هيومن رايتس ووتش: قيود على العمل الأهلي في مصر بسبب اللائحة التنفيذية
قالت “هيومن رايتس ووتش” إن اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019 في مصر، تُظهر القيود الصارمة التي يفرضها القانون على عمل المنظمات الحقوقية المستقلة وغيرها.
وأكدت هيومن رايتس ووتش أن صدور اللائحة في الجريدة الرسمية في 11 يناير/كانون الثاني 2021 يُبيّن الحاجة إلى مراجعة صارمة للقانون من أجل تلبية المعايير الدولية.
عززت اللائحة التنفيذية المنشورة بموجب قرار رئيس الوزراء رقم 104 لعام 2021 القيود الواردة في القانون، مثل حظر أي عمل ذي طبيعة “سياسية”، وأضافت قيودا جديدة تلغي إلى حد كبير حرية تكوين الجمعيات من حيث الجوهر.
قال “جو ستورك”، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “تعكس اللوائح التنفيذية لقانون العمل الأهلي تصميم الحكومة المصرية على تقييد المجتمع المدني الذي كان يوما نابضا بالحياة”.
وأضاف “ستورك”: “يبعث هذا القانون، إلى جانب الاضطهاد المستمر للنشطاء، برسالة واضحة مفادها أنه لا يوجد في مصر اليوم مكان للعمل المدني المستقل”.
أصدرت الحكومة اللائحة التنفيذية بعد 17 شهرا تقريبا من موافقة الرئيس عبد الفتاح السيسي في أغسطس/آب 2019 على قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019.
ألغى القانون 149 أحكام السجن المطولة التي كانت موجودة في قانون 2017 السابق، لكنه أبقى على معظم القيود الصارمة على عمل المنظمات المستقلة.
حكومة الرئيس السيسي قمعت بلا هوادة المنظمات المستقلة والنشطاء الحقوقيين بما في ذلك عبر الاعتقالات التعسفية والملاحقات الجائرة وحظر السفر وتجميد الأصول.
تمنح اللائحة التنفيذية المنظمات لغاية يناير/كانون الثاني 2022 للتسجيل بموجب القانون 149 وإلا ستواجه خطر الحل.
يفرض القانون 149 أيضا غرامات تصل إلى مليون جنيه مصري (حوالي 64 ألف دولار أمريكي) على الجهات التي تخالف شروطه، الأمر الذي من شأنه أن يوقف عمل معظم المنظمات المستقلة.
تتطلب اللائحة التنفيذية من وزارة التضامن الاجتماعي إنشاء قاعدة بيانات تتضمن تفاصيل مثل بيانات جميع الموظفين والمتطوعين والممولين و”أي مستندات أخرى يطلبها الوزير”، لجميع المنظمات غير الحكومية في البلاد، وضمان “المشاركة الفورية” لهذه المعلومات بين الوزارة و”الجهات ذات العلاقة”.
قالت هيومن رايتس ووتش إن هذا يرقى إلى مستوى المراقبة النشطة من قبل الوزارة والأجهزة الأمنية، والتي يبدو أنها من بين الجهات الرئيسية المشار إليها باسم “الجهات ذات العلاقة”.
يتعين على الجمعيات تحديث هذه المعلومات شهريا، بما في ذلك لأدنى نشاط مثل انتساب متطوعين جدد.
يمكن لوزارة التضامن الاجتماعي تعليق عمل أي جمعية تنتهك أحكام القانون لمدة تصل إلى عام، أو مطالبة المحكمة الإدارية بحل الجمعية ومصادرة أصولها. يمكن لموظفي الوزارة إجراء عمليات تفتيش مفاجئة لملفات الجمعية وأنشطتها.
زعمت الحكومة أن قانون 2019 “أزال جميع العقبات” أمام إنشاء جمعية قائلةً إنه يسمح بالتأسيس بمجرد إخطار الحكومة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن التسجيل بموجب القانون 149 مُعقد، إذ يتطلب تقديم المنظمة لمجموعة طويلة ومعقدة بشدة من المستندات والتقارير بهدف واضح يتمثل في إنكار جوهر الحق في حرية تكوين الجمعيات والقدرة على العمل دون إذن مسبق من الحكومة.
يُلزم القانون الجمعيات القائمة مثلا بتقديم تقارير مفصلة عن جميع أنشطتها السابقة، والمناطق الجغرافية الناشطة فيها، ومصادر تمويلها، وأي عقود أو اتفاقيات تعاون مع أي منظمات أخرى، بالإضافة إلى دفع رسوم قدرها خمسة آلاف جنيه مصري (320 دولار) واستئجار أو امتلاك مكتب متعدد الغرف.
قد يتسبب عدم تقديم المنظمة لأي مستند في إبطال تسجيلها، وهو ما يمكن للسلطات استخدامه كذريعة لرفض أي تسجيل.
يتعين على المنظمات الجديدة اتباع متطلبات مماثلة والإبلاغ الفوري عن الأنشطة الجديدة حسبما يقتضي القانون. بناء على مراجعة قرارات مماثلة في الجريدة الرسمية، يبدو أيضا أن المنظمة لن تُسجَّل قانونيا حتى تُصدر وزارة التضامن الاجتماعي قرارا بهذا المعنى في الجريدة الرسمية.
تنص اللائحة التنفيذية على أنه يجب على جميع الكيانات التي تقوم بـ”العمل الأهلي” التسجيل بموجب القانون 149، بما في ذلك الشركات القانونية أو الاستشارية أو خدمات الاستشارات أو مراكز الأبحاث، حتى لو كان نشاطها الأساسي غير متصل بالعمل الأهلي وكانت مسجلة بموجب قوانين أخرى خاصة بالشركات أو مكاتب المحاماة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الحكومة تستخدم هذا المطلب لاستهداف المنظمات الحقوقية الرائدة التي كانت ناشطة كمكاتب محاماة أو مراكز أبحاث لتجنب قيود القوانين السابقة الناظمة للمنظمات.
تواجه المنظمات الأجنبية قيودا إضافية حيث يتعين عليها الحصول على موافقة وزارة الخارجية والتي تعتبر صالحة فقط لنشاط معين ومنطقة جغرافية معينة ووقت معين، ويجب تجديدها في كل مرة لكل نشاط إضافي.
يمكن للمواطنين الأجانب الانتساب إلى المنظمات المحلية فقط إذا كان لديهم تصريح إقامة ساري المفعول في مصر وبعد موافقة الحكومة.
تنص اللائحة التنفيذية على أنه لا يمكن للأفراد تنفيذ أي مبادرة مدنية أو حملة أو العمل خارج الجمعية دون إذن مسبق من الحكومة، الأمر الذي يتطلب إجراءات معقدة بما في ذلك فتح حساب مصرفي منفصل للنشاط.
قالت هيومن رايتس ووتش إن القيود الإضافية وتدخّل الحكومة والأجهزة الأمنية في أنشطة وتمويل المنظمات المنصوص عليها في القانون ولائحته التنفيذية يقوّض الحق في حرية تكوين الجمعيات ويجعل العمل المستقل شبه مستحيل.
يحظر القانون 149 القيام بمجموعة واسعة من الأنشطة دون موافقة حكومية مسبقة، مثل “إجراء استطلاعات الرأي أو نشرها أو إتاحة نتائجها أو إجراء البحوث الميدانية أو عرض نتائجها”، أو القيام بأنشطة ضمن “المناطق الحدودية”، أو “الشراكة أو التعاون” مع منظمات أجنبية أو محلية، أو فتح فروع خارج مصر.
يستخدم القانون أيضا مصطلحات غامضة الصياغة لحظر الأنشطة الأخرى تماما، مثل تلك التي لا “تتطابق مع أهداف” الجمعية، أو أي نشاط أو عمل “سياسي” من شأنه تقويض “الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة”.
لا يوفر القانون ولا لائحته التنفيذية تعريفات لأي من هذه المصطلحات، والتي تستخدمها السلطات بشكل متكرر لحظر ومعاقبة الممارسة السلمية للحقوق.
تتطلب اللائحة التنفيذية من جميع الجمعيات إبلاغ وزارة التضامن الاجتماعي بالتفصيل عن جميع عقود التمويل مع الكيانات خارج مصر في غضون 30 يوما من تلقي الأموال.
وتتطلب اللائحة أيضاً إعادة الأموال في حال رفض الوزارة العقود بعد “التشاور مع الجهات المعنية” في غضون 60 يوما. تحتاج الجمعيات إلى موافقة حكومية مسبقة لجمع التبرعات الفردية أو عقد فعاليات لجمع التبرعات.
سبق لحكومة الرئيس السيسي وأن شنت حملة قمع صارمة على المنظمات المستقلة والنشطاء الحقوقيين بما في ذلك عبر الاعتقالات التعسفية والملاحقات الجائرة وحظر السفر وتجميد الأصول.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، اعتقل عناصر “جهاز الأمن الوطني” ثلاثة من مسؤولي “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” بزعم عملهم دون إذن. أفرجت السلطات عنهم تحت ضغط دولي في أوائل ديسمبر/كانون الأول، لكنها لم تُسقط التهم بما في ذلك جرائم مزعومة تتعلق بالإرهاب. أمرت محكمة الإرهاب بتجميد أصولهم الشخصية.
يُزيل اعتقالهم مزاعم الحكومة بأن القانون 149 يُلغي عقوبات السجن لأن السلطات تستخدم العديد من المواد المسيئة في قانون العقوبات وغيره من القوانين المسيئة لاعتقال النشطاء وملاحقتهم ظلما.
مثلا، يُعاقب تعديل قانون العقوبات الذي أدخله السيسي بمرسوم عام 2014 مثلا على تلقي الأموال الأجنبية بشروط فضفاضة وغامضة مثل “المساس باستقلال البلاد” بالسجن المؤبد.
قال “ستورك”: “يتسبب هذا القانون واللوائح باستهداف ممنهج لجماعات المجتمع المدني والمدافعين الحقوقيين”.
واختتم “ستورك”: “كما هو حال أي نظام استبدادي يخشى باستمرار قوة الناس، تعامل حكومة السيسي المنظمات المستقلة باعتبارها تهديدا ولا ترى القيمة التي تُمثلها هذه المنظمات فعليا”.
اقرأ أيضاً: هيومن رايتس ووتش: على “البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية” فضح انتهاكات مصر