الإمارات وسياسة تجاهل بلاغات خبراء الأمم المتحدة بشأن الانتهاكات
قال مركز مناصرة معتقلي الإمارات إنه خلال السنوات الماضية اعتمدت السلطات الإماراتية على سياسة تجاهل البلاغات والرسائل التي يرسلها خبراء الأمم المتحدة حول انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.
وذكر المركز في بيان أنه منذ عام 2010 أرسل الخبراء 73 بلاغاً إلى الإمارات، فردت على 34 منهم، بينما تجاهلت 39، أي أنها لم ترد على أكثر من نصف الرسائل والاستفسارات الأممية.
لذلك كان من الطبيعي جداً، التوقع بأن السلطات لن ترد على بلاغ الأمم المتحدة المرسَل في يناير 2024 حول انتهاكات محاكمة “الإمارات 84″، خصوصاً أن السلطات لم ترد في العام الماضي سوى على بلاغ واحد من أصل سبعة تم تقديمهم خلال 2023.
لكن أبوظبي طلبت من الأمم المتحدة تمديد مهلة الرد شهراً إضافياً وجعل المدة الممنوحة لها 90 يوماً بدلاً من 60، وهو ما يعطي انطباعاً أن الإمارات لا تعتزم الرد فقط، بل تقوم بتجهيز رد على البلاغ الأممي الذي تضمن 23 صفحة وأكثر من 12 سؤالاً.
وبعد 90 يوماً ردت الإمارات فعلاً، لكن المفاجأة أن الرد كان عبارة عن 4 صفحات فقط، ويمكن اختصاره لصفحتين كحد أقصى، إذا حذفنا المقدمة، والشكر المتكرر للخبراء الأمميين على جهودهم ودورهم في حماية حقوق الإنسان.
لكن الأغرب ليس حجم الرد فقط، بل مضمونه، حيث رفضت الإمارات عملياً تقديم أي معلومات حول مجريات “الإمارات 84″، تحت ذريعة أن التعليق على المحاكمة يعد تدخلاً من السلطة التنفيذية باستقلالية القضاء ومساسا بحق المتهمين بالمحاكمة العادلة.
والسؤال الأول الذي يتبادر إلى الأذهان مباشرة عند قراءة هذا الرد، لماذا طلبت الإمارات 90 يوماً حتى ترسل الرد؟ ثم ما علاقة استفسارات خبراء الأمم المتحدة بوجود انتهاكات في المحاكمة مثل التعذيب والسجن الانفرادي وغيرها من الأسئلة باستقلال السلطة القضائية؟
إن خبراء الأمم المتحدة لم يطلبوا من الإمارات الحكم على المتهمين بدلاً من السلطات القضائية، بل طلبوا تقديم معلومات حول الأساس القانوني لهذه القضية، بمعنى آخر، لماذا يتم محاكمة المتهمين؟ وما هي التهم الموجهة لهم؟ هل الإجابة على هذا السؤال يعد مساساً باستقلال القضاء.
المفارقة الأكبر، أن السلطات الإماراتية ردت على استفسار الأمم المتحدة حول وجود انتهاكات إجرائية مثل عدم إعلام المتهمين بالتهم، الاحتجاز السري، وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب، والتي شرحت الأمم المتحدة تفاصليها في عدة صفحات بفقرة واحدة، وهي أنه لا يمكن في هذه المرحلة معالجة أي ادعاءات بوجود ظلم إجرائي فيما يتعلق بالإجراءات المعنية.
وأشارت إلى أنه بدون النظر في الإجراءات ككل، سيكون من غير المناسب وغير المجدي التكهن بشأن عدالتها الشاملة المتوقعة.
وهذا يعني أن الرد الإماراتي لا ينفي وجود هذه الانتهاكات الخطيرة التي تنسف عدالة المحاكمة من الأساس، لكنه يتذرع بأن التدقيق في هذه الادعاءات لا يمكن أن يحصل أثناء المحاكمة، وإنما يحصل بعد الانتهاء منها، حيث يمكن النظر في الإجراءات بشكل كلي.
في الواقع، إن هذا الجزء، هو أخطر ما جاء في الرد كاملاً، لأنه يعني أن السلطات الإماراتية تقول للأمم المتحدة: وما المشكلة إذا كان هناك انتهاكات إجرائية مثل الاحتجاز السري ومنع المتهمين من الدفاع عن أنفسهم، ومن قال لكم إن هذه الانتهاكات تؤثر في نتيجة المحاكمة، وأن الالتزام بها مهم.
وما يؤكد ذلك، أن السلطات قالت في الفقرة التي تليها “إنه من السابق لأوانه أيضًا تقديم أي تعليق، لأن نتيجة الإجراءات غير معروفة حتى الآن”.
وقال المركز “لا ندري إذا كانت السلطات تعلم أنه ليس من الضروري أن تكون هناك نتيجة لانتهاك هذه الإجراءات، وليس بالضروري أن يؤدي فعلاً عدم احترام هذه الإجراءات للتأثير على نتيجة المحاكمة، لأن هذه الإجراءات تعد من الناحية القانونية جزء من النظام العام، ويكفي عدم احترامها لبطلان المحاكمة كاملة”.
وأضاف “لكن مفارقات الرد الإماراتي لا تنتهي هنا بالطبع، فبعدما رفضت الإجابة عن أي استفسار يتعلق بالمحاكمة، وقللت من أهمية وجود انتهاكات في الإجراءات القضائية، بدأت باستعراض الضمانات الدستورية والقانونية التي يوفرها النظام القانوني في الإمارات للمحاكمة العادلة”.
وتابع “فاخرت أبوظبي بقانون الإجراءات الجنائية الذي يوضح حق المتهم في الاستعانة بمحام، و إبلاغه بالتهم في الوقت المناسب، أي في غضون 24 ساعة من الاعتقال، وغيرها من الضمانات القانونية التي يكفلها القانون والتي قالت الإمارات إنها لا تستطيع حالياً التأكد من تطبيقها وستنظر بعد المحاكمة في نتائجها”.
وأكد المركز أن الحقيقة أنه قد يبدو غريباً للوهلة الأولى أن ترسل دولة مثل الإمارات هذا الرد القانوني، خصوصاً وهي تدفع مبالغ باهظة على استقطاب قضاة وكفاءات قانونية من أنحاء الوطن العربي، لكنه في الواقع ليس غريباً، خصوصاً حين نعلم أنها الدولة نفسها التي سجنت عشرات المحامين والقضاة والأكاديميين من أمثال محمد المنصوري، هادف العويس، ومحمد الركن.