سحب القوات الأمريكية من الصومال لن يعوّض خسائر المدنيين في الحرب الجوية
بقلم عبد الله حسن، الباحث المعني بالصومال في منظمة العفو الدولية
ورد أن الرئيس دونالد ترامب قد طلب من البنتاغون وضع خطط لسحب القوات الأمريكية من الصومال. لكن أي خفض محتمل للجنود الذين يتراوح عددهم بين 650 و800 جندي على الأرض لا يعني بالضرورة إنهاء العمل العسكري للولايات المتحدة في البلاد.
وبغض النظر عما إذا كانوا سيبقون أو يغادرون، فأي قرار بالانسحاب لن يجدي نفعاً للعديد من المدنيين الصوماليين الذين يعانون من عواقب الضربات الجوية الدامية التي يشنها الجيش الأمريكي، والتي ينطلق الكثير منها من قواعد خارج الصومال.
فحتى الآن في هذا العام وحده، كانت هناك ما لا يقل عن 47 غارة جوية، وفقا لمنظمة ايروورز Airwars وهو رقم قياسي جديد، إضافة إلى ما يقرب من 150 غارة جوية في السنوات الثلاث الأولى من رئاسة ترامب.
وقد حققت منظمة العفو الدولية في 9 من هذه الهجمات الجوية منذ عام 2019، وخلصت إلى أن 21 مدنياً قتلوا وأصيب 11 آخرون.
لقد وثقنا الضربات التي يبدو أنها تنتهك القانون الدولي الإنساني، وتقاعست عن اتخاذ الاحتياطات الممكنة لتجنيب المدنيين، وفي بعض الحالات استهدفت بشكل مباشر الأشخاص الذين حددتهم منظمة العفو الدولية بأنهم مدنيون.
فالقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، التي تنفذ الضربات في الصومال، تعلن علنا أن هدفها الرئيسي هو تحقيق الاستقرار في البلاد، وتقر بأن هذا لن يتحقق من خلال وسائل عسكرية بحتة. لكن أقوال أفريكوم لا تتطابق مع أفعالها.
بينما تقول القيادة إن الولايات المتحدة تريد تعزيز الحكم والتنمية الاقتصادية، ومعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار، فقد حطمت غاراتها الجوية العناصر الرئيسية للمجتمع الصومالي واقتصاده المطلوبة لتحقيق هذا التقدم.
وقد أدت الهجمات الجوية إلى مقتل أو إصابة رجال أعمال بارزين وأطباء ومزارعين؛ وتدمير البساتين وقنوات الري؛ وخلق موجات جديدة من النزوح الداخلي. وتسببت الغارات في مقتل وإصابة أعضاء مهمين في المجتمع المدني الهش في الصومال.
كل أسبوع، يتصل بي أقارب ضحايا الغارات الجوية الأمريكية للحصول على المشورة بشأن كيفية تحقيق العدالة في وفيات أو إصابات أحبائهم.
ومنذ أبريل/نيسان 2019، اعترفت آفريكوم بقتل خمسة مدنيين صوماليين، وإصابة ستة آخرين، في ثلاث غارات جوية منفصلة. ومع ذلك، لم يتم تقديم تعويض لأي من هذه العائلات أو الضحايا من قبل أفريكوم أو من قبل الحكومة الصومالية.
وفيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية المستقبلية، تعد الزراعة إحدى سبل العيش الرئيسية في الصومال. منذ 2017، وثقت منظمة العفو الدولية مقتل ثمانية مزارعين، على الأقل، خلال الغارات الجوية الأمريكية، معظمها في مزارعهم أو حولها.
وقعت إحدى الغارات، يبدو أنها تنتهك القانون الدولي الإنساني بالقرب من قرية “بلد الرحمة” في ديسمبر/كانون الأول 2018.
فإدّت إلى مقتل مدني مزارع، وإصابة رجل آخر بجروح خطيرة، وهو عمر عبدي شيخ، المشهور باسم “رامبو”، وهو شخصية مجتمعية مهمة، ومُطبب تقليدي يحظى بالاحترام في منطقة شابيل السفلى.
محمود صلاد محمود، رجل أعمال بارز، ومزارع موز، ومدير مكتب لشركة هورمود تيليكوم Hormuud Telecom، قُتل في مزرعته في فبراير/شباط 2020.
وأظهر مقطع فيديو تم تسجيله في مزرعته في ماسالانجا، بالقرب من قرية كومباريري، بعد وقت قصير من الهجوم، أشجار الموز في المزرعة وقناة الري وقد تعرضت للتدمير.
بينما تؤكد أفريكوم أنه كان أحد عملاء “حركة الشباب المجاهدين”، يصر أقاربه وزملاؤه على أنه كان مجرد رجل أعمال يعمل في أكبر شركة اتصالات في الصومال.
ووصفه شيوخ العشائر بأنه أحد أكثر أعضاء مجتمعهم إنتاجاً، وقد عمل أيضا في المنظمات الإنسانية – وهي تفاصيل أكدتها منظمة العفو الدولية. كما قتل موظفان آخران في شركة هرمود خلال ضربات جوية أمريكية.
كما دمرت الهجمات الجوية الأمريكية المنازل والملاجئ المجتمعية. على سبيل المثال، في 6 ديسمبر/كانون 2017، انفجرت سيارة تتقل مقاتلين مشتبه بهم من “حركة الشباب المجاهدين” في قرية إليمي في شبيلي السفلى.
ودمر الانفجار نصف القرية، وقتل خمسة مدنيين بينهم طفلان. كما أدى الهجوم إلى إصابة اثنين آخرين، أحدهما طفلة تبلغ من العمر 18 شهراً.
وفي وقت سابق من هذا العام، تعرض منزل كوسو عمر أبوكار لأضرار كبيرة في غارة جوية في جيليب في 2 فبراير/شباط، والذي اعترف الجيش الأمريكي بقتل ابنته، وجرح والدته المسنة وابنتين أخريين.
وكان الأب، وهو مزارع يبلغ من العمر 50 عاماً، في المنزل في ذلك الوقت، ووصف الهجوم لمنظمة العفو الدولية .
وأخبرني العديد من الصوماليين في مقابلات إن الضربات الجوية الأمريكية تخلق أيضاً حالة من عدم اليقين والخوف بشكل دائم.
ووفقًا للأمم المتحدة، غادر أكثر من 180 ألف شخص شبيلي السفلى حتى الآن هذا العام، كثير منهم فروا من الصراع، وغياب الأمن.
وينتهي المطاف بمعظمهم في مخيمات النازحين في مقديشو، أو بالقرب منها، حيث يتعرضون لخطر الاستغلال والاعتداء، بما في ذلك العنف الجنسي. والنساء والأطفال عرضة بشكل خاص للمعاملة السيئة والتهميش والإقصاء.
في يوليو/تموز، وجدت منظمة العفو الدولية أن النازحين في منطقة مقديشو قد تأثروا بشكل غير متناسب بوباء فيروس كوفيد-19، كما أنهم يعانون أيضاً من عمليات الإخلاء القسري، وانعدام الوظائف، وعدم كفاية خدمات المياه والصحة.
وتصر أفريكوم على أن هدفها هو “إضعاف” “حركة الشباب المجاهدين”. لكن في الواقع، تُلحق هذه الحملة خسائر فادحة بالمدنيين والبنية التحتية المدنية. فالغارات الجوية، التي تقتل وتجرح المدنيين، وتدمر المزارع وقنوات الري، وتزيد من النازحين داخلياً، ليست هي الحل.
وعلى الرغم من اعتراف أفريكوم مؤخراً بوقوع عدد قليل من الضحايا المدنيين، وإنشاء وسيلة للأقارب للإبلاغ عن مقتل المدنيين بسبب الضربات الجوية الأمريكية – وكلاهما خطوتين مرحب بهما – لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لحماية المدنيين، والاعتراف بالحجم الكامل للإصابات الناجمة، وضمان تقديم تعويضات للضحايا وأسرهم.
وسواء تم سحب القوات الأمريكية أم لا- وتفيد وكالة بلومبرغ الإخبارية بأن”كل الجنود أو معظهم تقريباً قد تم إرسالهم خلال رئاسة ترامب” – يجب على أفريكوم أن تنفذ على الفور استراتيجية لضمان عدم التخلي عن أي تقدم تم إحرازه نحو إجراء المساءلة بشأن الأعمال العسكرية الأمريكية في الصومال.
ومن أجل الامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني – وتحقيق أهدافها المعلنة – يجب على أفريكوم ضمان إعطاء المدنيين الصوماليين حقهم.
اقرأ أيضاً: مجلس جنيف يدعو لحماية المدنيين في الصومال ووضع حد لحالة الافلات من العقاب