توثيق حقوقي لتنكيل وتعذيب الجيش الإسرائيلي فلسطينيين في غزة
وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تنكيل وتعذيب الجيش الإسرائيلي فلسطينيين في قطاع غزة بطرق سادية، من خلال تعمده إيقاع أذى نفسي وجسدي شديد وترك آثار فارقة على أجسادهم بعد اقتحام منازلهم ومراكز الإيواء أو في الطرقات والممرات الإجبارية للإخلاء من دون مبرر، وهو ما يندرج في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي ما تزال ترتكبها إسرائيل في القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي.
وأكد الأورومتوسطي في بيان له أنه تلقى شهادات صادمة وأجرى مقابلات شخصية مع ضحايا ممارسات تعذيب وحشية اتخذت طابع السادية خلال عمليات الاحتجاز والتحقيق واستجواب فلسطينيين من قطاع غزة، تركت آثارًا وندبات عميقة وعديدة على أجسادهم وصحتهم الجسدية والنفسية، حيث مورست تلك الاعتداءات فيما يبدو بدافع الانتقام ومعاقبتهم على نحو جماعي لكونهم فلسطينيين، بحسب الشهادات التي جرى توثيقها.
وقال “رمضان شملخ” (21 عامًا) من سكان حي الزيتون في غزة، لفريق الأورومتوسطي إن الجيش الإسرائيلي اعتقله تعسفيًّا واستخدمه كدرع بشري على نحو يخالف القانون الدولي، قبل أن يتناوب الجنود على تعذيبه بممارسات غير إنسانية، تركت على وجهه وجسده ندوبًاغائرة وآثارًا يتوقع ألا يزول بعضها أبدًا، بما في ذلك قطع جزء من أذنه.
وأشار “شملخ” إلى أن قوة من الجيش الإسرائيلي داهمت منزلهم خلال وجوده مع شقيقه “أحمد” الجريح منذ عام 2014، وثلاث شقيقات. وعلى الفور، شرعوا بضربه مع شقيقه بعنف، وتركز الضرب على موقع إصابة شقيقه في بطنه حتى تسببوا بانفتاح جرح الإصابة.
وذكر “شملخ” أن الجنود نقلوا أشقائه إلى مكان مجهول، وأبقوه محتجزًا، حيث استمروا في تعذيبه واقتادوه إلى إحدى الدبابات قبل أن يعيدوه إلى المنزل ويطلبوا منه تأمين الشقق العلوية في البناية.
وبعد تأمين الشقق، انهالوا عليه بالضرب الشديد، وألقوا عليه الحجارة، وأجبروه على الاستلقاء على بطنه وألقوا حجارة على رجليه، فيما أخرج أحد الجنود سكينًا وبدأ بجرح أصابعه وأظافره، قبل أن يضع السكين على أذنه ويقطع جزءًا منها، ثم يضع مقدمتها داخل أذنه، قبل أن يجري ضربه بكرسي كان موجودًا في المكان، إضافة إلى ضربة بـ”مقلاية حديدية” على رأسه.
وقال “شملخ”: “بعدها أنزلوني للطابق الأول وجاء محقق وبدأ باستجوابي وسط ضرب مبرح وشديد، بما في ذلك على وجهي، رغم تأكيدي المتكرر أنني مدني، وبعدما انتهوا من ضربي وتعذيبي الذي استمر لساعات وترك ندوبًا وجروحًا غائرة في وجهي، خاصة أسفل عيني وعلى أصابع يدي وأظافري (عاين طاقم الأورومتوسطي عشرات الجروح والندوب على وجهه وجميع أصابع يديه وأظافره)، طلبوا مني وأنا عارٍ من ملابسي باستثناء الملابس الداخلية أن أغادر المنزل دون أخذ أي شيء، وطلبوا مني التوجه إلى الجنوب عبر شارع صلاح الدين”.
وذكر “شملخ” أنه حين وصل الحاجز الإسرائيلي على طريق “صلاح الدين”، أوقفه بعض جنود الجيش الإسرائيلي وسألوه عن سبب الآثار على جسده فأبلغهم أنها من الجنود، فاحتجزوه هم الآخرين دون مبرر لمدة نصف ساعة وهو عارٍ في البرد، قبل أن يسمحوا له بالمغادرة. وحين وصل إلى منطقة النصيرات وسط قطاع غزة، شاهده شبان وزودوه بملابس ونُقل إلى مستشفى العودة لإجراء الفحوص وتلقي العلاج.
وأفاد “ع. م” (طلب عدم ذكر اسمه) لفريق الأورومتوسطي: “اعتقلني الجيش من منزلي في حي الزيتون، وهناك تعرضت للضرب الشديد جدًا. كان الجنود يقولون أنتم فعلتم في 7 أكتوبر بنا واليوم أنتم بأيدينا سنقضي عليكم. أحد الجنود أخرج سكينًا وبدأ بعمل ندوب في وجهي ويدي وظهري.. وهو يقول سنقضي عليكم”.
وفي إفادة أخرى، قال “ي.م” إنه كان لجأ إلى ملعب “اليرموك” في مدينة غزة قبل أن يقتحمه الجيش الإسرائيلي وينكّل بهم، بما في ذلك ضربه بوحشية وتهديده بالقتل وتعريته والتحقيق المتواصل معه.
وأضاف: “حين دخل الجنود إلى ملعب اليرموك، طلبوا فصل النساء عن الرجال، وطلبوا من الرجال الاصطفاف خلف بعضهم. طلب أحد الجنود شخصًا يتحدث باللغة الإنجليزية، فأجبته، فطلب مني باللغة الإنجليزية أن آمر الرجال بخلع ملابسهم، قبل أن يطلب مني أن أرميها في القذارة على الأرض. بعدها بدأ بالتحقيق معي جانبًا وضربي ولكمي بشدة على جميع أنحاء جسدي، حيث سألني الجندي: “من علّمك الإنجليزية؟ أهي حماس؟” أجبته بـ”لا”، ثم سألني أين أسكن، فأجبته أنني من حي الشجاعية، وبمجرد أن قلت هذه الكلمة لم أعد قادرًا على عد اللكمات والضربات على وجهي من جميع الاتجاهات”
وقال: “كان هناك خمسة جنود يتناوبون علي، واحد للتحقيق، وأربعة للتعذيب. طلب جندي من اثنين أن يفتحوا رجلاي وبدأ الآخران بضربي في المنطقة الحساسة من جسدي بأحذيتهم المغلفة كعوبها ومقدماتها بالحديد. بعد ذلك أمسك أحدهم بي من رقبتي وكاد يخنقني، وقال لي إن لم تعترف (أنك عضو في حماس) سأخنقك. واستمر الضرب لمدة تراوح الساعة، قبل أن يلقونني على الأرض ويقول لي أحد الجنود: “إذا رفعت رأسك سأطلق النار عليه”.
وأضاف “ي.م” أنه جرى بعد ضربه وتعذيبه فحصه أمنيًا عبر الحاسوب وأجهزة إلكترونية، قبل أن يتم الإفراج عنه وتركه يغادر الملعب، الأمر الذي يؤكد عدم وجود أي مبرر لتعذيبه.
وأكد الأورومتوسطي أنه تلقى عشرات الشهادات عن تعرض فلسطينيين للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية لدى اقتحام الجيش الإسرائيلي منازلهم ومراكز النزوح والأحياء التي يتواجدون بها، بما في ذلك الضرب المبرح والإساءة والإذلال، إلى جانب المس بكرامتهم الشخصية، مشيرًا إلى أنه رصد تعمد الجنود ترك آثار وعلامات لا تزول بسهولة على أجساد الضحايا، وممارسة مستوى ساديًّا من التعذيب ضدهم.
وشدد الأورومتوسطي على أن جميع هذه الممارسات تدلل على أن الجنود الإسرائيليين يستهدفون السكان في غزة ويتعمدون إيقاع الألم الجسدي والنفسي الشديد والخاص بهم كفلسطينيين في إطار استهدافهم كجماعة قومية، في تجسيد فعلي لجريمة الإبادة الجماعية.
وأبرز أن هذه الجرائم تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقًا لأحكام القانون الدولي الجنائي، وتختص بنظرها والتحقيق فيها ليس فقط المحاكم الدولية، بل كذلك المحاكم الوطنية للدول، وذلك بموجب الاختصاص القضائي العالمي وبغض النظر عن مكان وقوع الجريمة، وجنسية الجاني و/أو الضحية، وبحسب القوانين المعمول بها في تلك الدول، كون أن حظر جريمة التعذيب يعتبر من القواعد الآمرة للقانون الدولي التي تفرض التزامًا دوليًّا على جميع الدول بمساءلة مرتكبيها ومحاسبتهم ومنع إفلاتهم من العقاب.
ويذكر الأورومتوسطي في هذا السياق، إلى أنه وإلى جانب ما يمارسه الجيش الإسرائيلي على أرض الواقع من تعذيب وانتهاكات جسيمة وجرائم خطيرة أخرى ذات صلة، فإن التشريعات الإسرائيلية والسوابق القضائية تسمح كذلك بممارسة التعذيب في العديد من الحالات المطاطة، بما يسمي “حالات الضرورة والقنبلة الموقوتة”، وتعطي لمرتكبيها غطاءً قانونيًا وحصانة قضائية من أية مساءلة وملاحقة على المستوى الداخلي.
مما يفضي إلى انعدام أي فرصة للمساءلة الملائمة، وبالتالي يبقى التزام المجتمع الدولي، بما يشمل اختصاص وولاية المحاكم الدولية والمحاكم الوطنية للدول، قائمًا ومكملًا، كون أن حظر التعذيب هو حظر مطلق وغير قابل للانتقاص، ولا يجوز لأي دولة التذرع بأي ظروف استثنائية لتبرير أعمال التعذيب.
وجدد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان دعوته إلى “أليس جيل إدواردز” مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، إلى التحقيق الفوري فيما يتعرض له الفلسطينيون من انتهاكات جسيمة وجرائم خطيرة، ورفع التقارير بشأنها، تمهيدًا لعمل لجان التحقيق وتقصي الحقائق والمحاكم في النظر والتحقيق وإجراء المحاكمات بشأن الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين قطاع غزة.
كما دعا المقررة الأممية إلى إجراء زيارة قُطرية إلى الأرض الفلسطينية، وعلى وجه خاص إلى قطاع غزة، في أقرب وقت ممكن للاستماع إلى شهادات الضحايا والشهود، لاتخاذ جميع الإجراءات الضرورية وإحالة النداءات العاجلة إلى جميع الجهات والأطراف المعنية.
وطالب الأورومتوسطي بالإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة خاصة بالجرائم المرتكبة خلال الهجوم العسكري الأخير على قطاع غزة، بالتوازي مع تمكين “لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وفي إسرائيل” التي تم تشكيلها عام 2021 من القيام بعملها، بما في ذلك ضمان وصولها إلى قطاع غزة وفتح التحقيقات اللازمة في جميع الجرائم والانتهاكات المرتكبة ضد الفلسطينيين في القطاع.