هيومن رايتس ووتش: الحكومة المصرية تقوّض المجموعات البيئية
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – قالت “هيومن رايتس ووتش” إن الحكومة المصرية قيّدت بشدة قدرة الجماعات البيئية على العمل المستقل المتعلق بالسياسات والمناصرة والبحوث الميدانية، الضروري لحماية البيئة الطبيعية في البلاد.
تنتهك هذه القيود الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات وتهدد قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالعمل البيئي والمناخي.
بينما تستضيف الدورة السابعة والعشرون لـ”مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ” المعروف بـ”مؤتمر الأطراف 27″ (’كوب 27‘) في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
قال “ريتشارد بيرسهاوس“، مدير قسم البيئة في هيومن رايتس ووتش: “فرضت الحكومة المصرية عقبات تعسفية على التمويل والبحث والتسجيل أضعفت الجماعات البيئية المحلية”.
وأضاف: “أجبرت بعض النشطاء على الهروب إلى المنفى والبعض الآخر على الابتعاد عن العمل المهم”.
وطالبت المنظمة قائلة: “ينبغي للحكومة أن ترفع فورا قيودها الطاغية على المنظمات غير الحكومية المستقلة، بما فيها الجماعات البيئية”.
في يونيو/حزيران، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 13 ناشطا وأكاديميا وعالما وصحفيا يعملون على قضايا بيئية في مصر.
شاركوا جميعا بشكل أو بآخر في تعزيز التحرك والمناصرة والعمل من أجل المناخ. يعمل بعضهم حاليا لصالح مجموعات غير حكومية.
توقف آخرون لأسباب تتعلق بالسلامة أو الأمن أو غادروا البلاد. تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لأسباب أمنية.
رفض ستة أشخاص آخرين إجراء المقابلات، بسبب مخاوف أمنية مختلفة، أو لأن القيود الحكومية أجبرتهم على التوقف عن عملهم البيئي.
وصف من قابلتهم هيومن رايتس ووتش تراجعا حادا في مساحة العمل المستقل المعني بالبيئة والمناخ منذ تولي حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في 2014.
وصفوا أساليب المضايقة والترهيب، بما يشمل الاعتقالات وصعوبة السفر، التي خلقت جوا عاما من الخوف.
عكس هذه التجارب تكتيكات مماثلة اتبعتها السلطات المصرية ضد المنظمات المحلية والدولية المستقلة بشكل عام منذ 2014 كجزء من حملة قمع لا هوادة فيها على المجتمع المدني.
في الوقت نفسه، وصف بعض الأشخاص توسعا حصل مؤخرا في التسامح الرسمي مع الأنشطة البيئية التي تنسجم بسهولة مع أولويات الحكومة ولا يُنظر إليها على أنها تنتقد الحكومة.
يعمل عدد ناشئ من هذه الجماعات البيئية في الغالب في مجالات تقنية مثل جمع القمامة وإعادة التدوير والطاقة المتجددة والأمن الغذائي وتمويل المناخ.
قال أحد الذين قابلناهم إنه على نحو متزايد “تتبنى الحكومة الخطاب الراديكالي عندما يتعلق الأمر بدول الشمال ومساهمتها في تغير المناخ وانبعاثات الكربون، فقط لأن هذا يتقاطع مع مصالحها، مثل الحاجة إلى المزيد من التمويل”.
لكن العاملين في الجماعات الحقوقية والبيئية الناقدة للحكومة قالوا إنهم قلقون من المشاركة علنا في كوب-27 بسبب مخاوف من الانتقام.
قال ناشط يعيش خارج مصر: “الأجهزة الأمنية ستركز على الأرجح الآن أكثر من أي وقت مضى على المجتمع المدني البيئي في مصر. عندما ينتهي المؤتمر، قد يبدؤوا في البحث والتقصي عمن كان يفعل ماذا، ومن الذي حصل على التمويل ومن أين، مثلا.”
وجدت هيومن رايتس ووتش أن أكثر القضايا البيئية حساسية هي تلك التي تشير إلى تقاعس الحكومة عن حماية حقوق الناس من الأضرار التي تسببها مصالح الشركات.
منها القضايا المتعلقة بالأمن المائي، والتلوث الصناعي، والأضرار البيئية الناجمة عن أعمال في مجالات التطوير العمراني، والسياحة، والزراعة.
قال النشطاء أيضا إن الأثر البيئي للنشاط التجاري التابع لوزارة الدفاع، الواسع والغامض في مصر، مثل الأشكال المدمرة من استغلال المحاجر، ومصانع تعبئة المياه، وبعض مصانع الأسمنت.
كلها حساسة بشكل خاص، كما هو الحال بالنسبة إلى مشاريع البنية التحتية “الوطنية” كـ”العاصمة الإدارية الجديدة”، والعديد من منها مرتبطة بمكتب الرئيس مباشرة أو بالجيش.
قال أحد الذين قابلناهم: “[مشاريع البنية التحتية الوطنية] هي خط أحمر. لا يمكنني العمل على هذا”.
قال العديد من الأشخاص إن منظماتهم، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها رائدة في مصر، ضعفت بشدة بسبب القيود الحكومية والشعور السائد بالخوف وعدم اليقين، ما جعلهم غير قادرين على أداء دور “المراقبة” لإساءة استخدام السلطة الحكومية.
قال ناشط بارز في القاهرة: “إنهم مصابون بشلل كبير بسبب إمكانية ما قد يقع لهم ]من أذى]، بحيث لا يفعلون شيء”.
أثّرت القيود المفروضة على تلقي التمويل على العديد من الجماعات البيئية. الكثير من القوانين منذ 2014، بما فيها تعديل عام 2014 لقانون العقوبات وكذلك القانون القديم والجديد الخاص بالجمعيات الأهلية، تقيّد تعسفيا المنح والتبرعات من مصادر أجنبية ووطنية.
على نحو متزايد منذ 2014، حاكمت الحكومة عشرات المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني المستقلة، وبعضها يقوم بأعمال بيئية، بسبب تلقي أموال أجنبية، وفرضت حظر سفر وتجميد أصول على نشطاء بارزين. كان لهذه الملاحقات أثر مخيف على هذه المنظمات.
قال العديد من الأشخاص إن منظماتهم واجهت صعوبات كبيرة في التسجيل كمجموعات غير حكومية.
قال جميع النشطاء الذين قابلناهم إنهم تراجعوا بشكل متزايد عن إجراء البحوث الميدانية الأساسية، لأنهم يخشون أن يُعتقلوا، هم أو من يقابلونهم، ولأنه أصبح من المستحيل تقريبا الحصول على تصاريح بحث، والتي تتطلب عادة موافقة واحد أو أكثر من الأجهزة أمنية.
في فبراير/شباط 2020، قال سبعة من خبراء “الأمم المتحدة” الذين راجعوا هذه القوانين القمعية وغيرها إنهم “ينظرون إلى مجمل هذه التشريعات وآثارها المترابطة والتراكمية، على أنها ذات آثار جماعية ومدمرة على تعزيز وحماية حقوق الإنسان”.
أجبر القمع الحكومي عشرات نشطاء وجماعات المجتمع المدني الرائدة في مصر، بمن فيهم الذين يعملون على قضايا بيئية وحقوقية، على مغادرة البلاد أو تقليص نشاطهم أو تركه.
أغلق عدد من المنظمات الحقوقية والبيئية الأجنبية مكاتبها في مصر منذ 2014. قال ناشط بيئي: “لم نفكر حتى في الاحتجاج [هذه الأيام]”.
قال آخر: “قبل2011، لم تكن المساحة مغلقة [كما هي اليوم]. الآن الوضع خطير جدا”.
أرسلت هيومن رايتس ووتش أسئلة حول وضع الجماعات البيئية إلى السلطات المصرية في 23 أغسطس/آب لكنها لم تتلق أي رد.
على السلطات المصرية أن توقف على وجه السرعة حملة القمع ضد منظمات المجتمع المدني المستقلة، بما فيه إنهاء الملاحقات القضائية المستمرة منذ أعوام وتجميد الأصول وحظر السفر ضد الجماعات الحقوقية والبيئية والعاملين فيها.
ويجب على الحكومة تعديل قانون 2019 الخاص بالجمعيات جذريا بما يتوافق مع دستورها والالتزامات الدولية لحماية حرية تكوين الجمعيات.
على الحكومة أيضا رفع الحجب عن جميع المواقع الإخبارية والحقوقية.
ينبغي لأمانة “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ” والحكومات الأخرى المشاركة في كوب-27 أن تعمل مع الحكومة المصرية لتوفير مساحة لمشاركة متنوعة من جانب المجتمع المدني في محادثات المناخ.
يشمل هذا ضمان أن تكون المواقع التي تجري فيها فعاليات المؤتمر شمولية ومتاحة للجميع، وأن المراقبين، بمن فيهم الجماعات التي تنتقد الحكومة، يمكنهم التسجيل والوصول إلى المفاوضات، وأن يكونوا قادرين على الاحتجاج والتعبير عن مواقفهم بحرية.
على الأمانة أيضا وضع مجموعة من المعايير الحقوقية التي يتعين مستقبلا على الدول التي تستضيف مؤتمر الأطراف الالتزام بالوفاء بها كجزء من اتفاق الاستضافة.
من الضروري كذلك أن تُسلّم السلطات المصرية التأشيرات في الوقت المحدد والمناسب لتمكين المشاركين في كوب-27، وتُنهي جميع أساليب المراقبة والترهيب غير القانونية.
قال “بيرسهاوس“: “يحتاج العالم إلى نشاط أكبر من أجل المناخ، وليس أقل، بيد أنه لا يمكن أن يكون هناك نشاط فعال عندما تتعامل الحكومة مع الجماعات المدنية على أنها تهديد، وليست مصدر قوة.
وأضاف: “على الدول الأعضاء في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية والأمانة الضغط على الحكومة المصرية للتأكد من أن الجماعات البيئية تطمئن أنه من الآمن المشاركة في مؤتمر الأطراف وبعد انتهائه”.