لمنع اختلاطهم بالسجناء الخطرين.. عقوبات مجتمعية بديلا عن السجن بالأردن
لم يكن الشاب العشريني سمير يوسف (اسم مستعار) يتوقع أن مشاجرته مع بعض الجيران في منطقة سوق الوحدات، ستؤدي به الى السجن، والحكم عليه بمدة 9 أشهر، لكن ما أنقذه من الحبس في مراكز الإصلاح والتأهيل، استبدال عقوبته بخدمة مجتمعية بديلة، وذلك بالعمل كحلاق رجال في إحدى المؤسسات الحكومية.
يقول يوسف “مهنة الحلاقة أنقذتني من السجن”، وتابع “لولا تطبيق العقوبة المجتمعية بحقي، لضاعت عائلتي المكونة من 5 أفراد، خاصة وأنني المعيل الوحيد لهم، وأعمل بشكل يومي”.
قصة يوسف لم تكن الوحيدة في أروقة المحاكم الأردنية، فمنذ تطبيق نظام بدائل الإصلاح المجتمعي في عام 2018، وحتى تاريخه استفاد من هذه العقوبات البديلة نحو 333 محكوما بجرائم جنح بسيطة، تمكنوا من مغارة الزنزانة السالبة للحرية.
وهناك جملة من الأمثلة على عقوبات مجتمعية صدرت عن المحاكم الأردنية، منها الحكم على أحد الأشخاص بزراعة أشجار وورود بدلا من الحبس، وآخر ينفذ خدمة مجتمعية في مجال أعمال صيانة وتأهيل حديقة عامة، بدلا من الحبس عن ارتكابه جرم قطع الأشجار.
بدأ العمل بتطبيق العقوبات البديلة عن الحبس في مراكز الإصلاح والتأهيل والمعروفة في الأردن بـ”بدائل الإصلاح المجتمعي”، بعد التعديلات القانونية المدخلة على قانون العقوبات عام 2017، وتم بموجبها إضافة نص قانوني ينص على بدائل الإصلاح المجتمعي.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد وزير العدل بسام التلهوني، أن “بدائل الإصلاح المجتمعي أو العقوبات البديلة، أصبحت جزءا مهما من نظام العدالة الجنائية في الأردن”، مشيرا إلى أن لهذا النظام فوائد متعددة من أهمها أن المحكوم عليه لا ينقطع عن مصدر رزقه الذي يعتمد عليه هو وعائلته، كما أن الطالب لا ينقطع عن دراسته وهكذا.
ويضيف التلهوني، أن 333 محكوما بجرائم جنحوية بسيطة تمكنوا من مغادرة الزنزانة السَّالبة للحرية، والمحافظة على مصدر رزقهم والبقاء مع عائلاتهم، بعدما قررت المحاكم استبدال عقوبة الحبس الصادرة بحقهم بخدمة اجتماعية في عدد من مؤسسات الدولة، منذ دخول قانون العقوبات الجديد حيز التنفيذ ضمن بدائل الإصلاح المجتمعي في سبتمبر/أيلول 2018.
وتوزعت هذه الأحكام على 307 أحكام لذكور، و26 لإناث، من هذه الحالات 130 شخصا أعمارهم تقل عن 25 عاما، و156 حالة لأشخاص أعمارهم بين 26- 45 عاما، و47 حالة للذين تجاوزت أعمارهم الـ47 عاما.
والأحكام الصادرة بينها 310 حالات لأشخاص يحملون الجنسية الأردنية، و23 حالة لجنسيات أخرى.
وأشار الخبير القانوني محمد أبو غنيمة للجزيرة نت، إلى أن تلك “الخطوة الإيجابية سوف تخفف من الاكتظاظ في مراكز الإصلاح، وتكلفة النزلاء الباهظة على الدولة، وتوفر حماية للمحكومين لأول مرة”.
وأوضح أن العقوبات البديلة تنص على أن يقوم المحكومون بقضايا جنائية أو جنحوية مدتها لا تزيد عن السنة بتنفيذ عقوبة اجتماعية بديلة، من خلال القيام بعمل غير مدفوع الأجر لخدمة المجتمع.
وذلك لمدة تحددها المحكمة على أن لا تقل عن (40) ساعة عمل، ولا تزيد عن (200) ساعة بدلا من إيداعهم في السجون، بقرار من القاضي المختص شريطة أن لا يكون من مكرري الجرائم، مع موافقة المحكوم نفسه.
وتابع أبو غنيمة، أن أهم المشكلات التي تواجه هذا النظام قلة عدد الأماكن العامة التي يمكن أن ينفذ فيها المحكوم عقوبته المجتمعية، مقترحا أن تتوجه العقوبات نحو تنفيذ أعمال الصيانة الضرورية للمدارس والمساجد والمقابر والمستشفيات وغيرها مما تحتاج له من أعمال صيانة.
ودعت الناشطة الحقوقية إيفا أبو حلاوة، القضاة للتوسع في استخدام هذا النظام خاصة مع تفشي فيروس كورونا، واكتظاظ مراكز الإصلاح، ولتخفيف الكلف الاجتماعية والاقتصادية على المحكومين بجنح بسيطة، وزيادة أعداد المستفيدين من هذا النظام من النساء والأحداث وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، ممن يشكل الحبس خطورة على حياتهم.
وتابعت للجزيرة نت، أن أهم ما يميز العقوبات المجتمعية أنها تحد من اختلاط المحكومين بجنح بسيطة مع المحكومين الخطرين ومعتادي الإجرام، وتمنع انتقال العدوى الجرمية لهم، وتحافظ على مصدر رزق المحكوم عليهم، خاصة وأن العقوبة السالبة للحرية عقوبة للأسرة وتؤدي للتفكك الأسري وإلى مشاكل اجتماعية خطيرة ولا سيما بالنسبة للأطفال والنساء.
العقوبات السالبة لحرية الأشخاص تحمل معها الكثير من الآثار السلبية، ليس أقلها الوصمة الاجتماعية ونبذ أفراد المجتمع للمحكوم عليهم، ومخاطرها النفسية عليهم وتعزيز رغبتهم بالانتقام من المتسببين لهم بالحبس، مما يجعل من بدائل الإصلاح المجتمعي حلا منطقيا ومناسبا لهؤلاء المحكومين.
اقرأ أيضاً: الأورومتوسطي يحث الأمم المتحدة على دور أقوى في محاربة تعنيف المرأة في الأردن