مرسوم تعسفي ينتهك الحريات الأساسية مع اقتراب الانتخابات الليبية
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنّ الانتخابات المُزمع اجراؤها في ليبيا في ديسمبر/كانون الأول 2021 تُحتّم على “حكومة الوحدة الوطنية” مراجعة أو إلغاء القيود الصارمة المفروضة على المنظمات غير الحكومية.
وقالت المنظمة أن المرسوم الصادر عن “المجلس الرئاسي” ينتهك التزامات ليبيا الدولية بحماية الحريات الأساسية.
قالت “حنان صلاح”، مديرة ليبيا في هيومن رايتس ووتش: “هذا المرسوم يقيّد المنظمات المدنيّة العاملة في ليبيا ويخنقها بشكل غير مبرّر، وهو مُقلق بشكل خاص في ضوء الحاجة إلى مجتمع مدني قوي قبل الانتخابات المخطط لها في ديسمبر”.
وأضافت “صلاح”: “على السلطات الليبية مراجعة أو إلغاء هذا القانون الذي من شأنه إسكات المجموعات التي تقوم بعمل حيويّ في المجالين الحقوقي والإنساني”.
راجعت هيومن رايتس ووتش المرسوم الذي أصدره المجلس الرئاسي السابق التابع لـ “حكومة الوفاق الوطني” في 2019، ووجدت أنه يتضمّن متطلبات تسجيل مرهقة وبنود صارمة بشأن التمويل.
كما يُرهق أعضاء المنظمات الراغبين في حضور مؤتمرات ومناسبات أخرى بشرط الإخطار المُسبق.
“مفوضيّة المجتمع المدني”، وهي هيئة مقرّها طرابلس أنشأها المجلس الرئاسي في وقت سابق [القرار 1605/2018]، مهمتها تسجيل واعتماد المنظمات المدنية وأنشطتها.
تتمتع هذه الهيئة بصلاحيات كبيرة لفحص الوثائق، ومراقبة التمويل، وإلغاء التسجيل وتصاريح العمل للمنظمات المحلية والأجنبية. يُدير المفوضيةَ مجلسُ إدارة يتكوّن من رئيس، ونائب رئيس، وثلاثة أعضاء، وجميعهم يعيّنهم مجلس الوزراء. مجلس إدارة المفوضيّة هو الذي يعيّن مديرها التنفيذي.
عبّر ناشطان يعملان مع منظمات ليبية تحدّثا إلى هيومن رايتس ووتش عن مخاوف بشأن المفوضية، التي تتخذ من طرابلس مقرّا لها وتخضع مباشرة لإشراف مجلس الوزراء.
قال الناشطان إنّ متطلّبات الإخطار المسبق المرهقة في أغلب الأنشطة ترقى إلى الموافقة المسبقة وليس مجرّد الإخطار، وتنطوي على تأخيرات طويلة قبل الموافقة وشروط متعلقة بإعداد التقارير تتجاوز قدرة المنظمات ذات الحجم المتواضع. اضطرّت إحدى المنظمات إلى تعليق عملها بسبب صعوبة الامتثال للمرسوم.
قال المدير التنفيذي لالمركز الليبي لحرية الصحافة “محمد الناجم” إنّ منظمته واجهت عقبات إدارية كبيرة بسبب الصلاحيات الكبيرة الممنوحة للمفوضية: “قيل لنا إنه لا يُمكننا استخدام اسم ليبيا في اسمنا، ولا يُمكن لأي منظمة غير حكومية أن تسمي نفسها منظمة لحرية الصحافة”.
وأضاف “الناجم”: “قيل لي أن أغيّر أهداف المنظمة واسمها وبعد ذلك نسجلها. تأسست منظمتنا منذ نحو سبع سنوات، والآن يريدون منا تغيير اسمها؟ هذا لا علاقة له بالقانون أو النظام”.
قُدرة المفوضيّة على رفض الطلبات تُضاعف متطلبات التسجيل المرهقة. تُلزَم المجموعات الدولية بالإضافة إلى ذلك بالحصول على تصريح عمل مسبق من المفوضية قبل إجراء أي أنشطة أو أعمال.
يتعارض ذلك مع القانون الدولي الذي يُفضّل مجرّد الإخطار على نظام التراخيص، والذي يفترض التمتع بالوضع القانوني بعد الإخطار.
كما يُلزم المرسوم المجموعات بتقديم إطار مسبق قبل تنظيم أو حضور الندوات والمؤتمر وورشات العمل. هذه البنود تنتهك التزامات ليبيا الدولية بشأن الحق في حريّة تكوين الجمعيات.
بحسب أحد النشطاء، أصبح عمل المنظمة مستحيلا حيث قال: “إنه ليس مجرّد إخطار، بل حصول على موافقة. كما هي الأمور الآن، عليك قضاء اليوم كله في المفوضية فقط للحصول على الموافقات”.
وأضاف: “أنا ضدّ التحكّم فينا بهذه الطريقة المرهقة، ولا يمكننا العمل إلى حين حلّ هذا الأمر. عمل المجتمع المدني أمر حيوي، وخاصة خلال فترة الانتخابات، لكنهم لا يريدوننا أن نعمل”.
يسمح المرسوم للمفوضية بإلغاء تسجيل وتصاريح العمل للمنظمات الأجنبية بناءً على معايير تشمل، على سبيل المثال، استخدام الأموال في أنشطة مختلفة عن تلك التي تحددها المجموعة عند تلقي التمويل.
تمنع المعايير الدولية السلطات من تعليق أنشطة الجمعيات تعسفا، وتفرض إخضاع هذا التدخل في حرية تكوين الجمعيات للمراجعة من قبل محاكم مستقلة.
جمع التبرعات داخل ليبيا محظور، وكذلك خارجها عندما يكون باسم الفرع الليبي لمنظمة ما. المفوضية لديها صلاحية مراجعة جميع الوثائق المالية والإدارية المتعلقة بأنشطة المنظمات.
تحظر اللوائح، مع استثناءات قليلة، توظيف خبراء والحصول على خدمات من الخارج. كما يُمكنها أن تقرّر ما إذا كانت الخبرة متاحة محليا. يبدو أنّ مثل هذه البنود فيها تدخل صارخ في عمل الجمعيات، وتتسبب في تقويض استقلاليتها.
يتعيّن على المنظمات إعلام المفوضية في غضون أسبوع واحد بأيّ تمويلات دخلت إلى حساباتها المصرفية، وعليها الحصول على موافقة مسبقة حتى تستلمها.
يتضمّن المرسوم محظورات أخرى فضفاضة وغامضة، تشمل القيام بأي عمل “يُخلّ بالنظام العام والآداب”، والأنشطة غير المصرّح بها مسبقا، والأنشطة التي تتجاوز الحد الزمني المسموح به، والأنشطة المتعلقة بالمسائل السياسية والعسكرية والأمنية، وكذلك التواصل مع “الأحزاب والكيانات السياسية داخل ليبيا”، دون تحديد الأطراف التي تمثلها هذه الكيانات.
قال الناجم والناشط الآخر إن المفوضية طلبت منهما التوقيع على تعهدات بالامتثال للوائح.
في مارس/آذار، حذّرت “المنصة الليبية”، وهي تحالف من 14 منظمة ليبية تعمل على حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، إلى جانب “مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان“، من أنّ “إصرار مفوضية المجتمع المدني على تطبيق قرار المجلس الرئاسي رقم 286 لسنة 2019، رغم الطبيعة القمعيّة للقرار ومخالفته للقانون”، يعرقل المجتمع المدني ويقيّد الحريات العامة.
هناك قوانين تقييدية أخرى من حقبة القذافي لا تزال سارية وتتسبب في تقويض حرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات.
يفرض قانون العقوبات الليبي عقوبات صارمة، تشمل الإعدام، على إنشاء جمعيات “محظورة قانونا”، دون تعريف هذا المصطلح، ويمنع الليبيين من الانضمام أو إنشاء منظمات دولية دون الحصول على إذن من الحكومة، ودون تحديد معايير هذا الإذن.
يُمكن للسلطات أيضا حلّ وإغلاق مكاتب المنظمات التي تعتبر غير قانونية دون إتاحة نهج معقول يمكّنها من إضفاء الشرعية على وضعها.
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ المعلومات العامة عن استخدام هذه القوانين التي تعود إلى ما قبل الثورة منذ 2011 نادرة، لكن وجود هذه القوانين لايزال يبعث على الخوف ويُعرقل حرية تكوين الجمعيات، وهو حق مكفول في القانون الدولي والدستور الليبي المؤقت.
“العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”، الذي صادقت عليه ليبيا في 1989، يضمن الحق في تكوين الجمعيات.
تنصّ المادة 22 منه على أنه “لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياته”.
أكّدت “اللجنة المعنية بحقوق الإنسان” في “الأمم المتحدة” على ألا تكون الحكومات أكثر تقييدا مما هو مطلوب عند الحدّ من حرية تكوين الجمعيات، والضرر اللاحق بها، ووقت استمرار القيود.
تنصّ المادة 10 من “الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب” على أنه “يحق لكل إنسان أن يكوّن وبحرية جمعيات مع آخرين شريطة أن يلتزم بالأحكام التي حددها القانون”، وأنه “لا يجوز إرغام أي شخص على الانضمام إلى أي جمعية”.
قالت “صلاح”: “يبدو أنّ المرسوم الليبي بشأن الجمعيات صُمّم لمنع المنظمات من القيام بأنشطتها بشكل مستقل”.
وأضاف “صلاح”: “وبالنظر إلى اقتراب الانتخابات المقررة في ديسمبر، ينبغي للسلطات الليبية الإسراع في وضع لوائح تتوافق مع واجبات ليبيا بحماية حرية تكوين الجمعيات”.
اقرأ أيضاً: بعد عقد من احالة الوضع في ليبيا إلى “المحكمة الجنائية الدولية” مازالت العدالة غائبة