المسنون في غزة يقتلون واحداً تلو الآخر شمال قطاع غزة بالقصف والتجويع
عبر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ لارتفاع وتيرة حالات الوفاة في صفوف المسنين في قطاع غزة، خاصة نتيجة القصف والتجوع وسوء التغذية والحرمان من العلاج، مع استمرار ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة على مدار خمسة أشهر.
وقال الأورومتوسطي في بيان له إن فريقه الميداني بات يوثق على نحو شبه يومي حالات وفاة في صفوف كبار السن نتيجة جرائم التجويع والحرمان من العلاج التي ترتكبها إسرائيل في القطاع على نحو منهجي وواسع النطاق، خاصة في مدينة غزة وشمالها.
وأكد أن أغلب هذه الحالات لا تصل إلى المستشفيات التي تعمل بشكل جزئي في شمال غزة، نظرًا لصعوبة الوصول وخطورة الحركة في ظل الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة، وبالتالي تتوفى ويجري دفنها بجوار منازلها أو في المقابر المؤقتة المنتشرة في القطاع، والتي تجاوز عددها حتى الآن 140 مقبرة.
وأبرز الأورومتوسطي أن الحصيلة المباشرة للهجوم الإسرائيلي ارتفعت إلى أكثر من 40 ألف قتيل، نحو 92% منهم من المدنيين، ونحو 7% منهم من كبار السن، وذلك في غضون خمسة أشهر منذ بدء جريمة الإبادة الجماعية.
وأكد أن آلاف الضحايا سقطوا ولم يوثقوا في المستشفيات كونهم ضحايا غير مباشرين؛ نتيجة الجوع وسوء التغذية وغياب الرعاية الصحية.
ووثق الأورومتوسطي وفاة مسن (72 عامًا) في 6 آذار/مارس في مستشفى كمال عدوان شمال غزة، نتيجة سوء التغذية والجفاف، مبينًا أنه من الحالات القليلة التي تمكنت من الوصول للمستشفيات.
وأفاد “محمد شحيبر”، أحد سكان مدينة غزة، لفريقالأورومتوسطي بوفاة 8 من كبار السن في حي “الصبرة” الذي يقطن فيه خلال الأيام الثلاثة الماضية، حيث عانوا من مضاعفات مختلفة جراء الجوع وانعدام الرعاية الطبية والبرد.
وأشار الأورومتوسطي إلى أن عدد المسنين (أكثر من 60 عامًا) يبلغ 107 آلاف شخص وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2023، بما يمثل نحو 5% من سكان قطاع غزة، وجميعهم أصبحوا ضحايا للانتهاكات الإسرائيلية التي خلفت وضعًا إنسانيًّا خطرًا على كافة شرائح المجتمع.
وقد تضاعف أثرها على الفئات الهشة بالأصل، نتيجة تواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين على نحو منهجي وواسع النطاق ودون استثناء، وانتشار المجاعة وسوء التغذية الحاد والحرمان من الرعاية الصحية الضرورية للبقاء على الحياة.
تروي المسنة “شفاء صلاح الحاج صالح”، لفريق الأورومتوسطي تفاصيل المجاعة التي يعيشها سكان شمال غزة: “بجانب الدمار والقتل الذي نمر به من أكثر من خمسة شهور، نعيش الآن حرب تجويع شديدة، لم نشهد مثلها في أوقات سابقة. لدي خمسة من الأبناء و14 حفيدًا، دائمًا ما أفكر ماذا سيأكل هؤلاء الأطفال، فنحن نعيش حربًا حقيقية في توفير لقمة العيش.”
وتضيف: “أعاني من مرض الضغط ودائما ما أحتاج لتناول الطعام قبل تلقي الدواء، ولكني لا أجد الطعام، وفي حال وجدته فدائمًا ما أقول إنني سأطعمه لأبنائي. خلال هذه الحرب فقدت منزلي، وقتلت ابنتي وزوجها وأصيبت ابنتي الأخرى”.
ويقول المسن “م. س” (65 عامًا) -طلب عدم ذكر اسمه-: لم أستطع النزوح إلى جنوب قطاع غزة لأنني على كرسي متحرك، نزح أبنائي جميعهم وبقيت مع ابنتي. بصعوبة نتنقل، القصف في كل مكان، وأحيانًا يمر يومان دون أن أتناول شيئًا، أنا مريض ضغط وسكر، ولا تتوفر أي علاجات، نعتمد على ما يساعدنا به جيراننا، وما تستطيع ابنتي تحصيله بين الحين والآخر بعد أن تقطع مسافات طويلة”.
وأكد الأورمتوسطي أن المسنين دفعوًا ثمنًا باهظًا للهجوم الإسرائيلي، نتيجة هشاشة حالتهم وعدم قدرتهم على الحركة، إلى جانب إصابة 70% منهم بأمراض مزمنة جعلتهم عرضة بشكل أكبر للتأثر بتداعيات الاعتداءات الإسرائيلية والوضع الإنساني المتردي.
وبيّن أن أشكال الاستهداف للمسنين تعددت بين الاستهداف المباشر خلال قصف المنازل على رؤوس ساكنيها، حيث سجلت أعداد كبيرة من الضحايا في صفوفهم، وقتل العشرات منهم في عمليات إعدام خارج نطاق القضاء مباشرة، سواء بعمليات قنص أو إطلاق نار من طائرات كواد كابتر. كما تأثر المسنون بالإصابات مع صعوبة تعافيهم لتقدمهم في السن مع عدم توفر الرعاية الصحية الملائمة.
وأوضح الأورومتوسطي أن المسنين النازحين بين حوالي 2 مليون نازح كانوا عرضة أيضًا لمعاناة إضافية نتيجة حالتهم الصحية، التي زادت سوءًا مع البرد الشديد، وقلة الغذاء والمياه الصالحة للشرب، وعدم توفر أماكن ملائمة للنوم، وعدم توفر العلاج أو الرعاية والأدوات الصحية والأجهزة الطبية المساندة.
وأضاف أن من يسلم من القتل بالنيران الإسرائيلية يبقى عرضة للقتل نتيجة للجرائم المتعمدة الأخرى، وعلى رأسها التجويع، والجفاف، والأمراض المقترنة بهما، بالتوازي مع الحرمان من الرعاية الطبية الأساسية والضرورية.
وحذر الأورومتوسطي أن حياة مئات الآلاف من السكان المدنيين، وخاصة المسنون والأطفال، يواجهون خطرًا حقيقيًّا ومحدقًا بالموت بسبب الجوع والجفاف، نتيجة تداعيات أزمة المجاعة المتفشية بفعل استمرار إسرائيل في فرض حصار شامل غير قانوني على قطاع غزة، وعرقلة دخول وإيصال المساعدات الإنسانية على نحو متواصل، وبخاصة إلى شمالي القطاع.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن الإجراءات التي تطبقها إسرائيل والعقوبات الجماعية التي تفرضها على قطاع غزة تهدف بشكل مباشر وواضح إلى تجويع جميع السكان، وتعريضهم لخطر الهلاك الفعلي، وأنها تستخدم التجويع ليس فقط كأسلوب من أساليب الحرب، كجريمة حرب قائمة بحد ذاتها، بل كذلك تنفيذًا لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد سكان القطاع منذ خمسة أشهر.
كما شدد الأورومتوسطي على أن حالة التجويع التي وصلت إلى حد المجاعة وسوء التغذية الحاد، وارتفاع أعداد الوفيات بسبب الجوع والجفاف، وبخاصة بين الأطفال والأطفال الرضع، تتطلب تحركات عاجلة من المجتمع الدولي لضمان الوقف الفوري لإطلاق النار والعدوان، وإدخال المساعدات الإنسانية على نحو سريع وفعال، وتوفير رعاية صحية لائقة ومستعجلة خاصة للفئات الهشة.
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى تشكيل ضغط دولي فوري على إسرائيل من أجل وقف تنفيذها لجريمة الإبادة الجماعية، بما في ذلك تجويع السكان المدنيين، ورفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، ومساءلتها ومحاسبتها على جرائمها وانتهاكاتها الجسيمة ضد قطاع غزة وجميع سكانه الفلسطينيين.
كما دعا إلى تشكيل تدخل دولي أكثر فاعلية وحسمًا من أجل ضمان وصول الإمدادات الإنسانية بشكل آمن وكامل ومن دون أي عوائق لضمان التصدي للمجاعة الآخذة بالانتشار السريع، ووصول المساعدات إلى جميع الأشخاص المتضررين وتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل، وإلا فإن الاستجابة بالمستوى المطلوب للحيلولة دون تفاقم كارثة المجاعة الجماعية الناشئة في قطاع غزة ستكون مستحيلة قريبًا.