موجز سياساتي: الاستجابة لجائحة كورونا في ليبيا
منذ بدء الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2011، أضحت ليبيا من أكثر الدول التي تواجه ظروفًا سياسية وأمنية واقتصادية سيئة في المنطقة.
اليوم، ما يصل إلى 90% من الأشخاص الفارين عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا يأتون عبر ليبيا، بالإضافة إلى مئات الآلاف من النازحين واللاجئين داخل ليبيا ذاتها.
خلال الأعوام الماضية، انقسمت البلاد فعليًا إلى فصائل متحاربة شرقًا وغربًا، حيث يدّعي كل منهم سلطة الحكم بدعم من جهات أجنبية، فيما تسبب الصراع في إلحاق أضرار جسيمة بالنظام الصحي في ليبيا، الذي كان قد استنفذ موارده قبل اشتداد الصراع عام 2014.
تم تشخيص أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا في 25 مارس 20203، واعتبارًا من منتصف أغسطس، كانت هناك 7,050 حالة مؤكدة، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف العدد قبل ثلاثة أسابيع. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن التنسيق والإدارة الجيدة في النظام الصحي كفيلة للاستجابة الفعالة لانتشار فيروس كوفيد-19 واحتواءه وتقليل معدلات الإصابة والوفيات.
يحلل هذا الموجز مدى فعالية استجابة النظام الصحي الليبي لفيروس كوفيد-19 حتى اللحظة، كما يناقش التحديات الرئيسة التي تمت مواجهتها في مرحلة ما قبل انتشاره ومرحلة الاستجابة لتفشيه.
خلال سلسلة الاحتجاجات المناهضة للحكومات في الدول العربية عام 2011، أو ما يُعرف بـ “الربيع العربي”، اندلعت الاحتجاجات في ليبيا ضد زعيمها “معمر القذافي” آنذاك. وطغى على هذه الاحتجاجات طابع العنف تدريجيًا، حيث أسفرت عن مقتل “القذافي” على أيدي متمردين مسلحين تدعمهم قوات حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وبعد مقتله، اندلع الصراع بين الفصائل المتمردة والجماعات الإسلامية المسحلّة والحكومة الانتقالية، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية عام 2014. واستمرت الاشتباكات بين حكومة الوفاق الوطني التي أشرفت عليها بعثة الأمم المتحدة ومقرها غربي طرابلس، والجيش الوطني الليبي في الشرق بقيادة اللواء خليفة حفتر
حاول الجيش الوطني الليبي السيطرة على طرابلس منذ عام 2019، واستمر القتال خلال جائحة كورونا على الرغم من دعوات متكررة من الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار. 3,6 في الفترة ما بين 1 يناير و 31 مارس 2020، لقي ما لا يقل عن 64 شخصًا مصرعهم وأصيب 67 آخرون نتيجة القتال القائم.
وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن أكثر من مليون شخص في ليبيا، ثلثهم من الأطفال، ونصفهم من طالبي اللجوء والمهاجرين، بحاجة إلى مساعدات إنسانية نتيجة الاضطرابات السياسية وانعدام الأمن. 2,8 وتتمثل أهم الاحتياجات الإنسانية الأساسية في الحماية، والسلع المنزلية الأساسية، والغذاء، ومياه شرب وافرة ونظيفة، والخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
خلال حكم القذافي، كان النظام الصحي الليبي يعتمد إلى حد كبير على العاملين الأجانب في النظام الصحي، وبالتالي لم يكن مستدامًا، واستمر النظام الصحي في التدهور ما بعد القذافي وتعرض لمزيد من الضرر أثناء الحرب الأهلية عام 2014 وفي أعقابها.
وفقًا لـ “إليزابيث هوف”، ممثلة الصحة العالمية في ليبيا، فإن النظام الصحي “كان على وشك الانهيار حتى قبل انتشار فيروس كورونا”. وفي غضون ذلك، تصاعد القتال بين حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي بين يناير وابريل، حيث كان هناك 11 حادثة مرتبطة بالنزاع أثرت بشكلٍ مباشر على المستشفيات الميدانية، والعاملين في مجال الصحة، وسيارات الإسعاف، والإمدادات الطبية، حيث تعرض مستشفى الخضراء العام بطرابلس والذي يضم 400 سريرًا للتدمير في 6 أبريل، كما أغلقت أربع مستشفيات أخرى في صبراتة وصرمان أبوابها بفعل الاشتباكات، وقد كانت تقدم حوالي 18 ألف استشارة طبية أسبوعيًا.
لذلك، فإن قدرة النظام الصحي الليبي تبقى محدودة؛ حيث أدى الصراع الذي طال أمده إلى سوء الإدارة، وضعف أنظمة الرقابة، وأنظمة المعلومات الصحية، ومحدودية المعدات والأدوية وموظفي الصحة. على سبيل المثال، يبقى نظام الرعاية الصحية في مدينة سبها، وهي أكبر مدينة في جنوبي ليبيا ووجهة عبور أو لجوء شائعة للمهاجرين، هشٌ للغاية بسبب قلة الاستثمار في البنية التحتية للمياه، والكهرباء، والعلاج الطبي منذ وقت طويل.
ظهر فيروس كوفيد-19 للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية في ديسمبر 2019. وبحلول منتصف مارس 2020، انتشر إلى جميع مناطق منظمة الصحة العالمية الست، بما في ذلك 1381 حالة مؤكدة في شرق البحر الأبيض المتوسط. وتم تشخيص أول إصابة بفيروس كوفيد-19 في ليبيا في 25 مارس في مدينة طرابلس لرجل دخل ليبيا عبر تونس في أوائل مارس بعد أن كان في المملكة العربية السعودية. واعتبارًا من 11 أغسطس، كان هناك 7,050 حالة إصابة مؤكدة بكوفيد-19، تعافى منهم 816 وتوفّى 135. العدد الحالي للحالات يزيد 40 مرة عن تلك المسجلة منذ شهرين (1 يونيو 2020).
كانت هناك أعدادًا قليلة من الحالات في ليبيا في البداية، بناءً على مراحل انتشار الفيروس الأربعة التي صنفتها منظمة الصحة العالمية، لكن في أغسطس، تم إعادة تصنيفها ضمن مرحلة أكثر جدية تُعرف بـ”الانتقال المجتمعي”. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن هذا التصنيف يعني أن ليبيا تواجه تفشيًا أكبر للفيروس بحيث ينتشر من شخص إلى آخر، بما يتجاوز مجرد التعرض للمسافرين. داخل ليبيا، تستوفي كل من طرابلس وسبها معايير “الانتقال المجتمعي”، في حين أن ثماني بلديات أخرى تحتوي على مجموعة قليلة من الحالات. تضم البلديات التي أبلغت عن أكبر عدد من الحالات المؤكدة طرابلس (1,891)، مصراتة (1,548)، سبها (715)، بنغازي (93)، وطبرق (49).
أعلن رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني حالة الطوارئ في 14 مارس 2020، والتي فرضت إغلاقًا لجميع الحدود البرية والجوية والبحرية، وإغلاقًا للمدارس والجامعات والمساجد، وتقليصًا للتجمعات العامة. كما أعلن رئيس الوزراء أنه سيتم تخصيص 500 مليون دينار ليبي (أي حوالي 350 مليون دولار أمريكي) للتجهيز لمواجهة انتشار فيروس كوفيد- 19 والاستجابة له. إلى جانب ذلك، تم إنشاء لجان وطنية وفرق عمل متخصصة للاستجابة للوباء في كل من المنطقتين الشرقية والغربية من ليبيا. 14,15 لكنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الإجراءات قد نُفذت بالفعل وما إذا كان الجيش الوطني الليبي قد اتخذ إجراءاتٍ مماثلة. وبالرغم من هذه الجهود، فقد استمر آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء في دخول ليبيا من الدول المجاورة، حيث لم تكن هناك خطة استجابة وطنية منسّقة خلال مرحلة ما قبل انتشار الفيروس.
يفتقر النظام الصحي الليبي إلى القدرات اللازمة للاستعداد لمواجهة الوباء والتصدي له، فعلى سبيل المثال، تحوي البلاد 79 وحدة عناية مركزة فقط، وحتى نهاية شهر مارس، لم يكن هناك توضيح بشأن المستشفيات المسؤولة عن تولّي الحالات المصابة بـ كوفيد-19. وعلى الرغم من تحديد مستشفيين في الشرق، إلا أنهما لا يحويا سوى 12 سريرًا في وحدة العناية المركزة.
لم يكن لدى ليبيا أية خطط لشراء اختبارات التشخيص ومعدات الوقاية الشخصية، أو لتدريب الطاقم الطبي قبل انتشار الفيروس. بالإضافة إلى ذلك، كان لدى المركز الوطني لمكافحة الأمراض ستة فرق استجابة سريعة فقط لثلاث مناطق في البلاد،16 وهو ما لا يكفي لتغطية هذه المنطقة الشاسعة.
تم الإبلاغ عن أول حالة مؤكدة بـ كوفيد-19 في ليبيا في 25 مارس 2020. 15 وبحلول 29 مارس، أجرى المركز الوطني لمكافحة الأمراض 120 فحصًا وكانت هناك ثماني حالات مؤكدة بـ كوفيد-19. كون الفحوصات المجراة محدودة يعني أن عدد الحالات لم يتم الإبلاغ عنه بالشكل المفروض وأن العدد الفعلي للإصابات كان أكبر في ذلك الوقت.
بحلول 13 مايو، تم إجراء 4,155 اختبارًا للكشف عن الفيروس المستجد، ولكن الاختبارات من أجراها مختبران وحيدان متاحان في البلاد، حيث تم إجراء 3005 اختبارًا في طرابلس، و1150 آخرين في بنغازي، وهذا يفسر سبب وجود معظم الحالات المبلغ عنها في ذلك الوقت في طرابلس (49 من 64). 17 وكانت مدينة سبها في الجنوب من أكثر المدن التي سُجلت فيها حالات كوفيد-19 حيث بلغ عدد الإصابات فيها 669، ويعتبر هذا رقمًا كبيرًا، نظرًا لعدم وجود معمل اختبار في المدينة ولخضوع أقل من 1% من سكان المدينة للاختبار، فهذا على الأرجح يدل على أن العدد الفعلي للأشخاص المصابين بالفيروس أعلى بكثير.
ما يزال من غير الواضح كيف تم تخصيص 500 مليون دينار ليبي من قبل حكومة الوفاق الوطني لعدة قطاعات18، بما في ذلك الصحة، فما يزال هناك نقص كبير في التمويل والقدرات، مع وجود حاجة ماسّة لمعدات الوقاية الشخصية في جميع أنحاء البلاد. 19 ففي مدينة سبها على وجه الخصوص، يبقى هناك نقص في الطاقم الطبي، والكمامات، والأدوية الأساسية. كما يحد نقص الوقود في الجنوب من قدرة المستشفيات على تلبية الحاجة، بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم القدرة على نقل المعدات وعينات الاختبار. وفي 3 أغسطس، علّق المركز الوطني لمكافحة الأمراض اختبارات تشخيص الفيروس بسبب العجز القائم رغم الأموال المخصصة.
تتعامل العديد من الجهات الفاعلة والمنظمات المختلفة في قطاع الصحة الليبي مع جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، فنشرت منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأخرى التي تشكل الكتلة الصحية في ليبيا خطة استعداد واستجابة لانتشار الفيروس في 26 مارس، أي بعد يومٍ واحد من تأكيد الحالة الأولى للإصابة بالفيروس. ومع ذلك، لم تشارك السلطات الحكومية في هذه الخطة، فذكرت منظمة الصحة العالمية أنه لم يصادق المسؤولون الحكوميون على الخطة حتى منتصف يوليو.
يبقى التنسيق بين الجهات الحكومية وغير الحكومية ضعيفًا للغاية، وما يزال دور قطاع الرعاية الصحية الخاص في الاستجابة لتفشي الوباء ضئيلًا، بالرغم من استمرار القطاع بالتطور. وتلعب المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة دورًا أساسيًا في دعم المهاجرين واللاجئين. ومع ذلك، أظهر استطلاع أجراه مركز الهجرة المختلطة في أبريل أن 38% من 208 شخص تمت مقابلتهم ذكروا أنهم لا يعرفون إلى أين يذهبون للحصول على الخدمات الصحية،23 ويواجه اللاجئون على وجه الخصوص تحديًا كبيرًا لأنهم يفتقرون إلى الوثائق المطلوبة.
بالإضافة إلى ذلك، العديد من التقارير تتحدث عن ضعف التنسيق، والازدواجية في تقديم الخدمات، وتشتت تبادل المعلومات بين مختلف الجهات الصحية الفاعلة. 10 ففي مايو، وثق تقرير وصول المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة 658 حالة من تقييد الوصول للمنظمات الإنسانية والسلع إلى ليبيا، و260 من هذه القيود داخل البلاد، مما يؤثر على قدرة الأطراف على تلبية الاحتياجات الصحية والإنسانية أثناء الوباء.
يعد فيروس كوفيد-19 تهديدًا خطيرًا للصحة العامة في مناطق النزاع مثل ليبيا. ومع استمرار الحاجة إلى دعم وتحسين القطاع الصحي في البلاد، فإن ذلك لن يحدث طالما استمر النزاع المسلح، وهو السبب الرئيس للثغرات في النظام الصحي.
على حكومتي الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي الحفاظ على وقف إطلاق النار، ورفع جميع القيود المفروضة على الوصول للمساعدات الإنسانية لضمان توفير الرعاية الصحية والإنسانية في الوقت المناسب للمحتاجين.
بالإضافة إلى ذلك،يجب توفير نظام صحي أقوى وأكثر ترابطًا بحيث يكون فيه لجميع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، بما في ذلك تلك الموجودة في القطاع الخاص، أدوارًا واضحة وتعمل بالتنسيق معًا لتجنب الازدواجية في العمل أو الاستجابة غير الكافية.
علاوةً على ذلك، فإن الشفافية فيما يتعلق بميزانية الحكومة المخصصة لاستجابة لفيروس كوفيد-19 وكيفية إنفاقها يبقى أمرًا غايةً في الأهمية.
إلى جانب ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار في الجهوزية والاستجابة لانتشار الفيروس في هذه المجالات:
- التخطيط بشكلٍ دقيق لشراء ضروريات الطوارئ مثل اختبارات التشخيص، والكمامات، ومعدات الوقاية الشخصية، والأدوية، والمعدات.
- إجراء اختبارات تشخيص وتطبيق تدابير وقائية صارمة على الصعيد الوطني، مثل ارتداء الأقنعة، وتقييد التجمعات الكبيرة.
- بناء وتعزيز القدرات المحلية، بما في ذلك التدريب القصير والطويل الأمد للعاملين في القطاع الصحي وفرق الاستجابة السريعة.
وأخيرًا، يجب تحديد احتياجات الفئات الأكثر ضعفًا، بمن فيهم المهاجرون وطالبو اللجوء، وتلبيتها على وجه السرعة. وكذلك من الضروري تلبية جميع الاحتياجات العاجلة لمكافحة الوباء بشكلٍ فعّال.