منظمات حقوقية: اللاجئون الإثيوبيون بالسودان بين فكي الطبيعة والحرب
كاد 200 لاجئ إثيوبي ينحدرون من قومية القُمز أن يقعوا في مرمى نيران الجيش السوداني أثناء فرارهم نحو الأراضي السودانية، فجر الأربعاء، لولا استدراك قوة استطلاع في آخر لحظة.
وبجانب فصل الخريف بأمطاره وعواصفه التي تعبث بمساكن اللاجئين الرخوة قرب الحدود، يتحرك اللاجئون بين حدود نشطة عسكريا منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ومع بداية موسم الأمطار قبل نحو أسبوعين، تعرض 1500 مأوى مصنوعة من المواد غير الثابتة للانهيار في معسكر الطنيدبة بمحلية المفازة التابعة لولاية القضارف.
وطالت الخسائر بفعل الأمطار والسيول والرياح العاتية 1256 مرحاضا بالمعسكر، الذي يضم 22 ألفا من اللاجئين من إقليم تيغراي؛ مما أدى إلى تشريد أكثر من 500 أسرة، فضلا عن آثار بيئية وصحية بانتشار الذباب والباعوض واختلاط مياه الأمطار بالصرف الصحي.
ووقع لاجئون في خضم اشتباكات بالأسلحة الثقيلة، فجر الأربعاء، بين الجيش السوداني ومليشيات من قومية أمهرة المدعومة من الجيش الفدرالي الإثيوبي، حسب معلومات عسكرية قرب منطقة “أم دبلو” بمحلية باسندة.
وطبقا للمعلومات، فإن نحو 200 من اللاجئين المنحدرين من قبائل القُمز وبينما كانوا يهمون بعبور الحدود للسودان عند منطقة “حسكنيت” كادت قوات الجيش السوداني -التي كانت تشتبك مع مليشيات الأمهرة- أن تقصف اللاجئين باعتبارهم محاربين.
ومنذ فبراير/شباط الماضي، يفر القُمز من إقليم بني شنقول الإثيوبي إلى ولاية النيل الأزرق السودانية (جنوب شرقي الخرطوم) جراء مواجهات مع الأمهرة، لكن منذ أسبوع تشهد ولاية القضارف (شمال شرقي الخرطوم) موجة لجوء جديدة أبطالها هذه المرة القُمز.
وإثر شن الجيش الإثيوبي الحرب على حكام إقليم تيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تدفق أكثر من 60 ألف لاجئ من تيغراي إلى ولاية القضارف.
وفي فبراير/شباط الماضي، أكد مدير التنسيق والمتابعة بحكومة ولاية النيل الأزرق “منصور التوم” أن عدد اللاجئين الإثيوبيين من القمز بلغ 3052 لاجئا.
والصعوبات التي تواجه المسؤولين في مراكز استقبال اللاجئين والمعسكرات الدائمة بالسودان لا تنقضي ولا تتوقف عند الهم الإنساني فقط.
وعبر “يعقوب محمد يعقوب” مدير مركز استقبال اللاجئين الإثيوبيين بحمدايت، عن خشيته من تعرض المنطقة لمهدد أمني جدي جراء انتشار مكثف للجيش الإثيوبي على الضفة الشرقية لنهر ستيت.
وأوضح “يعقوب” أن ثمة معلومات تفيد بنشر الجيش الإثيوبي نحو 16 ألف عنصر، في ظل إقامة الآلاف من تيغراي المطاردين في حمدايت.
وحسب المسؤول الإنساني، فإن 4980 لاجئا من تيغراي تم تسجيلهم بالبصمة في مركز حمدايت، ومثلهم أو أكثر منهم ما زال يرفض التسجيل والترحيل إلى المعسكرات الدائمة.
وأشار مسؤول مركز حمدايت إلى أن ثمة لاجئين جددا من قومية القُمز وصل عددهم إلى أكثر من 240 شخصا في باسندة، لكنهم يرفضون أيضا الانتقال إلى المعسكرات الدائمة التي يقطنها لاجئو تيغراي.
وأضاف أنهم ينتظرون موافقة حكومة ولاية القضارف على تخطيط وتشييد معسكر آخر بالطنيدبة.
ودلل “يعقوب” على الآثار الاجتماعية والاقتصادية السالبة التي تسبب فيها لاجئون يصل عددهم إلى أكثر من 10 ألف لاجئ في بلدة صغيرة مثل حمدايت لا يتجاوز عدد سكانها 6500 شخص؛ في الضغط على الخدمات وارتفاع أسعار السلع.
وأكد أن حمدايت مركز استقبال ولا تصلح أن تكون مأوى لفارين، وينتقد تماطل معتمدية اللاجئين وتساهل السلطات الحكومية تجاه اللاجئين الذين إذا لم يتم ترحيلهم ستحدث كارثة في الخريف.
واضطر اللاجئون في معسكر الطنيدبة بولاية القضارف للاحتجاج، بعد أن اقتلعت رياح مصحوبة بالأمطار عرائشهم المشيدة بالأخشاب والقش والمشمعات وانهيار مراحيضهم جراء وقوع المخيم في مجرى مياه الأمطار.
وشكا اللاجئون الإثيوبيون من نقص الخدمات وتفشي الذباب والبعوض وعدم توفر المياه الصالحة للشرب داخل نقاط التوزيع.
وحذر “يعقوب” من حدوث كارثة طالما حذروا منها قبل حلول فصل الأمطار، الذي يمتد 3 أشهر، فضلا عن أن بداية الخريف تشهد دائما رياحا عاتية.
ويقول إن منطقة حمدايت يعزلها فصل الأمطار تماما عن بقية القطر لوعورة الطرق والأرض الطينية اللزجة.
ونبه إلى أن الحوامل من اللاجئين يضطررن إلى عبور النهر والعودة إلى الحمرة الإثيوبية للوضع، مما يعد مجازفة بسيطرة الجيش الإثيوبي على المعابر.
وذكر أن برنامج الأغذية العالمي ومنظمات أخرى تحاول توفير مساعدات تتعلق بعمل ردم للطرق ومراحيض وتوفير مواد إيواء من مواد غير ثابتة، بعد تعرض 12 “جملون” من أعمدة الأشجار والقش للانهيار.
لكن “يعقوب” أكد أن ذلك غير كافٍ، وأن الوضع يتطلب تدخل المنظمات الدولية لأن الوضع البيئي والصحي سيكون كارثيا في الخريف.
ومع اشتداد المواجهات بين الأمهرة المتعطشين لحيازة المزيد من الأراضي، يزيد فرار قبائل القُمز على طول الحدود السودانية.
وخلال اليومين الماضيين ارتفع عدد الفارين من القُمز لولاية القضارف إلى 625 لاجئا تم إيواؤهم في إحدى المدارس بمحلية باسندة بعد رفضهم النقل للمعسكرات، حيث شكا المدير التنفيذي للمحلية مأمون الضو من أن ذلك يعيق عملية التعليم.
وحذر المسؤول المحلي من تفشي الأمراض وتردي الأوضاع البيئية داخل محليته محدودة الموارد.
وإلى الجنوب الشرقي بولاية النيل الأزرق، أفاد مسؤول إنساني (فضل حجب اسمه) الجزيرة نت بأن منطقة “مينزا” استقبلت 300 لاجئ من القمز الفارين من إقليم بني شنقول.
وتضع هذه الأوضاع اللاجئين أمام خيارين أحلاهما مر: إما الإقامة في معسكرات تعصف بها الأمطار والرياح، أو الحركة بين حدود متوترة بالعمليات العسكرية.
اقرأ أيضاً: تقرير: المهاجرون الأفارقة… رحلة الموت بحثًا عن الأمل