ممثلون عن المجتمع المدني يناقشون عواقب التوسع الاستيطاني في مدينة الخليل على حساب الفلسطينيين

الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – في حدث افتراضي نظمته لجنة فلسطين في الأمم المتحدة، كانت مدينة الخليل الواقعة جنوبي الضفة الغربية المحتلة في قلب المناقشات.

حيث اعتبر المشاركون الخليل صورة مصغّرة لما يعاني منه الفلسطينيون من صعوبات في الحياة والعمل والحركة بسبب الاحتلال والمستوطنين.

وناقش الحدث الافتراضي المعنون “الخليل – دراسة حالة لتأثير المستوطنات الإسرائيلية على حقوق الفلسطينيين تحت الاحتلال” مع ممثلي المجتمع المدني عواقب التوسع الاستيطاني المستمر وتأثيره العام على السكان الفلسطينيين وما يصاحب ذلك من زيادة في عنف المستوطنين الإسرائيليين ومضايقة للفلسطينيين.

وأشار المشاركون في الحدث إلى أن الخليل من أبرز المدن التي تعاني من عنف المستوطنين مع الوجود العسكري المكثف، ويتأثر السكان بسبب الإغلاقات وعزلهم عن سائر المجتمعات وذلك بشبكات من البوابات والجدار والأسوار، والحواجز.

أدار النقاش السفير أرماناثا نصير، نائب رئيس اللجنة المعنية بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وهو أيضا مندوب إندونيسيا الدائم لدى الأمم المتحدة.

وقال: “على مدار عدة سنوات، أكدت الجمعية العامة، ومجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، على أن جميع المستوطنات غير قانونية وفق القانون الدولي وتعتبر عقبة أساسية أمام تحقيق السلام. ودعوا إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، إلى وقف جميع الأنشطة الاستيطانية على الفور.”

وشدد على أن اللجنة أعربت مرارا عن قلقها إزاء استمرار الأنشطة الاستيطانية ودعت إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن 2334 (2016) وجميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

قدّم “هشام الشرباتي”، من لجنة الدفاع عن الخليل، لمحة عمّا يمرّ به الفلسطينيون في المدينة كل يوم. وقال: “في مكان جغرافي صغير، لدينا تقريبا جميع أشكال سياسات القمع التي يقوم بها الاحتلال”.

وأوضح أن الخليل مقسّمة إلى قسمين (H1 وH2) ومنطقة H2 هي المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية بحسب ما نصت عليه اتفاقات أوسلو.

وقال إن في الخليل ثمانية “جيوب استعمارية” في مركز المدينة، بعضها عبارة عن مبنى واحد، وبعضها مكون من مبنيين أو ثلاثة – قرب بعضها البعض، وكلها تقع بين المساكن الفلسطينية.

وأشار الشرباتي إلى وجود شبكات من الطرق في الخليل يُحظر على الفلسطينيين القيادة فيها، وبعضها (تقريبا 1.5 كيلومترا) يحظر على الفلسطينيين السير فيها على الأقدام. وعرض صورا لمدينة الخليل تُظهر صعوبة حرية الحركة للفلسطينيين.

وقال: “توجد في الخليل منطقة محظورة فيها تقريبا 65 شارعا مقفلا بالكامل.. كي يصل الفلسطينيون إلى مناطق سكناهم عليهم أن يسلكوا طرقا بديلة أطول.”

وتوجد نقاط تفتيش في 25 شارعا، والحاجز يكون عبارة عن بوابة دائرية تليها بوابة كشف عن المعادن تليها بوابة دائرية مرة أخرى، وكاميرات مراقبة، بعضها تتعرف على الوجه وكاميرات ذكية تنتهك خصوصية السكان على حدّ تعبيره.

ومن بين أشكال تقييد الحركة الأخرى، الأسلاك الشائكة على قضبان معدنية، وشوارع مقسمة معدة للمستوطنين وأخرى للفلسطينيين.

وقال: “في الخليل، لدينا 520 من المحلات تجارية المغلقة بأوامر عسكرية منذ نهاية 2003. وقد أغلِقت في عام 2000 أثناء ما نسميها بالانتفاضة الثانية، ولكن في 2003 تم رفع حظر التجول، ولم يتم السماح بإعادة فتح أي من تلك المحال التجارية.”

وإضافة إلى ذلك، ثمة 1,100 محل تجاري أغلِق بسبب القيود الإسرائيلية والتضييق والهجمات من قبل المستوطنين، وهو ما أجبر أصحاب المحال التجارية على إغلاقها.

من جانبها، قالت إيناس عبد الرازق، المديرة التنفيذية في الهيئة الفلسطينية للدبلوماسية العامة، إن المدينة مغلقة أيضا أمام الأجانب، فقد اتخذت إسرائيل المزيد من الإجراءات لتقييد زيارات الأجانب إلى الضفة الغربية، من بينهم الطلاب والمعلمون.

وقالت: “هذا جزء من سياسة الأبرتهايد. ممارسة السيطرة على المعلومات والحياة وأماكن وجودنا وما يمكننا فعله أو عدم فعله”.

لكنّها أشارت إلى أنه قبل عدّة أعوام (قبل الجائحة) “أنشأنا أداة تُدعى Palestine VR وهو الواقع الافتراضي بسبب عدم قدرة الكثيرين على السفر، أصبح يتسنى تنظيم جولات لإظهار الواقع على الأرض”.

وقالت: “إنها محاولة متعمدة للحفاظ على هيمنة الشعب اليهودي على الشعب الفلسطيني”.

وأشارت إلى أن ما يحدث في الخليل مثير للاهتمام، لأن السكان منعزلون عن بقية أنحاء فلسطين. “نادرا ما أذهب إلى الخليل. لأنني إذا غادرت القدس سيستغرقني الأمر ساعتين ونصف، وسيستغرق الشخص القادم من رام الله أربع ساعات لأن عليه أن يمر في شوارع التفافية في الضفة الغربية فقط من أجل بلوغ مدينة ليست بعيدة بالفعل”.

وأكدت أن إسرائيل فرضت نظاما بيروقراطيا للحفاظ على نظام الفصل العنصري على حد تعبيرها. وقالت إن الخلاصة هي أنه يوجد نظام فصل عنصري، “وفي جوهر ذلك إفلات من العقاب”.

أكد المشاركون أن تلك السياسات مطبقة في جميع المناطق الفلسطينية، والخليل في مركزها. ومن مدينة رام الله، تحدّث سليمان الخطيب، مدير منظمة مقاتلون من أجل السلام، عن الارتباط بالبيئة وأشجار الزيتون واللوز.

وأضاف أنها معاناة مستمرة وشعور مؤلم “أن نرى المستوطنين يستمتعون بأرضنا ويقطعون أشجارنا”.

ودعا إلى التحدث بصراحة، قائلا: “لن أهدر طاقتي بالحديث عن حل الدولة الواحدة أو الدولتين.. مهما كان الترتيب للمستقبل، علينا أن نرى مدى تأثير الاحتلال المستمر على الأطفال والبيئة.”

وأشار إلى أن الكثير من الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية، لا يعرفون عن الإسرائيليين سوى أنهم جنود ومستوطنون، على الرغم من وجود إسرائيليين يرفضون الاحتلال ويرفضون أن يخدموا بالجيش.

وقال: “نتحدث عن نظام عسكري يقوم بطريقة ممنهجة وبطيئة وباستخدام استراتيجيات مختلفة بانتهاك حقوقنا كمجتمع ينتمي إلى هذه الأرض، ويستبدله بمستوطنين جدد.”

وتحدث عن ضرورة عكس المظالم بسرعة: “منذ صغري أسمع عن المؤسسات الدولية، ومعظم أبناء شعبنا فقد الأمل بكل الأحوال.. يجب أن تتغير المنظومة.”

تطرق أفنير ويشنيتسر، المؤسس المشارك وعضو منظمة مقاتلون من أجل السلام إلى وصول الفلسطينيين المحدود للمياه بوصفه شكلا من أشكال العنف البطيء.

حيث يعاني سكان جنوب الخليل من صعوبة الوصول للمياه ويضطر الفلسطينيون هناك إلى شراء المياه ونقلها بواسطة صهاريج غالبا ما تتم مصادرتها تحت ذرائع مختلفة.

وأشار إلى أن إسرائيل تمنع ربط شبكات المياه بالكثير من المناطق، بالإضافة إلى ذلك، فالوصول إلى الشبكات الموجودة أصلا إما محدود أو يحرم الجيش الإسرائيلي أو المستوطنون الفلسطينيين من الوصول إليها. ويسيطر المستوطنون على الموارد المائية الطبيعية هناك.

وقال: “العنف البطيء، وهو العنف الذي تطبّقه الدول، دولتي في هذه الحالة، ضد الأشخاص الخاضعين لها وليسوا مواطنين فيها. العنف البطيء يعمل بأشكال مختلفة، عبر نقاط التفتيش والبطاقات الإلكترونية والتعرّف بالوجه وإنكار الحرية الأساسية وعبر تقسيم المناطق والاستيلاء على الأراضي، وهدم المنازل، وغيرها (أشكال) كثيرة.”

وأشار إلى أن معظم الإسرائيليين لا يعتبرون ذلك قمعا، بل يرونه فرضا للنظام، وعندما يتم تحدي النظام يجب فرضه بالقوة، وغالبا ما يصبح مميتا.

ردّا على أسئلة تتعلق بـ “متى سينتهي ذلك” قال رياض منصور، مراقب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: “ينفد مني المنطق والتفسير في مساعيّ لإقناع الناس أن يكونوا صبورين قليلا. ولكنهم يقولون لي، وهم محقّون في ذلك، أن صبرهم ينفد. يسألونني كم من الوقت يجب أن ننتظر لنرى تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني؟”

وأكد أنه بالنسبة لبعثة دولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، هناك سعي في بيئة الأمم المتحدة إلى سرد قصة الشعب الفلسطيني وألمه.

ومنذ عام 2000، تم إرسال المئات من الرسائل للأمم المتحدة لتوثيق جرائم الاحتلال.

وعن ذلك قال د. منصور: “هذا التوثيق لن يقوم بتثقيف المجتمع الدولي بشأن هذه الجرائم فحسب، بل سيكون مفيدا أيضا إذا طُرحت المساءَلة على طاولة منظومة العدالة.”

وشدد على أن التوافق العالمي يتجه نحو حل الدولتين، وعلى ضرورة إنهاء الاحتلال، وعلى عدم شرعية المستوطنات.

وقال: “هذه أدوات موجودة بين أيدينا، لإبقاء الاحتلال في عزلة وزيادة الضغط عليه أملا في النجاح.”

وفي ختام الحدث، حثّت السفيرة فداء عبد الهادي، نائبة مراقب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة على ضرورة إنهاء الإفلات من العقاب، ومواصلة العمل من أجل العدالة والحرية عبر الطرق القانونية والسياسية والشعبية.

وأعربت عن شكرها للجنة فلسطين التي “تعطي صوتا لمحنة أبناء الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقهم غير القابلة للتصرف والعمل معا باتجاه الحرية والعدالة والسلام.”

قد يعجبك ايضا