“مواطنة”: المدنيون في اليمن عالقون بين الأطراف المتحاربة في انتظار العدالة
بالتزامن مع حلول الذكرى السادسة لبدء عمليات التحالف العسكري بقيادة السعودية والامارات في اليمن، دعت منظمة “مواطنة” أطراف النزاع إلى التوقف الفوري عن ارتكاب انتهاكات واعتداءات جسيمة.
وطالبت المجتمع الدولي لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، عبر استخدام الأليات الدولية الحالية أو إنشاء آليات دولية لمساءلة المنتهكين وإنصاف الضحايا.
منذ 26 مارس/آذار 2015، تقود السعودية والإمارات تحالفا عسكريا ضد قوات جماعة أنصار الله “الحوثيين” التي استولت على العاصمة اليمنية صنعاء في 21سبتمبر/أيلول 2014 بقوة السلاح.
في أوائل عام 2021، صعدت جماعة أنصار الله (الحوثيون) من هجماتها على محافظة مأرب، وسرعان ما تبع ذلك تصعيد في القتال في أجزاء أخرى من البلاد.
وبعد انقضاء أعوام ستة على بدء الحرب في اليمن، تواصل مواطنة لحقوق الإنسان توثيق الانتهاكات والاعتداءات لجميع الأطراف الضالعة في النزاع المحتدم في اليمن بما فيها قوات التحالف بقيادة السعودية والامارات والقوات والجماعات المسلحة المدعومة إماراتياً وقوات جماعة أنصار الله “الحوثيون” وقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
ومنذ أواخر مارس 2015، “مواطنة” وثقت غارات جوية عشوائية وغير متناسبة نفذتها مقاتلات التحالف الحقت اضرار جسيمة بالأعيان المدنية، وأوقعت ضحايا مدنيين من بينهم الأطفال والنساء.
كما وثقت “مواطنة ” وقوع أضرار جسيمة بالمدنيين خلال القتال البري في اليمن، بما في ذلك القصف العشوائي لأنصار الله “الحوثيون” والتحالف والقوات الحكومية اليمنية على مناطق مكتظة بالسكان المدنيين.
القى هذا النزاع بظلاله على المدنيين وخلف تأثيراً مدمراً على البنية التحتية المدنية الحيوية في جميع أنحاء البلاد. وخلال هذه الفترة المريرة يعاني المدنيون بشكل متواصل من النزوح، ونقص الوقود، وانقطاع الرواتب والخدمات الأساسية.
وقد أدت القيود المفروضة من قبل التحالف بقيادة السعودية والإمارات والجماعات المسلحة المدعومة من قبله وكذلك جماعة أنصار الله “الحوثيين” وقوات الحكومة اليمنية على الامدادات الإنسانية -بما فيها قدرة اليمنيين على وصول إلى الرعاية الصحية – إلى تعاظم خطر المجاعة، وساهمت في دفع اليمن إلى شفا كارثة إنسانية، في بلدِ يمر بأسوأ أزمة إنسانية في العالم حسب وصف الأمم المتحدة.
تستمر انتهاكات الأطراف المتحاربة في تهديد حياة ملايين اليمنيين، الذين يعانون بالفعل من انتشار الجوع وانتشار الأمراض، بما في ذلك COVID-19. وثمة مخاوف متفاقمة من أن يعمل استمرار النزاع على انهيار ما تبقى من شكل هش لمؤسسات الدولة.
شنّ التحالف مئات الغارات الجوية، ما أسفر عن مقتل واصابة ألاف المدنيين وضرب البنية التحتية الحيوية بما فيها المستشفيات والمراكز الصحية في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
وخلصت “مواطنة” من خلال توثيق بعض الهجمات العشوائية والغير متناسبة ان الكثير منها قد ترقى إلى جرائم حرب.
ومنذ مارس/ آذار العام 2015 وحتى مارس/ آذار 2021، وثقت “مواطنة” ما لا يقل عن 577 هجمة جوية استهدفت مدنيين أو أعياناً مدنية، وتسببت في مقتل 3820 مدنياً، من بينهم 966 امرأة و405 طفلاً، وجرح 3000 مدنياً، بينهم 764 امرأة و356 أطفال. أتت الهجمات الجوية على أحياء سكنية وقرى وأسواق وجسور ومدارس ومنشآت خدمية وتجارية.
ومن بين الهجمات التي وثقتها “مواطنة” لمقاتلات التحالف بقيادة السعودية والإمارات ضد أهداف مدنية، تحققت “مواطنة” من استخدام أسلحة أمريكية في (25) هجمة جوية، وأسلحة بريطانية في (5) هجمات جوية، وسلاح إيطالي في هجمة جوية واحدة.
وعلى الرغم من هذا، استمرت عدد من الدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في تصدير الأسلحة وأشكال أخرى من الدعم العسكري للتحالف بقيادة السعودية والإمارات، بالتوازي مع جهود تلك الدول لإعاقة جهود التحقيق والمساءلة بشأن انتهاكات الحرب في اليمن.
وفي 11 ديسمبر/ كانون الأول 2019، قدمت مواطنة مع المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان وشركاء آخرون التماساً مكون مما يزيد عن 300 صفحة شمل تحقيقات مفصلة عن 26 هجمة جوية قد ترقى إلى جرائم حرب مدعومة بأدلة جمعتها مواطنة لحقوق الإنسان.
ويدعو الالتماس مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق في مسؤولية 10 شركات تصنع أسلحة وجهات حكومية مخولة بمنح تصاريح بيع الأسلحة من ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة لاحتمال تورطهم في جرائم حرب من قبل التحالف بقيادة السعودية والإمارات.
وفي 11 أغسطس/ آب 2019، قدمت مواطنة وشبكة الإجراءات القانونية العالمية معلومات مباشرة إلى وزيرة الدولة للتجارة الدولية في المملكة المتحدة، عبر رسالة توضح أهمية التعليق الفوري لمبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.
وتضمنت المعلومات أدلة تفصيلية للشهود وتوثيقًا مصورًا شاملاً لمواقع الهجوم ومخلفات الذخائر المستخدمة، وتناولت أنماطًا محددة لهجمات التحالف وإخفاقات فريق تقييم الحوادث المشترك.
في مارس/ آذار 2016، قدمت مواطنة إثباتاً مكتوبة للجنة ضبط تصدير الأسلحة في البرلمان البريطاني عن استخدام التحالف لأسلحة بريطانية الصنع ضد أعيان مدنية في اليمن.
ويلزم القانون الدولي الإنساني الأطراف المتحاربة على التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، والتحقق من أن عملياته العسكرية المنفذة مواجهه نحو أهداف عسكرية، والقيام بالتدابير اللازمة لضمان تخفيف الضرر الذي قد يُصيب المدنيين.
اضافت المتوكل: “اتخذت إدارة بايدن خطوة مهمة بإعلانها أنها ستنهي بعض الدعم العسكري للتحالف وتستثمر في الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب، لكن هذا لا يمحو السنوات الست الماضية”.
“يجب على الولايات المتحدة أن تلتزم بدعم العدالة في اليمن، بما في ذلك التحقيق وتوفير سبل الانتصاف لدورها في إلحاق الضرر بالمدنيين “.
خلال الاقتتال البري، وثقت “مواطنة ” مرارًا وتكرارًا قيام الأطراف المتنازعة بإطلاق نيران المدفعية بشكل عشوائي على مناطق مكتظة بالسكان.
وقد نفذت جماعة أنصار الله “الحوثيون” بشكل متكرر هجمات قصف على مناطق يمنية مكتظة بالسكان في جميع أنحاء البلاد، وكان لها تأثير شديد بشكل خاص على تعز، فيما نفذت الجماعة أيضاً 10 وقائع قصف بري على مدينة مأرب المكتظة بالسكان منذ تصاعد اعمال العنف في المحافظة 2020.
كما أقدمت قوات التحالف البرية أيضاً على شن هجمات برية عشوائية على مناطق آهلة بالسكان، حيث قصفت قوات حرس الحدود السعودي مدن وقرى وأسواق يمنية متاخمة للحدود البرية بين السعودية واليمن.
فيما وقعت هجمات برية عشوائية نفذتها القوات البرية المدعومة من قبل التحالف كقوات المجلس الانتقالي والقوات المشتركة في الساحل الغربي المدعومتان إماراتياً، وأدت هذه الهجمات الى خسائر في أرواح المدنيين ودمار لأعيان مدنية.
وثقت “مواطنة” منذ مارس/ آذار 2015 وحتى مارس/ آذار 2021، ما لا يقل عن 418 هجمة برية عشوائية أودت بحياة 219 مدنياً، بينهم 116 طفلاً و39 امرأة، وجرحت ما لا يقل عن 475 آخرين، بينهم 273 طفلاً و96 امرأة.
تتحمل قوات التحالف والمدعومة من قبلها 76 هجمة برية، فيما تتحمل جماعة أنصار الله “الحوثيون” المسؤولية في 285 هجمة برية، بينما تتحمل القوات الحكومية التابعة لهادي مسؤولية 57 هجمة برية.
ويحظر القانون الدولي الإنساني الهجمات العشوائية، بما في ذلك الهجمات التي تستخدم أسلحة لا يمكن توجيهها إلى هدف عسكري محدد.
منذ تفاقم النزاع في مارس/ آذار 2015، وثقت مواطنة وقائع تجنيد جميع أطراف النزاع في اليمن للأطفال، واستخدامهم في المهام الأمنية أو اللوجستية أو القتالية.
ومنذ الفترة من مارس/آذار 2015 وحتى مارس/ آذار 2021، ووثقت “مواطنة” 1324واقعة جنّدتهم جماعة أنصار الله “الحوثيون”، كما وثقت “مواطنة” ما لا يقل عن 359 واقعة تجنيد واستخدام لأطفال من قبل الجماعات المسلحة المدعومة من قبل التحالف بقيادة السعودية والامارات، وبلغ عدد الوقائع التي وثقتها مواطنة 294 واقعة لأطفال جُنّدوا من قبل قوات الحكومة المعترف بها دولياً.
يحدد القانون الدولي سن 18 عامًا كحد أدنى لسن المشاركة في الأعمال العدائية المباشرة. يعد تجنيد واستخدام الأطفال دون سن 15 كمقاتلين جريمة حرب.
منذ بداية النزاع، ووثقت مواطنة وقائع اعتقال تعسفي واختفاء قسري وتعذيب في سجون سرية أو غير رسمية تديرها أطراف النزاع، فضلا عن تفشي الانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز في مختلف أرجاء اليمن.
خلال مارس/أذار 2015 وحتى مارس/ آذار 2021، وثقت “مواطنة” 449 واقعة احتجاز تعسفي من بينهم عاملين صحيين و233 واقعة اختفاء قسري و137 واقعة تعذيب قام بها التحالف والقوات المدعومة إماراتياً.
كما أقدمت جماعة أنصار الله “الحوثيون” في المحافظات التي تسيطر عليها على ارتكاب 1051 واقعة احتجاز تعسفي و433 واقعة اختفاء قسري و149 واقعة تعذيب، كما وثقت “مواطنة” 342 واقعة احتجاز تعسفي و104 واقعة اختفاء قسري و71 واقعة تعذيب وسوء معاملة نفذتها قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020 قدمت “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا رسالة مشتركة موجهة إلى المقررين الخواص ومجموعات العمل التابعة للأمم المتحدة، إن أنصار الله (الحوثيون) يواصلون الاحتجاز التعسفي لتسعة صحفيين في صنعاء، في حين لا يزال صحفياً مفقوداً منذ اختفائه في أبريل/نيسان 2015.
وطالبت “مواطنة” وعيادة حقوق الإنسان الأمم المتحدة بمواصلة الدعوة إلى الإفراج الفوري عن الصحفيين، وإلغاء عقوبة الإعدام التي يواجهها أربعة منهم، والسعي للمساءلة عن الانتهاكات التي تعرضوا لها أثناء الاحتجاز.
في فبراير/ شباط 2021، دعت مواطنة وهيومن رايتس ووتش المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحفي عادل الحسني.
وكان الحسني قد اعتقل في سبتمبر /أيلول 2020، حيث تم تقييده وتهديده وضربه ليعترف باستخدام عمله كصحفي للتجسس لصالح دول أجنبية. تم الإفراج عن الحسني في وقت لاحق من هذا الشهر.
يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة. لا يوجد ما يبرره تحت أي ظرف من الظروف. كما يحظر الاختفاء القسري.
وثقت “مواطنة” خلال الفترة من مارس/ آذار 2015 وحتى مارس/ آذار 2021، تتحمل جماعة أنصار الله “الحوثيون” 274 واقعة منع وصول مساعدات، وما لا يقل عن 17 واقعة منع وصول مساعدات إنسانية قام بها التحالف بقيادة السعودية والإمارات والجماعات المسلحة المدعومة إماراتياً، كما اقترفت القوات الحكومية 19 واقعة.
وكان لإغلاق التحالف للموانئ الجوية والبرية والبحرية في اليمن تأثيراً معيقاً لإيصال المساعدات الإنسانية، وكذلك على قدرة المدنيين اليمنيين على الحصول على الغذاء والدواء والوقود؛ وهي مقتضيات لا غنى عنها لبقاء السكان على قيد الحياة.
في حين أن اليمن تعتمد بشكل كبير على السلع المستوردة. كما أبقى التحالف مطار صنعاء الدولي مغلقا أمام الرحلات الجوية التجارية منذ 2016.
بموجب القانون الدولي الإنساني، يجب على أطراف النزاع تسهيل المرور السريع للمساعدات الإنسانية للمدنيين المحتاجين وعدم التدخل بشكل تعسفي فيها.
طوال الفترة من مارس/آذار 2015 وحتى مارس/آذار 2021، وثقت مواطنة لحقوق الإنسان وقائع اعتداء متكررة على المستشفيات والمراكز صحية والطواقم الطبية بأنماط مختلفة من الانتهاكات، وبحسب الوقائع التي وثقتها “مواطنة” ارتكبت قوات التحالف بقيادة السعودية والامارات 35 هجمة جوية وهجمة برية واحدة، كما ارتكبت الجماعات المسلحة المدعومة إماراتياً 9 وقائع اعتداء على طواقم طبية واقتحام منشآت صحية ونهب معدات طبية.
وتتحمل جماعة أنصار الله “الحوثيون” المسؤولية في 88 واقعة اعتداء على منشآت طبية، فيما تتحمل القوات الحكومة المعترف بها دولياً مسؤولية 55 واقعة.
في 2020، قدمت مواطنة لحقوق الإنسان وعيادة حقوق الانسان في جامعة كولومبيا تقريرًا مشتركًا إلى لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يهدف الى إطلاع اللجنة على أفظع أنماط الانتهاكات، بناءً على البحوث الميدانية والبيانات الداعمة.
وتشمل هذه الانتهاكات كيفية قيام الأطراف بإعاقة إيصال المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية؛ مهاجمة المستشفيات ومخازن الأغذية ونقلها ومرافق المياه والمدارس؛ وكذلك تجنيد الأطفال واحتلال المدارس.
كما فشلت السلطات في دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، مما أثر على حقهم في الحصول على مستوى معيشي لائق.
جددت مواطنة لحقوق الإنسان مطالبة الأطراف المتنازعة الالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني بما فيها المبادئ الأساسية المتمثلة في التمييز والتناسب واتخاذ الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، ولعام اخر على التوالي تجدد دعوتها الأطراف المتنازعة الكف الفوري عن شن هجمات على المدنيين والأعيان المدنية بما فيها المستشفيات والمدارس والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية.
اقرأ أيضاً: عواقب الخلافات بين أطراف الصراع اليمني لا يتكبدها من يتخذون القرار