ترحيل لجزر نائية أو الاحتجاز في البحر.. خيارات صادمة لتعامل بريطانيا مع اللاجئين
“أسوأ ما قد يعيشه المرء هو أن يجد أمامه ما ترك بلاده من أجله”، فأمين الذي فرّ من بلاده بسبب الحرب والقتال، يجد نفسه مجددا في قاعدة عسكرية سابقة، تم تحويلها من طرف السلطات البريطانية إلى مركز احتجاز لطالبي اللجوء.
القاعدة العسكرية التي باتت موضوع جدل في الأيام الماضية بسبب ظروف العيش فيها، تستقبل حاليا حوالي 200 من طالبي اللجوء، “أنا هربت من القتال والجيوش، وها أنا بعد رحلة شاقة أجد نفسي في قاعدة عسكرية تذكرني بكل تفاصيل معاناتي”.
باقتضاب، وافق أمين على الحديث للجزيرة نت خوفا على حاله، لكن الأخبار القادمة من هناك والتي باتت موضوع نقاش إعلامي وسياسي، تتحدث عن تكدس طالبي اللجوء في غرف ضيقة، واستحالة تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، إنها “غرف باردة ونتزاحم فيها نحن 6 أشخاص، ولا خيار لنا سوى القبول بهذا الوضع”.
ولعل التجربة تشق على أمين القادم من الحرب والمعارك، عندما ينظر حوله فلا يجد سوى هذا السكن العسكري المسيّج بصرامة، “كل يوم أتذكر كل ما وقع في بلدي من خراب وتدمير، وهذا كأنه تعذيب نفسي يومي”.
هذا الوضع أغضب حتى الوزير الأول في ويلز الذي تقع هذه القاعدة العسكرية فوق أراضيه، واعتبر أن ما قامت به وزارة الداخلية أمر “غير مقبول ولا يراعي الوضعية الهشة التي يعيشها طالبو اللجوء”.
وبينما يعاني المئات من اللاجئين من برد ويلز وسياج القاعدة العسكرية الجاثم على الذاكرة والنفس، هناك آخرون يضعون أيديهم على قلوبهم والأخبار تصلهم تباعا عن مشاريع مختلفة للحكومة البريطانية، تقضي بإبعادهم آلاف الأميال أو إعادة توطينهم في دول أخرى.
يقول إدريس الذي نجح في الوصول إلى بريطانيا ويعيش حاليا في مركز لطالبي اللجوء “أنا أشكر بريطانيا أنها استقبلتني وأنقذت حياتي التي غامرت بها في البحر لأصل، لكن لا أريد أن أتحول لبضاعة يتم نقلي بين الدول”، إذ يخشى أن يتم إبعاده من جديد.
ويضيف “تحملت خوف قوارب الموت أكثر من مرة للوصول إلى بر الأمان، وبالفعل كنت أعتقد أنني بلغت الأمان في بريطانيا، قبل أن يزورني شبح الخوف من جديد وأنا أسمع خطط الحكومة للتعامل مع طالبي اللجوء وترحيلهم إلى دول أخرى”.
وجدت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل نفسها في وجه عاصفة من الانتقادات الحقوقية والسياسية، وذلك بعد الكشف عن دراسة الحكومة لعدد من المخططات من أجل إعادة توطين طالبي اللجوء.
ومن بين الاقتراحات، تدرس الداخلية البريطانية ترحيل هؤلاء إلى جزيرة أسينشين التي تبعد 4 آلاف ميل (حوالي 6437 كلم) عن المملكة المتحدة وتقع جنوب المحيط الأطلسي، وتخضع للتاج البريطاني.
وتضع الحكومة أيضا خيارا آخر على طاولتها أثار صدمة أكبر، فحسب جريدة “فايننشال تايمز” كانت هناك دراسة لشراء العبّارات المهجورة في البحر وتحويلها إلى مراكز إيواء للمهاجرين، مستثنية ناقلات النفط ومشتقاته، لكن الاقتراح تم التراجع عنه بحسب المصدر نفسه.
كما كشفت صحيفة “الغارديان” عن بحث الحكومة البريطانية إبعاد طالبي اللجوء إلى دول أفريقية أخرى، ووضعهم في مراكز إيواء هناك إلى حين البت في طلبات لجوئهم، مستلهمة النموذج الأسترالي الذي يعتبر محل انتقاد حقوقي عالمي.
وتقدّر الخطة ميزانية توفير ألف سرير في مراكز الإيواء في دول الاستقبال بحوالي 200 مليون جنيه إسترليني، إضافة إلى 200 مليون جنيه أخرى نفقات لتسيير هذه المراكز (الجنيه الإسترليني يساوي حوالي 1.29 دولار).
وتبرر الحكومة البريطانية هذه الإجراءات المثيرة للجدل بتزايد أعداد اللاجئين الذين وصلوا إلى أراضيها، مستدلة على ذلك بقوافل القوارب التي مرت من فرنسا نحو المملكة المتحدة خلال أشهر الصيف الماضية.
لكن أرقام المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، تظهر أن الارتفاع لم يكن بالشكل الذي يروّج له الخطاب الرسمي البريطاني. ففي سنة 2019، تلقت بريطانيا 35 ألفا و566 طلب لجوء، علما بأن أعلى رقم لطلبات اللجوء تم تسجيله سنة 2002 وبلغ 84 ألف طلب.
وسجلت السنة الحالية ارتفاعا محدودا في أعداد طالبي اللجوء بزيادة قدرت بـ6 آلاف حالة، ليصل المجموع إلى 41 ألف طلب لجوء تقريبا، وهو رقم منخفض جدا مقارنة ببقية الدول الأوروبية، فألمانيا استقبلت هذه السنة 133 ألف طلب لجوء، وفرنسا 117 ألفا وإسبانيا 107 آلاف، مما يجعل من المملكة المتحدة من أقل الدول الأوروبية استقبالا لطالبي اللجوء، ومع ذلك فهي تتجه لمزيد من التشديد على اللاجئين.
وبكثير من الغضب، يتحدث كلير موسلي مؤسس منظمة “كير فور كاليه” التي تعنى باللاجئين، عما تفكر الحكومة بالقيام به في حق هذه الفئة المستضعفة، معتبرا أن كل هذه المشاريع الحكومية تظهر “القسوة وانعدام الإنسانية في التعامل مع اللاجئين”.
ويضيف الناشط الحقوقي البريطاني -في تصريح للجزيرة نت- أن هؤلاء الأشخاص يقومون برحلة خطيرة عبر البحر، “وهم أكثر فئة هشة في العالم، وقد فروا من أكثر المناطق خطرا”، مستبشعا تعامل حكومة بلاده مع اللاجئين “وكأنهم مدانون يستحقون العقاب وليسوا أشخاصا يجب منحهم الكرامة والاحترام”.
ويقترح مؤسس الجمعية الحقوقية المدافعة عن اللاجئين أن يتم الاستماع إلى قضايا اللجوء الخاصة بهم على حدود المملكة المتحدة في فرنسا، قبل أن يخاطروا بحياتهم في محاولة العبور عبر القناة البحرية، “هذه هي الطريقة لإنهاء معاناة المعابر البحرية وانهيار تجارة مهربي البشر، إنها الطريقة الصحيحة والعادلة لبريطانيا للرد على المستضعفين الذين يطلبون منا المساعدة”.
ويقف الكثير من الشخصيات السياسية والفنية والحقوقية في وجه خطط الحكومة البريطانية، ومن بينهم رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا ستورغن التي توعدت بأشد المعارضة لكل هذه المخططات، كما راسل أكثر من 72 اسما ثقافيا وفنيا الحكومة لإعادة النظر في طريقة تعاملها مع الأطفال اللاجئين.
اقرأ أيضاً: الأورومتوسطي يدعو إلى تقاسم عادل لأزمة اللاجئين في الشرق الأوسط