الأورومتوسطي: عمليات صد غير قانونية للمهاجرين وطالبي اللجوء في اليونان

الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – تورّطت السلطات اليونانية في العديد من عمليات الصد غير القانونية والعنيفة ضد المهاجرين وطالبي اللجوء في المدة بين عامي 2014 و2016.

وذلك حين وصل أكثر من مليون شخص من الذين فروا من مناطق النزاعات المسلحة والأزمات السياسية مثل سوريا وأفغانستان والعراق إلى اليونان عبر تركيا.

شهد العامان الماضيان بشكل خاص تصعيدًا حادًا في انتهاكات اليونان المستمرة للقانون الأوروبي والدولي فيما يتعلق بصد المهجّرين قسرًا والاعتداء عليهم بشكل غير قانوني.

في ظل إذعان كامل من الاتحاد الأوروبي وتواطؤ من الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس).

في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن خفر السواحل التركي إنقاذ 255 مهاجرًا كانوا على متن قوارب آيلة للغرق في المياه الإقليمية التركية بعد صدّهم من السلطات اليونانية.

السلطات التركية قالت إنّها نفّذت أربع عمليات إنقاذ، شملت إنقاذ 109 مهاجرين من منطقتي بودروم وداتشا.

وأكدت السلطات أيضاً إنقاذ 54 مهاجرًا من سواحل إيفاسيك و45 مهاجرًا من مقاطعة باليكيسير و47 مهاجرًا من منطقة كوساداسي، ونقلتهم إلى مكاتب الهجرة الإقليمية.

عقد الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع تركيا عام 2016 لتقليل أعداد الوافدين إلى اليونان، ومثّلت الاتفاقية إعلانًا سياسيًا نشره المجلس الأوروبي كبيان صحفي، ونصّت على التزام تركيا بوقف الهجرة إلى اليونان وقبول عودة المهجّرين قسرًا.

في المقابل، تعهّد الاتحاد الأوروبي بالتبرع بستة مليارات يورو لإعادة توطين قرابة 72 ألف لاجئ سوري وتقديم مزايا أخرى لتركيا مثل الإعفاء من تأشيرات الدخول إلى أوروبا.

في فبراير/ شباط 2020، قال الرئيس التركي إنّ الأموال المحوّلة من الاتحاد الأوروبي إلى تركيا لدعم اللاجئين تأخذ وقتًا طويلًا في الوصول، واتهم الاتحاد الأوروبي بعدم الوفاء بالتزاماته.

وبعد ذلك، أعلنت الحكومة التركية أنها لن تمنع طالبي اللجوء والمهاجرين من العبور غربًا إلى اليونان والاتحاد الأوروبي، وتدفق حينها آلاف منهم نحو الحدود اليونانية.

ردّت اليونان على ذلك بعسكرة حدودها بعناصر من الجيش والشرطة الذين لجأوا إلى استخدام القوة المفرطة ضد المهاجرين وطالبي اللجوء.

وشمل ذلك الاعتداء بالضرب والغاز المسيل للدموع والمعاملة السيئة. وعلى الرغم من هدوء الأوضاع في الأشهر التالية، إلا أن احترام قانون اللجوء في الاتحاد الأوروبي ظل غائبًا.

وفق ما وثّقه ناشطون مدنيون ومنظمات مستقلة، تسبب سلوك السلطات اليونانية العنيف والتعسفي أثناء عمليات صد المهاجرين وطالبي اللجوء بدفع الوافدين حديثًا من المهجّرين قسرًا إلى ركوب قوارب غير مستقرة والعودة سريعًا إلى تركيا خشية التعرّض للقمع.

كما كشفت تقارير إعلامية عن تخريب القوات اليونانية محركات القوارب المطاطية لإجبار المهاجرين وطالبي اللجوء على العودة، تعد عمليات الإعادة القسرية غير القانونية إحدى الأدوات الرئيسة لسياسة الهجرة في اليونان.

إذ بدأ العمل بها منذ أكثر من عشر سنوات وقد ازداد استخدامها مؤخرًا. بحيث أصبحت تمثل ما وصفه عالم السياسة اليوناني “ديميتريس كوروس” أنّه “اعتقا غير رسمي وإبعاد تعسفي لرعايا الدول الثالثة دون تقييم شرعية دخولهم أو تواجدهم في البلاد ودون منحهم فرصة التقدم بطلب لجوء أو الاعتراض على تهجيرهم”.

لا تؤثر عمليات الإرجاع على المهجرين قسرًا الذين يحاولون عبور الحدود اليونانية فحسب، بل تؤثر أيضًا على أولئك الذين تقدموا بالفعل بطلبات لجوء أو حصلوا على الحماية الدولية.

يتعرض المهاجرون وطالبو اللجوء قبل إرجاعهم لمجموعة من الانتهاكات الخطيرة، تشمل سلب أموالهم وأجهزتهم الإلكترونية، وتجريدهم من ملابسهم، والاعتداء عليهم بالضرب والصعق بالكهرباء، وفي بعض الأحيان، يتم استهدافهم بالرصاص الحي.

وللمفارقة، فإنّ المسؤولين عن هذه الممارسات الوحشية وغير القانونية هم آخر من يفكر المرء في إمكانية إقدامهم على ارتكاب مثل هذه الممارسات وهم: الشرطة وحرس الحدود وخفر السواحل والجيش. وبالتالي تمثل الإعادة القسرية غير القانونية “جرائم دولة عنصرية” لأنّها تُمارس من أجهزة الدولة الرسمية.

بدأ تواجد “فرونتكس” في منطقة “إيفروس” عام 2010 عندما طلبت اليونان ذلك، ولكن نزاهة “فرونتكس” في السنوات الأخيرة كانت محل شك، إذ شهدت المناطق التي تنشط فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وعلى الرغم من وجوب احترام “فرونتكس” لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين، إلّا أن شهادات المهاجرين وطالبي اللجوء تشير إلى تورطها في عمليات صد عنيفة وغير قانونية.

في اجتماع لجنة الحريات المدنية والعدل والشؤون الداخلية بالبرلمان الأوروبي عام 2020، زعمت “فرونتكس” أنها لم تجد أي انتهاكات لحقوق الإنسان في ثماني حالات من أصل 13 حالة تمت مراجعتها، بينما احتاجت الخمس الأخرى إلى مزيدٍ من الدراسة، الأمر الذي أثار الشكوك حول مشاركتها في عمليات صد المهاجرين في اليونان.

يتضح من إفادات المهاجرين وطالبي اللجوء، والطريقة التي تعاملت بها “فرونتكس” مع الاتهامات والتحقيقات، أنّ الوكالة تورّطت في انتهاك الحقوق الأساسية للمهاجرين وطالبي اللجوء ولا سيما على الحدود اليونانية التركية.

تتسبب الممارسات غير القانونية والخطيرة المتمثلة في عمليات الصد والإرجاع على الحدود اليونانية التركية بانتهاكات جسيمة وخطيرة للقوانين الوطنية والدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ولا سيما مبدأ عدم الإعادة القسرية واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والحق في اللجوء والحق في الحياة.

انتهاك مبدأ عدم الإعادة القسرية -أحد أسس نظام الحماية الدولية- يعني ضمنًا تعرّض المهاجرين وطالبي اللجوء لخطر المعاملة اللاإنسانية والاضطهاد بمجرد العودة إلى بلادهم.

وقد تؤدي عمليات الإرجاع غير القانونية إلى “سلسلة” من عمليات الإعادة القسرية. حيث يتم ترحيل المهاجرين وطالبي اللجوء إلى بلد قد يقرر نقلهم لاحقًا إلى مكان آخر يهدد حياتهم.

وينطوي انتهاك مبدأ عدم الإعادة القسرية على عدم الامتثال لاتفاقية جنيف واتفاقية اللاجئين، ويمثّل خرقًا للقانون الدولي العرفي.

بتحليل القانون الأوروبي وقانون الاتحاد الأوروبي، فإن عمليات الإرجاع على الحدود اليونانية التركية تنتهك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

فتتضمن الاتفاقية الحق في الحياة وتحظر التعذيب، كما تنتهك ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي الذي يُلزم الدول الأعضاء باحترام الحق في اللجوء وحظر الطرد الجماعي.

تؤدي عمليات الإعادة القسرية غير القانونية أيضًا إلى انتهاك الإرشاد التوجيهي للاتحاد الأوروبي حول إجراءات اللجوء والذي ينص على أن جميع طلبات الحماية الدولية تتيح الوصول إلى إجراءات اللجوء.

وأخيرًا، تتعارض عمليات الإرجاع اليونانية مع تشريعات الإتحاد الأوروبي بشأن الحدود والعودة، إذ تنص على أن رفض دخول الأشخاص عبر الحدود يجب أن يستند إلى تقييم الظروف الشخصية.

تكفل المادة (18) من “ميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية” الحق في طلب وتلقي الحماية الدولية لجميع الأشخاص الفارين من الأوضاع التي تهدد حياتهم في بلدانهم الأصلية. وليس لأي وكالة أو مؤسسة أو بلد الحق في حرمان الأشخاص من هذا الحق الأساسي عبر صدهم بشكل تعسفي وغير قانوني.

أعلنت اليونان حالة الطوارئ في مارس/ آذار 2020 نظرًا للانتهاكات التي ارتكبتها، حيث وجدت أن باستطاعتها التنصل من التزاماتها بموجب قانون الإتحاد الأوروبي.

ولكن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قالت إن هذا لا يمكن أن يحدث إلا في مجلس الإتحاد الأوروبي بناء على اقتراح من المفوضية، وأن التنصل من الحقوق الأساسية مثل مبدأ عدم الإعادة القسرية مستحيل.

كما قضت محكمة العدل الأوروبية بأن عدم التقيد بقانون الإتحاد الأوروبي لا يمكن أن يحدث إلا في ظل شروط صارمة.

على الرغم من أن المسؤولية عن انتهاكات قانون الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي تقع أولًا وقبل كل شيء على عاتق اليونان، إلا أن التحقيقات التي تجريها السلطات اليونانية ليست محايدة وموضوعية.

وتقع المسؤولية أيضًا على وكالة “فرونتكس”، إذ يتوجب عليها احترام حقوق الإنسان وقانون اللاجئين والإبلاغ عن الانتهاكات.

وعليها أيضاً مسؤولية التحقيق في الانتهاكات من خلال نظام الإبلاغ عن الحوادث الخطيرة (SIR)، كما تمتلك الوكالة صلاحية تعليق العمليات في حال استمرار الانتهاكات.

وبشكل عام، فإن العدد المنخفض للتقارير التي قدمتها “فرونتكس” يؤكد إخفاقها في رصد انتهاكات حقوق الإنسان.

إذ لم تلجأ فرونتكس أبدًا إلى تعليق أو إيقاف عملياتها في اليونان اعتراضًا على عمليات الإرجاع غير القانونية في البلاد.

ولذلك، تقع على عاتق الاتحاد الأوروبي مسؤولية التدخل نيابة عن المهاجرين وطالبي اللجوء الذين تُنتهك حقوقهم الإنسانية على الحدود اليونانية التركية، ولكنّ الاتحاد الأوروبي ما يزال صامتًا عن إدانة الممارسات التعسفية التي ترتكبها اليونان.

في مايو/ أيّار 2020، طلب 102 عضوًا في البرلمان الأوروبي من المفوضية الأوروبية التحقيق في مقتل “محمد غولزار” بسبب استخدام القوات اليونانية للأسلحة النارية أثناء عبوره الحدود اليونانية التركية في منطقة إيفروس.

إلا أن رئيسة المفوضية ” أورسولا فون دير لاين” انحازت إلى اليونان ولم تستنكر انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها.

وفي يوليو/تموز 2020، دعا أعضاء لجنة الحريات المدنية والعدل والشؤون الداخلية بالبرلمان الأوروبي إلى اضطلاع المفوضية الأوروبية بدورها بصفتها “الوصي على المعاهدات”، في إشارة إلى ضرورة إدانة عمليات الصد والإرجاع في اليونان.

وفي سبتمبر/ أيلول 2020، استحدثت المفوضية الميثاق الجديد للهجرة واللجوء للتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان.

وعلى الرغم من أن الميثاق يتطلب من الدول الأعضاء إنشاء “آلية مستقلة لرصد الحقوق الأساسية “، إلّا أن نطاق هذه الآلية محدود ويعمل في سياق إجراءات ما قبل الدخول فقط.

ختامًا، فإنّ عمليات الصد والإرجاع غير القانونية التي نفذتها السلطات اليونانية، إلى جانب تجاهل الاتحاد الأوروبي اتخاذ أي إجراء لمواجهة انتهاكات القانون الدولي وقانونه الخاص، فضلًا عن تورط وكالة “فرونتكس” في هذه العمليات، تُظهر أن الاتحاد الأوروبي على استعداد للقيام بأي شيء من أجل تقليل أعداد الواصلين إلى أوروبا.

ويتضح ذلك من خلال ميثاق المفوضية الأوروبية الجديد للهجرة واللجوء، والذي يسمح للدول الأعضاء بالتنصل من التزاماتها بموجب قانون الاتحاد الأوروبي إذا اعتقدت أنها تواجه أزمة سياسية خطيرة.

وبالتالي يشرع الميثاق انخراط اليونان في عمليات صد عنيفة وخرق قانون الاتحاد الأوروبي دون أي عواقب في ظل استمرار وصول اللاجئين وطالبي اللجوء.

وفي وقت سابق، أشارت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى أن عمليات الصد المستمرة غير القانونية والعنيفة التي ترتكبها اليونان ضد طالبي اللجوء واللاجئين غير مقبولة ويجب إدانتها ووقفها تمامًا.

يمكن أن يساعد إنشاء المفوضية الأوروبية آلية جديدة لمراقبة الحقوق الأساسية في الحد من انتهاك حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء.

وذلك من خلال أن تكون الآلية مستقلة وعادلة وترتكز على القانون الأوروبي والدولي في معالجة عمليات الإعادة القسرية غير القانونية والعنيفة.

كما يمكن أن يساهم وجود المنظمات غير الحكومية المستقلة في مراقبة ومساءلة السلطات على الحدود.

قد يعجبك ايضا