مصر: عقاب جماعي في سجن العقرب قيود جديدة على التهوية والكهرباء
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن أجهزة الأمن المصرية أجرت في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2020 تغييرات على “سجن 992 شديد الحراسة” في القاهرة، والمعروف باسم “سجن العقرب”، وحرمت النزلاء من التهوية الكافية والكهرباء والماء الساخن بشكل كامل تقريبا.
تشديد القيود، الذي حدث في أعقاب حادثة مشبوهة في 23 سبتمبر/أيلول في السجن قُتل فيها أربعة من عناصر الأمن وأربعة نزلاء، يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي.
وثقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى منذ فترة طويلة انتهاكات جسيمة داخل سجن العقرب، الذي يُحتجز فيه حاليا ما بين 700 و800 سجين، مثل حظر الزيارات العائلية بالكامل منذ مارس/آذار 2018، والحرمان من ساعات التريّض والحبس لمدة 24 ساعة منذ مطلع 2019.
قال جو ستورك، نائب مدير تقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “يبدو أن السلطات المصرية تفرض عقابا جماعيا على مئات السجناء في سجن العقرب، بعد عزلهم عن العالم قرابة ثلاث سنوات. الأوضاع في هذا السجن تتعارض تماما مع حقوق السجناء”.
يقع سجن العقرب داخل “مجمع سجون طرة” بالقاهرة. قال اللواء إبراهيم عبد الغفار، مأمور سجن العقرب السابق، خلال مقابلة تلفزيونية في 2012: “هو متصمم على إن اللي يخش ما يرجعش منه تاني” (لقد تم تصميمه بحيث لا يخرج من يدخله أبدا). وأضاف: “إنه متصمم للسجناء السياسيين”.
منذ صعود الجيش على السلطة في 2013، استخدمته الحكومة لسجن العديد من قادة “الإخوان المسلمين” بالإضافة إلى سجناء سياسيين بارزين آخرين.
ومع الاكتظاظ الحاصل، يُحتجَز في الزنازين التي تبلغ مساحتها حوالي مترين عرضا وثلاثة أمتار طولا سجينين أو ثلاثة عادة. قالت مصادر إن حراس السجن كثيرا ما يتركون زنزانة فارغة بين كل زنزانة وأخرى لجعل التواصل بين السجناء أكثر صعوبة.
في غياب أي تحقيق جديّ، زعمت وزارة الداخلية أن وفيات 23 سبتمبر/أيلول كانت نتيجة لمحاولة هروب فاشلة من قبل سجناء في عنبر المحكومين بالإعدام.
ذكرت هيومن رايتس ووتش في وقت سابق، بناء على روايات المحامين وأهالي السجناء وسجناء سابقين، أن قوات وزارة الداخلية ربما قتلت السجناء الأربعة انتقاما منهم بعد أن هاجموا وقتلوا عناصر الأمن الأربعة بأدوات حادة مرتجلة.
تشير رسالة من ثلاث صفحات وفيديو مدته 13 دقيقة سُرّبا من سجن العقرب واطلعت هيومن رايتس ووتش عليهما، إضافة إلى ثلاثة مصادر تحدثت إلى هيومن رايتس ووتش، إلى أن التغييرات شملت إزالة مصادر التهوية والضوء والكهرباء من الزنازين وتعديل النافذة الوحيدة التي تطل على ممر داخلي وكذلك فتحة الباب (النضارة) في كل زنزانة لعرقلة أي اتصال بين السجناء. حتى قبل التغييرات، لم يكن هناك مصدر في الزنازين لضوء الشمس أو الهواء النقي.
قالت المصادر الثلاثة، بما في ذلك محام على اتصال مع نزلاء في السجن وشخصَيْن على دراية مباشرة بالتغييرات، إن رجال أمن بملابس مدنية ويعتقد أنهم من مسؤولي “المخابرات الحربية” يعملون في السجن منذ عمليات القتل وأشرفوا على التغييرات.
قالت المصادر إن هؤلاء الضباط لم يكونوا ضباط السجن المعتادين أو عناصر “جهاز الأمن الوطني”. قال أحد المصدرَيْن المطلعَيْن إنهم قابلوا بعض السجناء “لفهم وضعهم النفسي” و”وفهم سبب قتل النزلاء لحراس السجن”.
توضح الرسالة، والفيديو المسرّب، والمصادر، بالتفصيل القيود الجديدة. قام عمال البناء، الذين تعتقد المصادر أنهم من “الهيئة الهندسية للقوات المسلحة”، بإزالة جهاز التهوية المثبت على الحائط في كل زنزانة في مباني السجن الأربعة (كل مبنى على شكل حرف “H”).
أزال العمال أيضا المقبس الكهربائي، وهو المصدر الوحيد للكهرباء للاحتياجات اليومية مثل تسخين المياه في الأباريق الكهربائية للشرب أو الاستحمام، وتشغيل طارد البعوض الكهربائي.
قال أحد المصادر: “اعتاد السجناء غلي الماء عندما يكون أحدهم مريضا لتحضير بعض الشاي”.
أزال عمال البناء أيضا شِباك البعوض الذي كانت تغطي النافذة الوحيدة في كل زنزانة والتي تطل على ممر السجن، واستبدلوا قضبان النوافذ بشبكة فولاذية (حديد بقلاوة)، مما حد كثيرا من دخول الهواء إلى الزنزانة. قالت المصادر إن البعوض قد استشرى في الزنازين الآن طوال الوقت.
قالت المصادر أيضا إنه في “المبنى H4″، حيث وقعت حوادث القتل في 23 سبتمبر/أيلول، أزال العمال المصباح الكهربائي الوحيد في كل زنزانة، مما ترك حوالي 100 زنزانة دون أي مصدر للضوء. في الزنازين الموجودة في المباني الثلاثة الأخرى، نقل العمال مفاتيح الإضاءة إلى خارج الزنزانة حتى لا يتمكن السجناء من التحكم بها.
أثناء أعمال البناء، نقلت السلطات السجناء إلى زنازين مكتظة إلى حين انتهاء الأشغال في كل جزء من أجزاء السجن ومن ثمّ نقلهم إلى الزنازين المعدلة. قال المصدر: “يُسلمّ السجين بطانية واحدة ويُرسل إلى الزنزانة. إذا اعترضوا، يتعرضون للضرب”. قال المصدر إن السجناء جُردوا من كافة ممتلكاتهم. قال إن عشرة سجناء تعرضوا للضرب وأُرسلوا إلى “زنازين التأديب” بعد أن اعترضوا على القيود الجديدة.
سُجِّل مقطع الفيديو المسرب، وهو الأول من نوعه، قبل التغييرات الأخيرة. يقدم الفيديو لمحة نادرة عن ظروف العقرب التي تحدثت عنها المنظمات الحقوقية لسنوات. يُظهر الفيديو ثلاثة سجناء يجلسون متراصين على الأرض في زنزانة صغيرة مضاءة بشكل خافت وشخص رابع يتحدث وهو يتحرك.
لا يفصل المرحاض عن باقي الزنزانة أي حاجز أو ساتر. قال السجين الذي يتحدث، إنهم يغطون أنفسهم بالبطانية التي ينامون عليها أثناء استخدام المرحاض. يفصل بين المرحاض ومنطقة النوم أقل من متر.
السقف والجدران متآكلة بسبب الرطوبة. يقول الراوي أن قطرات الماء تتساقط أحيانا من السقف. كما يعرض ملاعق بلاستيكية صنعوها يدويا وأربعة أطباق بلاستيكية صغيرة بالية يقول إنهم يستخدمونها للأكل منذ تسعة أشهر.
يظهر شيئا يشبه القربة، قال إنهم يملؤونه بالماء، ويضعون زجاجات تحتوي على طعام في الماء، ويدخلون قضيبين معدنيين موصولين بالكهرباء بأسلاك لتسخين الطعام.
يتم تعليق ملابس النزلاء المبللة والبالية على حبال معلقة على الجدران حتى تجف. وتظهر مقتنياتهم القليلة في أكياس بلاستيكية معلقة على الحائط بمسامير.
يعرض الراوي لوح صابون ويقول إن كل نزيل يحصل على واحد كل خمسة أشهر. مصدر الهواء الوحيد هو فتحة الباب التي يحصلون من خلالها على طعامهم.
قال الراوي إن النزلاء اضطروا إلى إغلاق النافذة المطلة على الممر، لأن الجو كان شديد البرودة ولم يكن لديهم أغطية كافية.
سبق أن وثقت هيومن رايتس ووتش في تقرير عام 2016 المعاملة القاسية واللاإنسانية من قبل ضباط سجن العقرب والتي ترقى على الأرجح إلى التعذيب، بما في ذلك العزلة المطولة والحرمان من التريّض والزيارات لأشهر أو سنوات والضرب.
توفي 14 نزيلا على الأقل في سجن العقرب منذ 2015، وفقا لبحث أجرته هيومن رايتس ووتش وتقارير حقوقية وإعلامية أخرى.
ساهمت عدم كفاية العلاج الطبي على الأرجح في في وفاة خمسة من هؤلاء السجناء. وثقت “العفو الدولية” حالة وفاة في العقرب بسبب التعذيب في 2019، ووثقت “كوميتي فور جستس”، وهي منظمة حقوقية مقرها جنيف، حالة أخرى للموت بعد التعذيب في 2018.
وثقت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، وهي منظمة مستقلة، كيف أن منع السجناء من استقبال الزوار يؤثر على حقوق النزلاء الأخرى مثل قدرتهم على الحصول على الملابس والبطانيات والأدوية.
بسبب عدم وجود إضاءة طبيعية كافية للعمل أو القراءة، وغياب ترتيبات إنسانية للنوم والصرف الصحي، ومراعاة الطقس، فضلا عن ضيق المساحة وعدم كفاية الإضاءة الاصطناعية والتهوية المناسبة، ينتهك سجن العقرب حقوق السجناء الأساسية بطبيعته، على النحو المنصوص عليه في “قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” (قواعد نيلسون مانديلا).
بالإضافة إلى ذلك، تحرم سلطات السجون السجناء باستمرار من الحصول على التعليم والرعاية الصحية الكافية وزيارات العائلات والمحامين.
في أواخر 2017، قبلت “هيئة مفوضي الدولة”، وهي جزء من القضاء الإداري في مصر، النظر في قضية رفعتها أسر نزلاء سجن العقرب تطالب السلطات بإغلاق السجن.
كلفت اللجنة خبراء في الهندسة والصحة وحقوق الإنسان بدراسة ظروف السجن وتصميمه. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من معرفة ما إذا كان هناك قرار نهائي من المحكمة.
قال ستورك: “يأتي تصعيد الظروف القاسية والمسيئة في سجن العقرب ليزيد من استفحال الوضع المروّع، والمستمر لسنوات، ويجعل من هذا السجن بالتعريف منشأة تعذيب. على مصر أن تعالج بجدية مكان الرعب هذا وأن تضمن عدم حرمان النزلاء من حقوقهم الأساسية كسجناء”.
اقرأ أيضاً: إعدامات جماعية بعد عمليات قتل مشبوهة في السجون المصرية