هيومن رايتس ووتش: على “البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية” فضح انتهاكات مصر
بينما يستعد للاحتفال بالذكرى الثلاثين لتأسيسه في 15 أبريل/نيسان، يتباهى “البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية” بالتزامه بالتنمية المستدامة والديمقراطية والمساواة.
عندما ننظر إلى كيف وأين يستثمر البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، يبدو نفاقُه المخزي واضحا للعيان، ويتضح أن مهمته السياسية المتمثلة في مساعدة البلدان الملتزمة بمبادئ الديمقراطية والتعددية وتطبقها، دون غيرها، هي مجرد أكذوبة.
في السنوات الأخيرة، استثمر البنك بكثافة في بلدان تحكمها حكومات استبدادية، ولم يفعل شيئا يذكر، بل في بعض الحالات، لم يفعل شيئا لاستخدام نفوذه في تعزيز الديمقراطية وحماية الحيّز المدني.
في 2020، كانت تركيا ومصر أكبر دولتين تركزت فيهما عمليات البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية.
في مصر، يستثمر البنك أكثر من 7 مليارات يورو في 127 مشروعا حتى الآن، خاصة في التمويل والأعمال الزراعية والسياحة والبنية التحتية.
لكن في ظل حكومة عبد الفتاح السيسي، اعتُقِل الآلاف من المدافعين الحقوقيين والصحفيين والنشطاء السياسيين في مصر، وأجبِروا على الاختباء أو الهروب إلى المنفى، وتم إخفاؤهم وتعذيبهم، بل حتى قتلهم.
جمّدت الحكومة حسابات منظمات في المجتمع المدني التي تواجه أصلا قيودا هائلة. يسيطر الجيش، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، على العديد من الشركات الخاصة والقطاعات الاقتصادية.
الاعتصامات في مكان العمل تجلب لأصحابها اتهامات جنائية ولا تستطيع النقابات العمالية المستقلة العمل بحرية.
استشرى الفساد، وأصبحت الديمقراطية وسيادة القانون وفصل السلطات الآن كلمات لا معنى لها في مصر. سيقوم البنك هذا العام بمراجعة استراتيجيته في مصر.
أعلنت وسائل الإعلام المصرية الموالية للحكومة أيضا أن أوديل رينو باسو، الرئيسة السابقة للخزانة الفرنسية التي انتُخبت رئيسة للبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية في نوفمبر/تشرين الثاني، ستزور البلاد هذا الربيع.
هذه المراجعة الاستراتيجية والزيارة القادمة فرصتان ليفي البنك بالتزاماته ويضع قضايا حقوق الإنسان والحيّز المدني على جدول أعماله، وهو ما لم يفعله حتى الآن.
في نوفمبر/تشرين الثاني، في مقابلة مع “الفاينانشل تايمز“، دافعت رينو باسو عن استثمارات البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية في البلدان التي تحكمها حكومات قمعية، قائلة إن البنك يريد “مساعدة البلدان على التحرك في الاتجاه الصحيح” وأن التركيز على إقراض القطاع الخاص يساعد في تقوية المجتمع المدني.
مع ذلك، من غير الواضح كيف أن استمرار العمل كما أن شيئا لم يكن، حتى دون محاولة دفع هذه البلدان لتغيير مسارها، سيحقق أي شيء في سبيل تخفيف قبضة الحكومة على المجتمع المدني أو تقليص دور الجيش المتوسع في الاقتصاد والذي يمكّنه من التدخل في الحياة السياسية بطرق تغذي الانتهاكات.
منذ أن بدأ الوباء، زاد الوضع سوءا. تحت ذريعة مكافحة المعلومات المضللة، زادت الحكومة المصرية من قمعها لحرية التعبير والمعارضة السلمية.
قضى ما لا يقل عن 10 من العاملين في المجال الطبي شهورا في الاحتجاز دون محاكمة لتشكيكهم في روايات الحكومة حول وضع تفشي فيروس “كورونا”، أو لانتقاد افتقارهم إلى المعدات.
اعتُقِل العشرات لانتقادهم استجابة الحكومة لتفشي الفيروس على وسائل التواصل الاجتماعي.
في 17 مارس/آذار، حكمت محكمة جنايات القاهرة في إحدى القضايا على سناء سيف، المدافعة الحقوقية البارزة، بالسجن 18 شهرا.
اتُهِمت بـ “نشر أخبار كاذبة عن انتشار فيروس كورونا داخل السجون المصرية” و”إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي”.
على الممولين الدوليين مثل البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية إثارة قضية هذه المعاملة المسيئة بدلا من التزام الصمت.
على البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، الذي يموّل حاليا الاستجابة للوباء في مصر بأكثر من 500 مليون دولار، أن يوضح للحكومة المصرية أنها تعتبر اشتمال جميع الأطياف وحرية التعبير التي تتيح مناقشة السياسات الإشكالية والفساد على أنهما مفتاح للاستجابة الفعالة لجائحة كوفيد-19.
عندما يُسجن المدافعون الحقوقيون، عندما يتعرض الصحفيون للتهديد، عندما يتعرض كل صوت معارض للخطر، عندما تُسحق حقوق الإنسان بلا هوادة، ستتضاءل على الأرجح فرص النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية ولا تدوم، ناهيك عن الأمل في شيء يشبه الديمقراطية.
يتعيّن على من يستثمرون في مصر، مثل البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، استغلال الفرص التي تمثلها هذه الاستثمارات من أجل الضغط على الحكومة لإنهاء قمعها الشامل، إذا كانوا يؤمنون حقا بمهمتهم.
لهذا السبب، في خطاب نُشر اليوم، دعت أكثر من 20 من منظمات المجتمع المدني السيدة رينو باسو، رئيسة البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، إلى “إبلاغ السلطات المصرية بأن عدم امتثال البلاد المتفاقم للجوانب السياسية لولاية البنك مشكلة كبيرة يجب معالجتها بشكل عاجل وجدي”.
ليس لدى البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية الكثير ليحتفل به في ذكراه السنوية إذا لم يجد بعد 30 عاما طريقة للوفاء بالتزاماته الأساسية في أحد أكبر البلدان التي يعمل فيها.
يناضل النشطاء المصريون الشجعان كل يوم وبشكل سلمي، رغم وضعهم البائس، من أجل إسماع أصواتهم وتعزيز حقوق الإنسان الأساسية.
إذا كان البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية جادا بشأن قِيَمه، عليه الاستماع إلى هذه الأصوات والاستجابة لنداءات المجتمع المدني.
اقرأ أيضاً: مصر: “البنك الدولي” يموّل الصحة لكن يهمل الأطباء المعتقلين