العمال في قطر بلا أجور، وإجراءات بشأن انتهاكات تَظلِم العمال رغم إبلاغهم الحكومة

قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن السلطات القطرية لم تُنصِف مئات العمال الوافدين المحرومين من أجورهم لأشهر في شركتين، رغم إبلاغها مرارا بالانتهاكات.

“صندوق دعم وتأمين العمال”، الذي أنشأته الحكومة خصيصا في 2018 لضمان نيل العمال لأجورهم عندما تقصّر الشركات في الدفع، لم يُستخدَم لصالح العُمال المذكورين لدى الشركتين.

قالت مهام جافاييد، زميلة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “من المحزن أن يُعاني مئات العمال في شركتين على الأقل للحصول على مستحقاتهم غير المدفوعة رغم إبلاغ الحكومة القطرية بهذه الانتهاكات مرارا”.

وأضافت جافاييد: “تقاعس الحكومة القطرية عن ضمان دفع أجور العمال يُبيّن الفجوة المؤسفة بين وعود قطر بالإصلاح والواقع”.

في 28 سبتمبر/أيلول 2020، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى السلطات القطرية تبلغها أن قرابة 400 موظف في شركة “الإمبراطورية للتجارة والمقاولات ذ.م.م.” (الإمبراطورية)، التي تصف نفسها بأنها شركة مقاولة رائدة في قطر، لم يتلقوا أجورهم من أكثر من 10 أشهر على الأقل رغم بدئهم في تقديم شكاوى إلى مختلف السلطات الحكومية في يونيو/حزيران. لم يلقَ العمال ردا من الحكومة بعد.

قال “مكتب الاتصال الحكومي” ردا على رسالة هيومن رايتس ووتش: “وضعت وزارة العمل الشركة على قائمة الشركات المحظورة، وبدأت الإجراءات القانونية ضدها، وفرضت عقوبات صارمة عليها”. لكن لم يتلقَ العمال، الذين ذكر أغلبهم معناتهم وعيشهم في ظروف بائسة، أجورهم المستحقة بعد.

العاملون في شركة “لاليبيلا للتنظيف والخدمات”، وهي وكالة تزود المنازل والمكاتب في قطر بعمال تنظيف، لا تُدفع أجورهم ويواجهون انتهاكات عمالية أخرى. قال ثمانية من موظفي الشركة لهيومن رايتس ووتش إنهم لم يتلقوا رواتبهم منذ يونيو/حزيران.

أكدت هيومن رايتس ووتش اتصالها بكلا الشركتَيْن للحصول على تعليقاتهما لكن لم تتلق أي رد.

في أغسطس/آب، نشرت هيومن رايتس ووتش تقريراً في 78 صفحة بعنوان “’ كيف نعمل بدون أجر؟ ‘: انتهاكات الأجور بحق العمال الوافدين قبل كأس العالم فيفا 2022” أظهر تفشي عدم تلقي العمال الوافدين لأجورهم ضمن مهن وصناعات مختلفة في البلاد.

وجدت هيومن رايتس ووتش عدم إيفاء قطر لالتزامها تجاه “منظمة العمل الدولية” في 2017 بحماية العمال الوافدين من انتهاكات الأجور، وإلغاء نظام الكفالة الذي يربط تأشيرات العمال الوافدين بأصحاب عملهم.

وقالت هيومن رايتس ووتش أنها تحدثت إلى 10 موظفين في شركة الإمبراطورية وراجعت الوثائق ذات الصلة، بما في ذلك 6 مذكرات رسمية للشركة في 2019 و2020 وعدت فيها الموظفين بدفع رواتبهم المعلقة وطلبت منهم “تحمل الوضع والتعاون مع الإدارة”.

قال جافايد: “قالت السلطات القطرية مرارا إنه ينبغي إبلاغها بالانتهاكات المتعلقة بالأجور فورا لتتمكن من التحقيق فيها والتعجيل بتعويض العمال الذين يواجهون هذه الانتهاكات المؤلمة. لكن يُظهر العدد الكبير من حالات عدم دفع الأجور أن قطر لم توفر بعد الحماية الكاملة للعمال ولم تعوّضهم عن انتهاكات الأجور”.

في 27 أكتوبر/تشرين الأول، قال مكتب الاتصال الحكومي القطري لهيومن رايتس ووتش إن وزارة العمل وضعت الشركة على قائمتها للشركات المحظورة وفتحت إجراءات قانونية منفصلة عن تلك التي قدمها العمال مباشرة إلى محكمة العمل.

قال موظف سابق في شركة الامبراطورية الذي كان ينام في المكتب: “خلال زيارة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، شعرت الشركة بالحرج لأننا كموظفين سابقين ننام في المكتب، لذلك قالت الشركة في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2020 إنها ستدفع 30% من مستحقاتنا العالقة إذا غادرنا المكتب.

لم يكن لدينا خيار سوى الموافقة. يقول العقد الذي أجبرونا على توقيعه إننا تلقينا 100% من المدفوعات، لكنهم قالوا شفهيا إنهم سيدفعون 30% فقط “.

حصل هؤلاء العمال الـ 19 على 30% من أجورهم المستحقة في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني.

ذكر مكتب الاتصال الحكومي أنه على الرغم من “منع شركة الامبراطورية حاليا من العمل في قطر، إلا أنها تظل مؤهلة لبرنامج القروض لتوفير الرواتب لموظفيها خلال الإطار الزمني المطلوب في تطبيقه”. موظفو الامبراطورية قلقون بشأن عدم تمثيلهم في هذه القرارات.

قال مكتب الاتصال إن شركة الامبراطورية سُجِّلت لتأمين قرض من خلال “بنك قطر للتنمية”، والذي سيتم إيداعه مباشرة في الحسابات المصرفية للموظفين “خلال الأسابيع المقبلة”.

مع ذلك، لم تُدفَع بعد رواتب مئات الموظفين. قال بعض الموظفين الذين لديهم إمكانية الوصول إلى سجلات الشركة إنهم سمعوا وعودا بقرض من البنك منذ مارس/آذار، ولا يمكنهم رؤية أي وثائق تثبت أن شركة الامبراطورية قد تم تسجيلها للحصول على قرض مصرفي.

قال مكتب الاتصال أيضا إن “الموظفين الذين يسعون إلى تغيير عملهم بينما تكون بطاقة هويتهم القطرية منتهية الصلاحية أحرار في القيام ذلك من دون تحمّل أن تكلفة مالية”.

إلا أن موظف سابق لدى شركة الامبراطورية قال إن الشركة لم تجدد بطاقة الهوية الخاصة به وإن صاحب عمله الجديد يطلب منه دفع غرامة قدراها 2,400 ريال قطري (659 دولار) عن بطاقة هويته المنتهية الصلاحية قبل أن يبدأ العمل لديه.

قال ثمانية موظفين في شركة لاليبيلا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لم يتلقوا رواتبهم الشهرية منذ يونيو/حزيران. بدلا من الأجور، تمنحهم الشركة 150 ريال قطري (41 دولار) للطعام والماء بطريقة غير منتظمة وتعسفية.

قالوا أيضا إنهم لم يحصلوا على بطاقات هوية، أو بطاقات صحية، أو بطاقات مصرفية قطرية، والتي يتعين على أصحاب العمل توفيرها، رغم أنهم يعملون لدى الشركة منذ 2019 على الأقل.

قال الموظفون أيضا إنهم، عند الدفع، يتقاضون رواتبهم مقابل ثماني ساعات عمل في اليوم فقط، رغم أنهم يعملون 10 ساعات على الأقل.

قال أحد موظفي شركة لاليبيلا من كينيا: “لدي ابن صغير في بلدي، إنه يتضور جوعا لأنني غير قادر على إرسال المال إليه”.

قال موظفو لاليبيلا أيضا إنه لم يكن لديهم كهرباء في السكن الذي وفرته الشركة من نهاية أغسطس/آب إلى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2020، عندما تدخلت الحكومة.

أكد مكتب الاتصال لـ هيومن رايتس ووتش أن المالك زوّده في أكتوبر/تشرين الأول بوثائق “تثبت أن جميع فواتير الخدمات العامة قد تم دفعها الآن”.

بدون بطاقات الهوية القطرية، لم يتمكن العمال من تقديم أي شكاوى رسمية بشأن تأخير الأجور إلى الشرطة أو وزارة العمل. قال موظف لا يغادر مسكنه إلا للذهاب إلى العمل: “نخشى حتى مغادرة مكان إقامتنا لأننا لا نملك بطاقات هوية.

قد تعتقلنا الشرطة لعدم حيازتنا بطاقات، حتى لو لم يكن ذنبنا”. قال الموظفون إنهم اتصلوا هاتفيا بالسفارتين، الكينية والأوغندية، ليسألوا كيف يمكنهم تغيير أصحاب العمل، لكن السفارات أخبرتهم أنه لا يمكنهم القيام بذلك بدون بطاقات الهوية.

كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الحكومة القطرية لإبلاغها عن الانتهاكات ضد موظفي لاليبيلا. رد مكتب الاتصال في 27 أكتوبر/تشرين الأول، مشيرا إلى أن وزارة العمل فتحت تحقيقا في قضية لاليبيلا بشأن “خصم الرواتب وتأخر دفعها الذي يؤثر على بعض عمال الشركة”.

ثم أوقفت الوزارة الشركة وأحالتها إلى الجهات القضائية لاتخاذ الإجراءات القانونية. قال مكتب الاتصال إن صاحب الشركة “تعهد بتسوية جميع الرواتب غير المدفوعة خلال الشهر المقبل” وأن وزارة العمل تتابع معهم بشكل يومي.

قال البيان إن لاليبيلا أوقفت أنشطتها بسبب تفشي فيروس “كورونا”، وأن الشركة والموظفين اتفقوا كتابيا على خفض الرواتب الشهرية مؤقتا. قال العمال الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش في لاليبيلا إنهم لم يوافقوا كتابة على أي شيء بشأن تخفيض الرواتب.

بينما قالت الحكومة إن العاملين في كلتا الشركتين، حتى الذين يحملون بطاقات هوية منتهية الصلاحية، يتمتعون بحرية تغيير وظائفهم، إلا أنها لم تقدم ردا حول كيف يُفتَرض بالعمال في لاليبيلا الاستمرار في وظائفهم الحالية، أو البحث عن وظيفة أخرى، دون حيازتهم لبطاقات الهوية، وبطاقات الرعاية الصحية، والبطاقات المصرفية من صاحب العمل.

في وقت سابق من 2020، ذكرت السلطات القطرية أن “صندوق دعم وتأمين العمال”، الذي أنشِأ في 2018 بهدف دعم العمال الذين تعرضوا لانتهاكات العمل، يعمل بكامل طاقته وقد صرف حتى الآن 14 مليون ريال قطري (3.85 مليون دولار) في شكل مساعدات مالية للعمال. بموجب قانون إنشاء الصندوق، فهو يهدف إلى تقديم المساعدة للعمال الذين ربحوا قضاياهم أمام لجان تسوية المنازعات العمالية ولم يدفع لهم أصحاب العمل.

لكي يتمكن العامل من الوصول إلى الصندوق، على محكمة العمل أولا إصدار حكم ضد الشركة، ثم تقديم طلب تنفيذ إلى “إدارة تنفيذ الأحكام”. في هذه المرحلة، إذا كانت الشركة غير قادرة على دفع أجور عمالها، يتم تقديم طلب تسوية إلى الصندوق.

رغم تأخر الأجور وعدم دفعها لأكثر من عام، ورغم رفع دعاوى ضد شركة الامبراطورية في يونيو/حزيران، لا يزال 400 عامل على الأقل ينتظرون التعويض.

بموجب القوانين التي أنشأت محكمة العمل، يجب على هذه المحكمة البتّ في القضايا في غضون ستة أسابيع. لكن عمال شركة الامبراطورية ما زالوا ينتظرون استدعائهم لجلسة استماع أولية بعد خمسة أشهر من تقديم الشكاوى.

بالنسبة إلى عمال لاليبيلا، ذكر مكتب الاتصال أنه يمكن للعمال تقديم طلب إلى الصندوق لصرف رواتبهم المستحقة بمجرد إصدار المحكمة حكما ضد الشركة. مع ذلك، نظرا لأنهم لم يتمكنوا من رفع دعوى بسبب عدم حيازتهم لبطاقات الهوية، من غير المرجح أن يحدث هذا.

تُظهر قضية موظفي شركة الامبراطورية أن محكمة العمل في قطر تستغرق وقتا أطول بكثير من الأسابيع الستة المقررة لمعالجة الشكاوى.

حتى إذا كانت المحكمة قادرة على الالتزام بجدول زمني مدته ستة أسابيع، يحتاج العمال إلى المال أثناء البتّ في القضية لكي يتمكنوا من العيش دون تلقي أجورهم.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على قطر تعديل شروط الصندوق وتقديم المساعدة الإنسانية للعمال أثناء انتظار قرار محكمة العمل. على محكمة العمل أيضا إيجاد سبل تسمح للعمال الذين لا يحملون بطاقات هوية قطرية بالإبلاغ عن انتهاكات الأجور وغيرها من المظالم.

اقرأ أيضاً: ينبغي على قطر ألاّ تتخلى عن مسؤوليتها تجاه حقوق العمال

قد يعجبك ايضا