السويداء تحت النار: تحذيرات من كارثة إنسانية وسط اشتباكات طائفية وانهيار الخدمات
دخلت محافظة السويداء جنوب سوريا في حالة طوارئ إنسانية، وسط اشتباكات مسلحة متصاعدة بين جماعات درزية محلية وميليشيات بدوية موالية للحكومة، تخللتها ضربات جوية إسرائيلية وتدخل أمني من السلطات السورية، مما أدى إلى نزوح أكثر من 93 ألف شخص وتدمير البنية التحتية الحيوية في المحافظة.
وأفادت منظمة هيومن رايتس ووتش أن ما لا يقل عن 306 شخصًا، بينهم أطفال، قُتلوا خلال تسعة أيام من العنف، فيما حذرت من أن استمرار الانتهاكات، التي تشمل إعدامات ميدانية واعتداءات طائفية ونهبًا واسع النطاق، ينذر بـ”دوامة انتقام خطيرة قد تخرج عن السيطرة”.
وقد بدأت الاشتباكات في 12 يوليو/تموز، إثر مواجهات بين فصائل درزية موالية للزعيم الروحي الشيخ حكمت الهجري وميليشيات بدوية متحالفة مع الحكومة السورية. وفي محاولة لاحتواء الوضع، نشرت الحكومة قوات من وزارتي الداخلية والدفاع وفرضت حظر تجول عام في 14 يوليو.
لكن السكان أفادوا أن وجود هذه القوات زاد الوضع سوءًا، وسط تقارير عن حرق منازل، وسرقة ممتلكات، وتنفيذ عمليات تصفية طائفية شملت نساء وأطفال.
وذكرت الأمم المتحدة أن الخدمات الأساسية قد انهارت كليًا في معظم مناطق السويداء، حيث انقطعت الكهرباء والمياه والاتصالات، وتوقفت المستشفيات عن العمل بسبب الأضرار ونقص الإمدادات والوقود. وأشارت تقارير ميدانية إلى وجود جثث متحللة في الشوارع والمنازل، وسط غياب شبه تام للطواقم الطبية.
وفي 20 يوليو، دخلت أول قافلة مساعدات محدودة تابعة لـ”الهلال الأحمر السوري” إلى المدينة. لكن الشيخ الهجري رفض مرافقة الوفد الحكومي المرافق للقافلة.
وأفاد عامل إغاثة أن الهلال الأحمر حصل على إذن مؤقت بتسليم المساعدات حتى 21 يوليو، مع توقع وصول قافلة جديدة في 22 يوليو. ورغم ذلك، قال أحد السكان: “لم نحصل على مياه منذ تسعة أيام… طعامنا فسد، وأنا أُطعم أطفالي اللبن المتعفن”.
وبحسب شهادات حصلت عليها “هيومن رايتس ووتش”، فإن الوضع في المستشفى الوطني كارثي، حيث تفتقر المنشأة إلى الكهرباء والمستلزمات الطبية. وتحدثت تقارير عن مشرحة مليئة بالجثث، بينها أطفال، وسط توثيق تطوعي في ظل غياب النظام الرسمي.
أشارت المنظمة الحقوقية إلى أن وزارة الخارجية السورية منعت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من دخول السويداء، بدعوى “الظروف الأمنية”، وأصدرت تعميمًا يُلزم المنظمات بالحصول على إذن مسبق لدخول المنطقة. كما فُرضت قيود على الصحفيين الدوليين.
في السياق، أفاد “الدفاع المدني السوري” أن أحد عناصره احتُجز أثناء أداء مهمة إنقاذ، فيما تعرض متطوعو الهلال الأحمر للاعتداء، وأُضرمت النيران في مستودع مساعدات.
وأفادت تقارير أن آلاف المقاتلين من العشائر البدوية تدفقوا نحو السويداء بعد مزاعم عن هجمات انتقامية شنها مقاتلو الهجري. كما انتشرت تهديدات طائفية على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو إلى طرد الدروز من دمشق ومقاطعة أعمالهم.
في خطاب في 19 يوليو، وصف الرئيس السوري أحمد الشرع المقاتلين الدروز بأنهم “خارجون على القانون”، مشيدًا بتوجه البدو إلى السويداء، ما أثار مخاوف من تشجيع غير مباشر على الانتقام بدلًا من فرض الأمن بحياد.
بحلول 21 يوليو، ساد هدوء نسبي بعد إعلان انسحاب مقاتلي البدو من المدينة، وسيطرة قوات الأمن الداخلي على الطرق. وتم إجلاء بعض العائلات البدوية، لكن لا ضمانات لعودتهم الآمنة. فيما يستمر السكان بالإبلاغ عن دمار واسع في المنازل، وصعوبة في دفن الضحايا، وتدهور متواصل في الأوضاع الصحية والإنسانية.
وقال آدم كوغل من “هيومن رايتس ووتش”: “تمكين الحكومة لمجموعات مسلحة خارج سيطرتها لا يؤدي إلا إلى تعميق الفوضى. المطلوب اليوم هو قوات مهنية خاضعة للمساءلة، تُمثل وتحمي كل السوريين دون تمييز”.