هيومن رايتس ووتش: على مجلس النواب المصري أن يستهلّ حقبة جديدة من التشاور

في خطوة وُصفت بالنادرة والمفاجئة، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 21 سبتمبر/أيلول 2025 رفضه لمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الذي كان البرلمان قد أقرّه في وقت سابق، وأعاده إلى مجلس النواب لإعادة النظر في مواده.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن هذا الرفض، وإن بدا في ظاهره إجراءً تقنيًا، يحمل في جوهره إشارة سياسية وقانونية مهمة: فتح نافذة لإعادة بناء علاقة البرلمان مع المجتمع، والتأسيس لعملية تشريعية أكثر تشاركية وشفافية.

وقد قوبل القانون منذ البداية بانتقادات حادة من منظمات حقوقية مصرية ودولية. فقد رأت فيه هيومن رايتس ووتش ومنظمات تابعة للأمم المتحدة تهديدًا لما تبقى من ضمانات المحاكمة العادلة في مصر، واعتبرت أنه يُعزز من صلاحيات الأجهزة الأمنية ويُقنن ممارسات تعسفية قائمة منذ سنوات.

أبرز المآخذ تمثلت في:

الإبقاء على الحبس الاحتياطي كسلوك روتيني، بدلًا من اعتباره استثناءً، بما يرسخ معاناة آلاف المحتجزين لسنوات دون محاكمة.
توسيع جلسات المحاكمة بالفيديو (فيديوكونفرنس)، وهو ما يُضعف ضمانات العدالة ويجعل من الصعب تقييم ظروف المتهمين وسلامتهم.
تراجع حماية حرمة المنازل والحقوق الفردية، عبر مواد فضفاضة تسمح بمزيد من التدخلات الأمنية.

حتى البيان الرسمي للرئاسة الذي أعلن رفض القانون أقرّ بوجود عيوب، مشيرًا إلى الحاجة لـ«زيادة بدائل الحبس الاحتياطي» وتوسيع ضمانات حماية المتهمين وحقوق الدفاع.

ومنذ عام 2014، غالبًا ما اتُّهم البرلمان المصري بالعمل كـ«ختم مطاطي» لسياسات السلطة التنفيذية. لكن قرار الرئيس بإعادة القانون يمنح النواب فرصة نادرة لإثبات استقلالية نسبية عبر:
فتح مشاورات شفافة مع نقابة المحامين، منظمات حقوق الإنسان، وأساتذة القانون.

إجراء مراجعات علنية لمواد القانون، بدل الاكتفاء بجلسات مغلقة سريعة.

التوافق على بدائل واقعية للحبس الاحتياطي، مثل التدابير الاحترازية أو الرقابة القضائية الدورية.

إذا استجاب البرلمان لهذا التحدي، فقد يشكل ذلك بداية مسار نحو استعادة ثقة المواطنين بدورهم التمثيلي.

والقضية لا تتعلق فقط بالإجراءات الجنائية، بل بمكانة مصر الدولية وبأزمتها الحقوقية الممتدة منذ عقد.

داخليًا: مراجعة القانون قد تُعزز مناخًا جديدًا يقلل الاحتقان الاجتماعي والسياسي.

خارجيًا: يُرسل رسالة إيجابية لشركاء مصر الدوليين بأن القاهرة مستعدة لإصلاحات جزئية على الأقل، بما يخفف الانتقادات المتكررة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

كما أن نجاح البرلمان في تعديل القانون بروح تشاركية قد يُشجع على فتح ملفات أخرى مثل قوانين التظاهر، الجمعيات الأهلية، أو الإعلام، والتي لطالما وُصفت بأنها مقيدة للحقوق والحريات.

قد يعجبك ايضا