إيواء طالبي اللجوء في بريطانيا يفجر الغضب في وجه حكومة جونسون

بارقة أمل تلوح في الأفق لطالبي اللجوء في بريطانيا الذين تم وضعهم في معسكر سابق في ظروف وصفتها جمعيات حقوقية بأنها غير لائقة.

جاء ذلك بعد قرار مؤسسات رسمية إرسال لجنة تحقيق للوقوف على أوضاع إقامة طالبي اللجوء في معسكر “نابيير باراكس” (Napier barracks) بعد أن أثار هذا المعسكر الكثير من الجدل، ووضع حكومة بوريس جونسون في حرج حقيقي.

وأعلنت مؤسسات الهجرة والسجون أنها شكلت لجنة من المحققين ستكون مهمتها كتابة تقرير عن وضعية طالبي اللجوء في هذا المعسكر، وإذا ثبت أن الظروف المتوفرة لهم لا تراعي المعايير الإنسانية فسيتم ترحيلهم لأماكن أخرى.

هذا القرار يأتي استجابة من حكومة جونسون للضغوط التي مارستها الجمعيات الحقوقية وعشرات البرلمانيين، ورجال الدين، سواء من الكنائس الكبرى والمساجد.

وقبل التوصل إلى هذا القرار مر المقيمون في معسكر “نابيير باراكس” بالعديد من المحن والمعاناة لإسماع أصواتهم ولفت الانتباه لوضعهم غير المسبوق، ذلك أنه لأول مرة في تاريخ البلاد يتم اعتماد معسكر سابق مكانا لإيواء طالبي اللجوء.

بدأت معاناة طالبي اللجوء مع هذا المعسكر منذ سبتمبر/أيلول من العام الماضي بوصول 400 شخص للسكن مؤقتا هناك، في انتظار البت في طلبات لجوئهم، قبل أن تتحول أيام الانتظار إلى أشهر من المعاناة فاقمها وباء كورونا والبرد القارس في بريطانيا.

وبالنظر لحالة الازدحام الشديدة في المعسكر فقد تفشى وباء كورونا بين طالبي اللجوء، وتم نقل 100 منهم إلى فنادق بعد إصابة 120 شخصا بالفيروس داخل المعسكر، كما حكمت المحاكم لصالح بعض الأفراد بنقلهم إلى فنادق، لأن وجودهم داخل المعسكر يهدد سلامتهم الجسدية والنفسية، ذلك أن أغلبهم فروا من مناطق النزاع العسكري ليجدوا أنفسهم محتجزين في معسكر سابق يذكرهم بكل معاناتهم.

وبسبب منعهم من الحركة حاول 5 من طالبي اللجوء الهروب من المعسكر الذي تفرض عليه وزارة الداخلية حراسة أمنية صارمة، قبل أن يتم اعتقالهم من طرف الشرطة.

أما النقطة التي أفاضت الكأس في هذا الملف فهي اندلاع حريق المعسكر نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، مما ألحق أضرارا كبيرة بالمطعم والنوافذ وعدد من المرافق، وحينها اعتقلت الشرطة أكثر من 10 أشخاص يشتبه في تعمدهم إشعال النيران في المخيم، وتدريجيا أطلقت سراحهم.

هذا الحريق دفع عددا من البرلمانيين لمطالبة وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل بضرورة إنهاء هذا الملف وإغلاق المعسكر.

مع ذلك تصر وزارة الداخلية على أن الظروف جيدة هناك، وأن المعسكر سبق أن سكن فيه عسكريون بريطانيون، الأمر الذي رد عليه خبراء في القانون بأن وضع طالب اللجوء في مكان عسكري هو مخالف للقانون الدولي.

وحسب مؤسسة “كير فور كاليه” (Care4Calais)، فإنه منذ اندلاع الحريق في المعسكر تقرر تشديد الحراسة بين الغرف، وتم الحد من استعمال الكهرباء والماء الساخن، علما بأن موسم البرد هذه السنة ليس له مثيل منذ 3 عقود على الأقل، كما تم إغلاق المطبخ في وجه النزلاء.

وكشف هذا الحريق عن الكثير من الحقائق المثيرة، منها مثلا أن الشركة التي تسير هذا المعسكر وأماكن أخرى لطالبي اللجوء حصلت على عقد قيمته 1.3 مليار دولار لمدة 10 سنوات، لتقديم خدمات جيدة للنزلاء، وهو ما تقول الجمعيات الحقوقية إنه لا يتحقق، فيما تدافع وزارة الداخلية عن الشركة بأن النزلاء يحصلون على أكل جيد وماء صالح للشرب، ولهم الحق في الوصول إلى الكهرباء.

وإضافة إلى الظروف الإنسانية المثيرة للجدل في المعسكر هناك الضغط النفسي الذي بات يعيشه النزلاء، وحسب مؤسسة “تشوز لوف” (Choose Love)، فهناك 24 شخصا حاليا تحت المراقبة خشية إقدامهم على الانتحار، بالنظر لتدهور أوضاعهم النفسية.

وكشفت وثيقة داخلية لوزارة الداخلية البريطانية حصلت عليها صحيفة “ذي إندبندنت” (The Independent) أن هدف الوزارة من خلال إيواء طالبي اللجوء في المعسكرات السابقة هو “عدم الاستخفاف” بصرامة نظام اللجوء في البلاد، وألا تظهر البلاد وكأنها “تتعامل بسخاء” مع طالبي اللجوء.

تعول الجمعيات الإنسانية في بريطانيا على تقرير اللجنة المكونة من جهاز الهجرة وإدارة السجون، لإنهاء إيواء طالبي اللجوء في المعسكرات، وهو ما أكده كلير موسلي من مؤسسة “كير فور كاليه” الذي عبر عن رضاه “للزيارة القريبة للمراقبين إلى معسكر “نابيير باراكس”، خصوصا أنهم سوف يلتقون مع طالبي اللجوء، وسوف يستمعون لهم ولما يعيشونه في الداخل.

وعبر المتحدث ذاته عن أمله بأن هذه اللجنة سوف تحدث تغييرا حقيقيا في طريقة تعامل وزارة الداخلية مع طالبي اللجوء، مؤكدا أنه يتعين على وزارة الداخلية البريطانية أن تقدم النموذج في طريقة حماية طالبي اللجوء الذين عانوا الكثير في دولهم.

وتشير الكثير من المعطيات إلى بداية رضوخ وزارة الداخلية للمطالب الحقوقية والبرلمانية، حيث كشفت صحيفة “غارديان” (The Guardian) عن تراجع الوزارة عن قرار تحويل مركز لترحيل المهاجرين إلى ما يشبه السجن، حيث ستكون له بوابات إلكترونية وأسلاك شائكة، ويمنع على طالب اللجوء مغادرته إلى حين البت في قضيته.

وكانت الحكومة قد باشرت العمل في مركز “يارلز وود” (Yarls Wood)، لتحويله إلى ما يشبه “مركز احتجاز” لطالبي اللجوء، قبل أن تتراجع عن هذا القرار بالنظر للانتقادات التي تواجهها سياسة وزارة الداخلية في التعامل مع إيواء طالبي اللجوء.

اقرأ أيضاً: ترحيل لجزر نائية أو الاحتجاز في البحر.. خيارات صادمة لتعامل بريطانيا مع اللاجئين

قد يعجبك ايضا