منظمة حقوقية تطالب الولايات المتحدة بتعليق المساعدات لتونس في أعقاب الانقلاب
قالت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN) أنه ينبغي على إدارة “بايدن” أن تصف ما يحدث في تونس بالانقلاب.
وطالبت المنظمة الولايات المتحدة بتعليق المساعدات لتونس كما يقتضي القانون الأمريكي.
فقد شكّل تعليق مجلس النواب في تونس بالقوة العسكرية وإقالة رئيس الحكومة “هشام المشيشي”، وما أعقب ذلك من اعتقالات لقادة سياسيين من قبل الرئيس التونسي “قيس سعيّد” انقلابًا على الحكومة التونسية المنتخبة ديمقراطيًا.
قال “جون هيرش”، مدير البرامج في منظمة (DAWN): “من خلال تجنب وصف انتزاع سعيد للسلطة بانقلاب، فإن إدارة بايدن تقوض التزام الولايات المتحدة المعلن بالديمقراطية والحد من الاستبداد في تونس”.
وأضاف: “إن عدم وصف هذه الإجراءات بأنها انقلاب لتجنب تعليق المساعدات الأمريكية يمنح سعيد الدعم الذي يريده لتقوية سلطته وجعل انقلابه واقعًا مستدامًا”.
في 25 يوليو/تموز، أقال “سعيّد” رئيس الحكومة وعلّق أعمال البرلمان بعد التذرع بسلطات الطوارئ. تعهد “سعيّد” في البداية بأن هذه الإجراءات ستكون مؤقتة وستستمر لمدة 30 يومًا.
صرّح “سعيّد”، بدعم من الجيش التونسي، أنه سيحكم إلى جانب رئيس جديد للحكومة، لكنه لم يقدم أي تفاصيل حول موعد تعيينه.
وقال “سعيّد” في خطابه المتلفز الذي أعلن فيه عن إجراءاته، أن قرارات الطوارئ هذه ستستمر “حتى ننقذ الدولة” وأن “القوات المسلحة سترد بوابل من الرصاص” إذا لزم الأمر.
من خلال التلميح إلى انتزاع للسلطة يستمر لفترة طويلة وبدعم من الجيش ووعده باستخدام القوة ضد خصومه، يخاطر سعيّد بتصعيد الأزمة السياسية إلى اضطرابات مدنية ومواجهات عنيفة.
في اليوم التالي، داهمت الشرطة التونسية مكاتب قناة الجزيرة. قامت أجهزة الأمن التونسية بهذه الإجراءات دون أمر قضائي ولم تسمح لموظفي الجزيرة باسترداد متعلقاتهم الشخصية.
كما صادروا جميع مفاتيح المكتب الذي لا يزال مغلقًا. ثم أغلق جنود تونسيون مدخل مبنى مجلس النواب ورفضوا السماح لأعضاء المجلس بالدخول.
كما أقال “سعيّد” وزيري الدفاع والعدل، وعيّن الضابط السابق في الشرطة رضا غرسلاوي وزيرًا للداخلية، وفرض حظر تجول لمدة شهر، مع حظر السفر بين المدن والتجمعات العامة لأكثر من ثلاثة أشخاص.
وفي 30 يوليو/تموز، اعتقلت قوات الأمن التونسية “ياسين العياري”، عضو مجلس النواب والمدوّن الشهير الذي وصف إجراءات سعيد بأنها “انقلاب عسكري”.
“العياري” هو عضو في حركة أمل وعمل السياسية التي ذكرت أن أعضاء الفريق الأمني الذي أرسله سعيّد قاموا باعتقال العياري دون أمر قضائي.
أدانت محكمة عسكرية تونسية “العياري” بـ “التشهير بالجيش” وحكمت عليه بالسجن ثلاثة أشهر في 26 يونيو/حزيران 2018 بسبب منشور على فيسبوك نُشر في 28 أبريل/نيسان 2017. انتقدت منظمات حقوقية عديدة هذا القرار بشدة.
وفي 30 يوليو/تموز أيضًا، وضعت قوات الأمن القاضي “بشير العكرمي” قيد الإقامة الجبرية لمدة 40 يومًا، رغم أنه يمكن للمسؤولين تجديد هذه العقوبة.
وفي 6 أغسطس/آب، قام وزير الداخلية المعين حديثًا بوضع “أنور معروف”، وزير تكنولوجيا الاتصال والاقتصاد الرقمي السابق والعضو البارز في حزب النهضة، قيد الإقامة الجبرية.
“معروف” هو أول عضو في مجلس النواب يتم وضعه قيد الإقامة الجبرية منذ أن علّق “سعيّد” مجلس النواب. وفي 7 أغسطس/آب، اعتقلت الحكومة عضوين آخرين في مجلس النواب، “ماهر زيد” و”محمد عفس”، وكلاهما عضو في حزب الكرامة المعارض وكلاهما ينتقد سعيّد.
في 10 أغسطس/آب، أصدر “سعيّد” حظر سفر على 12 مسؤولًا “يشتبه في فسادهم”، لكنه لم يقدم أي تفاصيل عن هذه التعاملات الفاسدة المزعومة.
قام “سعيّد” سابقًا باتخاذ إجراء أحادي الجانب بتجريد أعضاء مجلس النواب من حصانتهم من الملاحقة القضائية وعيّن نفسه مشرفًا على مكتب النيابة العامة.
لم يبرر “سعيّد” هذه الخطوة حتى الآن من خلال إعلان أو مرسوم قانوني. كل هذه الإجراءات تركز السلطة في يد فرد واحد، وتسلب تقاسم السلطة الذي أقره مجلس النواب بين الرئيس ورئيس الحكومة ومجلس النواب، وتخاطر بالعودة الدائمة إلى الدولة الاستبدادية.
قال “هيرش”: “ترحب الحكومات الاستبدادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعدم اتخاذ الولايات المتحدة لإجراء إزاء تونس لأن انهيار الديمقراطية الأخيرة الناتجة عن الربيع العربي لن يؤدي إلا إلى تشجيع هؤلاء القادة الاستبداديين على مزيد من تجاهل حقوق الإنسان وسيادة القانون”.
وأضاف “هيرش”: “بدلًا من السماح لهؤلاء القادة بتوسيع نفوذهم، يجب على إدارة بايدن أن توضح أن دعم الولايات المتحدة للحكومة التونسية مرهون باحترامها للحقوق الديمقراطية والسياسية لجميع التونسيين”.
زعم “سعيّد” أنه تصرف في حدود سلطاته القانونية، بحجة أن المادة 80 من الدستور التونسي تمنحه سلطة إقالة الحكومة وتعيين إدارة مؤقتة وتعليق عمل مجلس النواب.
تمنح المادة 80 الرئيس صلاحيات واسعة في ظروف استثنائية، ولكنها تتطلب أيضًا أن يكون هناك “خطر داهم” على مؤسسات الأمة أو أمن واستقلال البلاد.
علاوة على ذلك، يجب على الرئيس أولًا التشاور مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب وإبلاغ رئيس المحكمة الدستورية بهذا القرار.
من الواضح أن تونس لا تواجه “خطرًا داهمًا” كما تصورها واضعو الدستور. وفي حين أن البلاد تواجه أزمات سياسية واقتصادية خطيرة، لم يتغير هذا الوضع منذ أن أصبح سعيّد رئيسًا ولا يمكن القول أن ذلك يشكل خطرًا داهمًا.
من الناحية الإجرائية، لم يتبع سعيّد المتطلبات المنصوص عليها في الدستور، حيث قال راشد الغنوشي، رئيس مجلس النواب، أن سعيّد لم يتشاور معه قبل أن يتخذ هذه الإجراءات على الرغم من أن هذا الشرط منصوص عليه في المادة 80.
كما لا يسمح الدستور للرئيس بتعليق عمل مجلس النواب، لأن المادة 80 تتطلب اعتبار مجلس النواب “في حالة انعقاد دائم” طوال فترة الطوارئ.
بالإضافة إلى ذلك، لم يقم المسؤولون التونسيون بعد بإنشاء المحكمة الدستورية، التي لابد من الحصول على إذن منها قبل ممارسة سلطات الطوارئ.
رفض “سعيّد” المصادقة على مشروع قانون أقره مجلس النواب في أبريل/نيسان من شأنه أن ينشئ المحكمة وعرقل تعديلات دستورية من شأنها أن تحد من السلطة التنفيذية.
اكتسبت هذه القرارات أهمية أكبر بعد 25 يوليو/تموز، حيث تسمح المادة 80 لرئيس مجلس النواب أو ثلاثين من أعضاء المجلس بسؤال المحكمة الدستورية عما إذا كانت الظروف الاستثنائية التي تسمح للرئيس بتطبيق سلطات الطوارئ لا تزال قائمة.
قال “هيرش”: “من خلال التذرع بالسلطات الطارئة المنصوص عليها في المادة 80 من الدستور، وعرقلة إنشاء المحكمة الدستورية للتحقق من إساءة استخدام هذه السلطات الطارئة، أنشأ سعيّد عمدًا وضعًا قانونيًا غير محدد لتوسيع سلطته التنفيذية”.
وأضاف “هيرش”: “إن القراءة الواضحة للدستور التي تتطلب إشرافًا قضائيًا على سلطات الطوارئ توضح أن الشعب التونسي أراد أن يتجنب بالضبط نوع الاستيلاء على السلطة الذي نشهده الآن”.
يحظر قانون الولايات المتحدة المساعدات الأجنبية لأي دولة “يتم فيها الإطاحة برئيس حكومتها المنتخب من خلال انقلاب أو مرسوم عسكري” أو من خلال “انقلاب أو مرسوم يلعب فيه الجيش دورًا حاسمًا”.
بالنظر إلى دور الجيش التونسي في إغلاق مجلس النواب واحتجاز رئيس الحكومة ورفض السماح لأعضاء مجلس النواب بأداء واجباتهم التشريعية، فمن الواضح أن الجيش التونسي لعب دورًا حاسمًا، وإن كان محدودًا، في دعم انقلاب “سعيّد”.
ساهمت الولايات المتحدة بنحو 700 مليون دولار لتونس منذ ثورة 2011 الديمقراطية، بما في ذلك في الجهود المبذولة لتحسين النمو الاقتصادي وتعزيز الأمن وتعزيز الديمقراطية والمجتمع المدني.
ذهب أكثر من 80 مليون دولار مباشرة إلى المبادرات التي تدعم الحكم الرشيد والشفافية المالية. في 30 يونيو/حزيران، وافقت مؤسسة تحدي الألفية، وهي وكالة أمريكية تعمل على الحد من الفقر من خلال النمو الاقتصادي عبر تقديم المنح والمساعدات إلى البلدان التي تلبي معايير صارمة للحكم الرشيد، على اتفاق بقيمة 498.7 مليون دولار مع تونس للمساعدة في تعزيز النقل والتجارة وقطاعات المياه في البلاد.
يجب على الحكومة الأمريكية تعليق هذه المساعدة وغيرها من المساعدات غير الضرورية حتى يسمح “سعيّد” لمجلس النواب باستئناف انعقاده ويتخلى تمامًا عن استيلائه على السلطة.
قال “هيرش”: ” تتمتع الحكومة الأمريكية، بالإضافة إلى التزاماتها القانونية، بنفوذ اقتصادي كبير لدفع سعيّد لإعادة انعقاد مجلس النواب والتراجع عن إجراءاته، الآن وقبل فوات الأوان للتراجع عن انقلابه”.
وأضاف “هيرش”: “الولايات المتحدة ليس لديها مصلحة في تقديم أي مساعدات إضافية لسعيّد – التي الغرض منها هو دعم الديمقراطية في تونس – حيث يعمل سعيّد على تفكيك المؤسسات والحريات الديمقراطية في تونس”.
كما تقدم هذه الأزمة لإدارة “بايدن” فرصة مهمة لإعطاء مضمون لخطابها المتعلق باستعادة القيم الديمقراطية للسياسة الخارجية الأمريكية والابتعاد عن سياسة إدارة “ترامب” التي سعت إلى احتضان القادة الاستبداديين.
حتى الآن، اتبعت إدارة “بايدن” نهجًا حذرًا بشكل خاص، مشيرة إلى قلقها بشأن الوضع في تونس، لكنها تجنبت مسألة توصيف إجراءات “سعيّد” بأنها انقلاب.
تحدّث وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” مع “سعيّد” في 26 يوليو/تموز، لكنه شجعه فقط على “الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانًا منفصلًا في اليوم ذاته، شددت فيه على ضرورة وضع حلول لمشاكل تونس السياسية والاقتصادية بناءً على الدستور التونسي ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية.
وحث “بلينكن” منذ ذلك الحين “سعيّد” على إعادة تونس “إلى المسار الديمقراطي”. كما التقى مؤخرًا مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى بسعيّد في 13 أغسطس/آب وحثوه أيضًا على “العودة السريعة” إلى الديمقراطية البرلمانية.
في المقابل، وصف المحامي الدستوري التونسي البارز والباحث القانوني “عياض بن عاشور” إجراءات “سعيّد” بأنها “انقلاب بكل ما تحمله الكلمة من معنى”، في حين وصفها “طارق المجريسي”، وهو زميل أول مختص بالسياسات في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بأنها “انقلاب ذاتي”.
كما اتخذت دول ديمقراطية أخرى موقفًا أكثر انتقادًا تجاه الاستدلال القانوني لسعيّد، حيث وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية الأساس المنطقي القانوني لتعليق مجلس النواب التونسي بأنه “تفسير فضفاض إلى حد ما للدستور”.
منذ تعليق “سعيّد” لمجلس النواب والاستيلاء على السلطة، أصدر المسؤولون السعوديون والإماراتيون والمصريون بيانات تدعم إجراءاته.
أكد وزير الخارجية المصري “سامح شكري” “دعم مصر الكامل”، في رسالة تم تأكيدها في بيان أصدرته وزارة الخارجية المصرية.
وذكرت تقارير أن السعودية والإمارات وعدت سعيّد بقروض بقيمة 5 مليارات دولار لدعم سيطرته على البلاد. يمكن أن تكون هذه الوعود المالية بمثابة دعم لسعيّد، لأن إجراءاته تقوض قدرة البلاد على تأمين تمويل جديد من صندوق النقد الدولي.
تسعى تونس للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لتثبيت مدفوعات ديونها الوطنية. لكن المحللين الآن يشككون في إمكانية تأمين هذا القرض بسبب الأزمة السياسية التي تسبب بها سعيّد. في غضون ذلك، تراجعت سندات العملة الصادرة عن البنك المركزي التونسي بمبالغ قياسية.
قال هيرش: “من الواضح أن إدارة بايدن تفضل أن تنتظر وترى النهج الذي سيتم اتخاذه في تونس قبل اتخاذ أي إجراء، لكن عدم اتخاذ أي إجراء له تكاليفه الخاصة”.
وأضاف “هيرش”: “إنّ استمرار المساعدات الأمريكية في ظل الانقلاب في تونس هو في الواقع تصويت لدعم سعيّد ومناهضة للديمقراطية في تونس”.
اقرأ أيضاً: الفدرالية الدولية تخاطب المفوضية الأوروبية بشأن قرار تجميد عمل البرلمان التونسي