قصص صادمة لأول مرة من صحافي رُحِّلته الإمارات لتقاريره عن وفيات المهاجرين
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – نشرت منظمة Migrant-Rights.org قصص وذكريات صادمة لم تروى سابقاً لصحافي رحلته دولة الإمارات على خلفية تقاريره عن وفيات العمال المهاجرين لديها.
وقال الصحفي الأوغندي الأصل “ياسين ككاندي” الذي يقيم في أمريكا إن أبوظبي طردته إثر تأليفه كتابًا به مقالات عن سوء معاملة العمال المهاجرين لديها.
وأضاف: “بدأت رحلتي المعقدة لبوسطن عندما كُلفت كصحافي أعمل في الإمارات بتغطية حريقا كبيرا اندلع في مصنع الدهانات الوطنية بمدينة الشارقة بـ2010”.
وأوضح “ككاندي“: “باليوم التالي تلقيت معلومة عن وفاة رجل إطفاء تابع للشركة بحادث الحريق، فيما لم يكشف صاحب الشركة أو مسئولو الشرطة عن أية إصابات”.
وبين أنه ذهب لموقع الحادث وقابل “تابير أحمد“، الذي أخبرني أن أخوه، خورشيد، لقى حتفه بفعل محاصرة النيران له، مقدما صورة أخيه المتوفي، وتبادلنا أرقام الهاتف.
ونبه إلى أن مسئولو الشركة رفضوا ذلك وأنكروا وفاة أي من موظفيها اثناء الحادث.
وذكر “ككاندي” أن الشركة أبلغت “أحمد” بأنها حسبت حساب كل شخص وأن الجميع بأمان. واقترحوا عليه تقديم بلاغ عن أخيه كشخص مفقود.
وبين أن الشركة أخبرته بالمعلومة ذاتها، وبشكل مشابه، أنكر الشرطة والدفاع المدني وجود أية وفيات.
وأوضح الصحفي الذي يقيم في أمريكا أنه في هذا الوقت، مرّر أحمد رقم هاتفي إلى عائلتين زعمتا وفاة أبنائهما في حادث الحريق.
وقال: “ناقشت قصة الضحايا مع المحرر، الذي أخبرني أنه لن يتم نشر أي شي إذا ما أنكر المسئولون الوفيات”.
وأضاف: “لقد شعرت بالفزع من ايمان المحرر، بمصداقية المسئولين المفترضة أكثر من أفراد العائلة الذين يعرفون أن أحبائهم قد رحلوا”.
وتابع: “ظلت المأساة تعاودني بقلبي وعقلي. لم أستوعب كيف يمكن لأي شخص أن يلغي”. واستطرد: “ببساطة، وجود ثلاث ضحايا حاربوا لمحاصرة النيران. شعرت بأنني مديونا لهم بنشر قصتهم على الملأ.
وذكر ككاندي أنه قدمت القصة لجهتين إعلاميتين أوربيتين، كتبت عن حادث الحريق وعرضت القيام بتغطيته دون استخدام اسمي.
لكن لم تقبل أي منهما، -وفق الصحفي- وأكدتا على أن أنهما لن تقبلا أي موضوع صحافي عن الحريق بدون ذكر اسم الكاتب.
وقال: “لقد شعرت بالفزع من ايمان المحرر، بمصداقية المسئولين المفترضة أكثر من أفراد العائلة الذين يعرفون أن أحبائهم قد رحلوا”.
واستطرد: ”تابع أحد المحررين استفساري، وطلب مني مساعدة مراسلهم الذي كان موجودا في الإمارات في ذلك الوقت، بتزويده ببعض المصادر لقضية في المحكمة”.
وأكمل ككاندي: “في المقابل، سيجري المراسل مقابلات مع عائلات المتوفين والمتابعة مهم، فوافقت”.
وذكر أنه وبعد عودة المراسل إلى أوروبا، بعث لي بريدا الكترونيا يعتذر فيه عن مواصلة الكتابة عن الحادث. لأن المحرر لدى مؤسسته يرغب فقط بالعمل على قصص من الإمارات ذات بعد أوروبي.
وبين أنه في حين أن جميع المتوفين المهاجرين كانوا من الهنود.
وأوضح أن عائلات الضحايا تأمل أن يكتب وينشر عن القصة. وعندما أخبرتهم بتراجع المراسل، والأسباب وراء عدم المضي قدما بالكتابة والنشر، توقفت عن الحديث معي.
وذكر أنه وبعد شهرين من حادث الحريق، اكتشف عمال ينظفون المكان وجود عظاما بشرية. ونبه إلى أن المصدر الذي تواصل معي سابقًا الاتصال بي ليخبرني أن الشرطة كانت تزيل ما تبقى من الرفات.
وأكد انه لم تكن هناك جثة واحدة وإنما ثلاثة جثث لثلاثة من رجال الإطفاء. وبرغم الدليل الواضح، إلا أن المسئولين رفضوا تأكيد الوفيات.
وأوضح الصحفي الأوغندي: “كان أحد المحررين في الجهة التي أعمل لديها غاضبا عندما أطلعته على ذلك”.
وقال: “لقد كنا هناك يا ياسين من قبل، عندما تقول الشرطة لا يوجد شيئا، نحن لا نكتب شيئا. ما هو الشي الذي يصعب عليك فهمه هنا؟
وأضاف: “كنت محتارا وأنا أرى تصميم المحرر على عدم “هز القارب”، الأمر الذي يعد تنصلا من مهمتنا الصحافية لكشف الحقائق وقولها للسلطات”.
“حاولت إقناع المحررين لتغيير رأيهم، ومذكرا بأن منافسينا كانوا يتابعون القصة”، يقول “ككاندي“.
وذكر أن الغريب أن السبب الوحيد وراء موقفهم هو الخوف من مواجهة مسئولي المؤسسة بشأن تدهور قاعدة قرائنا أكبر من الاهتمام بالمتطلبات الأساسية للصحافة الحرة.
وأجاب المحرر: “حسنا، أمضِ في كتابة الموضوع”. لكن لم ينشر في الواقع سوى جزء بسيط من النسخة التي قدمتها للنشر.
وذكر: “اتصل زملائي ممن يعرفون الكم العاطفي الذي وضعته في تغطية هذه القصة، لتهنئتي، لكن ذلك لم يساعد في التخفيف من غضبي”.
وتابع: “فلو أن أصحاب الشركة، والشرطة والمحررين لم يستبعدوا القصة، لما ظلت رفات الضحايا مخفية لأشهر تحت أنقاض ذلك الحريق المروع”.
ويسرد: “بعد ذلك، أصبحت مهووسا بكل قصة تدور حول حالات وفيات رفض المحررون نشرها”.
وقال: “كانت هناك قصص كثيرة عن حوادث انتحار غير مفسرة، وجرائم في حق عمال المنازل يتم التستر عليها، وحوادث سقوط لعمال من المباني الشاهقة في دبي والشارقة”.
وأضاف: “كان الحد الفاصل بين نشر هذه القصص من عدمه، هو الخوف من أن يؤدي النشر لتشويه الصورة العامة الإمارات وقيادتها”.
وتوقع الصحفي من الإعلام أن يمارس دور الرقيب المستقل في المجتمعات المحلية.
لكن في الإمارات تم تحوير هذا الدور إلى معنى مقلق، وهو القيام بوظيفة الشاشة الحامية للنخبة الحاكمة وشركاتهم، وفق قوله.
وقال إنه بحث عن بديل لنشر ما لديّ من قصص، فجمعت بكتابي الأول “المعاناة الطموحة The Ambitious Struggle”.
وأوضح أن الكتاب أغضب المسئولين الحكوميين فور نشره، وكان انتقامهم سريعا.
وقال: “أجبروا المحررين على إنهاء عقد عملي، وطردوني من البلاد التي كنت اعتبرها بيتي لأكثر من عقد من الزمان”.
وقال: “أمضيت السنتين التاليتين في أوغندا، قبل أن أصل إلى أمريكا، إذ تقدمت بطلب اللجوء. وعلى مدى خمس سنوات”.
وختم: “في الوقت الذي كنت أسعى فيه للاستقرار وبدء حياتي هنا، لم أكن قادراً على نسيان الضحايا الذين لم تقال قصصهم كما ينبغي، والذين أُنكرت عليهم كرامتهم”.