قضية “الإمارات 84”: تخبط للنيابة العامة الإماراتية

منذ اللحظة من إعلان السلطات الإماراتية عن محاكمة 84 إماراتياً (الإمارات 84) بتهمة تأسيس تنظيم إرهابي، حاول الإعلام الإماراتي إيهام المتابعين بأن السلطات اعتقلت أفراداً غير محتجزين أصلاً، يخططون لتنفيذ أعمال إرهابية، وأن جهاز أمن الدولة اكتشف تنظيماً إرهابياً جديداً.

وقال مركز مناصرة معتقلي الإمارات إن محاولة تضليل وسائل الإعلام الإماراتية ظهرت للمتابعين واضحة تماماً، من خلال استخدامها لعناوين توحي بوجود تنظيم إرهابي جديد اكتشفته السلطات الإماراتية قبل أيام، حيث استخدمت أغلب وسائل الإعلام الإماراتية عنواناً موحدأ، وهو: “النائب العام يحيل 84 متهما إلى محكمة أمن الدولة بتهمة إنشاء تنظيم إرهابي”.

وفي تفاصيل الخبر، أو ما يمكن وصفه بالنسخة الأولى لرواية النيابة حول القضية الجديدة، فإن النائب العام أمر بإحالة 84 متهماً أغلبهم من أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين في الإمارات إلى محكمة أبوظبي الاتحادية الاستئنافية (محكمة أمن الدولة) لمحاكمتهم عن جريمة إنشاء تنظيم سري آخر بغرض ارتكاب أعمال عنف وإرهاب على أراضي الدولة.

ورغم أن الخبر لا يشير إطلاقاً إلى أن المتهمين هم بالأساس معتقلون منذ 2012 ولا يمكنهم إنشاء تنظيم سري من داخل السجن، لكنه قام بتبرير هذه المعضلة بالقول إنهم كانوا قد أخفوا هذه الجريمة وأدلتها قبل ضبطهم ومحاكمتهم في القضية رقم (17) لسنة 2013 جزاء أمن الدولة، وذلك في إشارة إلى قضية “الإمارات 94” التي أدين فيها 69 متهماً في 2013 بتهمة “تأسيس تنظيم سري لقلب نظام الحكم”.

إذًا، وبحسب رواية النيابة العامة، ومفرداتها الدقيقة التي نقلها الإعلام الإماراتي، فنحن أمام قضية جديدة، وتنظيم سري آخر لا علاقة له مطلقاً بالتنظيم السري الذي كان يهدف إلى قلب نظام الحكم، والذي تم محاكمة نفس المتهمين على أساسه عام 2013.

لكن.. ما هو التنظيم السري الجديد الذي لم يعترف المتهمون بوجوده لأكثر من 10 سنوات، واكتشفت النيابة وجوده بعد انتهاء الأحكام القضائية الصادرة ضد المتهمين؟!

بحسب رواية النيابة العامة أيضاً، فإن التنظيم السري الجديد هو “لجنة العدالة والكرامة”، وهي لجنة تابعة لجمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي (التنظيم السري القديم الذي كان يهدف إلى قلب نظام الحكم).

والحقيقة، أن استخدام النيابة العامة لهذه اللجنة تحديداً، أوقعها في ورطة كبيرة، لأنه قد تمت محاكمة المتهمين بالفعل عن هذه التهمة، وتم الإشارة إلى هذه اللجنة أكثر من مرة في محاكمة “الإمارات 94” عام 2013، وبالتالي فإن تلك اللجنة هي جزء من التنظيم السري القديم وليست تنظيماً جديدا، وهذه القضية قد سبق الفصل فيها ولا يجوز إعادة محاكمة المتهمين عليها.

تنبهت النيابة العامة إلى هذا الخطأ الفادح، وركزت جميع جهودها خلال الجلسات الماضية على التأكيد بأن هذه القضية جديدة ومنفصلة عن قضية 2013 وغيرمرتبطة بها، وقررت أن تطلق اسم “تنظيم العدالة والكرامة الإرهابي”، بدلاً من وصف “لجنة العدالة والكرامة”.

لكن النيابة العامة وقعت في المحظور مرة أخرى خلال مرافعتها في الجلسة السادسة التي جرت يوم الخميس الماضي 15 فبراير، حين حاولت تبرير المحاكمة الجديدة مستدلة بالمادتين 88 و90 من قانون العقوبات.

وقالت في مرافعتها: إن القضية السابقة متعلقة بمحاولة الانقلاب على الحكم أما الجديدة فتتعلق بتأسيس تنظيم إرهابي يهدف إلى زعزعة الاستقرار ونشر الكراهية، وهي جريمة مختلفة، عقوبتها أشد وتصل إلى السجن المؤبد أو الإعدام.

وأشارت النيابة أن المادة 88 من قانون الجرائم والعقوبات الإماراتي التي تنص على أنه: “إذا وقعت عدة جرائم لغرض واحد وكانت مرتبطة ببعضها ارتباطا لا يقبل التجزئة وجب اعتبارها كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم”.

كما استشهدت بنص المادة 90 من ذات القانون والتي تفيد بأنه:” إذا كان الجاني في الحالة المنصوص عليها في المادة (88) قد حوكم عن الجريمة ذات العقوبة الأخف وجبت محاكمته بعد ذلك عن الجريمة ذات العقوبة الأشد وفي هذه الحالة تأمر المحكمة بتنفيذ العقوبة المقضي بها في الحكم الأخير مع استنزال ما نفذ فعلا من الحكم السابق”.

والواقع أن استشهاد النيابة العامة بهاتين المادتين، يتناقض مع تأكيدها المستمر خلال الجلسات الماضية بأن القضية الجديدة منفصلة تماماً عن القديمة وليس بينهما رابط، إذ أن المادتين المشار إليهما تتعلقان بالجرائم المرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة، ويعني أن محاكمة 2013 يشوبها خطأ في التطبيق.

ثم إنه حتى لو افترضنا صحة ادعاء النيابة عن وجوب المحاكمة عن العقوبة الأشد وليس الأخف، فإن تطبيق المادة 90 لا يكون بهذه الطريقة العشوائية إذ أنه لا بد من مراعاة المادة 268 من قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي والتي تنص على: “إذا صدر حكم في موضوع الدعوى الجزائية، فلا يجوز إعادة نظرها إلا بالطعن في هذا الحكم بالطرق المقررة في القانون”، ولا يمكن للمحكمة من تلقاء نفسها أن تقوم بمحاكمة الأشخاص عن ذات القضية عدة مرات لأنها أخطأت في تطبيق القانون.

كما أن هذا أيضاً يقودنا إلى مشكلة أخرى، إذا كانت القضية جديدة، فإن تطبيق المادة 90 يتطلب استنزال ما نُفذ فعلا من الحكم السابق، وهذا يعني أن المحكمة إذا حكمت بالسجن المؤبد (25 سنة) على أحد المتهمين، فسيتم خصم المدة السابقة التي قضاها بالسجن بسبب قضية 2013.

لماذا يتم خصم المدة السابقة إذا كانت هذه القضية جديدة ولا تتعلق بالقضية الحالية، وليست إعادة محاكمة، ثم إن المادة 88 التي استخدمتها النيابة تشير إلى وجوب اعتبار الأفعال جريمة واحدة، فهل تعترف النيابة فعلاً بأن قضية 2013 والقضية الحالية هما جريمة واحدة؟.

وهنا أيضاً، لا بد أن نتوقف طويلاً عند الأدلة التي استخدمتها النيابة العامة في القضية الجديدة، حيث استخدمت نفس أدلة قضية 2013 دون إضافة أي جديد، وهو ما يعني فعلاً أننا أمام إعادة محاكمة وليس محاكمة عن تهمة جديدة.

فحسب ما أوردت وكالة الأنباء الإماراتية في الخبر الذي نقلته عن الجلسة الماضية، “وعرضت النيابة الأدلة ضد المتهمين ومنها: اعترافات أحد المتهمين بأن التنظيم درس الأحداث التي تزامنت مع ما يسمى بـ”ثورات الربيع العربي” ليتم صنع نموذج ثوري مشابه في الإمارات”.

وهذا الكلام حرفياً هو ما تم الاستناد إليه في قضية 2013 المتعقلة بقلب نظام الحكم، ولا يوجد فيه أي شيء جديد على الإطلاق، ثم ما علاقة هذه الأدلة على فرض صحتها بأعمال الإرهاب؟.

وفقاً لوكالة الأنباء الإماراتية: “واعترف المتهم أيضا بأن طريقة التنظيم الإرهابي المذكور اعتمدت على خلق حالة من الغضب والاحتقان في المجتمع ما يدفع الناس إلى التجمع والتظاهر في الشوارع لينتج عن ذلك تصادم عنيف مع رجال الأمن مما يسبب قتلى وإصابات واستغلال ذلك وقوداً لزيادة الاحتقان والترويج له إعلاميا على المستويين الداخلي والخارجي للحصول على الدعم من المنظمات الخارجية، حيث أسس التنظيم فرقاً وتم تحديد مهامها وأعضائها.

وقد اعترف المتهم أيضا بقيام التنظيم بالتخطيط لمرحلة إنزال الناس إلى الشارع، واختيار إحدى الساحات المعروفة بالدولة”.

وهذه الاعترافات وغيرها مما ورد في خبر وكالة الأنباء الإماراتية هو نفس الأدلة والكلام الذي قالته النيابة في 2013، ولا يوجد فيه أي جديد، بل إن النيابة قامت بإعادة استخدام موضوع اشتراكات الأعضاء في جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي كدليل في القضية الجديدة.

وإزاء كل هذا التخبط الذي تواجهه النيابة العامة في الإجابة عن السؤال البسيط: هل قضية “الإمارات 84” هي قضية جديدة أم قضية قديمة، لابد لنا من التأسف ليس فقط على هذه الانتهاكات القانونية بل أيضاً على الحالة المتردية التي وصلت لها الإمارات في الجانب القانوني، حيث تعجز النيابة العامة حتى انتهاك حقوق الإنسان بشكل صحيح قانونياً، وتعجز عن تطبيق القانون الذي وضعته بشكل صحيح.

قد يعجبك ايضا