هيومن رايتس ووتش: “الإصلاحات” القانونية الواسعة في الإمارات تعمّق القمع
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – أكدت “هيومن رايتس ووتش” أن التغييرات القانونية الواسعة التي أقرتها الإمارات أواخر 2021 لم تُعالج القيود طويلة الأمد والممنهجة على الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين والمقيمين.
أبقت القوانين الجديدة على الأحكام السابقة وتتضمن أحكاما جديدة تُشكل تهديدات خطيرة لحقوق الإنسان الأساسية.
بحسب ما نقلت “وكالة أنباء الإمارات” الحكومية (“وام”) في نوفمبر/تشرين الثاني، تشمل التغييرات القانونية تعديلات في أكثر من 40 قانونا.
شملت التغييرات قانون الجرائم والعقوبات وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية ومكافحة المواد المخدرة.
وبحسب هيومن رايتس ووتش فإن ذلك بهدف: “تعزيز البيئة الاقتصادية والبنية الاستثمارية والتجارية في الدولة”. هذا بالإضافة الى “دعم أمن واستقرار المجتمع، وحفظ حقوق الأفراد والمؤسسات على حد سواء”.
مع أن التغييرات تسمح بتوسيع معتدل لمساحة الحريات الشخصية، إلا أن الإطار القانوني الجديد يُبقي على قيود صارمة على الحق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع.
قالن هيومن رايتس ووتش: “في حين أن الحكومة الإماراتية ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة قد أشادت بهذه التغييرات التشريعية الجديدة باعتبارها خطوة هائلة إلى الأمام نحو الحريات الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنها ستزيد من ترسيخ القمع الذي تفرضه الحكومة.
اختارت حكومة الإمارات تبديد فرصة لتحسين الحريات في جميع المجالات، وبدلا من ذلك ضاعفت القمع”.
أجرت هيومن رايتس ووتش تحليلاً قانونياً شاملاً لاثنين من القوانين الجديدة، وهما “قانون الجرائم والعقوبات” و”قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية”.
ذلك لتحديد التغييرات التي تتعلق بالحق في حرية التعبير والتجمع. دخل كلا القانونين حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2022.
ما زالت القوانين تحظر انتقاد الحكام والخطاب الذي يُعتقد أنه يخلق أو يشجع على “تأليب الرأي العام أو إثارته”، ويفرض عقوبات صارمة على تهم غامضة التعريف.
وأبقت على أحكام تجرّم القذف والسب في المحتوى اللفظي والمكتوب، سواء كان منشورا أو خلال حديث خاص.
تجرّم الأحكام الجديدة المعلومات “الكاذبة” و”المضللة”، ومشاركة المعلومات مع المنظمات أو البلدان الأجنبية و”الإساءة إلى دولة الأجنبية”. كما لا زالت الاحتجاجات والمظاهرات محظورة.
منذ 2011، تنفذ السلطات الإماراتية اعتداء مستمرا على حرية التعبير وتكوين الجمعيات، إذ اعتقلت ولاحقت قضائيا العديد من المحامين المستقلين والقضاة والمدرسين والطلاب والنشطاء.
هذا وأغلقت بشكل كامل جمعيات المجتمع المدني الرئيسية ومكاتب المنظمات الأجنبية وبالتالي قضت على أي مساحة للمعارضة.
كثيرا ما استُخدمت القوانين السابقة التي تقمع بشدة حرية التعبير للقضاء على المعارضة. تُمارس المواقع الإخبارية المحلية، والعديد منها تملكها أو تسيطر عليها الحكومة، الرقابة الذاتية وفقا للوائح الحكومية والخطوط الحمراء غير الرسمية.
منذ 2015 على الأقل، تجاهلت السلطات الإماراتية أو رفضت طلبات دخول خبراء “الأمم المتحدة” والباحثين الحقوقيين، والأكاديميين، والصحفيين المنتقدين إلى البلاد.
تجسست السلطات الإماراتية أيضا على الصحفيين والنشطاء الدوليين وحتى قادة العالم باستخدام برامج تجسس متطورة أنتجتها إسرائيل و”الاتحاد الأوروبي”، أو بمساعدة مسؤولي استخبارات أميركيين سابقين.
بعض أولئك الذين استهدفت المراقبة الحكومية اتصالاتهم وأجهزتهم هم من المقيمين في الإمارات، تعرضوا لاحقا للاعتقال والانتهاكات أثناء الاحتجاز. بينهم الناشط الحقوقي الإماراتي البارز أحمد منصور.
حكمت محكمة إماراتية على منصور بالسجن 10 سنوات في مايو/أيار 2018 بعد محاكمة جائرة للغاية، استندت جزئيا إلى رسائل البريد الإلكتروني الخاصة ومحادثات “واتساب”.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن الأحكام التعسفية في كل من قانون العقوبات الجديد وقانون الجرائم الإلكترونية تنتهك دستور الإمارات والمعايير الدولية.
يكفل الدستور الإماراتي حرية التعبير وحرية الصحافة. هذه الضمانات راسخة أيضا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ينص “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” على أن لكل إنسان الحق في حرية التعبير. يشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين”.
مع أن الإمارات ليست طرفا في العهد، إلا أنه يعتبر مرجعا موثوقا وتوجيهيا فيما يتعلق بالممارسات الدولية الفضلى.
دولة الإمارات دولة طرف في “الميثاق العربي لحقوق الإنسان”، والذي يضمن أيضا الحق في الإعلام وحرية الرأي وحرية التعبير.
ويضمن “الميثاق” الحق في حرية النشاط السياسي، والحق في تكوين الجمعيات والانضمام إليها، والحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات.
تسمح مثل هذه القوانين الغامضة بتفسير يخدم مصالح الحكومة، ومع وجود المحاكم التي تمتثل بتنظيم حرية التعبير بشكل صارم، ستكون النتيجة استمرار القلق، والرقابة الذاتية، والتطبيق التعسفي للقانون في الإمارات.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الإماراتية اتخاذ خطوات فورية لمواءمة قانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية مع المعايير الدولية والإقليمية بشأن حرية التعبير والحريات الفردية.
لم تصادق الإمارات على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. حيث تنص المادة 19 منه على الحق في حرية الرأي والتعبير.
لكنها دولة طرف في الميثاق العربي لحقوق الإنسان. تضمن المادة 32 من الميثاق العربي الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير.
وتكفل المادة 24 الحق في حرية الممارسة السياسية، والحق في تكوين الجمعيات والانضمام إليها، والحق في حرية الاجتماع والتجمع.
قالت المنظمة: “لا يمكن للإمارات تسويق نفسها كدولة إصلاحية ومتسامحة بينما تُقر قوانين جديدة تزيد من مستويات القمع والرقابة المقلقة للغاية أصلا”.
دخل القانون الاتحادي الجديد للجرائم والعقوبات الإماراتي 2021 حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2022. وهو يبقي على العديد من الأحكام المسيئة في قانون العقوبات السابق ويضيف قيودا جديدة أو يزيد العقوبات على الأحكام الحالية.
يضم القانون الجديد 479 مادة تتعلق بالجرائم والجنايات وعقوباتها، وفي بعض الحالات كانت المواد بمثابة تراجع عن التعديلات التي أُدخلت في 2020 على قانون العقوبات الأقدم، والتي شهدت تخفيفا أكبر للقيود المفروضة على الحريات الفردية.
فيما يلي بعض التغييرات الرئيسية في قانون العقوبات والتي تؤثر على حقوق الإنسان:
يعيد القانون الجديد إدخال أحكام تمييزية ضد المرأة ويضيف إليها في بعض المواد. أعاد القانون العمل بتجريم ممارسة الجنس خارج إطار الزواج بالتراضي، والذي حُذف من القانون القديم كجزء من تعديلات 2020.
بموجب قانون 2021، يعاقَب على الجريمة بعقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر، لكن لا تُحرَّك الدعوى إلا بناء على شكوى من الزوج أو الولي، ويمكن التنازل عن أي قضية أو عقوبة جنائية إذا أسقطوا شكواهم.
لا يزال هذا الحكم يؤثر بشكل غير متناسب على النساء لأنه يُسمح فقط للرجال بالشكوى والمسامحة عن ممارسة الجنس خارج الزواج إذا ما ارتكب من قبل النساء، ولا ينص إلا على الحد الأدنى من العقوبة، ما يمنح القضاة سلطة تقديرية لتشديد العقوبة.
يجرّم قانون 2021 أيضا الإنجاب خارج الزواج، ويعاقب عليه بالسجن بما لا يقل عن عامين لكل من الأم والأب.
في السابق، كان الحمل والإنجاب خارج إطار الزواج بمثابة دليل على جريمة ممارسة الجنس خارج إطار الزواج بالتراضي، والتي لا تزال جريمة بموجب القانون الجديد.
مع ذلك، لا تتم الملاحقة القضائية إذا تزوج الرجل والمرأة وسجلا الطفل بشكل منفصل أو أقر كلاهما بالطفل وحصلا على شهادة ميلاد ووثائق رسمية أخرى.
كما تستمر السلطات بتعقيد الحصول على الرعاية الصحية قبل الولادة وتسجيل الأطفال للنساء الحوامل غير المتزوجات.
الأحكام التعسفية الأخرى المتعلقة بالمسائل الاجتماعية والثقافية لا تزال قائمة. يواصل قانون العقوبات تجريم الانتحار، والإجهاض، والشعوذة، والكفر، وتعاطي الكحول في الأماكن العامة أو الأماكن غير المرخصة.
يستمر أيضا في تجريم الأفعال الغامضة والفضفاضة التي يمكن اعتبارها “فاضحة”، أو “مخلة بالحياء والآداب العامة”، أو “تحرض على الفجور”، أو “كل من أغوى غيره علانية على ارتكاب الفجور بأي وسيلة”.
تسمح هذه المواد للسلطات باعتقال الأشخاص بسبب مجموعة واسعة من السلوكيات، بما في ذلك التعبير العلني عن المشاعر، والتعبيرات غير المتوافقة مع الجندر، والحملات التي تنادي بحقوق المثليين/ات، ومزدوجي التوجي الجنسي، عابري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم).
تنص المادة 155 من قانون العقوبات الجديد على أحكام بالسجن المؤبد أو الإعدام لكل من “من ارتكب عمدا فعلا يؤدي إلى المساس بسيادة الدولة أو استقلالها أو وحدتها أو سلامة أراضيها”.
كانت النسخة السابقة من هذه المادة الفضفاضة تنص على أحكام تصل إلى السجن المؤبد عن هذا الانتهاك.
على غرار أحكام القانون السابق، تفرض المادة 174 عقوبات تصل إلى السجن المؤبد على كل من قام بعمل ضد دولة أجنبية “من شأنه الإساءة للعلاقات السياسية”.
إلا أن المادة المعدلة تضيف أيضا حكما بالإعدام إذا قررت المحكمة أن الضرر قد حدث. كما تنص على عقوبة بالحبس لا تقل عن خمس سنوات وغرامة لا تقل عن 100 ألف درهم إماراتي (27,225 دولارا أمريكيا) إذا وقع الفعل “عن طريق الكتابة أو الخطابة أو الرسم أو التصريح أو بأية وسـيلة تقنية معلومات أو وسيلة إعلامية”.
لا تنص المادة على عقوبة قصوى في هذه الحالة، ما يعني أن الشخص قد يواجه عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام إذا وجدت محكمة إماراتية أنه قد “أضر” بالعلاقات السياسية مع دولة أخرى باستخدام التكنولوجيا أو وسائل الإعلام.
في أكتوبر/تشرين الأول 2020، حكمت محكمة إماراتية على أحد المقيمين في الإمارات، أحمد العتوم، بموجب القانون السابق بالسجن 10 سنوات بالاستناد فقط إلى منشورات سلمية على “فيسبوك” تنتقد العائلة المالكة والحكومة الأردنيّتين.
أدانته المحكمة لاستخدامه فيسبوك لارتكاب “أعمال ضد دولة أجنبية” من شأنها “الإساءة للعلاقات السياسية” مع تلك الدولة و”تعريض أمن الإمارات للخطر”.
لم تنظر المحكمة مطلقا فيما إذا كان نشاط العتوم على فيسبوك قد تسبب بالفعل بضرر في العلاقات الأردنية الإماراتية أو حتى حاولت إثبات أنه يعرض أمن الدولة للخطر.
هناك حكمان جديدان قد يؤثرا مباشرة على عمل الصحفيين المقيمين في الإمارات. تنص المادة 178 على عقوبات بالسجن من ثلاثة إلى 15 عاما لأي شخص يجمع، بغير ترخيص من السلطة المختصة، “معلومات أو بيانات أو أشياء أو وثائق أو تصميمات أو إحصاءات أو غيرها بغرض تسليمها إلى دولة أجنبية أو جماعة أو منظمة أو كيان أيا كانت تسميتها أو شكلها أو إلى أحد ممن يعمل لمصلحتها”.
قد تستخدم السلطات هذه المادة لمعاقبة أي شخص يشارك المعلومات مع وسائل الإعلام الدولية أو المنظمات الحقوقية المستقلة أو الخبراء الحقوقيين الأمميين.
تجرّم المادة 217 إذاعة أو نشر “أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة من شأنها تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة أو تأليب الرأي العام أو إثارته”.
يستمر تجريم القذف في الإمارات العربية المتحدة بموجب المواد 425 و426 و427 من قانون العقوبات، مع ما لها من آثار ملموسة على الحريات الإعلامية وحتى على الاتصالات الخاصة بين الأفراد.
تنص هذه الأحكام على أحكام بالسجن و/أو غرامات على القدح والقذف بما في ذلك عند التواصل على تطبيقات غير عامة مثل واتساب.
تُعرِّف المادة 425 القذف بأنه أي تصريحات أو تعليقات تُدلى ضد شخص تعرض ذلك الشخص للعقاب أو الازدراء وتنص على عقوبة بالحبس لا تزيد عن عامين أو غرامة تصل إلى 20 ألف درهم (5,400 دولار) عن الجريمة.
تنص المادة 426 على عقوبة تصل إلى الحبس لمدة عام أو غرامة تصل إلى 20 ألف درهم لمن “رمى غيره بإحدى طرق العلانية بما يخدش شرفه أو اعتباره دون أن يتضمن ذلك إسناد واقعة معينة”.
تتضمن كلا المادتين عقوبة أعلى إذا وقع ذلك بحق موظف عام أو عائلاته، تصل إلى ثلاث سنوات للقذف وسنتين للسب. في كلتا الحالتين، يعتبر نشر مثل هذه البيانات والتعليقات في الصحف أو المطبوعات ظرفا مشددا.
النأي بالمسؤولين الحكوميين عن الانتقاد ينتهك المبدأ الأساسي في القانون الدولي لحقوق الإنسان بأن حريات الإعلام يجب أن تكون أوسع، وليس أضيق، فيما يتعلق بالتعبير حول السياسيين والمسؤولين الحكوميين.
يتخلى السياسيون والشخصيات العامة الأخرى عن جزء من حقوقهم في السمعة والخصوصية عند قبول مناصبهم، وبالتالي يجب أن يتسامحوا مع تدقيق أوسع وأكثر كثافة في سلوكهم.
المادة 184 تخفف العقوبة على كل من “سخر أو أهان أو أضر بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة … أو مؤسساتها أو أي من قادتها المؤسسين أو علم الدولة أو السلام أو الشعار أو النشيد الوطني أو أي من رموزها الوطنية” من 10 إلى 5 سنوات في الحبس.
مع ذلك، تنص المادة 183 الآن على ما بين 15 و25 عاما في السجن لكل من سخر أو أهان أو أضر بسمعة أو هيبة رئيس الدولة”، مما يسمح للمحاكم بأن تعتبر مجموعة واسعة من التعبير معاقب عليها بموجب هذا البند.
تنص “مبادئ جوهانسبرغ بشأن الأمن القومي وحرية التعبير والوصول إلى المعلومات” (1995)، التي تستند إلى القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، على ما يلي: “لا يجوز معاقبة شخص على انتقاد أو إهانة الأمة أو الدولة أو رموزها، أو الحكومة أو هيئاتها، أو مسؤوليها العموم، أو دولة أجنبية أو رموزها أو حكومتها أو هيئاتها أو مسؤوليها العموم”.
ما تزال الاحتجاجات والمظاهرات محظورة تماما، رغم أن المادة 210 تخفف عقوبة “المشاركة في تجمهر مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل في مكان عام بقصد الشغب أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح” إلى الحبس ما بين سنة وثلاث سنوات، لكن فقط إذا بقي المتهم متجمهرا بعد صدور أمر بالتفرّق.
تزيد العقوبة إلى السجن خمس سنوات على الأقل إذا ترتب عن التجمهر أعمال شغب أو إخلال بالسلم أو الأمن العام.
تنص المادة 212 على عقوبة بالسجن المؤبد لأي شخص تجمهر في مكان عام أو روج له أو قاده أو كان له شأن في إدارة حركته بقصد ارتكاب أعمال شغب أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح أو الإخلال بالأمن العام، ولو لم تُقبل دعوته”. لا تشرح المادة طريقة تحديد المَحاكم للنية.
قانون الجرائم الإلكترونية الإماراتي الجديد، القانون الاتحادي رقم 34 لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، يحل محل قانون الجرائم الإلكترونية القمعي لعام 2012 الذي استخدم مرات عديدة لإسكات المعارضين والصحفيين والنشطاء وأي شخص ترى السلطات أنه ينتقد الحكومة أو سياساتها أو ممثليها.
القانون الجديد، الذي يكرر أحكاما مسيئة من سابقه ويضيف أحكاما جديدة غامضة الصياغة ومقلقة، يقيّد بشكل أكبر المساحة المحدودة أصلا والمراقبة بشدة على الإنترنت، ما يشكل تهديدا خطرا لحرية المعارضين السلميين ويجعل الأمر أكثر صعوبة على المواطنين العاديين والمقيمين والزوار على حدٍ سواء لمعرفة أنواع الأنشطة عبر الإنترنت التي يمكن أن تؤدي إلى الاعتقال والمحاكمة.
المادة 1 من القانون الجديد تُعرِّف “المحتوى غير القانوني” بأنه المحتوى الذي من شأنه “الإضرار بأمن الدولة أو سيادتها أو أيا من مصالحها… أو بالعلاقات الودية للدولة مع الدول الأخرى… أو التحريض على مشاعر العداء أو الكراهية… عند نشره أو تداوله أو إعادة تداوله… أو انخفاض ثقة العامة في ممارسات… الدولة أو أي من مؤسساتها”. هذا التعريف الغامض والمبالغ فيه يحظر فعليا أي تعبير يُدلى به في المنتديات العامة عبر الإنترنت أو في الدردشات الخاصة التي لا توافق عليها الحكومة.
المادة 20، التي تتطابق مع مادة غالبا ما يتم انتقادها في القانون القديم، تنص على عقوبة تصل إلى السجن المؤبد لأي شخص يستخدم الإنترنت “للدعوة إلى قلب أو تغيير نظام الحكم في الدولة أو الاستيلاء عليه، أو إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين السارية، أو مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم”. ينص على نفس العقوبة لمن يحرض على أي من الأفعال المذكورة أو يسهّلها للغير.
تنص المادة 22 على أحكام بالسجن تتراوح بين ثلاثة و15 عاما لأي شخص يستخدم الإنترنت لكي “يقدم إلى أي منظمة أو مؤسسة أو هيئة أو أي شخص أو كيان معلومات … غير مصرح بنشرها أو تداولها، وكان من شأنها الإضرار بمصالح الدولة أو الإساءة إلى سمعتها أو هيبتها أو مكانتها”.
تُجرّم نسخة قديمة من هذه المادة هذا الفعل فقط إذا اعتُبرت المعلومات التي تم تداولها “غير صحيحة أو غير دقيقة أو مضللة”، لكن هذا الشرط قد ألغي.
كان هذا الحكم من بين الأحكام المستخدمة للحكم على الحقوقي البارز أحمد منصور بالسجن 10 سنوات. دخل منصور، المحتجز في سجن الصدر قرب أبو ظبي، عامه الخامس في الحبس الانفرادي.
المادة 23، المطابقة لحكم آخر في القانون القديم، تنص أيضا على عقوبات بالسجن تتراوح بين ثلاث سنوات و15 سنة وغرامة تصل إلى مليون درهم لكل من يستخدم الإنترنت “بقصد التحريض على أفعال، أو نشر أو بث معلومات أو أخبار أو رسوم كارتونية أو أي صور أخرى من شأنها تعريض أمن الدولة ومصالحها العليا للخطر أو المساس بالنظام العام”.
تنص المادة 25 على عقوبة بالحبس لا تتجاوز خمس سنوات وغرامة تصل إلى 500 ألف درهم (136 ألف دولار) لأي شخص يستخدم الإنترنت “بقصد السخرية أو الإضرار بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة، أو مؤسساتها، أو أي من قادتها المؤسسين أو علم الدولة أو السلام أو الشعار أو النشيد الوطني أو أي من رموزها الوطنية”.
نصت نسخة قديمة من هذا الحكم على أحكام بالحبس تتراوح بين ثلاث و15 عاما، واستخدمتها المحكمة للحكم على الصحفي الأردني تيسير النجار بالسجن ثلاث سنوات وغرامة قدرها 500 ألف درهم إماراتي (136 ألف دولار أمريكي) في عام 2017 بسبب منشورات على فيسبوك قبل سنوات انتقد فيها مصر وإسرائيل ودول الخليج أثناء إقامته في الأردن قبل أن ينتقل إلى الإمارات للعمل.
توفي النجار في فبراير/شباط 2021 في الأردن، بعد عامين من إطلاق سراحه من السجن في الإمارات.
أُدرِجت مادة جديدة (المادة 28) تحظر تحديدا أي عمل من شأنه “الإساءة إلى دولة أجنبية”، في القانون وهي تنص على عقوبة بالحبس لمدة ستة أشهر كحد أدنى بالإضافة إلى غرامة لا تتجاوز 500 ألف درهم (136 ألف دولار).
يفرض القانون الجديد أيضا قيودا صارمة على الحق في التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات.
تُجرِّم المادة 26 مثلا استخدام الإنترنت في “التخطيط أو التنظيم أو الترويج أو الدعوة لمظاهرات أو مسيرات أو ما في حكمهما دون الحصول على ترخيص من السلطة المختصة”.
قد تكون العديد من أحكام القانون الجديد ضارة بشكل خاص لحريات وسائل الإعلام، والتي ما تزال مقيدة بشدة رغم أن وسائل الإعلام الدولية لها مكاتب في البلاد.
تنص المادة 19 على عقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن سنة أو غرامة على كل مسؤول عن إدارة موقع أو حساب إلكتروني نشر محتوى أو بيانات أو معلومات لا تتوافق مع معايير المحتوى الإعلامي الصادرة عن السلطات المختصة.
تنص المادة 43 على أحكام بالحبس تصل إلى ثلاث سنوات بتهمة قذف وسب الغير وتعتبر مثل أن هذا الفعل الموجه ضد موظف عام يستحق تغليظ العقوبة.
في يناير/كانون الثاني، وافق مجلس الوزراء الإماراتي على “الإطار العام للاستراتيجية الإعلامية لدولة الإمارات”، والتي تهدف، بين أمور أخرى، إلى “إدارة سمعة الدولة”، والتي تقدم لمحة عامة عن المحتوى الممنوع من النشر في كل من الوسائط التقليدية والرقمية، بما في ذلك في مناطق التجارة الحرة، وكذلك بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.
بعض الصحفيين – المهنيين الذين يعتمد عملهم على الحق في حرية التعبير والذين تعمل مكاتبهم في المناطق الحرة – قالوا سابقا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يتعرضون لضغوط مستمرة تفرض عليهم الرقابة الذاتية.
يحتوي القانون على فرع جديد بالكامل بعنوان “نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة”. تنص المادة 52 على عقوبة بالحبس لا تزيد على سنة واحدة وغرامة لا تقل عن 100 ألف درهم (27.225 دولار) لكل من يقوم بإذاعة أو نشر أو إعادة نشر أو تداول أو إعادة تداول أخبار أو بيانات كاذبة… أو مضللة أو تخالف “ما تم الإعلان عنه رسميا” أو “بث أي دعايات مثيرة من شأنها تأليب الرأي العام أو إثارته أو تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة أو الاقتصاد الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة العامة”. ينص على عقوبة بالحبس لمدة أقصاها سنتان إذا ارتكبت مثل هذه الأفعال بزمن الأوبئة أو الأزمات أو الطوارئ أو الكوارث.
الأحكام الجديدة تتناول أيضا ظاهرة تسليح الحسابات التي يديرها الإنسان (المتصيدون) والحسابات الآلية (الروبوتات) لنشر المعلومات المضللة والترويج لها على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وهي ممارسة يبدو أن حكومة الإمارات نفسها انتهجتها لتعزيز أجنداتها وسياساتها السياسية.
تنص المادة 54 بشأن حسابات الروبوت الآلية على عقوبة بالحبس لا تزيد عن سنتين و/أو غرامة تتراوح بين 100 ألف ومليون درهم (272,250 دولار) لكل “من أنشأ أو عدل روبوت إلكتروني بقصد نشر أو إعادة نشر أو تداول بيانات أو أخبار زائفة في الدولة” أو تمكين الآخرين من فعل الشيء نفسه.
تنص المادة 55 الخاصة بالحسابات التي يديرها الإنسان على عقوبات بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات لمن يطلب أو يقبل أو يأخذ، بشكل مباشر أو غير مباشر، عطية [هدية] أو منفعة مادية أو معنوية، أو وعد بها، مقابل نشر أو إعادة نشر محتوى غير قانوني.
يعاقب بنفس العقوبة كل من أدار أو أشرف على تشغيل حساب أو موقع إلكتروني مسيء، أو استأجر أو اشترى مساحة إعلانية عليه.
تنص المادة أيضا على أنه يجوز للسلطات المختصة اعتبار موقع أو حساب إلكتروني موقعا مسيئا إذا تحقق لديها تكراره نشر بيانات زائفة أو محتوى مخالف للقانون.