هيومن رايتس ووتش تحذر من أوضاع السجون في لبنان
حذرت “هيومن رايتس ووتش” من أوضاع السجون في لبنان، ووصفتها بأنها تدهورت بشكل خطير وسط الأزمة الاقتصادية في البلاد.
أصبح الاكتظاظ هو القاعدة، وتدنى مستوى الرعاية الصحية، في حين أن تقاعس الحكومة عن دفع الفواتير المستحقة يهدد الإمدادات الغذائية للسجون.
نحو 80% من السجناء في لبنان موقوفون احتياطيا، أي قبل المحاكمة، وفقا لوزارة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال.
يُفترض أن يستوعب سجن رومية قرب بيروت، أكبر سجون لبنان، 1,200 سجينا، لكنه يضم حاليا نحو 4 آلاف، وفقا لنقابة المحامين في بيروت.
تبلغ الطاقة الاستيعابية لمراكز الاحتجاز في جميع أنحاء لبنان 4760، لكنها تستوعب حاليا حوالي 8502 شخصا، 1094 فقط منهم محكومون، وفقا لقوى الأمن الداخلي اللبنانية، التي تشرف على عمليات السجون.
قال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: “في حين ينتظر 4 من كل 5 أشخاص في السجن قاضيا يبتّ في قضاياهم، لا عجب أن سجن رومية يغصّ بالسجناء”.
وأضاف قيس: “الأزمة الاقتصادية المستمرة ليست عذرا لوضع الناس الذين يجب أن ترعاهم الدولة في ظروف مزرية”.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى أربع عائلات لسجناء وأحد أعضاء “لجنة أهالي السجناء في لبنان”، وشرحوا بالتفصيل الظروف المتدنية في سجن رومية.
تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى المحامي محمد صبلوح، رئيس “لجنة السجون في نقابة محامي طرابلس”، ومستشار للصحة العقلية عمل في سجن رومية بين عامي 2011 و2018، وعاملان في مجموعات دولية معنية بمشاريع إعادة تأهيل السجون اللبنانية.
في أبريل/نيسان 2023، وجّهت هيومن رايتس ووتش رسالة تتضمن نتائج بحثية إلى رئيس المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي اللبنانية، اللواء عماد عثمان. ردت قوى الأمن الداخلي في 25 يوليو/تموز.
قالت قوى الأمن الداخلي في ردها إن “معظم السجون الأخرى المنتشرة في المحافظات كسجني زحلة وطرابلس وسجون النساء في بعبدا وبربر خازن وغيرها تشهد أيضاً اكتظاظاً بأعداد السجناء والسجينات يفوق قدرتها الاستيعابية”.
قالت قوى الأمن إن الأسباب تشمل زيادة معدلات الجريمة، وبطء إجراءات المحاكمة التي تؤخر الإفراج، وعجز العديد من السجناء الذين قضوا مدة عقوبتهم عن دفع الرسوم المطلوبة للإفراج عنهم.
وصل الاكتظاظ في سجون لبنان إلى مستويات خطيرة و”أدى إلى تردي الأوضاع الإنسانية والظروف الحياتية المعيشية والخدماتية والصحية والغذائية والأمنية، وقد زاد الوضع سوءاً ما نتج عن الأزمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ عام 2019″، بحسب قوى الأمن الداخلي.
قال أقارب المحتجزين إن إمكانية الحصول على الطعام في السجون تدهورت بشكل خطير منذ بداية الأزمة الاقتصادية في 2019.
قال صبلوح إنه قبل الأزمة الاقتصادية، كان معظم السجناء لا يعتمدون على الطعام الذي توفره السجون، ويختارون بدلا منه الطعام الذي تجلبه عائلاتهم أو يشترونه من “كافتيريا” السجن بأسعار أعلى من السوق.
لكن السجناء أصبحوا أكثر اعتمادا على طعام السجن بعد أن أوقفت السلطات الزيارات العائلية أثناء تفشي فيروس كورونا.
رغم استئناف الزيارات العائلية، أدى ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود إلى خلق حواجز لا يمكن التغلب عليها لعديد من العائلات التي كانت ستدعم أقاربها المحتجزين.
قالت قوى الأمن الداخلي لـ هيومن رايتس ووتش، في الوقت نفسه، مع زيادة الطلب على المواد الغذائية التي توفرها السجون، أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض قيمة العملة اللبنانية مقارنة بالدولار إلى صعوبة الدفع لموردي المواد الغذائية المتعاقدين.
استجابت قوى الأمن الداخلي، التي تعمل مع وزارتَي المالية والداخلية، بحلول مؤقتة تضمن مدفوعات غذائية شهرية حتى نهاية العام.
لكن العائلات قالت إنه حتى مع ضمان توصيل الطعام، يظل الطعام غير كاف ورديء النوعية لدرجة أنه غالبا ما يكون غير صالح للاستهلاك.
قالت والدة سجين في سجن رومية “إنه طعام لا يأكله حتى الكلاب “. قالت والدة سجين آخر: “في الماضي، كانوا يجلبون أربعة طناجر كبيرة [من البرغل، وهو القمح المكسر] لـ 500 سجين. الآن يجلبون طنجرة واحدة فقط”.
قالت جميع عائلات السجناء الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إن كمية ونوعية الطعام تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات الثلاث الماضية.
في الوقت نفسه، تواصل كافيتريا السجن فرض أسعار باهظة على المواد الغذائية، تبلغ أحيانا ضعف أو ثلاثة أضعاف قيمتها السوقية، وهي أسعار لا تستطيع عديد من العائلات تحملها، بحسب ما قالوا.
كما تقاعست السلطات اللبنانية عن تنفيذ الخطط الحكومية المعتمدة مسبقا لتخفيف الاكتظاظ. في العام 2015، وافقت الحكومة اللبنانية على تخصيص 30 مليون دولار لبناء سجن جديد في بلدة مجدليا في شمال لبنان، وصرح وزير الداخلية آنذاك نهاد المشنوق أن مشروع البناء سيكتمل في غضون 18 شهر. بعد ثماني سنوات، ما زال السجن لم يُبنَ.
عبّر الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أيضا عن إحباطهم من أن الجهود الدولية الكبيرة لتحسين أوضاع السجون لم تسفر عن تحسينات كبيرة. مشاريع التنمية التي تهدف إلى إيصال الأدوية إلى سجناء رومية، مثلا، لم تحسّن حصول السجناء على الأدوية.
قالت “الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي” لـ هيومن رايتس ووتش إنها تبرعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بما قيمته 100 ألف يورو من الأدوية لسجن رومية. لكن السجناء، وأهاليهم، وصبلوح قالوا إن صيدلية السجن ما زالت تفتقر إلى الأدوية الأساسية.
أعربت زوجة أحد السجناء عن إحباطها لأنه حتى بعد أن تشتري عائلات المساجين الأدوية لهم، ما يزال السجناء غير قادرين على الحصول عليها.
بحسب “منظمة العفو الدولية“، تضاعف تقريبا عدد الوفيات في مراكز التوقيف والسجون اللبنانية في العام 2022 مقارنة بالعام 2018، قبل بدء الأزمة الاقتصادية.
بموجب المعايير الدولية، تنصّ “قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” (قواعد نيلسون مانديلا) أنه “توفر إدارة السجن لكل سجين، في الساعات المعتادة، وجبة طعام ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على صحته وقواه، جيدة النوعية وحسنة الإعداد والتقديم”.
تنصّ أيضا على أن “توفر لكل سجين إمكانية الحصول على ماء صالح للشرب كلما احتاج إليه”.
يجب أن يحصل السجناء أيضا على “الخدمات الصحية الضرورية مجانا ودون تمييز على أساس وضعهم القانوني”، وعلى سلطات الدولة “السعي للحد من اكتظاظ السجون، وعند الاقتضاء، اللجوء إلى تدابير غير احتجازية كبدائل عن إجراءات الاحتجاز قبل المحاكمة”.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للسلطات اللبنانية اتخاذ خطوات عاجلة لتخفيف اكتظاظ السجون، بما يشمل النظر في بدائل لاحتجاز الموقوفين احتياطيا، وتمكين السجناء بشكل كافٍ وموثوق من الحصول على الطعام والرعاية الطبية.
قال قيس: “رغم تخصيص ملايين الدولارات لتحسين أوضاع السجون في لبنان، ما تزال معاملة السجناء وظروف احتجازهم بائسة”.
وأضاف: “ينبغي للسلطات اللبنانية، بما فيها قوى الأمن الداخلي ووزارتَي العدل والداخلية، بشكل عاجل، وضع وتنفيذ خطط فورية وطويلة الأمد لتصحيح الوضع في السجون وضمان حقوق الناس”.