هيومن رايتس تتسائل إذا ما ستعالج قطر و”الفيفا”الانتهاكات بحق العمال الوافدين
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – منذ 12 عاما تقريبا، في 2 ديسمبر/كانون الأول 2010، تفاجأ عالم كرة القدم، لأن قطر فازت بحق استضافة “كأس العالم” فيفا للرجال 2022.
فالدولة الخليجية الواقعة على شبه جزيرة، التي يزيد عدد سكانها قليلا عن مليون، كان لديها فقط ثلاثة ملاعب، وبنية تحتية ضئيلة أخرى، وحرارة صيفية تصل إلى 50 درجة مئوية.
كان هناك قلق بشأن جدوى إقامة كأس العالم في درجات حرارة صحراء قطر لكل من مشجعي ولاعبي كرة القدم.
فهم لا يُسمح لهم، وفقا لقواعد الفيفا، باللعب في حرارة تتخطى 32 درجة مئوية دون فترات تبريد إلزامية.
لكن قطر تخلصت من هذه المخاوف من خلال خططها لبناء ملاعب مكيّفة بأجهزة تعمل على الطاقة الشمسية، والبنى التحتية الضرورية مثل المترو، ومطار جديد، وعدد كبير من الفنادق.
إلا أن السلطات الرياضية وسلطات الدولة بالكاد التفتت إلى ظروف ملايين العمال المهاجرين الذين ستكون هناك حاجة إليهم لبناء البنية التحتية الضخمة والملاعب لكأس العالم في ظل الحرارة الشديدة.
في 2010، كان المهاجرون ذوو الأجور المنخفضة من آسيا وأفريقيا يشكلون أصلا أكثر من 90 % من القوة العاملة في البلاد.
أقرت الهيئة الحاكمة لكرة القدم، الفيفا، في تقييمها عرض قطر في العام 2010 بضرورة تأمين “موارد بشرية كبيرة” لعدد كبير من مشاريع البنية التحتية.
لكنها بخلاف ذلك لم تطلب من قطر التزامات خاصة بحقوق العمال، على الرغم من تقارير حقوق الإنسان التي توضح بالتفصيل الانتهاكات ضد العمال الوافدين هناك.
الفوز بالعرض لا يعني كارثة حتمية. كان بإمكان السلطات القطرية إجراء الإصلاحات اللازمة لضمان تمتع العمال بظروف عمل ومعيشة لائقة.
حدد تقرير لـ “هيومن رايتس ووتش” في 2012 الثغرات المنهجية في قطر فيما يتعلق بحماية العمال وكذلك نظام الكفالة المنتهِك الذي يربط الوضع القانوني للعمال بصاحب العمل.
يتيح نظام الكفالة انتهاكات جسيمة، منها العمل الجبري، مثل فرض رسوم استقدام على العمال توقعهم في الدين.
بالإضافة إلى مصادرة جوازات سفرهم، وسرقة أجورهم، وخلق ظروف عمل غير آمنة، ومخيمات عمل مزدحمة وغير صحية.
وأصدرت العديد من المنظمات الحقوقية والنقابات تحذيرات وتوصيات مماثلة.
شهد العقد الماضي شد الحبل لتأمين الإصلاحات لحماية العمال وإنهاء نظام الكفالة.
تحت ضغط من “منظمة العمل الدولية“، أدخلت قطر تدابير حماية أساسية للعمال منها، في 2020، حد أدنى للأجور، وإنهاء شرط حصول العمال الوافدين على تصاريح خروج من أصحاب العمل لمغادرة البلاد.
بالإضافة إلى السماح للعمال الوافدين بتغيير وظائفهم قبل انتهاء عقودهم بدون الحصول على موافقة صاحب العمل أولا.
كما فعّلت “صندوق دعم وتأمين العمال” لدفع أجور العمال المتأخرة عند تخلف الشركات عن السداد.
هذه الإصلاحات حاسمة. تمكّن العديد من العمال من إرسال الأموال إلى عائلاتهم لإطعامها، ودفع الرسوم المدرسية لأطفالهم، وبناء منازل جديدة.
لكن العديد من العمال لم يشعروا بتأثير هذه الإصلاحات لأنها أُدخلت بعد فوات الأوان أو لسوء تطبيقها.
والإصلاحات مثل معايير رعاية العمال لعام 2014 و”خطة السداد الشاملة” لعام 2017 التي سددت للعمال رسوم الاستقدام غير القانونية تنطبق فقط على الأشخاص المتعاقدين للعمل في مشاريع “اللجنة العليا للمشاريع والإرث”، وهي الهيئة الحكومية لكأس العالم.
لم تلتفت لا قطر ولا الفيفا كثيرا للوافدين الذين لهم دور أساسي في إقامة كأس العالم. ولكن بعد 12 عاما من العمل الشاق، توشك قطر على تقديم المباريات.
لم يكن الطريق سهلا مع عزلة قسرية طالت ثلاث سنوات ونصف من قبل جيرانها والوباء الناتج عن فيروس “كورونا”.
لكن الإرث الدائم لكأس العالم في قطر هو إذا ما سيكون بالإمكان ترسيخ هذه الإصلاحات والبناء عليها لوقف الانتهاكات بحق العمال.
الاختبار الأكثر أهمية هو ما إذا كانت قطر والفيفا ستعالجان مسألة الوفيات والانتهاكات الأخرى منذ العام 2010.
ينبغي ألا تنسى الفيفا وقطر العمال المهاجرين الذين عادوا إلى بلادهم مُهانين دون رواتبهم، أو جرحى، أو موتى، مع ترك أسرهم تعيش بدون تعويض وتحت ثقل الديون.
في يوليو/تموز، قال عامل كان قد غادر قطر دون تلقي أجور سبعة أشهر: “عندما أصبحت نفقات الحياة في قطر فوق طاقتنا رغم الدعم الخيري للطعام، قررنا العودة”.
وأضاف: “كنت محبطا في رحلة العودة. عادة ما تكون العودة للوطن مناسبة سعيدة عندما نحضر الهدايا لعائلاتنا”.
وتابع العامل قائلاً: “بدلا من ذلك، عدت خالي الوفاض دون أي مدخرات بواسطة تذكرة اشترتها عائلتي بأموال مقترضة”.
بعد أكثر من عام ونصف من الانتظار، حصل أخيرا على الشيك المتأخر عن طريق السفارة القطرية.
قال: “الأمر كالحلم. تمكنت مع التعويضات من الخروج من مصيدة الديون الذي كانت عائلتي عالقة فيه لسنوات”.
لا يمكن محو الوفيات والأذى، ولكن بالنسبة للعديد من العمال المهاجرين والأسر الذين ينتظرون التعويض، فإن بعض المساعدة المالية يمكن أن يكون لها عواقب بعيدة المدى.
المحاولة على نطاق واسع لرد الجميل لأولئك العمال المهاجرين الذين حُرموا من مستحقاتهم بينما كانوا يعملون ليتيحوا إقامة كأس العالم من شأنها أن توجه رسالة قوية وإيجابية من الفيفا والسلطات القطرية.
لم يفت الأوان للالتزام بإنشاء صندوق لجبر الضرر وإنهاء هذه الرحلة الطويلة والوعرة بحدث إيجابي يضع أخيرا العمال الوافدين في صلب كأس العالم، الذي ما كان ليكون بدونهم.