لبنان: بعد انفجار مرفأ بيروت السلطات تواجه الاحتجاجات السلمية بالعنف وتفرض حالة الطوارئ
أعرب مركز الخليج لحقوق الإنسان عن تضامنه وتعاطفه مع ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي حصل يوم 4 أغسطس/آب 2020، ويشيد بدور منظمات المجتمع المدني التي كانت في الخطوط الأمامية لدعم المتضررين وعائلاتهم.
أدّى انفجار مرفأ بيروت الى مقتل ما لا يقل عن 177 شخصاً فيما لا يزال العشرات في عداد المفقودين تحت الأنقاض، وقد جرح أكثر من 6 آلاف شخص و300 ألف باتوا بلا مأوى وفي عداد المشردين.
أن أسباب الانفجار كانت محط اهتمام واسع وتغطية كبيرة من قبل وسائل الإعلام المحلية والدولية، فيما يبقى التحقيق المستقل والعدالة للضحايا والتعويض على المتضررين من بين أبرز مطالب مركز الخليج لحقوق الإنسان والمنظمات الأخرى.
لقد حصد الانفجار الكارثي أرواح الناس في دقائق معدودة ودمّر أحياء بأكملها وجدران ومعالم أثرية استطاعت أن تصمد لسنواتٍ حتى في فترات الحروب.
“إنه انتهاك لحقوق الإنسان! لقد حرمونا من حقوقنا الأساسية والآن ينتهكون حقنا في الحياة” قالت فرح حسونة، المديرة الداخلية لمركز الخليج لحقوق الإنسان وأنه، “لا يمكن تصديق ما حدث لكن وقعه صعب جداً.” وأضافت بقولها، “على الرغم من مسؤوليتها إلا أن تلكّؤ السلطات اللبنانية أمر لا يصدق وغير مقبول.”
انتفاضاً لكرامتهم وتخليداً للضحايا، خرج آلاف اللبنانيون يوم السبت 08 أغسطس/آب 2020 في احتجاجات شعبية غاضبة للمطالبة بكشف الحقيقة وراء الانفجار والعدالة ومحاكمة المسؤولين
اعتبر اللبنانيون هذا الانفجار، الذي وصف من قبل خبراء بأنه، “عُشر قنبلة هيروشيما النووية ولكنه أكبر بكثير من أي انفجار ناتج عن سلاح تقليدي”، نتيجة لفشل المسؤولين في أداء واجباتهم.
وفي ظل إصرار المتظاهرين على تحميل المسؤولية للسلطات ومحاسبتها ووضع حد لفساد الدولة اللبنانية، اقتحم عدد منهم في 08 أغسطس/آب مقرّات ثلاث وزارات واعتصموا فيها لبضع ساعات لإسقاط الشرعية عنها.
شهدت منطقة الاحتجاجات في وسط بيروت تعزيزات أمنية مكثفة لمختلف الأجهزة الأمنية اللبنانية، فيما تم استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين.
قال ناشط لبناني: “كان الأجدى بقوى [الأمن] أن تقوم بإنقاذ ومساعدة المتضررين من الانفجار في الوقت المناسب عوضاً عن قمعها للمتظاهرين”.
في 05 أغسطس/آب أعلنت الحكومة اللبنانية حالة الطوارئ لمدة أسبوعين عبر مرسوم صادر عنها، ثم أقرّ المرسوم في مجلس النواب يوم 13 أغسطس/آب 2020.
تم تمديد حالة الطوارئ لاحقاً حتى 18 سبتمبر/أيلول 2020، لكن قرار التمديد هذا اعتبر باطلاً من قبل خبراء قانونيين كونه صدر عن أمين عام مجلس الوزراء كمذكرة إدارية، مخالفاً بذلك أحكام الدستور اللبناني الذي ينص على أن إعلان حالة الطوارئ يتم بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء وبموافقة ثلثي أعضائه.
تمنح حالة الطوارئ الجيش صلاحيات استثنائية تمكّنه من فرض قيود على حرية التعبير والتجمع بما في ذلك تقييد حرية الصحافة وكذلك تحري المنازل، واعتقال أي شخص يتم اعتباره تهديداً أمنياً، كما وتؤدي حالة الطوارئ الى توسيع نطاق اختصاص المحكمة العسكرية ليشمل المدنيين.
يعد استخدام القوة ضد المتظاهرين مثالاً صارخاً على الأخطار التي يتعرض لها المجتمع المدني في ظل حالة الطوارئ.
ومن الانتهاكات التي تم توثيقها خلال احتجاجات 08 أغسطس/آب إطلاق كثيف لقنابل الغاز المسيل للدموع واستخدام الرصاص المطاطي والذخيرة الحية لاستهداف المتظاهرين، ممّا يشكّل انتهاكاً واضحاً للمواثيق الدولية التي تحظر استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين. وقد أدلى كثير من المصابين بشهاداتهم الحية على شاشات التلفزيون.
كذلك تعرض المتظاهرون لاستهداف ممنهج بالرصاص المطاطي في عيونهم ووجوههم، وقد استخدم الليزر لتحديد الأهداف بحسب الشاب حسين الراشد (25 عاماً) الذي فقد عينه اليمنى نتيجة تعرّضه لإصابة مباشرة فيها، والذي بدوره أدلى بشهادته لبرنامج “باسم الشعب” على شاشة أم تي في اللبنانية في حلقة 19 أغسطس/آب .
“فقدنا نصف مدينتنا الحبيبة وفقدنا الأحباء والأصدقاء وفقدنا الأمل بالغد وبمستقبل أفضل لأطفالنا، واليوم فقد بعضنا عيونهم في الاحتجاجات” قالت مدافعة لبنانية عن حقوق الإنسان لمركز الخليج لحقوق الإنسان، وتابعت “إنه أمر لا يحتمل وغير إنساني للغاية، لكن ذلك لن يعمينا عن انتهاكات حقوق الإنسان وسنظل شهودًا إلى الأبد.”
وبحسب ما ذكرته المفكرة القانونية، فقد لفتت جرّاحة العيون ورئيسة جمعية أطباء العيون في لبنان الدكتورة ندى جبّور إلى أنّه نتيجة لإطلاق النار خلال مظاهرات 08 أغسطس/آب فإن “50 شخصاً دخلوا إلى غرفة العمليات، و15 شخصاً فقدوا عيونهم نهائياً، و8 حالات إصابات في كلتا العينين.”
أما بحسب لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين في لبنان فقد تم اعتقال 20 متظاهراً بينهم قاصرين، ولم يفرج عنهم (18 شخصاً من أصل 20) حتى اليوم التالي. وقد أخضعوا جميعاً لفحوصات مخدرات بقرار من النائب العام الاستئنافي.
أن الأمر اللافت كان وجود عناصر بلباس مدني يطلقون الرصاص المطاطي والحي على المتظاهرين. وقد نفت قوى الأمن الداخلي إطلاقها للرصاص أو أن يكون هؤلاء العناصر تابعين لها، ما يطرح تساؤلات حول هوية هؤلاء العناصر ودورهم الجهة التي يتلقّون أوامرهم منها.
رحب مركز الخليج لحقوق الإنسان بالبيان الصادر في 13 أغسطس/آب 2020 عن 37 خبيراً من الأمم المتحدة والذي يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل في انفجار مرفأ بيروت.
وقد ذكر خبراء الأمم المتحدة في بيانهم أن “حجم وتأثير الانفجار المميت غير مسبوق. نحن قلقون للغاية بشأن مستوى اللامسؤولية والإفلات من العقاب الذي يحيط بالدمار البشري والبيئي على هذا النطاق.”
وأضافوا: “وقع الانفجار الكارثي في الوقت الذي يواجه فيه لبنان بالفعل أزمة سياسية واقتصادية ومالية مدمرة، فضلاً عن جائحة فايروس كورونا (كوفيد-19)، مما أدى إلى تدهور حاد في حماية حقوق الإنسان والكثير من المعاناة.”
من بين الذين يعانون بشدة بعض أفراد المجتمع اللبناني الأكثر تهميشاً. ان منهم العمال المهاجرون الذين يتعرضون لخطر الاستغلال، حيث فقد العديد منهم وظائفهم قبل الانفجار بسبب تدهور الظروف الاقتصادية وجائحة فايروس كورونا، كما فقد المزيد منهم وظائفهم ومنازلهم بسبب انفجار المرفأ.
لقد تُركوا منسيين وغير قادرين على العودة إلى دولهم. منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تم تسليط الضوء على معاناة العمال المهاجرين من قبل المنظمات النسوية وتلك المدافعة عن حقوق المهاجرين، حيث أن أغلبيتهم من عاملات المنازل.
“ازدهرت الحركة النسوية في العام الماضي لمواجهة الظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ضمن نظام أبوي معقد. تقود المدافعات عن حقوق الإنسان والنسويات الطريق اليوم للدعم القانوني والإغاثة الإنسانية وإعادة التأهيل والمناصرة والعدالة للضحايا وكل شخص في البلاد.
ولكنهن أيضًا معرضات لخطر التحرش والاستهداف القائم على النوع الاجتماعي وخاصة في ظل ظروف كهذه” تقول وئام يوسف، منسقة برنامج المدافعات عن حقوق الإنسان في مركز الخليج لحقوق الإنسان وتضيف: “تظل سلامتهن وحمايتهن محفوفة بالمخاطر.”
هناك حوالي 250 ألف عامل/ة مهاجر في لبنان، وقد انتقدت مجموعات حقوقية السلطات اللبنانية لفشلها في مساعدتهم، حتى عندما وصلت بهم الحال الى أن تنام النساء وأطفالهن في الشوارع.
وفقًا لمنظمة الأصوات العالمية، فقد تعرضت العديد من عاملات المنازل الإفريقيات للمعاملة السيئة، وبعضهن مصابات بفايروس كورونا، دون تلقّي رعاية طبية.
يؤيد مركز الخليج لحقوق الإنسان دعوات الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة للسلطات اللبنانية الى “السماح بالتظاھر السلمي وحمایة المتظاھرین والصحفیین.
ووجوب أن یكون جمیع اللبنانیین والمجتمع المدني والمجتمعات المتضررة قادرین على التأثیر بحریة في صنع القرارات الحكومیة خلال ھذه الأوقات الحرجة، بما في ذلك ما یتعلق بتنسیق ّ أي مساعدات أجنبیّة والإشراف علیھا وتقدیمھا.
لكل فرد في لبنان ّ الحق في الحصول على معلومات حول المخاطر الصحیة والبیئیة التي یسبّبھا تخزین المواد الخطیرة. ویجب أن تكون ھذه المعلومات متوفّرة وعملیة ومتاحة للجمیع، بما یتماشى ومبدأ عدم التمییز.”
كرّر مركز الخليج لحقوق الإنسان دعوات منظمات حقوق الإنسان والإجراءات الخاصة للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بمجملها للسلطات اللبنانية من أجل:
الإنهاء الفوري لاستخدام العنف والقمع ضد المتظاهرين والامتناع عن تقييد حرية التعبير والتجمع وإلغاء حالة الطوارئ.
احترام واجباتها ومسؤولياتها لناحية تأمين الحماية والاستماع إلى مطالب الناس؛
تسهيل المساعدات الإنسانية والتعاون مع منظمات ونشطاء المجتمع المدني؛
التجاوب مع مطالب التحقيق المستقل والإعلان عن نتائج التحقيقات وتحقيق العدالة والتعويض لجميع الضحايا وعائلاتهم والمتضررين.