هيومن رايتس ووتش تطالب بالحماية الاجتماعية والوفاء بالحق في الضمان الاجتماعي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – قامت هيومن رايتس ووتش بالتوقيع على “بيان عن بناء نظم حماية اجتماعية شاملة في المنطقة العربية” الذي يهدف إلى حشد الدعم العام الواسع لأنظمة الضمان الاجتماعي الشامل.
ويهدف الإعلان الذي نظمه “ملتقى المنطقة العربية للحماية الاجتماعية” بقيادة المجتمع المدني أيضاً إلى حث الحكومات على اتباع مقاربات جديدة ومبتكرة في السياسات لتطوير هذه الأنظمة.
بهذه المناسبة طالبت “هيومن رايتس ووتش” اليوم حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالوفاء بحق جميع الناس في الضمان الاجتماعي من خلال وضع وتمويل أنظمة للحماية الاجتماعية الشاملة.
قالت سارة سعدون، باحثة أولى في الفقر وعدم المساواة في هيومن رايتس ووتش: “يواجه الناس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تفاقم الضغوط الاقتصادية وانعدام الاستقرار، لكن حكوماتهم لا تستجيب بفعالية لهذه التحديات”.
وأضافت سعدون أنه: “ينبغي لحكومات المنطقة إنهاء المقاربات الجزئية والموجَّهة التي تعتمدها للحماية الاجتماعية ووضع استراتيجيات لتمكين الجميع من إحقاق حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية”.
بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لكل فرد الحق في الضمان الاجتماعي، والذي يشمل الحماية من انعدام أمن الدخل، في أوضاع تشمل الشيخوخة، والبطالة، والمرض، والولادة، ورعاية المعالين.
رغم تدهور الظروف الاقتصادية، لم تضع الحكومات في المنطقة استراتيجيات ضمان اجتماعي شاملة قائمة على الحقوق، بل تعتمد بدل ذلك على برامج ضيقة وغالبا ما تكون عرضة للخطأ، تسعى إلى استهداف “الأشد فقرا” و”الأكثر ضعفا” فقط.
40٪ فقط من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتمتعون بتغطية فعالة في مجال واحد على الأقل من مجالات الحماية الاجتماعية، بحسب “منظمة العمل الدولية”.
قال “البنك الدولي” في تقرير إن المنطقة، مثل بقية أنحاء العالم، تواجه في العام 2023 تباطؤا اقتصاديا، و”يُخلّف تضخم أسعار الغذاء تأثيرا مدمرا على الأسر الفقيرة”.
كما يشدد التقرير على أنه “ستشعر الأجيال المقبلة بآثار انعدام الأمن الغذائي على المدى الطويل”. استجابةً لذلك، أقرت حكومات عدة في المنطقة بالحاجة إلى تعزيز برامج الحماية الاجتماعية.
إلا أن معظم هذه الدول رفضت البرامج الشاملة التي تقدم الدعم إلى الجميع في فئات معينة، مثل الأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة.
عوضا عن ذلك، اعتمدت أنظمةً مجزأة لا يتمكن فيها سوى العاملين في الاقتصاد الرسمي من الحصول على مستحقات محددة، مثل معاش التقاعد، أو التأمين ضد البطالة، أو منحة الأمومة، بينما يُستبعد تماما العاملون في الاقتصاد غير الرسمي، وهم الأغلبية في العديد من الدول.
لدى بعض الحكومات، مثل الأردن ومصر، برامج جديدة للتحويل النقدي لتكملة برامج الحماية الاجتماعية المبنية على الوضع الوظيفي، لا سيما لتخفيف أثر إنهاء الدعم الحكومي للاستهلاك أو خفضه.
لعشرات السنين، لعب دعم السلع الاستهلاكية مثل الخبز، والكهرباء، والمياه، والوقود دورا مهما في العقد الاجتماعي في عديد من دول المنطقة، لكن الحكومات تتعرض لضغوط كبيرة متعلقة بالميزانية والتمويل وغيرها من الضغوط لتخفيض هذا الدعم أو إنهائه.
تختلف أشكال دعم الاستهلاك، التي يشار إليها أحيانا على أنها “شاملة”، عن تقديمات الحماية الاجتماعية الشاملة من حيث ارتباطها عموما بالسلع، وليس الأشخاص، وبالتالي فإن الأغنياء يستحوذون عموما على قدر أكبر من الإنفاق لأنهم يستهلكون أكثر.
يفرض دعم الوقود الأحفوري عبئا ثقيلا على ميزانيات الحكومة، وإلغاؤه تدريجيا أمر أساسي لمواجهة أزمة المناخ وتسهيل الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. يشكّل دعم الكهرباء وحده 40% من ديون لبنان.
لكن، في حين أن الأثرياء يتلقون معظم دعم الطاقة بالقيمة المطلقة، إلا أنّ الزيادات في أسعار الوقود والكهرباء يشعر بها بشكل أكثر حدّة الأشخاص ذوو الدخل المنخفض الذين سيدفعون حصة أعلى من دخلهم مقابل سلع أو خدمات ضرورية لحقوقهم.
وجدت دراسة عن برنامج صندوق النقد الدولي في مصر نشرتها “مؤسسة فريدريش إيبرت” في يونيو/حزيران 2023 أن “إنفاق العائلات على الطاقة ساهم بنحو 40% من الزيادة في تكلفة المعيشة بين ديسمبر/كانون الأول 2015 وأغسطس/آب 2019.
شكلت الزيادة في الإنفاق على الطاقة بالنسبة للعائلات التي تعيش في فقر شديد نحو 35.7% من دخلها عام 2015، في حين شكلت بالنسبة لفئة الدخل الأعلى نحو 21.5%.
وجد مسح أجرته هيومن رايتس ووتش في لبنان، حيث تقاعست الحكومة عن ضمان حق الجميع في الحصول على كهرباء ميسورة التكلفة، أن بعد إلغاء دعم الوقود، بالإضافة إلى عديد من العثرات والإخفاقات الحكومية، أنفقت فئة الـ 20% الأدنى دخلا 88% من دخلها على الكهرباء التي توفرها مولدات الديزل.
توفير الأموال العامة الناتج عن الإلغاء التدريجي لدعم الاستهلاك هو فرصةٌ للتحول نحو عقود اجتماعية مبنية على حقوق الإنسان، بما فيها الحماية الاجتماعية الشاملة، وهي أساسية لحماية الناس من زيادة الأسعار الناجمة عن إلغاء دعم السلع.
إلا أن معظم الحكومات تفوّت مثل هذه الفرص وتفضل استخدام برامج مشروطة بالاحتياج لا تصل في كثير من الأحيان إلا إلى جزء صغير من السكان وتستبعد حتى العديد من العائلات التي يكون دخلها تحت خطوط الفقر الوطنية.
في مصر، حيث يعيش نحو 60 مليون شخص في حالة فقر أو قريبا منها، يصل برنامَجا التحويلات النقدية الرئيسيان اللذان وُضعا بعد إلغاء دعم الوقود، “تكافل” و”كرامة”، إلى 5 ملايين عائلة فقط، أي نحو 17.5 مليون شخص.
تُستبعَد العائلات من البرنامج إذا كانت تمتلك سيارة أو أكثر من فدان واحد (4,200 متر مربع) من الأرض، أو لديها وظيفة حكومية أو معاش تقاعدي، أو تتلقى تحويلات من الخارج، أو لديها وظيفة رسمية في القطاع الخاص، وفقا لمراجعة البنك الدولي العام 2022، حوالي نصف العائلات المؤهلة لا تحصل على مستحقات.
في الأردن، وصل برنامج التحويلات النقدية، المسمى أيضا “تكافل” والذي وُضع بعد إلغاء دعم الوقود، إلى 120 ألف عائلة في العام 2022، أي أقل من عائلة من كل خمس عائلات تعيش تحت خط الفقر بالرغم من الزيادة الحادة في الفقر منذ جائحة “كوفيد-19”.
الإعلان الداعي إلى بناء نظم حماية اجتماعية شاملة في المنطقة العربية هو الأول من نوعه في المنطقة، إذ يبني الضمان الاجتماعي الفعال على نهج حقوقي، ويحدده على أنه “المسؤولية الرئيسية للدولة” وليس “آلية مساعدة” أو “خدمة إنسانية”.
الضمان الاجتماعي هو أحد حقوق الإنسان الراسخة في صكوك القانون الدولي، بما فيها “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” (العهد الدولي).
حددت الهيئة الأممية المكلفة بتفسير العهد الدولي تسعة مجالات يجب تضمينها في برامج الضمان الاجتماعي الشامل: الرعاية الصحية، والمرض، والشيخوخة، والبطالة، وإصابات العمل، ودعم العائلة والطفل، والأمومة، والإعاقة، والناجين، والأيتام.
تتحمل الدول الأطراف في العهد الدولي التزامات باحترام الحق في الضمان الاجتماعي في جميع هذه المجالات وحمايته، وإعماله، بما يشمل جعل البرامج ذات الصلة متوفرة، ويسهل الانضمام إليها، ومقبولة، وقابلة للتكييف.
يتطلب ذلك أيضا تقديم مستحقات، سواء كانت نقدية أو عينية، كافية من حيث الحجم والمدة.
وثّقت مجموعة متنامية من الأبحاث، منها تلك التي نفذتها منظمة العمل الدولية ومجموعة “مسارات التنمية” الاستشارية، التي تدعم الدول النامية في تصميم سياسات للحماية الاجتماعية، أن برامج الحماية الاجتماعية الموجَّهة غالبا ما تكون فيها هوامش خطأ عالية فيما يتعلق باستبعاد الأشخاص المؤهلين وشمول العديد من غير المؤهلين.
تشمل الأسباب وراء هذه الأخطاء استخدام بيانات غير دقيقة أو قديمة، والحواجز الناشئة بسبب معايير الأهلية أو خلال عملية التقديم، والمحسوبية، والفساد.
لجأت بعض الحكومات إلى تقنيات مكلفة لمعالجة هذه المشاكل، لكن هيومن رايتس ووتش وجدت أن التقنيات الآلية التي تختار المستفيدين من برنامج تكافل الأردني، الذي طُوّر بتمويل كبير من البنك الدولي، تقوّضها أخطاء الاستبعاد، والسياسات التمييزية، والصور النمطية عن الفقر.
معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منخفضة أو متوسطة الدخل وتواجه تحديات في تمويل برامج الحماية الاجتماعية الشاملة، لكن يمكنها سد فجوات التمويل وزيادة الموارد بسبلٍ تحمي حقوق الإنسان.
بالإضافة إلى استخدام المدخرات الناتجة عن الإلغاء التدريجي لدعم الوقود الأحفوري، يمكن للحكومات اعتماد أنظمة ضريبية تصاعدية، مع معدلات أعلى للشركات الثرية والكبيرة، ومكافحة التهرب الضريبي، وإنهاء التدفقات المالية غير المشروعة.
وجدت دراسة عالمية أجرتها منظمة العمل الدولية عام 2019 أن تكلفة إنشاء أرضيات حماية اجتماعية شاملة تتراوح بين 2% و6% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، تبعا لمنطقتها ومجموعة دخلها.
تحدد منظمة العمل الدولية بعض الطرق لتحقيق ذلك، منها إعادة تخصيص الإنفاق العام الحالي، وزيادة عائدات الضمان الاجتماعي من خلال مزيج من الضرائب والمساهمات المخصصة، وزيادة المساعدات والتحويلات الإنمائية، وإنهاء التدفقات المالية غير المشروعة، وتحسين إدارة الديون.
وجدت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي العام 2023 أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تستخدم الهياكل الضريبية الحالية بشكل فعال لتمويل الحماية الاجتماعية.
خلص الصندوق إلى أن “ضرائب الدخل الشخصية تلعب دورا ضئيلا أو لا تلعب أي دور في معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تحقق في المتوسط حوالي %2 من إجمالي الناتج المحلي في الإيرادات”.
وجدت كذلك أن أنظمة ضريبة الدخل في المنطقة، رغم أنها تقدمية عموما بموجب القانون، إلا أن لها قدرة محدودة جدا على إعادة التوزيع لأن تحصيل الضرائب غير كاف.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الحكومات ملزمة بموجب حقوق الإنسان بإعمال الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية لجميع الأشخاص، والتي تشمل الضمان الاجتماعي، من خلال ضمان الموارد الكافية للقيام بذلك.
لتمكين جميع الحكومات من تحقيق الحماية الاجتماعية الشاملة، يجب أن تساعد الدول الأكثر ثراءً في دعم جهود الحكومات مثل تطوير “صندوق عالمي للحماية الاجتماعية” لتوجيه الموارد.
قالت سعدون: “السياسات غير الفعالة لم تعزز التضامن الاجتماعي اللازم لمواجهة التحديات الاقتصادية الهائلة التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
وأضاف: “النهج الشامل من شأنه حماية الحقوق، والمساهمة في تقليص عدم المساواة، وتوفير بيئة أكثر صحةً للجميع”.