هيومن رايتس ووتش تدين محاكمة معارض بارز بسبب تعبيره السلمي
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – اعتقلت السلطات المصرية هشام قاسم في 20 أغسطس/آب 2023، وأحالته النيابة بسرعة إلى “محاكمة عاجلة” بدأت في 2 سبتمبر/أيلول، بتهم السب والقذف على خلفية منشورات في الإنترنت تنتقد وزيرا سابقا في الحكومة.
محاكمة قاسم جزء من موجة جديدة من الملاحقات القضائية المتعلقة بحرية التعبير ضد المنتقدين واستمرار للقمع المتواصل في مصر.
أدانت “هيومن رايتس ووتش” قيام السلطات المصرية باحتجاز معارضا بارزا وناشرا معروفا بشكل غير قانوني، وأحالته إلى المحاكمة بناء على انتقاداته السلمية فقط على ما يبدو.
قال عمرو مجدي، باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “استخدام قوانين التشهير الجنائية من قبل السلطات المصرية لإسكات المنتقدين مثل هشام قاسم هو مجرد واحدة من أدوات عديدة تستخدمها لضمان أن يؤدي التعبير النقدي إلى السجن مباشرة”.
وأضاف: “على السلطات إطلاق سراح قاسم فورا أو تقديم أدلة على جريمة جنائية محددة”.
في 2 سبتمبر/أيلول، أجّلت محكمة الجنح الاقتصادية في القاهرة الجلسة حتى 9 سبتمبر/أيلول، وأحالت قاسم إلى الحبس الاحتياطي، بحسب وسائل إعلام محلية.
قال المحامون الذين حضروا استجوابه في 20 أغسطس/آب إن النيابة العامة اتهمت قاسم بسبّ وزير القوى العاملة الأسبق كمال أبو عيطة وقذفه، بناء على منشور في “فيسبوك”.
أضافت السلطات تهما غامضة وفضفاضة بشأن تعمد “إزعاج السلطات” والتشهير برجال الشرطة في قسم شرطة السيدة زينب بالقاهرة، حيث استُجوب قاسم أول مرة.
قال ناصر أمين، المحامي الحقوقي البارز الذي حضر استجواب قاسم، لـ هيومن رايتس ووتش إن تهمة “إزعاج السلطات” تتعلق بتغريدة نشرها قاسم قال فيها إنه رفض دفع الكفالة وإنه “انضف من عبدالفتاح السيسي، وكل رجالته”.
في جلسة المحاكمة الأولى، أخبر محامو قاسم القضاة أنه بدأ إضرابا عن الطعام.
يذكر أن قاسم شارك في أواخر يونيو/حزيران في تأسيس “التيار الليبرالي الحر”، الذي قال عند تأسيسه إنه يهدف إلى أن يكون تحالفا يمثل عدة أحزاب سياسية ليبرالية منتقدة لحكومة السيسي.
خلال الأشهر القليلة الماضية، انتقد قاسم السياسات الاقتصادية للحكومة ودور الجيش في الحياة السياسية.
يبدو أن الملاحقة القضائية شابتها انتهاكات للمحاكمة العادلة. استنادا إلى تصريحات إعلامية لمحاميه، لم تسمح لهم السلطات بمراجعة ملفات القضية أو الحصول على نسخة منها قبل بدء محاكمته، ما أعاق قدرتهم على إعداد الدفاع بشكل مناسب.
أفادت وسائل إعلام محلية أن المحكمة منعت أيضا الصحفيين من حضور المحاكمة دون تفسير.
للحكومة المصرية سجل سيئ في استخدام تهم التشهير ضد الصحفيين والمعارضين. في سبتمبر/أيلول 2022، استجوبت النيابة أربع صحفيات من موقع “مدى مصر” الإخباري المستقل بتهم تشمل التشهير بأعضاء “حزب مستقبل وطن” الموالي للحكومة، ثم أفرجت عنهن بكفالة.
ما تزال التهم قائمة، لكن المحاكمة لم تتقدم. في فبراير/شباط 2023، أحيلت ثلاثة من الصحفيات الأربع إلى المحاكمة بتهم منفصلة تتعلق بإهانة أعضاء في البرلمان من الحزب نفسه الموالي للحكومة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
تمارس السلطات نمطا واسعا من المضايقة والترهيب ضد عائلات المعارضين الذين يعيشون في الخارج.
في أغسطس/آب، ألقت السلطات المصرية القبض على والدَيْ أحمد جمال زيادة، وهو صحفي مصري يعيش في بروكسل، تعرض للاعتقال والتعذيب في مصر.
بالإضافة إلى فجر العادلي، وهي طبيبة وناشطة ألمانية-مصرية، قاطعت مؤتمرا صحفيا في برلين عام 2015 للرئيس السيسي والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، ووصفت السيسي بأنه “قاتل” و”نازي” و”فاشي”.
قال زيادة والعادلي لـ هيومن رايتس ووتش إن النيابة أبقت والدَيْ كل منهما في الحبس الاحتياطي بعد اتهامهما بـ “نشر أخبار كاذبة”، وهي تهمة كثيرا ما تستخدمها السلطات ضد المنتقدين والصحفيين.
جددت نيابة أمن الدولة العليا حبسهم عن بعد عبر الاتصال بالفيديو (فيديو كونفرنس)، وهو تعسفي بطبيعته لأنه ينتقص من حق المحتجزين في المثول أمام قاضٍ لتقييم شرعية الاحتجاز وظروفه وسلامة المعتقلين، ويحرمهم من فرصة التحدث مع محاميهم على انفراد.
قال زيادة إن والده خُطف في وضح النهار قرب منزله بالجيزة في 22 أغسطس/آب. علمت الأسرة لاحقا أن عناصر “الأمن الوطني” استجوبوه بشكل أساسي بشأن نشاط ابنه في الخارج، بحسب زيادة.
قالت العادلي إن النيابة لم تقدم أي دليل على ارتكاب والدها، الذي اعتقله الأمن في مطار القاهرة لدى وصوله من ألمانيا في 18 أغسطس/آب، أي مخالفات، وإن النيابة استجوبته أيضا بشأن نشاطها.
قالت العادلي إن والدها بدأ إضرابا عن الطعام في 3 سبتمبر/أيلول احتجاجا على معاملته. قالت أيضا إن الاحتجاج الذي خططت له مع شقيقها أمام السفارة الألمانية في القاهرة في 3 سبتمبر/أيلول توقف بسبب “الحضور الأمني الضخم” وإن عناصر الأمن كانوا يصورونهم.
في 2 سبتمبر/أيلول، حكمت محكمة مصرية على محمد عادل، الناشط والزعيم السابق لـ “حركة شباب 6 أبريل” المصرية، المحتجز احتياطيا بشكل غير قانوني منذ 2018، بالسجن أربع سنوات بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، بحسب تغريدة نشرها محاميه على “منصة إكس” (تويتر سابقا).
جاء في لائحة الاتهام، التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، أن عادل متهم بنشر أخبار كاذبة استنادا فقط إلى منشورات على الإنترنت تنتقد الحكومة.
كان هناك منشور واحد على الأقل قدمه أعضاء النيابة يتعلق بالانتقادات الموجهة إلى اتفاقيات القروض مع “صندوق النقد الدولي”.
قضى عادل في السابق ثلاث سنوات في السجن في قضية متعلقة بالاحتجاج السلمي، وأطلِق سراحه العام 2017.
ناشط آخر، أحمد حمدي السيد، المعروف أيضا باسم جيكا، محبوس احتياطيا ويواجه اتهامات تشمل نشر أخبار كاذبة، بحسب تصريحات محامٍ حقوقي لوسائل إعلام محلية.
احتجزت السلطات جيكا بشكل متقطع بمعزل عن العالم الخارجي منذ استدعائه الأول في يونيو/حزيران.
في 19 أغسطس/آب، أعلن عضو في لجنة العفو الرئاسي – التي أنشأها الرئيس السيسي لمراجعة قضايا المحبوسين احتياطيا – عن قائمة بأسماء 30 معتقلا محتجزين بتهمة نشر أخبار كاذبة وصدر أمر بالإفراج عنهم.
لكن موقع “المنصة” الإخباري المستقل أفاد بأن القضاة جددوا الحبس الاحتياطي لأكثر من 15 منهم.
يحتوي قانون العقوبات المصري، وكذلك القانون رقم (10) لسنة 2003 (قانون تنظیم الاتصالات)، على عدد من الأحكام الغامضة المتعلقة بجرائم التشهير والنشر ذات الصلة والتي تنص على عقوبة السَّجن حتى خمس سنوات.
تتعارض هذه العقوبات مع التزامات مصر بحماية حرية التعبير بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
بموجب القانون الدولي، يجب أن تكون أي قيود على التعبير متناسبة ومبنية على قوانين واضحة تحدد المحظورات بطريقة تمكّن الناس بشكل معقول من التنبؤ بما يشكّل انتهاكا.
قالت “لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة”، التي تشرف على “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي صادقت عليه مصر العام 1982، إن “مضايقة شخص بسبب الآراء التي يعتنقها أو تخويفه أو وصمه، بما في ذلك توقيفه أو احتجازه أو محاكمته أو سجنه، [تشكل] انتهاكا” للعهد.
أعربت اللجنة عن عدم موافقتها على القوانين التي تجرّم إهانة رئيس الدولة أو المسؤولين الحكوميين أو الرموز الوطنية.
أوضحت اللجنة أن العهد “يولي… أهمية بالغة بشكل استثنائي للتعبير الحر في حالات النقاش العام الذي يتناول في مجتمعٍ ديمقراطي شخصيات موجودة في المجال العام والسياسي”.
قال مجدي: “تقدم حكومة السيسي بين الحين والآخر استعراضا صاخبا عبر إطلاق سراح عدد قليل من النشطاء المحتجزين ظلما، لكن في الوقت نفسه تضمن آلة القمع إدخال منتقدين جدد إلى السجن كل يوم. ما تزال الحكومة ماضية في محاولاتها لإرغام جميع المصريين على الخضوع الكامل”.