سوق العمل الإيطالي: ممارسات تمييزية وعقبات في طريق اللاجئين وطالبي اللجوء
كجزء من تحقيق العيش الكريم للاجئين وطالبي اللجوء في أي دولة، يعد دمجهم في سوق عمل خطوة بالغة الأهمية، ولا تحتمل التأجيل في كثير من الأحيان.
في إيطاليا، ليتسنى لهم الدخول في سوق العمل، غالبًا ما يواجه اللاجئون وطالبو اللجوء عقباتٍ هائلة، بدءًا من القوانين غير الواضحة والإجراءات الإدارية الطويلة، وحتى التمييز والاستغلال في أحيان كثيرة.
وبطبيعة الحال، يعد وضع طالبي اللجوء واللاجئين أكثر صعوبةً من المهاجربن الاقتصاديين الذين يدخلون البلاد بحثًا عن عمل ويتم تنظيم إمكانية عملهم في إيطاليا من خلال “مرسوم التدفق”.
يحدد هذا المرسوم حصصًا لعدد المواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي المسموح لهم بدخول إيطاليا للعمل، ففي عام 2020 بلغت حصتهم 30,850 عاملاً، تم تخصيص 18,000 منهم للعمل الموسمي. في المقابل، لا يوجد حد أدنى لعدد اللاجئين وطالبي اللجوء الذين يجب على الحكومة الإيطالية قبولهم.
وحتى قبل التفكير في الحصول على عمل، يواجه الأشخاص الذين يسعون للحصول على الحماية الدولية في إيطاليا تحديات مهولة.
فيسمح القانون الإيطالي لطالبي اللجوء بالحصول على وظائف بعد مرور شهرين من تقديمهم لطلب اللجوء. مع ذلك، فإن الإجراءات البيروقراطية الطويلة المطلوبة للتسجيل أو التجديد تؤخر التاريخ الفعلي، مما يعرضهم لخطر الاستغلال من قبل أصحاب العمل الذين يجبرونهم في كثيرٍ من الأحيان على العمل في ظروفٍ غير آمنة.
بالإضافة إلى ذلك، يحجم بعض أصحاب العمل عن توظيف طالبي اللجوء الذين لم يتم منحهم تصاريح عمل رسمية بعد. وفي الوقت نفسه، غالبًا ما تكون المساكن الحكومية المخصصة لطالبي اللجوء واللاجئين بعيدة عن المدن، مما يقلل من فرص العمل المتاحة لديهم.
يفاقم تلك المشاكل الحاجز اللغوي الذي يواجهه طالبو اللجوء واللاجئون في إيطاليا، وغياب شبكات الدعم، وضعف المؤهلات التعليمية والمهنية، مما يجبرهم على قبول الوظائف متدنية الأجور أو المهارات، وعدم الوعي بأساليب استغلالهم.
وبموجب المرسوم الأمني 113/2018 الذي أقرته إيطاليا، ألغيت البرامج التي وفرت لطالبي اللجوء الدعم أثناء عملية الإدماج، مثل التدريب الداخلي والتدريب المهني.
المرسوم ألغى كذلك أيضًا تصاريح الإقامة الإنسانية، التي سمحت للأفراد بالبقاء في البلاد حتى في حال لم يستوفوا المعايير الرسمية للحصول على حق اللجوء.
وقد ترك هذا المرسوم أكثر من 37,000 شخص دون وثائق. ولحسن الحظ، تم تغيير بعض أسوأ أحكامه في أكتوبر 2020، حيث منح أولئك الذين حصلوا على تصاريح إنسانية أو تصاريح خاصة أخرى إقامةً طويلة الأمد على أساس العمل.
ولا شك أن تلك العوامل تدفع بطالبي اللجوء والمهاجرين للقبول بأي نوع من الأعمال، مهما كانت خطيرة أو غير آمنة.
فوفقًا للمجلس الوطني للبحوث في إيطاليا، فإن 13٪ فقط من المهاجرين أو اللاجئين وطالبي اللجوء يقومون بأعمال عالية الأجور أو المهارات مقارنةً بـ 40٪ من السكان الأصليين.
ويعد التصنيع والتنظيف والزراعة والبناء، والتي تتطلب جميعها معدات السلامة، أكثر القطاعات شيوعًا بين اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين.
ومع ذلك، وفقًا للتقرير الرابع عن الاستغلال الشديد في العمل الصادر عن وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية، يجب على مثل هؤلاء العمال شراء معدات الحماية الشخصية الخاصة بهم بأنفسهم.
كما أفاد التقرير بأنهم أُجبروا على الاختباء أثناء زيارات مفتشين خارجيين، مما منع اكتشاف الظروف القاسية التي يعانونها.
وفقًا للتقرير نفسه، غالبًا ما يتعرض العمال الوافدون للتمييز على أساس لون البشرة، أو الجنسية، أو لمجرد كونهم أجانب أو مهاجرين. فأرباب الأعمال “يهينون باستمرار العمال السود ويهددونهم بالطرد من العمل”.
انتشر في السنوات القليلة الماضية ما يسمى باقتصاد العمل الحر أو الوظائف المؤقتة، وهو نموذج اقتصادي قائم على العمل الموسمي والمؤقت ويتسم بضماناتٍ تعاقدية ضعيفة.
تعد خدمات توصيل الطعام أحد أكثر القطاعات شيوعًا في اقتصاد الوظائف المؤقتة. ففي إيطاليا، ما يقرب من ثلثي العاملين في شركات توصيل الطعام هم من المهاجرين أو اللاجئين، وهم على استعداد لفعل أي شيء تقريبًا مقابل كسب ما لا يزيد عن 3 يورو لكل رحلة توصيل، وغالبًا ما لا يدركون حقوقهم الكاملة كعمال.
ونتيجة لحوادث الاستغلال المتزايدة تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء والمهاجرين في إيطاليا، فتح المدعي العام في مدينة ميلانو الإيطالية مؤخرًا تحقيقًا في قضية “أوبر إيتس” بسبب الاستغلال المزعوم للعمال المهاجرين الضعفاء.
وبحسب وثائق رسمية، كان الضحايا من طالبي اللجوء القادمين من مناطق النزاع ويعيشون في مراكز استقبال المهاجرين، حيث كان يُصادر ما كانوا يتقاضوه من بقشيش ويًجبروا على القبول بـ “ظروف عملٍ مهينة”.
ووجد المحققون أن الظروف كانت قاسية بشكلٍ خاص خلال الموجة الأولى من جائحة كورونا، حين ازداد الطلب على خدمة التوصيل بشكلٍ “غير مسيطر عليه.”
يمثل طالبو اللجوء واللاجئون أيضًا نسبة كبيرة من العمالة في القطاع الزراعي، حيث تنتشر “الوساطة غير القانونية”، فيعمل أكثر من 430,000 مهاجر وطالب لجوء ولاجئ بشكلٍ غير نظامي، وبالتالي فإنهم يبقون عرضة لخطر الاستغلال بشكلٍ واسع.
يعمل هؤلاء حوالي ثماني ساعات يوميًا في قطف الفراولة، والبطاطا، والطماطم مقابل 35 يورو فقط، وأحيانًا 15 يورو، ويعيشون في أحياءٍ فقيرة من الخيام.
يدرك أرباب العمل في ايطاليا حاجة طالبي اللجوء والمهاجرين غير الموثقين الماسة للعمل ويستخدمونها كوسيلة ضغط لاستغلالهم، كما يتعرض بعض اللاجئين الذين مُنحوا الحماية الدولية للاستغلال عندما لا يتمكنون من العثور على وظائف في السوق الرسمية.
خلال حالة الطوارئ المفروضة بفعل فيروس كورونا والإغلاق الذي لحقها، واصل مئات المهاجرين وطالبي اللجوء عملهم بالرغم من المخاطر الصحية التي تهدد سلامتهم، وبما أنهم غير موثقين أو مستبعدون من النظام المالي، فلا يمكنهم الحصول على المساعدات.
في 13 مايو 2020، أصدرت الحكومة الإيطالية قانونًا يسمح لحوالي 200,000 عامل غير موثق بالتقدم للحصول على تصاريح إقامة لمدة ستة أشهر.
على الرغم كون مثل هذا الإجراء مرحب به في البداية، إلا أنه اتضح لاحقًا أنه عفوٌ مؤقت يأخذ بعين الاعتبار المصالح الاقتصادية قبل حقوق الإنسان، ولا يفعل شيئًا يذكر لمعالجة استغلال العمال.
يعتبر الإدماج في النظام المالي -المصرفي والائتماني، وبالتالي الإسكان والتعليم – ضروريًا لضمان وصول المهاجرين وطالبي اللجوء والمهاجرين إلى سوق العمل. فعندما يكون هؤلاء “غير مرئيين”، يكون وصولهم إلى سوق العمل الرسمي أشبه بالمستحيل.
تختلف الاحتياجات المالية للمهاجرين حسب وضعهم. فعلى سبيل المثال، يعد المتقدمون الذين لم يحصلوا على اللجوء بعد غير آمنين وبالتالي يحتاجون إلى كافة الخدمات، بدءًا من السكن وحتى الوظائف المؤقتة.
بينما يحتاج اللاجئون الذين حصلوا على الحماية أو المهاجرون الذين هم في مرحلة أكثر استقرارًا إلى مزيد من الاستقرار، والإدماج، والخدمات المالية، بما في ذلك حسابات التوفير والائتمان.
في إيطاليا، يعمل المرصد الوطني للإدماج المالي للمهاجرين، الممول من المفوضية الأوروبية ووزارة الداخلية، على الحد من الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي على نطاقٍ أوسع، مما يعود بالفائدة على الجميع من خلال قيام المهاجرين بتنظيم الأعمال، وتحقيق قوة شرائية عالمية أقوى، وتحويل الأعمال غير الرسمية إلى رسمية.
ووفقًا للمرصد، تطور القطاع المالي في إيطاليا ببطءٍ ليصبح أكثر دعمًا للسكان المهاجرين، مع مراعاة احتياجاتهم الخاصة. مع ذلك، تبقى هناك حاجة ماسة إلى مزيدٍ من التطور لتغيير التعامل مع الأشخاص ذوي الدخل المنخفض وظروف العمل المحفوفة بالمخاطر، والتي عادةً ما تعتبر “غير قابلة للتعامل المصرفي” وبالتالي تكون خطيرة للغاية.
إجراءاتٍ موصى بها:
- على الحكومة الإيطالية تحديد وتنفيذ المشاريع الفعالة التي تدمج طالبي اللجوء واللاجئين في سوق العمل والمجتمع بشكلٍ عام، وتنظيم وحماية أولئك الذين يعملون في السوق غير الرسمية تحت ظروفٍ استغلالية، من خلال سياسات محددة قائمة على احترام حقوق الإنسان -لا سيما استجابةً لحالة الطوارئ الصحية الحالية.
- تعزيز التعاون بين الحكومة والشركات لحماية المهاجرين وطالبي اللجوء غير الموثقين وأولئك الذين ينتظرون تسجيل لجوئهم.
- تنسيق الإجراءات بين الوكالات المحلية والوطنية وأرباب العمل.
- تطوير مجموعات أدوات لتقييم تعليم المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين ومؤهلاتهم، وبذل جهود أكبر لتطوير طرق التعرف على المؤهلات المهنية الأجنبية والبناء عليها.
- تصميم إطار جديد لمعالجة مشكلة استغلال العمال المهاجرين من خلال النظام القانوني.
- تنفيذ برامج تشجّع التعاون بين القطاعين العام والخاص لخلق فرص عمل للمهاجرين.
- دعم وإنشاء هيئات مؤسسية جديدة لحماية حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين، مثل النقابات العمالية.
- تطوير نظم معلومات لتثقيف العمال المهاجرين حول حقوقهم العمالية والخدمات التي تقدمها النقابات العمالية، وكذلك لمساعدتهم في الحصول على الخدمات المالية. يمكن استخدام هذه الأنظمة ذاتها لجمع بيانات موثوقة حول قضايا المهاجرين.
- زيادة عمليات التفتيش الفعالة والمفاجئة لمواقع العمل للحد من استغلال العمال.
اقرأ أيضاً: تحسينات متواضعة في أحكام الهجرة تبرز الحاجة الملحة للإصلاح الشامل في ايطاليا