نظام السيسي يستهدف مجتمع الميم في مصر بلا رحمة
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – بدأت الثورة المصرية لعام 2011 في 25 يناير/كانون الثاني، وهو التاريخ الذي اختاره الشباب المصري ليتزامن مع يوم الشرطة السنوي باعتباره انتفاضة ضد وحشية الشرطة المتزايدة في عهد الرئيس حسني مبارك.
أدت الانتفاضة التي استمرت 18 يومًا إلى الإطاحة بمبارك بعد ما يقرب من 30 عامًا في السلطة.
وأدت إلى حقبة وجيزة تمكن المصريون من الاستمتاع فيها بفضاء متسع لحرية التعبير، حتى أكثر الفئات تهميشًا في المجتمع: المصريون المثليون.
اليوم، يشعر الكثير من المصريين أنهم لا يستطيعون التنفس. إنهم يختنقون في ظل القمع الوحشي للمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام المستقلة وأي أصوات بديلة تتحدى الوضع الراهن.
منذ أن سيطر الرئيس عبد الفتاح السيسي على السلطة عام 2013، استهدفت موجات الاعتقالات الجماعية في مصر الصحفيين ومحامين حقوق الإنسان والأكاديميين ومجتمع الميم.
عدد السجناء السياسيين الموجودين في السجون المصرية غير معروف، على الرغم من أن التقديرات الموثوقة من منظمات حقوق الإنسان تقول أن العدد لا يقل عن 65 ألف سجين.
لم يأتِ حجم القمع الذي مارسه السيسي من فراغ. بعد أن نشأتُ في مصر لما يقرب من عقد من الزمان في التسعينيات، شوهدت مدى انتشار النظام الأبوي وكيف يتم تسليحه لقمع الأقليات والفئات المهمشة.
غالبًا ما تحدث الهجمات العنيفة على الأشخاص المثليين على وجه الخصوص مع الإفلات من العقاب.
في حين أن المثلية الجنسية ليست غير قانونية من الناحية الفنية في مصر، إلا أن تحقيق للـ”بي بي سي” كشف كيف تستخدم قوات الأمن في البلاد القوانين المصممة للحماية من “الفجور”—وهي في الأصل تهمة تتعلق بالدعارة—لتجريم مجتمع الميم.
بدأ التحقيق بعد مقطع فيديو صادم انتشر في مصر. تُظهر اللقطات المروعة خمسة أشخاص من مجتمع الميم يتعرضون للضرب والإيذاء من قبل عصابة إجرامية. بينما يُجبرون على ذكر أسمائهم الكاملة والاعتراف بأنهم شواذ أمام الكاميرا.
عرّفت المحاكم العليا في مصر الفجور على أنه ممارسة الجنس بين أفراد من نفس الجنس، سواء مقابل مبلغ مالي أم لا، على الرغم من أن القانون يتعلق في الأصل بتهم الدعارة.
بالاعتماد على وثائق خاصة بالشرطة، اكتُشف كيف تستخدم الشرطة في مصر والعصابات العنيفة نفس التكتيكات، متظاهرين بلقاءات محتملة باستخدام تطبيقات المواعدة لاستهداف مجتمع الميم ومضايقتهم وإساءة معاملتهم.
تثبت النصوص غير العادية من تطبيقات المواعدة التي حصلنا عليها أن بعض المعتقلين كانوا يبحثون فقط عن الحب والمواعدة وحتى صداقات جديدة على الإنترنت.
تظهر أنماط واضحة في هذه النصوص، حيث تحاول الشرطة في كثير من الأحيان إجبار ضحاياها على الموافقة على مبادلة الجنس مقابل المال لمساعدتهم على إثبات تهمة “الجنس العشوائي” المرتبطة بالفجور.
ولكن هناك أيضًا محاضر شرطة لا يوجد فيها أي ذكر لأي تعاملات مالية.
في السنوات الأخيرة، ركزت المنظمات غير الحكومية في مصر على حماية حقوق مجتمع الميم التي أُجبرت على العمل في الخفاء أو في المنفى، لكن شبكات الدعم الهشة داخل المجتمع لا تزال قائمة.
عشرات الأشخاص يشعرون أن القوانين التي تم وضعها لمكافحة الدعارة تُستخدم لاعتقالهم بسبب ميولهم الجنسية وحدها.
مصر من الدول الموقعة على اتفاقيات دولية تحمي حريات الأفراد من الاعتقال التعسفي. والدستور المصري نفسه يدافع عن الحق في الكرامة والمساواة، وخاصة عن التمييز.
لكن في عام 2016، قادت مصر مجموعة من 57 دولة لرفض قرار الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان الأساسية لمجتمع الميم.
في مصر، يجب أن يتعلم الأشخاص المثليون محاولة البقاء على قيد الحياة قبل أن يدركوا أنهم في هذا الوضع طيلة حياتهم. يبدو أنه يجب على كثير من الناس إظهار ذكوريتهم أو أنوثتهم باستمرار، تفاديًا لخطر انعزالهم.
كل هذا يحدث في سياق اليأس الاقتصادي في مصر. ما يقرب من ثلث المصريين يعانون تحت خط الفقر وهم في الوقت ذاته يعانون من اضطهاد سياسي شديد ومستمر.
كانت المشاركة العسكرية المتزايدة في الاقتصاد كارثية، حيث ركز السيسي على المشاريع العملاقة المكلفة التي تستنزف ميزانية الدولة ولا تخلق فرص عمل.
قامت الشركات المملوكة للجيش والشركات الأخرى التابعة له بمزاحمة القطاع الخاص في مجالات لا حصر لها.
تم تمويل الانقلاب العسكري عام 2013 الذي وضع السيسي في السلطة إلى حد كبير بمليارات الدولارات من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وبدلًا من إنفاق هذه الأموال على التعليم أو الإسكان أو الرعاية الصحية بأسعار معقولة، فقد أهدر السيسي المليارات على مشاريع تافهة تخدم الاقتصاد العسكري في مصر.
فأقام طرق جديدة واسعة وقصور رئاسية وفنادق فاخرة وعاصمة جديدة معزولة في الصحراء بعيداً عن القاهرة.
في العقد الماضي في عهد السيسي، تضاعف الدين الخارجي لمصر ثلاث مرات إلى ما يقرب من 160 مليار دولار.
في عام 2017، رفع عدد من الشباب المصري أعلام قوس قزح في حفل موسيقي في القاهرة لفرقة لبنانية تدافع عن حقوق مجتمع الميم.
أدى ذلك إلى اعتقال عشرات الأشخاص بتهمة “الفجور” و “التحريض على الفجور”.
بعد فترة وجيزة، فرض المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر حظراً إعلامياً على تمثيل مجتمع الميم، إلا عندما—وأنا أقتبس هنا—”يعترفون بحقيقة أن سلوكهم غير لائق ويتوبون عنه”.
يقول العديد ممن اعتُقلوا في هذه الحملة بعد حفل مشروع ليلى أنهم تعرضوا للتعذيب. وقضى بعضهم أحكامًا بالسجن ست سنوات.
كانت المرأة الوحيدة التي ألقي القبض عليها في ذلك الوقت هي سارة حجازي، التي رفعت بفرح علم الفخر في الحفل.
قالت إنها تعرضت للتعذيب على أيدي الشرطة الذين طلبوا من نزيلات السجن الأخريات الإساءة إليها.
بعد إطلاق سراحها، طُردت من وظيفتها وتمكنت في النهاية من الفرار من مصر إلى كندا. حيث عانت من اضطراب ما بعد الصدمة ونوبات هلع اشتدت بعد وفاة والدتها.
كان من المتوقع أن تكون هذه نهاية مأساة سارة، لكن كان هناك فصل مدمر آخر. ففي يونيو/حزيران 2020، انتحرت سارة في كندا.
قال معظم المصريين المثليين الذين تحدثتُ إليهم إنهم غالبًا ما يحلمون بمغادرة البلاد. لكن الواقع هو أن العديد ممن حصلوا على حق اللجوء يحملون معهم صدماتهم إلى المنفى.
لذلك، في حين أن اللجوء يمكن أن يضمن السلامة الجسدية، يعاني الكثيرون من مشاكل في الصحة العقلية واضطراب ما بعد الصدمة بعد فترة طويلة من هروبهم من مصر، كما حصل مع سارة حجازي.
من الصعب المبالغة في تقدير مدى ضعف هذا المجتمع المهمش. لا يستطيع المصريون المثليون الذهاب إلى الشرطة أو السلطات عندما يتعرضون للهجوم أو يقعون في مشكلة، لأنهم يخشون أن يُسجنوا بتهم ملفقة تتعلق بالفجور أو الدعارة.
مجرد التواجد على تطبيقات المواعدة يمكن أن يكون سببًا للاعتقال، بناءً على تهم التحريض على الفجور وقوانين الآداب العامة الأخرى في مصر.
سأل شخص يبلغ من العمر 18 عامًا تعرض للهجوم من قبل عصابة نتابعها في تحقيق البي بي سي، محاميه إذا كان بإمكانه إبلاغ الشرطة عنهم.
حذره المحامي من ذلك وأنه من السهل جدًا اتهامه بالفجور إذا فعل. قال: “المحامي قال أن وضعي أشد سوءًا من الشخص الذي يهاجمني في نظر المجتمع المصري”.
في الفيديو الذي تم تصويره ونشره من قبل العصابة، أُجبر هذا الشاب على القول كذبًا أنه عامل في الجنس.
قال خبراء قانونيون أنه من غير المحتمل أن يتم استخدام هذا الفيديو ضده في المحكمة، لأنه من الواضح أنه تم بالإكراه، لكن محاميه كان له رأي مختلف.
هذا التمييز لا يقتصر على مصر بل يمتد إلى مختلف أنحاء العالم العربي. تستهدف الحكومات الأشخاص المثليين بقسوة أكبر—حيث تقوم باحتجازهم ومصادرة هواتفهم وحرمانهم من الاتصال بمحام وإجبارهم على توقيع اعترافات بالإكراه.
لقد شهدنا عمليات تطهير ضد مجتمع الميم في العديد من البلدان العربية—حملات منسقة ضد أي عمل تجاري أو منتج يظهر عليه رموز قوس قزح.
في صيف عام 2022، ظهرت حركة مناهضة لمجتمع الميم على وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، أطلقت على نفسها اسم فطرة.
شجعت حملة فطرة، من خلال العديد من منصات التواصل الاجتماعي، على رفض المثلية الجنسية باعتبارها “منحرفة”، وأنها موجة قادمة من الغرب.
وسرعان ما انتشرت حملة “فطرة” بشكل واسع. تم حظر صفحتها الأصلية في نهاية المطاف في الفيسبوك، لكن ليس قبل أن تحصل على نصف مليون “إعجاب”.
ولا يزال بالإمكان العثور على الهاشتاقات الخاصة بالحملة والتعصب الأعمى الذي يتم نشره باللغة العربية في جميع أنحاء المنطقة بشكل يومي.
تعكس رسالة حملة فطرة جهود الحكومات العربية التي تؤطر حقوق مجتمع الميم على أنها “غربية” وأنها محاولة لفرض قيم خارجية فاسدة على المجتمع العربي.
يجد الكثير من المثليين في مصر والمنطقة أنفسهم عالقين بين الخضوع للخوف والاختباء.
من خلال حظر النقاش العام حول النوع الاجتماعي والتوجه الجنسي في المجتمع، تضمن الحكومة المصرية بشكل فعال أن تظل هذه المفاهيم من المحرمات.
في الوقت نفسه، هي أداة مرحب بها لصرف الانتباه عن الأزمة الأوسع والممتدة التي يعاني منها معظم المصريين في ظل نظام السيسي.
الدولة قادرة على الحفاظ على سردية خاطئة مفادها أن حقوق مجتمع الميم هي مجرد أداة غربية لإفساد وحتى نزع الشرعية عن سلطتها الدينية والوطنية.