأوضاع البائسة التي يعيشها آلاف المعتقلين في السجون العراقية، محذرًا من كارثة إنسانية وشيكة في حال استمرار السلطات العراقية بالمماطلة في إطلاق سراح المعتقلين أو الفصل في ملفاتهم.

   احتجاز المعتقلين يجب أن يستند إلى أسس قانونية، كما يجب على السلطات السماح للمعتقلين والمحتجزين بتوكيل محامٍ بما في ذلك أثناء الاستجواب

طارق اللواء، مستشار قانوني لدى المرصد الأورومتوسطي

 

وقال المرصد الحقوقي الدولي ومقرّه جنيف في بيان صحفي اليوم، إنّ تفشي جائحة فيروس “كورونا المستجد” في العراق، يشكّل خطرًا إضافيًا على حياة المعتقلين، خاصةً وأنّ السجون تفتقر لأدنى مقوّمات ومتطلبات الرعاية الصحية اللازمة، وفي ظل عدم اتخاذ إدارات تلك السجون إجراءات وقائية ملموسة تحسبًا لانتقال العدوى لداخل السجون.

وأشار الأورومتوسطي إلى أنّ السلطات العراقية تعتقل أكثر 60 ألف شخص، بينهم نحو 1000 من النساء، يتوزعون على 13 سجناً حكوميًا، فضلًا عن عشرات السجون السرية التابعة للمليشيات والأحزاب وفصائل الحشد الشعبي والعشائري المختلفة.

وأوضح أنّ السلطات لا زالت تنتهج سياسة حجب البيانات الرسمية المتعلقة بأعداد المعتقلين في سجونها وظروفهم الصحية، وكذلك حالات الوفيات، خاصةً في ظل سوء ظروف الاحتجاز والإهمال الطبي وتفشي الأمراض الخطيرة والمعدية.

ولفت إلى أنّ السجون تشهد اكتظاظًا متزايدًا بفعل تصاعد حملات الاعتقال، وتأخر القضاء في الفصل في ملفات الموقوفين، إذ تفوق أعداد المعتقلين الطاقة الاستيعابية للمعتقلات، خاصةً وأن السلطات لم تتخذ أي خطوات جدية لحل هذه الإشكالية حتى مع تفشي فيروس كورونا المستجد.

وبينّ أن السجون في العراق تفتقر لأدنى مقومات الحياة الآدمية، فهي تفتقر للنظافة الكافية واللازمة للوقاية من الأمراض، ما يجعل منها بيئة خصبة لانتشار الأمراض الصدرية والجلدية مثل الربو، والسل، وضيق التنفس، والتهاب الكبد وغيرها من الأمراض الخطيرة والمعدية، بالإضافة إلى عدم توفر التهوية الصحية اللازمة مع ما تشهده من اكتظاظ بأعداد المعتقلين، فضلاً عن امتناع إدارات السجون توزيع المعقمات والمطهرات الصحية الضرورية لمواجهة تفشي وانتشار فيروس كورونا المستجد.

ووثّق الأورومتوسطي عددًا من الشهادات التي تثبت أنّ الممارسات الحكومية فيما يتعلق باعتقال المدنيين واحتجازهم في المعتقلات لفترات طويلة هي سياسة ممنهجة وثابتة، وليست مجرد تصرفات فردية أو عشوائية.

وكشف (أ.ع) أحد منتسبي الشرطة العراقية لفريق الأورومتوسطي، عن وجود سجن سري في منطقة (طاهر آوا) بمحافظة نينوى، يتبع لـ(اللواء 30)، ويقبع فيه نحو 1000 معتقل، اعتقلوا بدوافع طائفية وتهم كيدية، حيث يشترط قادة اللواء على أهالي المعتقلين دفع مبالغ مالية كبيرة لقاء الإفراج عن أبنائهم.

وذكر (ك، ظ، ف) وهو من أحد منتسبي الشرطة العراقية، أنَّ (اللواء 30) لديه سجون سرية أخرى في محافظة نينوى، وهي عبارة عن بيوت في منطقة القرج بمنطقة (كوكجلي) وتحتوي على سراديب داخلية، يتم اختطاف المدنيين من أهالي الموصل ووضعهم فيها، وتتم مقايضة أهاليهم بالمال أوالقتل.

وفي 2 يونيو/حزيران الماضي، أفاد جاسم السامرائي، وهو من ضمن الأهالي الذين يعيشون في منطقة “مكيشفية” في مدينة سامراء، أنّ عمليات اعتقال واسعة طالت المدنيين في المنطقة على أيدي مليشيا “سرايا السلام” التابعة لزعيم “التيار الصدري” “مقتدى الصدر”، حيث استمرت عمليات الاعتقال لمدة 3 أيام متواصلة، دون أي تدخل من الأجهزة الأمنية، وذلك من خلال مهاجمة منازل المدنيين، وكسر الأبواب بالقنابل والرصاص الحي، الأمر الذي أدى إلى ترويع الأطفال والنساء. وانتهت الحملة باختطاف 50 مدني بعد إهانتهم والاعتداء عليهم.

من جانبه، أوضح المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، طارق اللواء، أنّ احتجاز المعتقلين يجب أن يستند إلى أسس قانونية، كما يجب على السلطات السماح للمعتقلين والمحتجزين بتوكيل محامٍ بما في ذلك أثناء الاستجواب، بالإضافة إلى نقل المحتجزين لمرافق يمكن للمفتشين الحكوميين والمراقبين المستقلين والمحامين الوصول إليها دون عوائق، فضلاً عن ضرورة الإفراج عنهم إذا لم يكن هناك أساس قانوني واضح للاحتجاز، أو لم تتمكن الحكومة من علاج الظروف اللاإنسانية أو المهينة التي يُحتجزون فيها.

وطالب المرصد الأورومتوسطي السلطات العراقية بضبط تصرّفات القوات التابعة لها، والتأكد من قانونية ممارساتها وخصوصًا فيما يتعلق بحملات الاعتقال، والتصدي بشكل حازم للميليشيات المسلحة غير القانونية، ومنعها من اختطاف المواطنين، وإخفائهم في سجون سرية.

ودعا الحكومة العراقية، وبالأخص وزارتي العدل والداخلية، إلى تسريع التحقيقات والفصل في ملفات الموقوفين بما يضمن لكل شخص رهن الحبس الاحتياطي محاكمة سريعة ونزيهة أو إطلاق سراحه، وتحسين ظروف المعتقلين الصحية والمعيشية، وتزويدهم بكافة المواد الضرورية لمواجهة فيروس كورونا المستجد، والعمل على نقل جميع المحتجزين من المنشآت غير الرسمية إلى سجون رسمية مبنية لاستيعاب المحتجزين ومجهزة لتلبي المعايير الدولية الأساسية.

خلفية

تعتقل السلطات العراقية أكثر من 60 ألف مواطن في سجون لا تتوفر فيها أدنى المتطلبات التي كفلتها المواثيق الدولية ذات العلاقة، إذ تعاني تلك السجون من اكتظاظ شديد، وضعف في الخدمات المعيشية والصحية ما يؤدي بشكل دوري إلى وفاة عدد من المعتقلين. وفي يونيو الماضي، أطلق المرصد الأورومتوسطي عريضة وقعّتها 30 منظمة حقوقية، طالب فيها السلطات بوضع حد لملف الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي، واتخاذ إجراءات فورية لوقف ممارسة هذه الجريمة المحظورة بموجب القانون العراقي والدولي.

قد يعجبك ايضا