سريلانكا: على “مجلس حقوق الإنسان” الأممي السعي إلى تحقيق المساءلة

قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته اليوم إن حكومة سريلانكا تهاجم بشدة الجهود المبذولة لمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات الماضي الجسيمة.

التقرير الصادر في 93 صفحة، بعنوان “جراح لم تندمل وأخطار متزايدة: منع المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة في سريلانكا”، يدرس الجهود التي تبذلها حكومة الرئيس غوتابايا راجاباكسا لعرقلة العدالة في سبع قضايا حقوقية بارزة.

يصف التقرير السياق الحالي لقمع الحكومة للنشطاء، والصحفيين، والمحامين، وعائلات الضحايا، فضلا عن التهديدات ضد الأقليات الضعيفة.

على “مجلس حقوق الإنسان” التابع لـ”الأمم المتحدة”، في جلسته التي ستبدأ في 22 فبراير/شباط 2021، تبَنّي قرار يؤيد العدالة في الجرائم الدولية الخطيرة في سريلانكا ويُدين الانتهاكات المستمرة.

قال جون فيشر، مدير مكتب هيومن رايتس ووتش في جنيف: “اعتداء الحكومة السريلانكية على العدالة يزيد من مخاطر انتهاكات حقوق الإنسان اليوم وفي المستقبل”.

وأضاف فيشر: “على مجلس حقوق الإنسان الأممي اعتماد قرار في دورته المقبلة يُبيّن لإدارة الرئيس راجاباكسا أن العالم لن يتغاضى عن انتهاكاتها، ويُعطي الأمل في تحقيق العدالة لعائلات الضحايا”.

قالت هيومن رايتس ووتش إن جهود توفير المساءلة تراجعت بشكل كبير خلال 2020. فر كبار ضباط الشرطة الذين يحققون في عمليات القتل والاختفاء القسري التي ارتُكبت خلال حكم ماهيندا راجاباكسا من البلاد أو اتُهموا بجرائم ملفقة على ما يبدو.

سعت لجنة عيّنها الرئيس إلى التدخل في القضايا الجنائية التي تتعلق بحلفائه وأنصاره.

تم تأخير وتعطيل محاكمات مسؤولي الجيش والمخابرات المُتهمين بالاختفاء القسري. أقر البرلمان الذي يهيمن عليه راجاباكسا تعديلا للدستور يُلغي الضوابط الرئيسية على السلطة الرئاسية، مما يقوّض استقلال القضاء والمؤسسات مثل “مفوضية حقوق الإنسان” في سريلانكا.

وثّقت الأمم المتحدة، ووسائل الإعلام، والجماعات الحقوقية المحلية والدولية، من بينها هيومن رايتس ووتش، الفظائع التي ارتكبتها قوات الأمن الحكومية و”جبهة تحرير نمور تاميل إيلام” (نمور التاميل) الانفصالية خلال الحرب الأهلية في سريلانكا التي استمرت 26 عاما وانتهت في 2009.

كشف “تقرير بيتري” الداخلي للأمم المتحدة عن الإخفاقات المنهجية للأمم المتحدة في المساعدة في حماية المدنيين في الأشهر الأخيرة من الحرب.

غوتابايا راجاباكسا، وزير الدفاع في الحكومة التي قادها شقيقه الرئيس ماهيندا راجاباكسا بين2005 و2015، كان مسؤولا بشكل مباشر عن سلوك القوات الحكومية التي ارتكبت العديد من جرائم الحرب، بما في ذلك الهجمات العشوائية، والإعدام بإجراءات موجزة، والاغتصاب.

منذ انتخابه رئيسا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عيّن راجاباكسا أشخاصا متورطين في جرائم حرب وانتهاكات جسيمة أخرى في مناصب إدارية عليا.

تنصّل أيضا من التزامات سريلانكا بتعزيز الحقيقة، والعدالة، والتعويضات بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان التاريخي لعام 2015، باعتباره هجوما على “أبطال الحرب” في بلاده. وأصدر عفوا عن أحد الجنود القلائل الذين أدينوا بارتكاب انتهاكات.

خلال حكومة الرئيس السابق مايثريبالا سيريسينا، من 2015 إلى 2019، أحرزت بعض تحقيقات الشرطة في الانتهاكات الحقوقية تقدما، وكشفت أدلة على المسؤولية الرسمية عن عمليات القتل والاختفاء القسري.

مع ذلك، خرجت تحقيقات مهمة عن مسارها في ظل رئاسة غوتابايا راجاباكسا، بما في ذلك مقتل المحرر الصحفي لاسانتا ويكريماتونغ عام 2009؛ والاختفاء القسري للصحفي براغيت إيكنيليغودا عام 2010؛ والاختفاء القسري لشبان على أيدي ضباط المخابرات البحرية مقابل فدية في 2008 – 2009.

لم يُسجَّل أي تقدم في القضايا الهامة الأخرى التي تورّط فيها كبار المسؤولين، بما في ذلك مذبحة “ترينكو فايف” (Trinco Five) في 2006 التي قُتل فيها خمسة طلاب من عرقية التاميل، وذَبح 17 عضوا في جماعة الإغاثة الفرنسية ” العمل ضد الجوع” (Action Contre la Faim).

في عهد راجاباكسا، عادت الرقابة الذاتية إلى وسائل الإعلام السريلانكية، في حين قامت قوات الأمن بمراقبة ومضايقات مكثفة ضد عائلات الضحايا والنشطاء الذين يقومون بحملات لمعرفة مصير آلاف المفقودين.

وصف أحد النشطاء الخوف الذي ولّده الرئيس الجديد: “إذا كان هناك أي نشاط لا يريد أن يسمح به، يعتقل الناس. لذا فإن ما يحدث بين النشطاء قليل جدا، والناس في وضع رقابة ذاتية”.

قالت عضوة في جماعة “أمهات المختفين” للمناصرة، التي اختفى ابنها قسرا في2009، إن شرطة “إدارة المباحث الجنائية” زارتها بشكل متكرر منذ الانتخابات الرئاسية.

قالت: “جاؤوا وسألوا عمن سيحضر الاجتماعات، ومن سيذهب إلى جنيف [لحضور مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة]. هؤلاء أطفال نقلتهم شاحنات بيضاء من منازلنا أو استسلموا [للجيش].

أريد أن أعرف ما حدث لابني، ما إذا كان ميتا أم حيا، وإذا لم يعد حيا، فماذا حدث له ومن فعل ذلك – هل تعرض للضرب، وهل كُسِر أحد أطرافه”.

لجأت الكثير من عائلات الضحايا إلى مجلس حقوق الإنسان لدعم احترام الحقوق في مواجهة كراهية الحكومة.

في 2020، ضايقت الحكومة النشطاء المنخرطين في عملية الأمم المتحدة في جنيف.

في 21 يناير/كانون الثاني، أعلن الرئيس راجاباكسا عن تشكيل لجنة تحقيق محلية جديدة لمراجعة نتائج لجان التحقيق العديدة السابقة، والتي لم تُفضِ إلى المساءلة أو الكشف عن مصير المفقودين. أشارت الحكومة بالفعل إلى نتيجة هذه العملية، وأبلغت مجلس حقوق الإنسان في سبتمبر/أيلول أن المزاعم ضد كبار ضباط الجيش “غير مقبولة” وبدون “أدلة جوهرية”.

استخدمت الحكومات السريلانكية السابقة لجان التحقيق من أجل تفادي الضغط الدولي لمعالجة المخاوف الحقوقية، ولم تستوفِ تلك اللجان أبدا المعايير الدولية الأساسية.

قالت هيومن رايتس ووتش إن أعضاء مجلس حقوق الإنسان ينبغي ألا يتركوا استخدام حكومة راجاباكسا لهذا التكتيك يُضَللهم.

على المجلس أن يعتمد على استنتاجاته والخطوات التي اتخذها بالفعل خلال السنوات العديدة من تأخيرات الحكومة السريلانكية ومراوغاتها وتحديها.

على أعضاء المجلس التمسك بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بأسوأ الجرائم الدولية من خلال تكليف آلية أو عملية تابعة للأمم المتحدة بجمع الأدلة وحفظها وتحليلها، وأن يقدم المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقريرا إلى المجلس بشأن سبل المساءلة.

ينبغي أيضا منح المفوض السامي تفويضا متجددا للإبلاغ عن الوضع داخل سريلانكا. على الحكومات الأجنبية أن تفرض عقوبات محددة الهدف على الأفراد الذين توجد ضدهم اتهامات موثوقة بارتكاب انتهاكات جسيمة.

قال فيشر: “على مجلس حقوق الإنسان ضمان أن يستجيب قرار جديد للوضع الموصوف في تقرير المفوض السامي ويؤيد مسؤوليات المجلس”.

وختم فيشر قائلا: “أي قرار جديد هادف هو أمر حاسم للحفاظ على الضغط الدولي. التقاعس سيبعث برسالة مروعة إلى المنتهكين في جميع أنحاء العالم مفادها أن المجتمع الدولي على استعداد للتغاضي حتى عن أفظع الجرائم”.

اقرأ أيضاً: سريلانكا: حرق موتى “كورونا” المسلمين بشكل قسري وتمييزي

قد يعجبك ايضا