مشاكل كبيرة في ممارسات الشراء بالأمم المتحدة التي تقدم المساعدة في سوريا
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان- حذرت “هيومن رايتس ووتش” من المخاطر الجسيمة المترتبة على عدم وجود ضمانات كافية في ممارسات الشراء المتبعة من قبل وكالات “الأمم المتحدة” التي تقدم المساعدة في سوريا.
حيث وبحسب هيومن رايتس ووتش فإن المخاطر تتمثل في تمويل الكيانات المنتهكة لحقوق الإنسان في المناطق المنكوبة.
أصدرت المنظمتان تقريرا ودليلا حول ممارسات الشراء المتوافقة مع حقوق الإنسان لمساعدة وكالات الأمم المتحدة في سوريا.
وجدت المنظمتان أن الوكالات الأممية لا تدمج مبادئ حقوق الإنسان بشكل كاف في تقييمها لموردي الأمم المتحدة. وهذا يعرضهم لمخاطر كبيرة تتعلق بالسمعة وتمويل الجهات المسيئة دون ضمانات كافية.
يحدد الدليل توصيات لمساعدة الفريق القِطري للأمم المتحدة والوكالات الأممية في سوريا على تعزيز ممارسات الشراء من منظور حقوق الإنسان.
كما يتضمن أداة تقييم لمساعدة الوكالات الأممية على تحديد الموردين السوريين المعرضين لخطر المشاركة في انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بالنزاع.
قالت هيومن رايتس ووتش: “ارتكبت الحكومة السورية فظائع بحق شعبها. يتضمن ذلك التعذيب الجماعي والهجمات بالأسلحة الكيمائية والعنف الجنسي.
وأضافت المنظمة: “رغم هذا السجل المرعب، لم تبذل وكالات الأمم المتحدة العناية الواجبة بحقوق الإنسان لضمان أن الطريقة التي يحصلون بها على الإمدادات والخدمات محليا لا تعزز انتهاكات حقوق الإنسان والفساد”.
راجعت هيومن رايتس ووتش والبرنامج السوري للتطوير القانوني، عمليات الشراء المتبعة في العديد من الوكالات الأممية.
قامت المنظمتان بمراسلة ومقابلة مسؤولي الأمم المتحدة المشاركين في عمليات الشراء. وأجرتا بحثا عن شركاء الأمم المتحدة الحاليين لفهم سجلاتهم في مجال حقوق الإنسان. بما في ذلك من خلال مقابلات مع موظفين سابقين وخبراء اقتصاديين ومراجعة وثائق المشاريع.
دمرت عشر سنوات من الصراع البنية التحتية لسوريا، وقتلت مئات الآلاف من الناس وشردت ملايين آخرين. كان للنزاع المستمر أيضا تأثير ضار على الاقتصاد. حيث قدرت الأمم المتحدة الخسائر الاقتصادية بـ 442 مليار دولار أمريكي لغاية سبتمبر/أيلول 2020.
تُترجم هذه التكاليف الكارثية إلى خسارة هائلة في سبل العيش، حيث يعتمد 11.7 مليون شخص على المساعدات الإنسانية.
ارتكبت أطراف النزاع السوري، لا سيما الحكومة السورية، انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. تضمنت تلك الانتهاكات الاحتجاز التعسفي والتعذيب إلى مصادرة الممتلكات والضربات الجوية العشوائية واستخدام الأسلحة المحظورة.
قالت المنظمتان إن على الوكالات الإنسانية أن تتجنب كليا المساهمة في مثل هذه الانتهاكات أو تسهيلها. عليها أيضا الالتزام بالمبدأ الإنساني المتمثل في عدم إلحاق الضرر، والتزاماتها الحالية بحقوق الإنسان. وعليها أيضاً تجنب مخاطر الإضرار بالسمعة المرتبطة بتسهيل انتهاكات حقوق الإنسان.
وجدت المنظمتان أن الوكالات الأممية العاملة في سوريا لا تقوم بإجراء تقييم لمخاطر حقوق الإنسان خاص ٍببلد العمل. لم تتضمن وثائق العطاءات والمشتريات التي راجعها الباحثون المعايير الحقوقية التي يُتوقع من الموردين الالتزام بها.
يبدو أيضا أن مسؤولي المشتريات نادرا ما يبحثون فعلا عن معايير عدم الأهلية المتعلقة بحقوق الإنسان. بل يعتمدون بشكل كبير على الإبلاغ الذاتي من قبل الموردين المحتملين أو قوائم عقوبات الأمم المتحدة.
تضم قوائم العقوبات هذه فقط “تنظيم القاعدة” والجماعات التابعة له و”داعش”. لكنها لا تشمل منتهكي الحقوق الآخرين، بمن فيهم المنتمون إلى الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها.
نتيجة لذلك، تعاقدت الأمم المتحدة مع كيانات فُرضت عليها عقوبات من قبل الولايات المتحدة أو “الاتحاد الأوروبي” لتورطها في انتهاكات حقوقية وقمع السكان المدنيين.
يشتمل الدليل على أمثلة عن عمليات شراء مباشرة من جهات منتهِكة. بالإضافة إلى أمثلة يتطلب فيها إجراء مزيد من تدقيق الأمم المتحدة للشركاء الثانويين.
في أحد الأمثلة، بين 2015 و2020، منحت وكالات الأمم المتحدة “شركة شروق للحماية والحراسات” عقود خدمات أمنية. وقد زادت قيمة تلك العقود عن أربعة ملايين دولار.
بحسب ما ورد، فإن لهذه الشركة الأمنية الخاصة صلات بـ”ماهر الأسد”، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد. ولها صلات أيضاً بالفرقة الرابعة للجيش السوري سيئة السمعة.
وكما هو معلوم فإن هذه الفرقة شاركت في أعمال أدت إلى قتل آلاف المتظاهرين خارج نطاق القضاء. وشاركت في أعمال منافية لحقوق الإنسان كالاعتقال التعسفي لعشرات آلاف الأشخاص في جميع أنحاء البلاد.
ارتُكبت هذه الانتهاكات كجزء من هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين، وبالتالي فهي تشكل جرائم ضد الإنسانية. يضم طاقم الشركة أعضاء متقاعدين وسابقين من عدة ميليشيات، ويقال إن قيادتها تتألف من أعضاء سابقين في الجيش السوري وأجهزة المخابرات، بما في ذلك القوات الجوية والمخابرات العامة.
في مثال آخر، في 2019، وفقا لصور متاحة علنا، ورد أن “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” تعاقد مع “فيلق المدافعين عن حلب”. وهو ميليشيا أصبحت مزود للخدمات في حلب. تعاقد البرنامج معه لدعم إصلاح أنابيب إمدادات المياه وإزالة الأنقاض في حي بمدينة حلب.
المجموعة، التي أعلنت التعاون بنفسها، تشكلت من مجموعات مليشيات شاركت في التهجير القسري للسكان في حلب.
قالت المنظمتان إنه من خلال إتاحة الموارد المالية لمثل هكذا موردين تخاطر الوكالات الأممية بالمشاركة في الانتهاكات.
الأمم المتحدة ملزمة بموجب القانون الدولي بواجب احترام حقوق الإنسان.
بموجب “معايير ومبادئ المساعدة في سوريا”، أكدت الأمم المتحدة أيضا أنه “يجب تطبيق معايير صارمة للعناية الواجبة، مستمدة من مبادئ سياسة العناية الواجبة بحقوق الإنسان”.
وأكدت أيضاً: “أن الأمم المتحدة تطبق مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان في جميع مجالات عملها في سوريا “.
حثّت هيومن رايتس ووتش والبرنامج السوري للتطوير القانوني الأمم المتحدة والحكومات المانحة الرئيسية على الاستفادة الكاملة من “آلية الحوار الإقليمي” المنشأة حديثا.
وهي منتدى لمسؤولي الأمم المتحدة والحكومات لمناقشة عقود الشراء وتحديد المشاريع التي قد تنطوي على مشاكل أو على التعامل التجاري مع أشخاص أو كيانات مرتبطة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا.
تلعب الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة دورا أساسيا في تلبية الاحتياجات الأساسية للسوريين وسط الصعوبات التي لا يمكن إنكارها للاستجابة الإنسانية في سوريا، بما في ذلك في سياق المشتريات.
لكن يمكن للوكالات، بل وعليها، إجراء تقييمات مفصلة للمخاطر المتصلة بحقوق الإنسان لأنشطة المشتريات، وجعل تلك التقييمات شفافة، بما في ذلك عبر آلية الحوار الإقليمي.
إذا ما أظهرت العناية الواجبة أن شريكا سوريا محتملا يمكن ربطه بانتهاكات جسيمة مستمرة أو مستقبلية لحقوق الإنسان، على الأمم المتحدة إيجاد شركاء بديلين.
يقدم التقرير الجديد لـ هيومن رايتس ووتش والبرنامج السوري للتطوير القانوني إرشادات عملية حول كيفية إجراء تقييمات المخاطر هذه.
قال البرنامج السوري للتطوير القانوني: “حجم ونطاق الانتهاكات الحقوقية جعل سوريا من بين أصعب بيئات العمل في مجال المساعدات الإنسانية. لكن يمكن للأمم المتحدة أن تفعل المزيد لدمج مبادئ حقوق الإنسان”.